المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌النَّوْع الثَّانِي الإستدلال على نبوته بقرائن أَحْوَاله صلى الله عليه وسلم فَأول - الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌صدر الْكتاب

- ‌فصل

- ‌فِي بَيَان مذاهبهم فِي الأقانيم وَإِبْطَال قَوْلهم فِيهَا

- ‌أقانيم الْقُدْرَة وَالْعلم والحياة

- ‌دَلِيل التَّثْلِيث

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌فِي حِكَايَة كَلَام السَّائِل وَ‌‌الْجَوَاب عَنهُ

- ‌الْجَوَاب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌فِي حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌وَالْجَوَاب عَن قَوْله

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌فِي حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَن مَا ذكر

- ‌الْفَصْل الرَّابِع

- ‌فِي حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الْخَامِس

- ‌قَالُوا

- ‌الْجَواب عَن مَا ذكره الْمصدر كَلَامه

- ‌فِي بَيَان مذاهبهم فِي الإتحاد والحلول وَإِبْطَال قَوْلهم فِيهَا

- ‌معنى الإتحاد

- ‌تجسد الْوَاسِطَة

- ‌مَذْهَب أغشتين إِذْ هُوَ زعيم القسيسين

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌فِي حِكَايَة كَلَام هَذَا السَّائِل

- ‌الْجَواب عَن كَلَامه

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌من حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌من حِكَايَة كَلَام السَّائِل

- ‌الْجَواب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الرَّابِع

- ‌من حِكَايَة كَلَامه

- ‌الْجَواب عَمَّا ذكره

- ‌الْفَصْل الْخَامِس

- ‌الْجَواب عَن كَلَامهم

- ‌ف {هاتوا برهانكم إِن كُنْتُم صَادِقين}

- ‌مِنْهَا

- ‌وَنور بعد ذَلِك إلزامات لَهُم

- ‌إِلْزَام آخر

- ‌إِلْزَام آخر يظْهر تناقضهم

- ‌ثمَّ نقُول تَحْقِيقا لالزام الْجَمِيع

- ‌إِلْزَام آخر وَطَلَبه

- ‌مِنْهَا

- ‌‌‌وَمِنْهَا

- ‌وَمِنْهَا

- ‌إِلْزَام آخر

- ‌‌‌إِلْزَام آخر

- ‌إِلْزَام آخر

- ‌إِلْزَام آخر

- ‌الْفَصْل السَّادِس

- ‌نُكْتَة أُخْرَى

- ‌كمل الْبَاب الثَّانِي وبكماله كمل الْجُزْء الأول الحمدلله حق حَمده وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَسلم يتلوه الثَّانِي

- ‌الْإِعْلَام

- ‌فِي النبوات وَذكر كَلَامهم

- ‌الْقسم الأول

- ‌احتجاج أَصْحَاب الْملَل

- ‌الْجَواب عَن كَلَامه يَا هَذَا أسهبت وأطنبت وبحبة خَرْدَل مَا أتيت كثر كلامك فَكثر غلطك وَقلت فَائِدَته فَظهر قصورك وسقطك وَمن كثر كَلَامه كثر سقطه وَمن كثر سقطه كَانَت النَّار أولى بِهِ أعميت لجهلك بلحنه وَلم تتفطن لتثبيجه ولحنه فَلَقَد استسمنت ذَا ورم ونفخت فِي غير ضرم

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌فِي حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌فَافْهَم الْجَواب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌من حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَمَّا ذكر

- ‌فصل

- ‌فَأول دَلِيل

- ‌فصل فِي بَيَان أَن الْإِنْجِيل لَيْسَ بمتواتر وَبَيَان بعض مَا وَقع فِيهِ من الْخلَل

