المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في بيان أن الإنجيل ليس بمتواتر وبيان بعض ما وقع فيه من الخلل - الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌صدر الْكتاب

- ‌فصل

- ‌فِي بَيَان مذاهبهم فِي الأقانيم وَإِبْطَال قَوْلهم فِيهَا

- ‌أقانيم الْقُدْرَة وَالْعلم والحياة

- ‌دَلِيل التَّثْلِيث

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌فِي حِكَايَة كَلَام السَّائِل وَ‌‌الْجَوَاب عَنهُ

- ‌الْجَوَاب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌فِي حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌وَالْجَوَاب عَن قَوْله

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌فِي حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَن مَا ذكر

- ‌الْفَصْل الرَّابِع

- ‌فِي حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الْخَامِس

- ‌قَالُوا

- ‌الْجَواب عَن مَا ذكره الْمصدر كَلَامه

- ‌فِي بَيَان مذاهبهم فِي الإتحاد والحلول وَإِبْطَال قَوْلهم فِيهَا

- ‌معنى الإتحاد

- ‌تجسد الْوَاسِطَة

- ‌مَذْهَب أغشتين إِذْ هُوَ زعيم القسيسين

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌فِي حِكَايَة كَلَام هَذَا السَّائِل

- ‌الْجَواب عَن كَلَامه

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌من حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌من حِكَايَة كَلَام السَّائِل

- ‌الْجَواب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الرَّابِع

- ‌من حِكَايَة كَلَامه

- ‌الْجَواب عَمَّا ذكره

- ‌الْفَصْل الْخَامِس

- ‌الْجَواب عَن كَلَامهم

- ‌ف {هاتوا برهانكم إِن كُنْتُم صَادِقين}

- ‌مِنْهَا

- ‌وَنور بعد ذَلِك إلزامات لَهُم

- ‌إِلْزَام آخر

- ‌إِلْزَام آخر يظْهر تناقضهم

- ‌ثمَّ نقُول تَحْقِيقا لالزام الْجَمِيع

- ‌إِلْزَام آخر وَطَلَبه

- ‌مِنْهَا

- ‌‌‌وَمِنْهَا

- ‌وَمِنْهَا

- ‌إِلْزَام آخر

- ‌‌‌إِلْزَام آخر

- ‌إِلْزَام آخر

- ‌إِلْزَام آخر

- ‌الْفَصْل السَّادِس

- ‌نُكْتَة أُخْرَى

- ‌كمل الْبَاب الثَّانِي وبكماله كمل الْجُزْء الأول الحمدلله حق حَمده وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَسلم يتلوه الثَّانِي

- ‌الْإِعْلَام

- ‌فِي النبوات وَذكر كَلَامهم

- ‌الْقسم الأول

- ‌احتجاج أَصْحَاب الْملَل

- ‌الْجَواب عَن كَلَامه يَا هَذَا أسهبت وأطنبت وبحبة خَرْدَل مَا أتيت كثر كلامك فَكثر غلطك وَقلت فَائِدَته فَظهر قصورك وسقطك وَمن كثر كَلَامه كثر سقطه وَمن كثر سقطه كَانَت النَّار أولى بِهِ أعميت لجهلك بلحنه وَلم تتفطن لتثبيجه ولحنه فَلَقَد استسمنت ذَا ورم ونفخت فِي غير ضرم

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌فِي حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌فَافْهَم الْجَواب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌من حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَمَّا ذكر

- ‌فصل

- ‌فَأول دَلِيل

- ‌فصل فِي بَيَان أَن الْإِنْجِيل لَيْسَ بمتواتر وَبَيَان بعض مَا وَقع فِيهِ من الْخلَل

- ‌الْفَصْل السَّابِع

- ‌من حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَمَّا ذكر

- ‌‌‌وَأما قَوْلك

- ‌وَأما قَوْلك

- ‌وَأما قَوْلك

- ‌وَأما قَوْلك

- ‌وَأما قَوْلك

- ‌الْقسم الثَّانِي

- ‌الْمُقدمَة الأولى

- ‌فَأَما المعجزة

- ‌وَأما وَجه دلالتها

- ‌الْمُقدمَة الثَّانِيَة

- ‌وَمِمَّا يدل على أَنهم من كِتَابهمْ وشرعهم على غير علم

- ‌ من ذَلِك

- ‌الْإِعْلَام بِمَا فِي دين النَّصَارَى من الْفساد والأوهام وَإِظْهَار محَاسِن دين الْإِسْلَام وَإِثْبَات نبوة نَبينَا مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام

