الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَقَد روى أَن هِرقل ملك النَّصَارَى لما سَأَلَ كفار قُرَيْش عَن صِفَات النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ فَهَل يغدر قَالُوا لَهُ لَا فَقَالَ لَهُم كَذَلِك الرُّسُل لَا تغدر وَكَيف يغدر صلى الله عليه وسلم وَهُوَ قَالَ ينصب لكل غادر لِوَاء يَوْم الْقِيَامَة يعرف بِهِ يُقَال هَذِه غدرة فلَان وَلَقَد جَاءَهُ الْمُغيرَة بن شُعْبَة مُسلما وَجَاء مَعَه بِمَال قوم من الْجَاهِلِيَّة كَانَ قد صحبهم ثمَّ قَتلهمْ وَأخذ أَمْوَالهم فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أما الْإِسْلَام فَأقبل وَأما المَال فلست مِنْهُ فِي شَيْء وَقَالَ صلى الله عليه وسلم وَقد عرض لَهُ بعض أَصْحَابه بغدر الْمُشْركين دَعْنِي لَهُم ونستعين الله عَلَيْهِم
وَفِي خبر الجلندي ملك عمان لما بلغه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَدعُوهُ إِلَى الْإِسْلَام فَقَالَ الجلندي وَالله لقد دلَّنِي على أَن هَذَا نَبِي أَنه لَا يَأْمر بِخَير إِلَّا كَانَ أول آخذ بِهِ وَلَا ينْهَى عَن شَرّ إِلَّا كَانَ أول تَارِك لَهُ وَأَنه يغلب فَلَا يبطر ويغلب فَلَا يضجر ويفي بالعهود وينجز الْمَوْعُود أشهد أَنه نَبِي
يَا هَذَا تَأمل بعقلك
أَيْن هَذَا مِمَّا يحْكى الْيَهُود وَالنَّصَارَى عَن مُوسَى عليه السلام فِي كتبهمْ من أَن مُوسَى عليه السلام لما أَرَادَ الْخُرُوج من مصر اسْتعَار حلى بني إِسْرَائِيل ثمَّ فر بِهِ لَيْلًا
وَعند الإنتهاء إِلَى هَذَا الْمقَام يعلم الْعَاقِل مَا فِي كتب الْقَوْم من الأباطل والأوهام ومُوسَى عليه السلام مبرأ عَن النقائص والآثام وَمن وفائه بالعهد وقيامه فِي حفظه بِالْحَدِّ أَنه قدم عَلَيْهِ وَفد النَّجَاشِيّ فَقَامَ صلى الله عليه وسلم يخدمهم بِنَفسِهِ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابه نَحن نكفيك فَقَالَ إِنَّهُم كَانُوا لِأَصْحَابِنَا مكرمين وَإِنِّي أحب أَن أكافئهم وَقَالَ صلى الله عليه وسلم حسن الْعَهْد من الْإِيمَان
وَحَقِيقَة الْوَفَاء بالعهد تتميم مَا ربط من العقد ومراعاة مَا تقدم من الود ومكافأة من لَهُ يَد وَقد كَانَت هَذِه الْخِصَال اجْتمعت فِيهِ لَا يُنَازع فِي ذَلِك أحد وَإِن كَانَ يناوئه
وَأما حسن سمته وتؤدته وَكثير حيائه ومروءته
فشيء لَا يجْحَد وَلَا يجهل وَلَا يلْحقهُ فِي شَيْء من ذَلِك أحد وَإِن بدل غَايَة جده وَلم يكسل فَهُوَ بِالْحَقِيقَةِ كَمَا قَالَ الشَّاعِر الأول
. سعى بعدهمْ قوم لكَي يدركونهم
فَلم يَفْعَلُوا وَلم يليموا وَلم يألوا
…
كَانَ صلى الله عليه وسلم كثير الصمت وَالْوَقار طَوِيل الإطراق والإعتبار تكسو هَيْبَة وقاره جسائه حَتَّى إِذا جَلَسُوا بَين يَدَيْهِ كَأَن على رؤوسهم الطير إعظاما لَهُ وهيبة مِنْهُ
مَجْلِسه أوفر الْمجَالِس لَا يسمع فِيهِ ضحت الْأَصْوَات وَلَا اخْتِلَاط اللُّغَات لَيْسَ فِيهِ مراء وَلَا جِدَال وَلَا للهجر وَالْفُحْش فِيهِ مجَال لَا توبن فِي مَجْلِسه الْحرم وَلَا يغض فِيهِ من الأقدار والقيم بل كَانَ مجْلِس علم
وَأَصْحَابه يعظمون فِي مجلسهم مَعَه حرمات الله ويتعلمون مِنْهُ أَحْكَام الله فَتَارَة يعلمهُمْ بِأُمُور الْآخِرَة كَأَنَّهُمْ ينظرُونَ إِلَيْهَا وَأُخْرَى يعلمهُمْ أَحْكَام شَرِيعَته كي يعملوا بهَا