- ‌الْفَصْل السَّابِع

- ‌من حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَمَّا ذكر

- ‌‌‌وَأما قَوْلك

- ‌وَأما قَوْلك

- ‌وَأما قَوْلك

- ‌وَأما قَوْلك

- ‌وَأما قَوْلك

- ‌الْقسم الثَّانِي

- ‌الْمُقدمَة الأولى

- ‌فَأَما المعجزة

- ‌وَأما وَجه دلالتها

- ‌الْمُقدمَة الثَّانِيَة

- ‌وَمِمَّا يدل على أَنهم من كِتَابهمْ وشرعهم على غير علم

- ‌ من ذَلِك

- ‌الْإِعْلَام بِمَا فِي دين النَّصَارَى من الْفساد والأوهام وَإِظْهَار محَاسِن دين الْإِسْلَام وَإِثْبَات نبوة نَبينَا مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام

- ‌الْجُزْء الثَّالِث

- ‌أَنْوَاع الْقسم الثَّانِي

- ‌نقُول

- ‌النَّوْع الأول

- ‌فَمن ذَلِك

- ‌وَمن ذَلِك

- ‌وَمن ذَلِك

- ‌وَفِي التَّوْرَاة

- ‌وَمن ذَلِك مَا جَاءَ فِي الزبُور

- ‌أخبرونا

- ‌‌‌وَفِي الزبُور أَيْضا

- ‌وَفِي الزبُور أَيْضا

- ‌وَفِيه أَيْضا

- ‌وَقد تقدم قَول دَاوُود

- ‌وَفِي الزبُور

- ‌وَفِيه أَيْضا عَن يوحنا

- ‌‌‌وَفِيه أَيْضا

- ‌وَفِيه أَيْضا

- ‌وَفِيه أَيْضا

- ‌فَالْجَوَاب

- ‌وَفِي الْإِنْجِيل أَيْضا

- ‌وَفِي صحف أشعياء النَّبِي

- ‌وَفِي صحف حزقيال النَّبِي

- ‌وَقَالَ أشعياء

- ‌وَفِي صحف حبقوق النَّبِي الَّتِي بِأَيْدِيكُمْ

- ‌‌‌وَفِي صحف أشعياء النَّبِيقَالَ

- ‌وَفِي صحف أشعياء النَّبِي

- ‌وَفِي صحفه أَيْضا

- ‌وَفِي الصُّحُف المنسوبة للإثنى عشر نَبيا

- ‌وَفِي صحف حزقيال النَّبِي

- ‌وَقَالَ دانيال النَّبِي

- ‌وَفِي نفس النَّص

- ‌ثمَّ قَالَ

- ‌وَفِي صحف أشعياء

- ‌وَقَول أشعياء

- ‌وَقَالَ أَيْضا عَن الله

- ‌وَقَالَ على أثر ذَلِك

- ‌وَقَالَ أشعياء أَيْضا عَن الله

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌وَمن أوضح ذَلِك وأبينه

- ‌وَيَنْبَغِي الْآن أَن يعرف الجاحد وَالْجَاهِل بعض مَا خص بِهِ من صِفَات الْكَمَال والفضائل