- ‌الْجُزْء الثَّالِث

- ‌أَنْوَاع الْقسم الثَّانِي

- ‌نقُول

- ‌النَّوْع الأول

- ‌فَمن ذَلِك

- ‌وَمن ذَلِك

- ‌وَمن ذَلِك

- ‌وَفِي التَّوْرَاة

- ‌وَمن ذَلِك مَا جَاءَ فِي الزبُور

- ‌أخبرونا

- ‌‌‌وَفِي الزبُور أَيْضا

- ‌وَفِي الزبُور أَيْضا

- ‌وَفِيه أَيْضا

- ‌وَقد تقدم قَول دَاوُود

- ‌وَفِي الزبُور

- ‌وَفِيه أَيْضا عَن يوحنا

- ‌‌‌وَفِيه أَيْضا

- ‌وَفِيه أَيْضا

- ‌وَفِيه أَيْضا

- ‌فَالْجَوَاب

- ‌وَفِي الْإِنْجِيل أَيْضا

- ‌وَفِي صحف أشعياء النَّبِي

- ‌وَفِي صحف حزقيال النَّبِي

- ‌وَقَالَ أشعياء

- ‌وَفِي صحف حبقوق النَّبِي الَّتِي بِأَيْدِيكُمْ

- ‌‌‌وَفِي صحف أشعياء النَّبِيقَالَ

- ‌وَفِي صحف أشعياء النَّبِي

- ‌وَفِي صحفه أَيْضا

- ‌وَفِي الصُّحُف المنسوبة للإثنى عشر نَبيا

- ‌وَفِي صحف حزقيال النَّبِي

- ‌وَقَالَ دانيال النَّبِي

- ‌وَفِي نفس النَّص

- ‌ثمَّ قَالَ

- ‌وَفِي صحف أشعياء

- ‌وَقَول أشعياء

- ‌وَقَالَ أَيْضا عَن الله

- ‌وَقَالَ على أثر ذَلِك

- ‌وَقَالَ أشعياء أَيْضا عَن الله

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌وَمن أوضح ذَلِك وأبينه

- ‌وَيَنْبَغِي الْآن أَن يعرف الجاحد وَالْجَاهِل بعض مَا خص بِهِ من صِفَات الْكَمَال والفضائل

- ‌اعْلَم أَنا

- ‌فَمن ذَلِك

- ‌قَالَ ناعته

- ‌يَقُول ناعته

- ‌وَأما فصاحة لِسَانه

- ‌وَأما نسبه

- ‌وَأما عزة قومه

- ‌أما سفساف الْأَخْلَاق ودنيها

- ‌وَأما قُوَّة عقله وَعلمه

- ‌أما الْأُمُور المصلحية

- ‌فأصول الشَّرِيعَة وَإِن تعدّدت صورها فَهِيَ رَاجِعَة إِلَى هَذِه الْخَمْسَة

- ‌وَأما الدِّمَاء

- ‌وَأما الْأَمْوَال

- ‌وَأما الْعُقُول

- ‌وَأما حفظ الْأَنْسَاب وصيانة إختلاط الْمِيَاه فِي الْأَرْحَام

- ‌وَأما الْمُحَافظَة على الْأَدْيَان وصيانتها

- ‌وَأما صبره وحلمه

- ‌وَأما تواضعه

- ‌وَأما عدله وَصدقه صلى الله عليه وسلم وأمانته وَصدق لهجته

- ‌وَأما زهده

- ‌وَأما كَثْرَة جوده وَكَرمه

- ‌وَأما وفاؤه بالعهد

- ‌يَا هَذَا تَأمل بعقلك

- ‌وَأما حسن سمته وتؤدته وَكثير حيائه ومروءته

- ‌وَمِمَّا يدلك على عَظِيم شجاعته

- ‌وَأما خَوفه من الله تَعَالَى وإجتهاده فِي عِبَادَته

- ‌خَاتِمَة جَامِعَة فِي صِفَاته وشواهد صدقه وعلاماته

- ‌النَّوْع الثَّالِث

- ‌وَالْجَوَاب من وَجْهَيْن

- ‌الْوَجْه الثَّانِي من الْجَواب

- ‌فَإِن قيل

- ‌الْجَواب

- ‌معَارض

- ‌فَإِن قيل

- ‌فَالْجَوَاب

- ‌الْوَجْه الأول

- ‌أَن لِسَان الْعَرَب مباين للسان غَيرهم

- ‌الْوَجْه الثَّانِي

- ‌الْوَجْه الثَّالِث

- ‌الْوَجْه الرَّابِع

- ‌النَّوْع الرَّابِع

- ‌الْفَصْل الأول فِي إنشقاق الْقَمَر

- ‌الْفَصْل الثَّانِي فِي حبس الشَّمْس آيَة لَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الثَّالِث نبع المَاء وتكثيره معْجزَة لَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الرَّابِع تَكْثِير الطَّعَام معْجزَة لَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الْخَامِس فِي كَلَام الشّجر وَكثير من الجمادات وشهادتها لَهُ بِالنُّبُوَّةِ

- ‌النَّوْع الأول

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌الْفَصْل السَّادِس فِي كَلَام ضروب من الْحَيَوَان وتسخيرهم آيَة لَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌النَّوْع الأول

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌الْفَصْل السَّابِع فِي إحْيَاء الْمَوْتَى وَكَلَام الصّبيان والمراضع وشهادتهم لَهُ بِالنُّبُوَّةِ

- ‌الْفَصْل الثَّامِن فِي إِبْرَاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم المرضى وَذَوي العاهات

- ‌الْفَصْل التَّاسِع فِي إِجَابَة دُعَائِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الْعَاشِر فِي ذكر جمل من بركاته ومعجزاته صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الْحَادِي عشر فِي مَا أخبر بِهِ مِمَّا أطلعه الله من الْغَيْب صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الثَّانِي عشر فِي عصمَة الله لَهُ مِمَّن أَرَادَ كَيده

- ‌فَإِن قَالَ قَائِل من النَّصَارَى والمخالفين لنا

- ‌قُلْنَا فِي الْجَواب عَن ذَلِك

- ‌الْفَصْل الثَّالِث عشر فِي مَا ظهر على أَصْحَابه وَالتَّابِعِينَ لَهُم من الكرامات الخارقة للعادات

- ‌أَحدهمَا أَن نبين أَن مَا ظهر على أَصْحَابه وعَلى أهل دينه من الكرامات هُوَ آيَة لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أعظم الْآيَات وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى إِذا أكْرم وَاحِدًا مِنْهُم بِأَن خرق لَهُ عَادَة فَإِن ذَلِك يدل على أَنه على الْحق وَأَن دينه حق إِذْ لَو كَانَ مُبْطلًا فِي دينه مُتبعا لمبطل فِي

