الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهَذَا دَلِيل من أَدِلَّة نبوته لَا يخفى على متأمل وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق بل نقُول أَنه لَيْسَ فِي الْقُوَّة البشرية والجبلة الإنسانيه الْوُصُول من الْعُلُوم والمعقولات إِلَى مثل مَا وصل هُوَ إِلَيْهِ إِذْ قد علم أمورا لَا يسْتَقلّ الْعقل بدركها وَأخْبر بهَا وَعند هَذَا يعلم أَن ذَلِك بِتَوْفِيق إلهي وَنور رباني وَلأَجل هَذَا قَالَ الله لَهُ {وعلمك مَا لم تكن تعلم وَكَانَ فضل الله عَلَيْك عَظِيما}
وَأما صبره وحلمه
فيكفيك من ذَلِك أَنه كسرت رباعيته يَوْم أحد وشج فِي وَجه فشق ذَلِك على أَصْحَابه فَقَالُوا لَهُ لَو دَعَوْت الله عَلَيْهِم فَقَالَ إِنِّي لم أبْعث لعانا وَإِنَّمَا بعثت رَحْمَة ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اهد قومِي فَإِنَّهُم لَا يعلمُونَ
فَأنْظر مَا فِي هَذَا القَوْل من جماع الْفضل ودرجات الْإِحْسَان وَحسن الْخلق وكرم النَّفس وَغَايَة الصَّبْر والحلم إِذْ لم يقصر على السُّكُوت عَنْهُم حَتَّى عفى ثمَّ أشْفق عَلَيْهِم ورحمهم ودعا وشفع لَهُم ثمَّ أظهر سَبَب الشَّفَقَة وَالرَّحْمَة بقوله لقومي ثمَّ اعتذر عَنْهُم لجهلهم فَقَالَ فَإِنَّهُم لَا يعلمُونَ وَكَذَلِكَ جَاءَ أَعْرَابِي جلف جَاف وَكَانَ على النَّبِي صلى الله عليه وسلم برد غليظ الْحَاشِيَة فَجَذَبَهُ الْأَعرَابِي بردائيه جبذا شَدِيدا حَتَّى أثر حَاشِيَة الْبرد فِي صفحة عُنُقه ثمَّ قَالَ يَا مُحَمَّد احملني على بعير من مَال الله الَّذِي بِيَدِك فَإنَّك لَا تحملنِي من مَالك وَلَا من مَال أَبِيك فَسكت النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقَالَ المَال مَال الله وَأَنا عَبده ثمَّ قَالَ لَهُ لم فعلت بِي مَا فعلت قَالَ كَأَنَّك لَا تكافئ بِالسَّيِّئَةِ السَّيئَة فَضَحِك رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ أَمر أَن يحمل لَهُ على بعير شعير وعَلى آخر تمر
وَكَذَلِكَ قَالَ لَهُ آخر اعْدِلْ يَا مُحَمَّد فَإِن هَذِه قسْمَة مَا أُرِيد بهَا وَجه الله فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَيلك إِن لم أعدل أَنا فَمن يعدل أيأمنني الله على خزائنه وَلَا تأمنوني وَكَذَلِكَ سحره
لبيد بن الأعصم الْيَهُودِيّ فَأعلمهُ الله بسحره وَحَيْثُ هُوَ فاستخرجه الله فبرئ فَقيل لَهُ أَلا تقتله فَقَالَ أما أَنا فقد شفاني الله وأكره أَن أثير على النَّاس شرا
وَكَذَلِكَ قدمت إِلَيْهِ يَهُودِيَّة ذِرَاع شَاة مَسْمُومَة فَأكل مِنْهُ النَّبِي عليه السلام فعافاه الله فِي ذَلِك الْوَقْت من ضَرَر ذَلِك السم فَاسْتَحْضر الْمَرْأَة وَقَالَ لَهَا مَا الَّذِي حملك على ذَلِك قَالَت أردْت إِن كنت كَاذِبًا أرحت مِنْك وَإِن كنت صَادِقا لَا يَضرك فعفى عَنْهَا
وَقد قَالَ بعض أَصْحَابه مَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم متصرا من مظْلمَة ظلمها قطّ مَا لم تكن حُرْمَة من محارم الله تَعَالَى وَمَا ضرب بِيَدِهِ شَيْئا قطّ إِلَّا أَن يُجَاهد فِي سَبِيل الله وَمَا ضرب خَادِمًا وَلَا أمْرَأَة
وجئ إِلَيْهِ بِرَجُل فَقيل هَذَا أَرَادَ أَن يقتلك فَقَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم لن ترع لن ترع وَلَو أردْت ذَلِك لم تسلط عَليّ
وجاءه زيد بن سعية يتقاضاه دينا لَهُ عَلَيْهِ فجبذ ثَوْبه عَن مَنْكِبَيْه وَأخذ بِمَجَامِع ثِيَابه وَأَغْلظ لَهُ فانتهره عمر وشدد لَهُ فِي القَوْل وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يتبسم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنا وَهُوَ كُنَّا إِلَى غير هَذَا مِنْك أحْوج تَأْمُرنِي بِحسن الْقَضَاء وتأمره بِحسن التقاضي ثمَّ قَالَ لقد بقى من أَجله ثَلَاثَة وَأمر عمر يَقْتَضِيهِ مَا لَهُ ويزيده عشْرين صَاعا فَكَانَ سَبَب إِسْلَامه
وَالْأَحَادِيث فِي هَذَا الْبَاب أَكثر من أَن يَأْتِي على حصرها هَذَا الْكتاب
وعَلى الْجُمْلَة فقد تَوَاتر صبره على أَذَى قُرَيْش وسبه وإخراجه من بَلَده ونيل الْأَذَى حَتَّى بلغُوا مِنْهُ مبلغا لَا يصبر عَلَيْهِ إِلَّا من هُوَ مثله فَلَمَّا أظفره الله بهم قَالَ لَهُم مَا تَقولُونَ أَنِّي فَاعل بكم قَالُوا خيرا أَخ كريم وأبن كريم فَقَالَ أَقُول كَمَا قَالَ أخي