- ‌اعْلَم أَنا

- ‌فَمن ذَلِك

- ‌قَالَ ناعته

- ‌يَقُول ناعته

- ‌وَأما فصاحة لِسَانه

- ‌وَأما نسبه

- ‌وَأما عزة قومه

- ‌أما سفساف الْأَخْلَاق ودنيها

- ‌وَأما قُوَّة عقله وَعلمه

- ‌أما الْأُمُور المصلحية

- ‌فأصول الشَّرِيعَة وَإِن تعدّدت صورها فَهِيَ رَاجِعَة إِلَى هَذِه الْخَمْسَة

- ‌وَأما الدِّمَاء

- ‌وَأما الْأَمْوَال

- ‌وَأما الْعُقُول

- ‌وَأما حفظ الْأَنْسَاب وصيانة إختلاط الْمِيَاه فِي الْأَرْحَام

- ‌وَأما الْمُحَافظَة على الْأَدْيَان وصيانتها

- ‌وَأما صبره وحلمه

- ‌وَأما تواضعه

- ‌وَأما عدله وَصدقه صلى الله عليه وسلم وأمانته وَصدق لهجته

- ‌وَأما زهده

- ‌وَأما كَثْرَة جوده وَكَرمه

- ‌وَأما وفاؤه بالعهد

- ‌يَا هَذَا تَأمل بعقلك

- ‌وَأما حسن سمته وتؤدته وَكثير حيائه ومروءته

- ‌وَمِمَّا يدلك على عَظِيم شجاعته

- ‌وَأما خَوفه من الله تَعَالَى وإجتهاده فِي عِبَادَته

- ‌خَاتِمَة جَامِعَة فِي صِفَاته وشواهد صدقه وعلاماته

- ‌النَّوْع الثَّالِث

- ‌وَالْجَوَاب من وَجْهَيْن

- ‌الْوَجْه الثَّانِي من الْجَواب

- ‌فَإِن قيل

- ‌الْجَواب

- ‌معَارض

- ‌فَإِن قيل

- ‌فَالْجَوَاب

- ‌الْوَجْه الأول

- ‌أَن لِسَان الْعَرَب مباين للسان غَيرهم

- ‌الْوَجْه الثَّانِي

- ‌الْوَجْه الثَّالِث

- ‌الْوَجْه الرَّابِع

- ‌النَّوْع الرَّابِع

- ‌الْفَصْل الأول فِي إنشقاق الْقَمَر

- ‌الْفَصْل الثَّانِي فِي حبس الشَّمْس آيَة لَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الثَّالِث نبع المَاء وتكثيره معْجزَة لَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الرَّابِع تَكْثِير الطَّعَام معْجزَة لَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الْخَامِس فِي كَلَام الشّجر وَكثير من الجمادات وشهادتها لَهُ بِالنُّبُوَّةِ

- ‌النَّوْع الأول

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌الْفَصْل السَّادِس فِي كَلَام ضروب من الْحَيَوَان وتسخيرهم آيَة لَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌النَّوْع الأول

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌الْفَصْل السَّابِع فِي إحْيَاء الْمَوْتَى وَكَلَام الصّبيان والمراضع وشهادتهم لَهُ بِالنُّبُوَّةِ

- ‌الْفَصْل الثَّامِن فِي إِبْرَاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم المرضى وَذَوي العاهات

- ‌الْفَصْل التَّاسِع فِي إِجَابَة دُعَائِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الْعَاشِر فِي ذكر جمل من بركاته ومعجزاته صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الْحَادِي عشر فِي مَا أخبر بِهِ مِمَّا أطلعه الله من الْغَيْب صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الثَّانِي عشر فِي عصمَة الله لَهُ مِمَّن أَرَادَ كَيده

- ‌فَإِن قَالَ قَائِل من النَّصَارَى والمخالفين لنا

- ‌قُلْنَا فِي الْجَواب عَن ذَلِك

- ‌الْفَصْل الثَّالِث عشر فِي مَا ظهر على أَصْحَابه وَالتَّابِعِينَ لَهُم من الكرامات الخارقة للعادات

- ‌أَحدهمَا أَن نبين أَن مَا ظهر على أَصْحَابه وعَلى أهل دينه من الكرامات هُوَ آيَة لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أعظم الْآيَات وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى إِذا أكْرم وَاحِدًا مِنْهُم بِأَن خرق لَهُ عَادَة فَإِن ذَلِك يدل على أَنه على الْحق وَأَن دينه حق إِذْ لَو كَانَ مُبْطلًا فِي دينه مُتبعا لمبطل فِي

- ‌وَالْغَرَض الثَّانِي

- ‌من ذَلِك مَا علمنَا من أَحْوَالهم على الْقطع

- ‌وَأما التابعون

- ‌وَبعد هَذَا

- ‌انْتهى الْجُزْء الثَّالِث من كتاب الْإِعْلَام بِمَا فِي دين النَّصَارَى من الْفساد والأوهام وَإِظْهَار محَاسِن دين الْإِسْلَام وَإِثْبَات نبوة نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم ويليه الْجُزْء الرَّابِع بِإِذن الله وأوله الْبَاب الرَّابِع فِي بَيَان أَن النَّصَارَى متحكمون فِي أديانهم وَأَنَّهُمْ لَا مُسْتَند لَهُم فِي