- ‌وَالْغَرَض الثَّانِي

- ‌من ذَلِك مَا علمنَا من أَحْوَالهم على الْقطع

- ‌وَأما التابعون

- ‌وَبعد هَذَا

- ‌انْتهى الْجُزْء الثَّالِث من كتاب الْإِعْلَام بِمَا فِي دين النَّصَارَى من الْفساد والأوهام وَإِظْهَار محَاسِن دين الْإِسْلَام وَإِثْبَات نبوة نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم ويليه الْجُزْء الرَّابِع بِإِذن الله وأوله الْبَاب الرَّابِع فِي بَيَان أَن النَّصَارَى متحكمون فِي أديانهم وَأَنَّهُمْ لَا مُسْتَند لَهُم فِي

- ‌الْإِعْلَام بِمَا فِي دين النَّصَارَى من الْفساد والأوهام وَإِظْهَار محَاسِن دين الْإِسْلَام وَإِثْبَات نبوة نَبينَا مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام

- ‌تَقْدِيم وَتَحْقِيق وَتَعْلِيق الدكتور أَحْمد حجازي السقا

- ‌فِي بَيَان أَن النَّصَارَى متحكمون فِي أديانهم

- ‌الصَّدْر وَفِيه فصلان

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌قَالَ ذَلِك الْجَاهِل بعد ذكر الْمُحرمَات

- ‌الْفَنّ الأول

- ‌مَسْأَلَة فِي المعمودية

- ‌مَسْأَلَة فِي غفران الأساقفة والقسيسين ذنُوب المذنبين وإختراعهم الْكَفَّارَة للعاصين

- ‌مِثَال الْقسم الأول العابثون بالصبيان

- ‌وَمِثَال الثَّانِي نِكَاح الْقرَابَات

- ‌وَأما الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَة

- ‌مِثَال مَا يغرمون فِيهِ الْأَمْوَال

- ‌وَقد حكمُوا على قَاتل عَبده

- ‌وَأما قَاتل الْخَطَأ

- ‌وعَلى الْجُمْلَة

- ‌مُطَالبَة وَهِي أَنا نقُول لَهُم

- ‌مَسْأَلَة فِي الصلوبية وَقَوْلهمْ فِيهَا

- ‌قَالُوا

- ‌ مِنْهَا

- ‌‌‌وَمِنْهَا

- ‌وَمِنْهَا

- ‌وَمِنْهَا

- ‌مَسْأَلَة فِي تَركهم الْخِتَان

- ‌فأولها

- ‌وَثَانِيها

- ‌وَثَالِثهَا

- ‌وَرَابِعهَا

- ‌وَهل يصلح الْعَطَّار مَا أفسد الدَّهْر

- ‌مَسْأَلَة فِي أعيادهم المصانة

- ‌مَسْأَلَة فِي قُرْبَانهمْ

- ‌أَحدهَا

- ‌مَسْأَلَة فِي تقديسهم دُورهمْ وَبُيُوتهمْ بالملح

- ‌مَسْأَلَة فِي تصليبهم على وُجُوههم فِي صلَاتهم

- ‌مَسْأَلَة فِي قَوْلهم فِي النَّعيم وَالْعَذَاب الأخراوين

- ‌الْفَنّ الثَّانِي

- ‌تمهيد

- ‌أَحدهمَا

- ‌وَالْغَرَض الثَّانِي

- ‌وَفِي هَذَا الْفَنّ فصلان

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌مُلْحق

- ‌المبحث الثَّالِث

- ‌أَولا النبوءات

- ‌يَوْم الرب

- ‌ثَانِيًا تَغْيِير التَّوْرَاة

- ‌عالمية الْملَّة النَّصْرَانِيَّة

الفصل: ‌فصل في بيان أن الإنجيل ليس بمتواتر وبيان بعض ما وقع فيه من الخلل

‌فصل فِي بَيَان أَن الْإِنْجِيل لَيْسَ بمتواتر وَبَيَان بعض مَا وَقع فِيهِ من الْخلَل

فَنَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق

إِن هَذَا الْكتاب الَّذِي بيد النَّصَارَى الْيَوْم الَّذِي يسمونه بالإنجيل لَيْسَ هُوَ الْإِنْجِيل الَّذِي قَالَ الله فِيهِ على لِسَان رَسُوله صلى الله عليه وسلم {وَأنزل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل من قبل هدى للنَّاس}

وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا فِي الْإِنْجِيل دون التَّوْرَاة لِأَن التَّوْرَاة قد ثَبت عندنَا وَعِنْدهم أَن الله تَعَالَى كتبهَا فِي الألواح لمُوسَى عليه السلام وتدعى الْيَهُود أَن مُوسَى عليه السلام نسخ لَهُم التَّوْرَاة من تِلْكَ الألواح فَحصل من هَذَا أَن التوارة بلغت بجملتها عَن مُوسَى عليه السلام ثمَّ أَنه حدث فِيهَا من التَّغْيِير بعده مَا قدمنَا ذكره