قَالَ ابْن أبي هَالة كَانَ سُكُوته على أَربع على الحكم والحذر وَالتَّقوى والتفكر يعلم الْجَاهِل المسترشد ويدنيه ويطرد المعاند المتكبر ويقصيه يتواضع للْفُقَرَاء ويتواضع لَدَيْهِ الْأُمَرَاء
كَانَ صلى الله عليه وسلم أَشد حَيَاء من الْعَذْرَاء فِي خدرها الرفيعة الشَّرِيفَة فِي قَومهَا كَانَ إِذا سمع مَا يستحيى مِنْهُ ظهر نور الخفر على وَجهه وَلذَلِك مر صلى الله عليه وسلم على رجل وَهُوَ يعتب أَخَاهُ على الْحيَاء فَقَالَ صلى الله عليه وسلم دَعه فَإِن الْحيَاء من الْإِيمَان وَقَالَ الْحيَاء خير كُله وَلَا يَأْتِي إِلَّا بِخَير وَقَالَ اسْتَحْيوا من الله حق الْحيَاء وَكَانَ صلى الله عليه وسلم ضحكه تبسما وَلم ير قطّ فِي ضحكه مقهقها وَلَا مترنما
كَانَ كَلَامه فصلا يفهمهُ كل من سَمعه وَرُبمَا تكلم بِالْكَلِمَةِ ثَلَاثًا حَتَّى تفهم عَنهُ وَكَانَ يحدث حَدِيثا لَو عده الْعَاد لأحصاه وَكَانَ إِذا مر بِقوم يسلم عَلَيْهِم ثَلَاثًا وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يحافظ على مروءته وعَلى إستقامة حَالَته وتحسين هَيئته يمشي هونا كَأَنَّمَا ينحط من صبب إِذا مَشى مَشى مجتمعا وَإِذا جلس جلس مُحْتَبِيًا وَقرب إِلَيْهِ طَعَام ومتكأ فَقَالَ لَا أتكئ إِنَّمَا آكل كَمَا يَأْكُل العَبْد وأجلس كَمَا يجلس العَبْد
كَانَ صلى الله عليه وسلم يحب الطّيب والرائحة الْحَسَنَة ويستعملها ويحض عَلَيْهِمَا وَيَقُول إِن الله تَعَالَى جميل يحب الْجمال وَيَأْمُر بِالسِّوَاكِ وَغسل البراجم والدواجب وإستعمال خِصَال الْفطْرَة وَيَأْخُذ بذلك وَيعْمل بِهِ
وَكَانَ صلى الله عليه وسلم لِكَثْرَة محافظته على جلال مروءته إِذا عطس غطا وَجهه وخفض بهَا صَوته
وَمَا عَسى أَن يَقُول الْقَاص فِيمَن جمعت فِيهِ كل الْفَضَائِل والمآثر بل غَايَة الفصيح الْأَثر أَن يَنْتَهِي إِلَى مَا قَالَه الشَّاعِر
…
مَاذَا أَقُول وَقَوْلِي فِيك ذُو حصر
وَقد كفيتني التَّفْصِيل والجملا
إِن قلت مَا زلت مَرْفُوعا فَأَنت كَذَا
أَو قلت زانك دى فَهُوَ قد فعلا
…
وَأما شجاعته ونجدته
فَكَانَ مِنْهَا صلى الله عليه وسلم بِالْمَكَانِ الَّذِي لَا يجهل وحظه مِنْهَا الْحَظ الأوفى الْأَفْضَل قد كَانَ مارس الضراب ووقف مَوَاقِف الصعاب لَا يُبَالِي بِكَثْرَة الْعدَد وَلم يفر قطّ أَمَام أحد وَمَا من شُجَاع إِلَّا وَقد أحصيت لَهُ فرة وَإِن كَانَ لَهُ بعْدهَا كرة إِلَّا هُوَ صلى الله عليه وسلم فَلم يدبر قطّ مُنْهَزِمًا وَلَا فَارق مكْرها مُلْتَزما
وَكَانَ عَليّ بن أبي طَالب يَقُول كُنَّا إِذا اشْتَدَّ الْبَأْس وحميت الْحَرْب اتقينا برَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَمَا يكون أحد أقرب إِلَى الْعَدو مِنْهُ وَلَقَد رَأَيْتنَا يَوْم بدر نلوذ برَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ أقربنا إِلَى الْعَدو وَلَقَد كَانَت الصَّحَابَة تَقول إِن الشجاع منا للَّذي يقوم بجانبه يسْتَتر بِهِ
وَقيل ل أنس أَفَرَرْتُم يَوْم حنين عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَكِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر
ثمَّ قَالَ رَأَيْته على بغلته الْبَيْضَاء وَأَبُو سُفْيَان آخِذا بِلِجَامِهَا وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُول أَنا النَّبِي لَا كذب أَنا ابْن عبد الْمطلب
قيل فَمَا رؤى يَوْمئِذٍ أحد كَانَ أجرأ مِنْهُ وَلَا أَشد وَقد روى عَنهُ أَنه نزل عَن بغلته مُتَوَجها نَحْو الْعَدو وَقَالَ الْعَبَّاس