الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَعَ أَنهم متعبدون بأحكامها إِذْ الْأَحْكَام فِي الْإِنْجِيل قَليلَة جدا وَلم يتْركُوا لآرائهم حَتَّى يتحكموا بأهوائهم ثمَّ إِنَّهُم يتحكمون بآرائهم فَإِن اتّفق لَهُم شَيْء يتمسكون بِهِ كَانَ ذَلِك مؤكدا لأغراضهم وَإِن لم يتَّفق لَهُم ذَلِك استغنوا عَنهُ وحكموا بأغراضهم وَيبين هَذَا أَنهم استثقلوا العجول والجزر والخرفان لارْتِفَاع أثمانها وَأَنه لَا يُوجد فِيهَا مَا يُوجد فِي الْخمر من اللَّذَّة والطرب الداعين إِلَى شربهَا
وَلذَلِك عدلوا للخمر مَعَ خفَّة مؤنتها وَقلة ثمنهَا فَإِنَّهُم أَشد النَّاس بخلا فَإِن قيل لَهُم بِأَيّ شَيْء عدلتم عَن قرْبَان التَّوْرَاة قَالُوا لِأَن ملكي صَادِق أول من قرب الْخمر وَالْخبْز وَلِأَن الْمَسِيح قَالَ من أكل لحمي وَشرب دمي كَانَ فِي وَأَنا فِيهِ وَلِأَن الحواريين فرضوا هَذَا القربان
هَذَا غَايَة مَا يحتجون بِهِ وَلَا بُد من تتبع ذَلِك وَبَيَان تحكمهم وباطلهم فَنَقُول
أما قَوْلكُم بِفعل ملكي صَادِق فَبَاطِل من أوجه
أَحدهَا
أَنه لم يكن نَبيا فَإِن ادعيتم أَنه نَبِي فَلَا بُد من الدَّلِيل على ذَلِك فَعَلَيْكُم إثْبَاته وَلَو سلم ذَلِك لتبقى عَلَيْكُم أَن تثبتوا أَن شَرعه شرع لكم وَلَو سلم أَن شَرعه شرع لكم لَكَانَ يَنْبَغِي أَن تعلمُوا أَن التَّوْرَاة قد نسخت ذَلِك الشَّرْع إِذْ قد اسْتَقر أَن مُوسَى عمل بِخِلَافِهِ وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاء بعده وَلَو كَانَ ذَلِك الحكم بَاقِيا صَحِيحا لما كَانَ يَنْبَغِي لمُوسَى أَن يعدل عَنهُ وَلما جَاءَكُم بِغَيْرِهِ فترككم التَّوْرَاة الَّتِي أَنْتُم مخاطبون بأحكامها وشرعها إِلَى مالم تخاطبوا بِهِ وَلَا شرع لكم إستهانة بشرع التَّوْرَاة وأحكامها بل إستخفاف بِالَّذِي أنزلهَا وَبِالَّذِي أنزلت عَلَيْهِ فقد بَطل إستدلالكم بِفعل ملكي صَادِق من أوجه
وَأما استدلالكم بقول عِيسَى فهذيان لَا يلْتَفت إِلَيْهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ من عمل بعملي أَو تعلم من علمي أحببته وأحبني وَمَا ذكره مثل محسوس قصد بِهِ التَّنْبِيه على معنى مَعْقُول وَدَلِيل ذَلِك من قَوْله قَوْله أَنا الْخبز النَّازِل من السَّمَاء انما اراد أَنه بِمَنْزِلَة الْخَبَر الَّذِي يغتذي بِهِ لِأَنَّهُ قد جَاءَ بغذاء الْأَرْوَاح
وبخبزها وَهَذَا اسْتِعَارَة حَسَنَة مستعملة وَكَثِيرًا مَا يُقَال فِي الْكَلَام الْعلم والمعاني الشَّرِيفَة خبز الْأَرْوَاح كَمَا أَن الطَّعَام الْمَعْرُوف خبز الأشباح
ولكلامه عليه السلام عَامل آخر وتأويلات جَارِيَة غير مَا ذكرْتُمْ يجوزها الْعقل وَلَا يبعدها إستعمال اللَّفْظ لَا يخرج شَيْء مِنْهَا إِلَى الهذيان الَّذِي صرتم إِلَيْهِ الَّذِي أفْضى بكم لجهلكم إِلَى ترك حكم وَترك الْعَمَل بِمُقْتَضَاهُ وَلَوْلَا التَّطْوِيل لذكرنا مِنْهَا وُجُوهًا وَبِهَذَا اللَّفْظ وَمَا يُشبههُ ضللتم حَيْثُ قُلْتُمْ بالإتحاد وَلم تفهموا مِنْهُ المُرَاد فكابرتم العقلو وحرفتم الْمَنْقُول وحملتم من الشناعة والقباحة مَالا يرضى بِهِ عليم وَلَا جهول وَقد ذكرنَا إبِْطَال ذَلِك فِيمَا تقدم
وَأما استدلالهم بِفعل الحواريين فَذَلِك من فن الْكَذِب عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَلَو سلمنَا أَنه صَحِيح وَصدق لما كَانَ فِي فعلهم حجَّة بل إِن كتاب الله تَعَالَى يُخَالف فعلهم بل الْحجَّة كتاب الله وَلَا يرْتَفع شَيْء من ذَلِك إِلَّا إِذا بَين عِيسَى عليه السلام أَنه مَنْسُوخ ويبلغكم ذَلِك عَنهُ بِنَصّ قَاطع على شُرُوط النّسخ على مَا هُوَ مَعْرُوف عِنْد أَهله بل قد أوردوا فِي إنجيلهم أَن عِيسَى قَالَ للمبروص الَّذِي شفَاه أمض واعرض نَفسك على القسيسين واهد قربانك الَّذِي أَمر بِهِ مُوسَى فِي عَهده
وَهَذَا نَص على أَن القربان عِنْد عِيسَى إِنَّمَا هُوَ الَّذِي حكم بِهِ مُوسَى وَهُوَ العجول والجزر والخرفان لَا كَمَا شرعتم أَنْتُم من الهذيان
فقد حصل من هَذَا أَنكُمْ خالفتم عِيسَى وقلتم عَلَيْهِ الْبُهْتَان وَأما استدلالهم بِفعل القسيسين فَأُولَئِك المغيرون للدّين والمحرفون لكتاب رب الْعَالمين
كدينك من أم الْحُوَيْرِث قبلهَا وجارتها أم الربَاب بماسل فقد ظهر من هَذَا أَنهم تركُوا قرْبَان التَّوْرَاة لغير شَيْء وَأَنَّهُمْ على غير شَيْء فَعَلَيْهِم لعنة كل ميت وَحي