وَأما هَذَا الْكتاب الَّذِي يدعى النَّصَارَى أَنه الْإِنْجِيل فقد توَافق هَؤُلَاءِ النَّصَارَى على أَنه إِنَّمَا تلقى عَن إثنين من الحواريين وهما متاؤوش ويوحنا وَعَن اثْنَيْنِ من تلاميذ الحواريين وهما ماركش ولوقا وَأَن عِيسَى عليه السلام لم يشافههم بِكِتَاب مَكْتُوب عَن الله كَمَا فعل مُوسَى وَلَكِن لما رفع الله عِيسَى عليه السلام إِلَيْهِ تفرق الحواريون فِي الْبِلَاد والأقاليم كَمَا أَمرهم عِيسَى فَكَانَ مِنْهُم من كتب بعض سيرة عِيسَى وَبَعض معجزاته وَبَعض أَحْوَاله حسب مَا تذكر وَمَا يسر الله عَلَيْهِ فِيهِ فَرُبمَا توارد الْأَرْبَعَة على شَيْء وَاحِد فَحَدثُوا بِهِ وَرُبمَا انْفَرد بَعضهم بِزِيَادَة معنى وَكَذَلِكَ كثيرا مَا يُوجد بَينهم من اخْتِلَاف مساق وتناقض بَين قَوْلَيْنِ وَزِيَادَة ونقصان وسترى بعض ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى فعلى هَذَا لايسمى الْإِنْجِيل كتاب الله الْمنزل حَقِيقَة فَإِن حَقِيقَة الْكتاب الْمنزل بِحكم الْعرف إِنَّمَا هُوَ عبارَة عَن جملَة من كَلَام الله المبلغة على لِسَان رَسُول من رسله يحكيها ذَلِك الرَّسُول عَن الله تَعَالَى

ص: 203

وَلَيْسَ شَيْء من هَذَا مَوْجُودا فِي الْإِنْجِيل فِي فَإِن سَمَّاهُ مسم كتابا منزلا وَلم يرد هَذَا الْمَعْنى فَلَا بُد من أَن نَسْأَلهُ عَن الْمَعْنى الَّذِي يُريدهُ بذلك الْإِطْلَاق فَلَا شكّ أَنه يَقُول إِنَّمَا سميته كتابا منزلا لِأَن عِيسَى جَاءَ من عِنْد الله وبلغنا شرع الله وَفِي ذَلِك الْكتاب وصف سيرته وحكايات وأخبار عَن الله فَكيف لَا يُقَال عَلَيْهِ هُوَ كتاب الله ومنزل من الله فَنَقُول لَهُ نُسَمِّيه هَذَا كتاب الله بالمجاز أَو بِالْحَقِيقَةِ فَإِن قَالَ بِالْحَقِيقَةِ فَكَلَامه بَاطِل فَإِن حَقِيقَة كتاب الله الْمنزل هُوَ مَا قدمْنَاهُ وَإِن قَالَ بالمجاز قنعنا بِهَذَا ثمَّ ألزمناه عَلَيْهِ أَن يكون كل كتاب يحْكى عَن نَبِي من أَنْبيَاء الله فَإِن أَلفه أَي مؤلف كَانَ كتاب الله وَلَا فرق

وَإِذا انتهينا إِلَى هَذَا فقد حصل غرضنا وَهُوَ أَن هَذَا الْإِنْجِيل الَّذِي بِأَيْدِيهِم لَيْسَ منزلا وَلَا يُقَال عَلَيْهِ كتاب الله الْمنزل كَمَا يُقَال على التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن وَذَلِكَ مَا كُنَّا نبغي

فقد حصل من هَذَا الْكَلَام أَنه لَيْسَ منزلا من الله حَقِيقَة وَأَن نَقله لَيْسَ متواترا فَإِنَّهُ رَاجع إِلَى الْأَرْبَعَة الَّذين ذَكَرْنَاهُمْ وَالْعَادَة تجوز عَلَيْهِم الْغَلَط والسهو وَالْكذب فَإِن قَالُوا هم معصومون فِيمَا نقلوه عَن عِيسَى عليه السلام قُلْنَا مَا دَلِيل عصمتهم فَإِن قَالُوا دَلِيل عصمتهم أَنهم كَانُوا أَنْبيَاء وَدَلِيل نبوتهم مَا ظهر على أَيْديهم من خوارق الْعَادَات وَشَهَادَة عِيسَى عليه السلام لَهُم حَيْثُ قَالَ لَهُم كل مَا سألتموه إِذا حسن إيمَانكُمْ ستجابون وَقَالَ لَهُم ستوقفون على الْمُلُوك ويسألونكم فَلَا تَفَكَّرُوا فِيمَا تَقولُونَ فَإِنَّكُم ستهدون ذَلِك الْوَقْت لما تقولونه ولستم تنطقون أَنْتُم لَكِن روح الْقُدس ينْطق على أَلْسِنَتكُم وَقد جَاءَ عَن عِيسَى عليه السلام أَنه دَعَا الإثني عشر حواريا وَأَعْطَاهُمْ من الْقُدْرَة وَالسُّلْطَان مَا يَتَّقُونَ بِهِ جَمِيع الْجِنّ ويبرءون بِهِ الأسقام وَكَذَلِكَ قَالَ لبطرس مَا عقدته أَنْت فِي الأَرْض فمعقود فِي السَّمَاء وَمَا حللته فِي الأَرْض

ص: 204

فمحلول فِي السَّمَاء وَأما خوارق الْعَادَات فقد كَانُوا يحيون الْمَوْتَى ويبرءون المرضى كَمَا كَانَ يَفْعَله عِيسَى عليه السلام وَذَلِكَ مَعْرُوف من حَالهم

قُلْنَا مَا ذكرتموه عَن عِيسَى عليه السلام من الشَّهَادَة فَلَا يَصح لكم الإستدلال بِشَيْء مِمَّا ذكرتموه لوجوه

أَحدهَا أَنكُمْ أسندتم ذَلِك إِلَى الْإِنْجِيل واستدللتم على صدقهم بِمَا جَاءَ عَنْهُم فِيهِ وَمَا جَاءَ عَنْهُم فِيهِ لَا يثبت حَتَّى تثبت عصمتهم فَلَا يثبت بِمَا ذكرتموه لَا الْإِنْجِيل وَلَا عصمتهم

الْوَجْه الثَّانِي أَنا لَو سلمنَا ذَلِك لكم لما كَانَ فِيمَا ذكرتموه حجَّة لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْء مِنْهَا ينص على أَنهم معصومون فِيمَا أخبروا بِهِ على الْإِطْلَاق وَغَايَة مَا ذكرتموه أَن يدل على أَنهم يعانون ويؤيدون مِمَّا يبلغون عَن عِيسَى فِي بعض الْأَوْقَات أَو فِي بعض الْأَخْبَار وَالْأَحْوَال

وَالْوَجْه الثَّالِث أَن مَا ذَكرُوهُ معَارض بِمَا نقلوه أَيْضا وَذَلِكَ أَنهم نقلوا فِي الْإِنْجِيل أَنه قَالَ للحواريين يَا نسل التشكيك وَالْكفْر إِلَى مَتى أكون مَعكُمْ وَإِلَى مَتى أحتملكم وَأما مَا قَالَ لبطرس فَهُوَ أَيْضا معَارض بِمَا حكيتم عَنهُ أَنه قَالَ لَهُ تَأَخّر يَا شَيْطَان فَإنَّك جَاهِل بمرضات الله

وَأما مَا ادعوهُ من معجزاتهم فَلم ينْقل مِنْهَا شَيْء على التَّوَاتُر وَإِنَّمَا هِيَ أَخْبَار آحَاد غير صَحِيحَة وَلَو سلمنَا أَنَّهَا صحت لما دلّت على صدقهم فِي كل الْأَحْوَال وعَلى أَنهم أَنْبيَاء فَإِن الْقَوْم لم يدعوا النُّبُوَّة لأَنْفُسِهِمْ وَإِنَّمَا ادعوا التَّبْلِيغ عَن عِيسَى عليه السلام فَظهر من هَذَا الْبَحْث أَن الْإِنْجِيل الْمُدعى لم ينْقل تواترا وَلم يقم دَلِيل على عصمَة ناقليه فَإِذن يجوز الْغَلَط والسهو على ناقليه فَلَا يحصل الْعلم بِشَيْء مِنْهُ بل وَلَا غَلَبَة الظَّن فَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ وَلَا يعول فِي الإحتجاج عَلَيْهِم

ص: 205

وَهَذَا كَاف فِي رده وَبَيَان قبُول تحريفه وَعدم الثِّقَة بمضمنه وَلَكنَّا مَعَ ذَلِك نعمد مِنْهُ إِلَى مَوَاضِع يتَبَيَّن فِيهَا تهافت نقلته وَوُقُوع الْغَلَط فِي نَقله بحول الله تَعَالَى

فَأول ذَلِك أَنهم ذكرُوا فِي أول ورقة من إنجيل يوحنا حَيْثُ ذكر الْمَسِيح فَقَالَ ولد الْمَسِيح الَّذِي هُوَ بادئ الْأَشْيَاء وعلتها الأولى عِلّة جَمِيع الْأَشْيَاء وكل زمَان وَرَأس كل نظام وأولية جَمِيع الْمَرَاتِب ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك فِي معرض مدحه المكلوم فِي لَحْمه الْمُعَلق فِي الْخَشَبَة

كَيفَ يجترئ عَاقل أَن يتحدث بِمثل هَذَا الْعَار أَو كَيفَ تصح نِسْبَة هَذَا التَّنَاقُض الْبَين إِلَى أحد من الأخيار

وَذكروا فِيهِ أَيْضا أَن عِيسَى عليه السلام قَالَ أَنا الْبَاب فَمن دخل عَليّ يسلم ويجد مرعى أيدا ثمَّ عرض بِمن قبله من الْأَنْبِيَاء فجعلهم لصوصا وسراقا فَقَالَ آمين آمين أَقُول لكم إِنِّي بَاب الضَّأْن والقادمون عَلَيْكُم كَانُوا لصوصا وسراقا وَلَا يقبل اللص إِلَّا ليَسْرِق شَيْئا وَيقتل وَأَنا قدمت لتحيوا وتزدادوا خيرا

وَفِي الْإِنْجِيل أَيْضا أَنه قَالَ إِن كنت أشهد لنَفْسي فشهادتي غير مَقْبُولَة وَلَكِن غَيْرِي يشْهد ثمَّ فِي مَوضِع آخر من الْإِنْجِيل أَنه قَالَ إِن كنت أشهد لنَفْسي فشهادتي حق لِأَنِّي أعلم من حَيْثُ جِئْت وَإِلَى أَيْن أذهب

فَكيف تكون شَهَادَته حَقًا وباطلا ومقبولة وَغير مَقْبُولَة وَكَيف يجمع بَين هذَيْن فِي كتاب ينْسب إِلَى الله

وَفِي الْإِنْجِيل ايضا أَنه حِين استشعر بوثوب يهوذا عَلَيْهِ قَالَ قد جزعت نَفسِي الْآن فَمَاذَا أَقُول يَا أبتاه فسلمني فِي هَذَا الْوَقْت وَأَنه حِين رفع فِي الْخَشَبَة صَاح صياحا عَظِيما وَقَالَ

ص: 206

آلى آلى لم عد بتاى وترجمته إلهي إلهي لم أسلمتني

ثمَّ فِي أول ورقة مِنْهُ إِنَّمَا أسلم نَفسه لتظهر قدرته بسلطانه على الْمَوْت وظفرته على جَمِيع الآلام والمهن الَّتِي تستقبحها أَوْهَام الْآدَمِيّين

فَكيف يَصِيح ويجزع مِمَّا تظهر بِهِ قدرته وقهرته وَهل سمع قطّ أسخف من هَذَا القَوْل أَو أظهر تناقضا مِنْهُ

ثمَّ فِي مَوضِع آخر مِنْهُ أَنه قَالَ قبل ذَلِك من أحب أَن يقفوا أثري فليذهب نَفسه فحرض على إِتْلَاف النُّفُوس فَكيف يجزع مِمَّا يحرض عَلَيْهِ قبل أم كَيفَ يكون إِلَهًا أم كَيفَ يكون ابْن الله ثمَّ يَدعُوهُ أَن يخلصه فِي ذَلِك الْوَقْت فَلم يستجب لَهُ

وَمن أظهر دَلِيل على وُقُوع الْغَلَط فِيهِ أَن فِي إنجيل متاؤوش الْحوَاري حِين ذكر نسب عِيسَى عليه السلام حَيْثُ نزل خطيب مَرْيَم أَبَا لعيسى فَقَالَ ابْن يُوسُف بن يَعْقُوب بن مثان بن أليعازر بن أليود ابْن أخيم وعد إِلَى إِبْرَاهِيم الْخَلِيل تِسْعَة وَثَلَاثِينَ أَبَا ثمَّ فِي إنجيل لوقا يَقُول يُوسُف بن هالى بن متثات بن لاوى بن ملكي بن ينا وعد إِلَى إِبْرَاهِيم نيفا وَخمسين أَبَا

فياليت شعرى كَيفَ يجوز مثل هَذَا على الله أَو كَيفَ ينْقل هَذَا فِي كتاب مَعْلُوم عَن الله وَقد أَرَادَ بعض أساقفتهم أَن يرقع هَذَا الْخرق المتسع بِأَن قَالَ أحد النسبين طبيعي نسب التوليد وَالْآخر نسب شَرْعِي نسب الْوَلَاء وَالْكَفَالَة والتناقض بَاقٍ عَلَيْهِ بعد اختراع هَذَا الهذيان

ص: 207

ثمَّ انْظُر هَذِه الشناعة الَّتِي ارتكبوها حَيْثُ نسبوا عِيسَى عليه السلام إِلَى رجل زَعَمُوا أَنه خطب أمه مَرْيَم وَأي نِسْبَة تثبت بَينهمَا بِأَن أَرَادَ أَن يتَزَوَّج إِنْسَان أمه ثمَّ إِنَّهُم يبلغون نسب يُوسُف إِلَى آدم ثمَّ يَقُولُونَ إِلَى الله

فَهَلا عَلَيْهِم يستغنون عَن ذكر نسب من لَا ينتسب فِي عِيسَى وَيَقُولُونَ فِي عِيسَى مَا يَقُولُونَ آدم لَوْلَا الْجَهْل والتحكم وَفِي الانجيل عَنهُ أَنه كَانَ يَوْمًا قد نَهَاهُم عَن التِّجَارَة فِي بَيت الْمُقَدّس وَأَن الْيَهُود قَالَت لَهُ حِينَئِذٍ أَي عَلامَة تظهر لنا قَالَ تهدمون هَذَا الْبَيْت وأبنيه لكم فِي ثَلَاثَة أَيَّام فَقَالَت الْيَهُود بَيت بنى فِي سِتَّة وَأَرْبَعين سنة تبنيه أَنْت فِي ثَلَاثَة أَيَّام

ثمَّ فِي مَوضِع آخر مِنْهُ أَنه لما ظَفرت بِهِ الْيَهُود بظنكم وَحمل إِلَى بلاط قَيْصر واستوعيت عَلَيْهِ بَيِّنَة أَن شَاهِدي زور جَاءَا إِلَيْهِ وَقَالا سمعنَا هَذَا يَقُول أَنا قَادر على بُنيان الْبَيْت فِي ثَلَاثَة

وَهَذِه شَهَادَة مُوَافقَة لما قَالَ عِيسَى للْيَهُود فَهَذَا الشَّاهِد قَالَ عَلَيْهِ الْحق لما يَقْتَضِيهِ كَلَامه وَمن شهد بِمَا سمع كَيفَ يُقَال عَلَيْهِ شَاهد الزُّور أَو كَيفَ يُسَمِّيه الله شَاهد زور وَمن أعجب الْأَشْيَاء أَن الْيَهُود لَا تعرف شَيْئا من هَذَا وَلَا سَمِعت أَن أسلافها جرى بَينهم وَبَين عِيسَى هَذَا الْمجْلس وَلَا سوى ذَلِك مِمَّا تصفون من خرافات كتبكم

وَفِي الْإِنْجِيل أَيْضا للوقا أَن عِيسَى قَالَ لِرجلَيْنِ من تلاميذه اذْهَبَا إِلَى الْحصن الَّذِي يقابلكما فَإِذا دخلتماه فستجدان فلوا مربوطا لم يركبه أحد فحلاه واقبلا بِهِ إِلَى وَفِي الْإِنْجِيل لمتاؤوش يصف هَذَا الْخَبَر بِعَيْنِه وَيذكر أَنَّهَا كَانَت حمارة فحسبك بِهَذَا خللا وتناقضا

ص: 208

وَفِي الْإِنْجِيل أَيْضا للوقا يخبر عَن الْمَرْأَة الَّتِي صبَّتْ الطّيب على رجْلي الْمَسِيح وشق ذَلِك على التلاميذ وَقَالُوا لَهَا هلا تَصَدَّقت بِهِ وَفِي الْإِنْجِيل لمتاؤوش أَنَّهَا إِنَّمَا صبَّتْ الطّيب على رَأس الْمَسِيح فَمَا أبعد الْيَقِين عَن خبر فِيهِ مثل هَذَا الإختلاف الْمُبين

وَفِي الْإِنْجِيل أَيْضا أَن أم ابْني زبدى جَاءَت إِلَى عِيسَى وَمَعَهَا إبناها فَقَالَ مَا تريدين فَقَالَ أُرِيد أَن تجْلِس ولداي أَحدهمَا عَن يَمِينك وَالْآخر عَن شمالك إِذا جَلَست فِي ملكك فَقَالَ تجهلين السُّؤَال أيصبران على الكأس الَّتِي أشْرب بهَا فَقَالَا نصبر فَقَالَ ستشربان بكأسي وَلَيْسَ إِلَى تجليسكما عَن يَمِيني وَلَا عَن شمَالي إِلَّا لمن وهب ذَلِك

فقد أخبر هُنَا أَنه لَا يقدر على تجليسهما عَن يَمِينه وَلَا عَن شِمَاله

وَفِي أول ورقة مِنْهُ أَنه بادئ الْأَشْيَاء وعلتها وَعلة كل زمَان فَكيف يَصح أَن يكون بادئ الْأَشْيَاء كلهَا وعلتها وَلَا يقدر أَن يجلسهما عَن يَمِينه وَلَا عَن يسَاره ثمَّ يتبرأ عَن ذَلِك بقوله إِلَّا لمن وهب ذَلِك لي وَلَا مزِيد فِي التَّنَاقُض الْفساد على هَذَا

وَفِي الْإِنْجِيل أَيْضا أَنه قَالَ لَا تحسبوا أَنِّي قدمت لأصلح بَين أهل الأَرْض لم آتٍ لصلاحهم لَكِن لألقى الْمُحَاربَة بَينهم إِنَّمَا قدمت لأفرق بَين الْمَرْء وإبنه وَالْمَرْأَة وإبنتها حَتَّى يصيروا أَعدَاء الْمَرْء أهل بَيته

وَفِيه أَيْضا عَنهُ إِنَّمَا قدمت لتحيوا وتزدادوا خيرا وَأصْلح بَين النَّاس وَأَنه قَالَ من لطم خدك الْيُمْنَى فانصب الْيُسْرَى وَلَا مزِيد فِي التَّنَاقُض وَالْفساد على هَذَا

ص: 209

وَفِي الْإِنْجِيل أَيْضا أَنه قَالَ لم آتٍ لأنقض شَرِيعَة من قبلي إِنَّمَا جِئْت لأتمم وكلاما من مَعْنَاهُ ثمَّ فِيهِ بعد أحرف قَليلَة كَلَام آخر ينْقض فِيهِ شَرِيعَة من قبله وَذَلِكَ أَنه قَالَ إِنَّمَا علمْتُم أَنه قيل للقدماء لَا تقتلُوا وَمن قتل فقد اسْتوْجبَ النفى من الْجَمَاعَة ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك أما علمْتُم أَنه قيل للقدماء من فَارق إمرأته فليكتب لَهَا كتاب طَلَاق وَأَنا أَقُول لكم من فَارق إمرأته مِنْكُم فقد جعل لَهَا سَبِيلا إِلَى الزِّنَى وَمن زوج مُطلقَة فَهُوَ فَاسق ثمَّ قَالَ أما بَلغَكُمْ أَنه قيل للقدماء الْعين بِالْعينِ وَالسّن بِالسِّنِّ وَأَنا أَقُول لكم لَا تكافئوا أحدا بسيئة وَلَكِن من لطم خدك الْيُمْنَى فانصب لَهُ الْيُسْرَى وَمن أَرَادَ مغالبتك وإنتزاعك قَمِيصك فزده أَيْضا رداءك

كَيفَ يَصح أَن يَقُول لم آتٍ لأنقض شَرِيعَة من قبلي ثمَّ ينقضها حكما حكما ثمَّ قَوْله جِئْت متمما لَا يَصح أَيْضا فَإِن شَرِيعَة مُوسَى كَانَت تَامَّة كَامِلَة والتام لَا يتمم والكامل لَا يكمل فَهَذَا تنَاقض وَفَسَاد

وَعِيسَى عليه السلام منزه مبرأ عَن كل تنَاقض وَفَسَاد وَلَيْسَ هَذَا وَلَا شَيْء مِنْهُ من قبله بل هُوَ منزه عَن ذَلِك كُله

وَفِي الْإِنْجِيل أَيْضا لمتاؤوش أَن الْمَسِيح قَالَ لبطرس طُوبَى لَك يَا شَمْعُون بن الْحَمَامَة وَأَنا أَقُول أَنَّك الْحجر وعَلى هَذَا الْحجر أبتنى بَيْتِي فَكل مَا حللته على الأَرْض يكون محلولا فِي السَّمَاء وَمَا عقدته على الأَرْض يكون معقودا فِي السَّمَاء ثمَّ بعد أحرف يسيرَة قَالَ بِعَيْنِه اذْهَبْ يَا شَيْطَان وَلَا تعَارض فَإنَّك جَاهِل بكوني

فَكيف يكون شَيْطَان جَاهِل يطيعه صَاحب السَّمَاء وَهَذَا غَايَة التَّنَاقُض

وَفِي الْإِنْجِيل أَيْضا لمتاؤوش أَن عِيسَى قَالَ لم تَلد النِّسَاء

ص: 210

مثل يحيى ثمَّ فِي إنجيل يوحنا أَن يحيى بعثت إِلَيْهِ الْيَهُود من يكْشف لَهُم أمره فَسَأَلُوهُ من هُوَ أهوَ الْمَسِيح قَالَ لَا قَالُوا أتراك الياس قَالَ لَا قَالُوا أَنْت نَبِي قَالَ لَا قَالُوا أخبرنَا من أَنْت قَالَ أَنا صَوت مُنَاد فِي المفاز

فنفى عَن نَفسه كَونه نَبيا وَلَا يجوز لنَبِيّ أَن يُنكر نبوته فَإِنَّهُ يكون كَاذِبًا وَالنَّبِيّ الصَّادِق لَا يكذب

فيلزمهم أحد أَمريْن إِمَّا أَن يكون يحيى لَيْسَ بِنَبِي وَهُوَ بَاطِل أَو يكن إنجيلهم محرفا وَهُوَ حق

وَلَو تتبع مَا فِيهِ من هَذَا الْقَبِيل لاحتاج ذَلِك إِلَى التكثير والتطويل وبموضع وَاحِد من هَذِه الْمَوَاضِع يحصل أَن كِتَابهمْ قَابل للتحريف والتغيير فَكيف بالتزيد والتكثير

فقد حصل من هَذَا الْبَحْث الصَّحِيح

أَن التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل لَا تحصل الثِّقَة بهما فَلَا يَصح الإستدلال بهما لِكَوْنِهِمَا غير متواترين وقابلين للتغيير

وَقد دللنا على بعض مَا وَقع فيهمَا من ذَلِك وَإِذا جَازَ مثل ذَلِك فِي هذَيْن الْكِتَابَيْنِ مَعَ كَونهمَا أشهر مَا عِنْدهم وَأعظم عمدهم ومستند ديانتهم فَمَا ظَنك بِغَيْر ذَيْنك من سَائِر كتبهمْ الَّتِي يستدلون بهَا مِمَّا لَيْسَ مَشْهُورا مثلهمَا وَلَا مَنْسُوبا إِلَى الله نسبتهما

ص: 211

فعلى هَذَا هما أولى بِعَدَمِ التَّوَاتُر وبقبول التحريف فيهمَا فَإِذا ادعوا تَوَاتر شَيْء من ذَلِك فَلْينْظر هَل كملت فِيهِ شُرُوط التَّوَاتُر أم لَا فَإِن كملت قبلنَا وآمنا وَإِن لم تكمل توقفنا وطالبناهم بِالطَّرِيقِ الْموصل إِلَى الْعلم

فَإِذا ثبتَتْ هَذِه الْمُقدمَة قُلْنَا بعْدهَا للمستدل على إِثْبَات نبوة عِيسَى بالأدلة الْمُتَقَدّمَة لَا تظن أننا نرد نبوة عِيسَى أَو أَنا نشك فِيهَا حاشى لله بل نَحن أَحَق وَأولى بِعِيسَى ابْن مَرْيَم مِنْكُم فَإِنَّكُم قُلْتُمْ فِيهِ مَا لَا يَنْبَغِي لَهُ ونسبتموه إِلَى مَا يتبرأ هُوَ مِنْهُ بل أَنْتُم لعمرى وَالله أبعد مِنْهُ وَأبْغض إِلَيْهِ مِمَّن أنكر نبوته وَكفر بِهِ فَإِن من أنكر نبوته وَكفر بِهِ لم يُشْرك بِاللَّه كَمَا فَعلْتُمْ أَنْتُم حَيْثُ جعلتموه إِلَهًا آخر وَلم يعرض بِعِيسَى عليه السلام للموقف المخجل الَّذِي يسْأَله الله فِيهِ عَن غلوكم فِيهِ وعبادتكم لَهُ حَيْثُ يَقُول الله لَهُ

{يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم أَأَنْت قلت للنَّاس اتخذوني وَأمي إِلَهَيْنِ من دون الله} فَيَقُول خجلا فَزعًا متبرأ من قَبِيح مَا نسبتموه إِلَيْهِ {سُبْحَانَكَ مَا يكون لي أَن أَقُول مَا لَيْسَ لي بِحَق إِن كنت قلته فقد عَلمته}

وَأما نَحن فَإِنَّمَا نقُول فِيهِ مَا قَالَه الله على لِسَان رَسُوله الْمُصْطَفى {مَا الْمَسِيح ابْن مَرْيَم إِلَّا رَسُول قد خلت من قبله الرُّسُل وَأمه صديقَة كَانَا يأكلان الطَّعَام} وَمَا قَالَه الله أَيْضا فِيهِ على لِسَان أشعياء حَيْثُ بشر بِهِ وَأخْبر بقدومه هَذَا غلامي الْمُصْطَفى وحبيبي الَّذِي ارتضت بِهِ نَفسِي

وَمَا قَالَه هُوَ عَن نَفسه حِين تكلم فِي مهده {قَالَ إِنِّي عبد الله آتَانِي الْكتاب وَجَعَلَنِي نَبيا}

فَنحْن نعرفه حق مَعْرفَته ونؤمن بنبوته وشريعته ونحيل عَلَيْهِ الإلهية إِذْ لَيست من صفته {مَا كَانَ لبشر أَن يؤتيه الله الْكتاب وَالْحكم والنبوة ثمَّ يَقُول للنَّاس كونُوا عبادا لي من دون الله وَلَكِن كونُوا ربانيين بِمَا كُنْتُم تعلمُونَ الْكتاب وَبِمَا كُنْتُم}

ص: 212

ثمَّ إِنَّا نَعْرِف مَا ذَكرْنَاهُ من وَصفه بأدلة كَثِيرَة قَاطِعَة وبراهين صَادِقَة تخضع لَهَا رِقَاب الجاحدين وتستضئ بنورها بصائر المبصرين

وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَمَا استدللت بِهِ أَنْت على نبوة عِيسَى من كَلَام النَّبِيين إِن صَحَّ فَهُوَ زِيَادَة فِي أَنْوَاع الْأَدِلَّة لَا فِي نفس الْيَقِين فَلذَلِك لَا نباحثك فِيهَا وَلَا نبالي بك أتجهلها أم تدريها على أَنا لَو ناقشناك فِي تِلْكَ الْأَدِلَّة لأظهرنا لَك فِيهَا الْفساد وَالْعلَّة وَلَكِن مَا لَا يُخَالف غرضنا لَا يَقْتَضِيهِ فِيمَا بالنا نطول أنفاسنا فِيهِ

ص: 213