- ‌الْإِعْلَام بِمَا فِي دين النَّصَارَى من الْفساد والأوهام وَإِظْهَار محَاسِن دين الْإِسْلَام وَإِثْبَات نبوة نَبينَا مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام

- ‌تَقْدِيم وَتَحْقِيق وَتَعْلِيق الدكتور أَحْمد حجازي السقا

- ‌فِي بَيَان أَن النَّصَارَى متحكمون فِي أديانهم

- ‌الصَّدْر وَفِيه فصلان

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌قَالَ ذَلِك الْجَاهِل بعد ذكر الْمُحرمَات

- ‌الْفَنّ الأول

- ‌مَسْأَلَة فِي المعمودية

- ‌مَسْأَلَة فِي غفران الأساقفة والقسيسين ذنُوب المذنبين وإختراعهم الْكَفَّارَة للعاصين

- ‌مِثَال الْقسم الأول العابثون بالصبيان

- ‌وَمِثَال الثَّانِي نِكَاح الْقرَابَات

- ‌وَأما الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَة

- ‌مِثَال مَا يغرمون فِيهِ الْأَمْوَال

- ‌وَقد حكمُوا على قَاتل عَبده

- ‌وَأما قَاتل الْخَطَأ

- ‌وعَلى الْجُمْلَة

- ‌مُطَالبَة وَهِي أَنا نقُول لَهُم

- ‌مَسْأَلَة فِي الصلوبية وَقَوْلهمْ فِيهَا

- ‌قَالُوا

- ‌ مِنْهَا

- ‌‌‌وَمِنْهَا

- ‌وَمِنْهَا

- ‌وَمِنْهَا

- ‌مَسْأَلَة فِي تَركهم الْخِتَان

- ‌فأولها

- ‌وَثَانِيها

- ‌وَثَالِثهَا

- ‌وَرَابِعهَا

- ‌وَهل يصلح الْعَطَّار مَا أفسد الدَّهْر

- ‌مَسْأَلَة فِي أعيادهم المصانة

- ‌مَسْأَلَة فِي قُرْبَانهمْ

- ‌أَحدهَا

- ‌مَسْأَلَة فِي تقديسهم دُورهمْ وَبُيُوتهمْ بالملح

- ‌مَسْأَلَة فِي تصليبهم على وُجُوههم فِي صلَاتهم

- ‌مَسْأَلَة فِي قَوْلهم فِي النَّعيم وَالْعَذَاب الأخراوين

- ‌الْفَنّ الثَّانِي

- ‌تمهيد

- ‌أَحدهمَا

- ‌وَالْغَرَض الثَّانِي

- ‌وَفِي هَذَا الْفَنّ فصلان

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌مُلْحق

- ‌المبحث الثَّالِث

- ‌أَولا النبوءات

- ‌يَوْم الرب

- ‌ثَانِيًا تَغْيِير التَّوْرَاة

- ‌عالمية الْملَّة النَّصْرَانِيَّة

الفصل: ‌ ‌النَّوْع الثَّانِي الإستدلال على نبوته بقرائن أَحْوَاله صلى الله عليه وسلم فَأول

‌النَّوْع الثَّانِي

الإستدلال على نبوته بقرائن أَحْوَاله صلى الله عليه وسلم

فَأول ذَلِك مَا ظهر على أَبِيه عبد الله بن عبد الْمطلب

وَذَلِكَ أَنه لما أَرَادَ الله خلقه وَقرب وقته وحان خُرُوج نطفته من صلب أَبِيه حمل بَين عَيْني أَبِيه نور فَكَانَ يرَاهُ الرَّائِي كغرة الْفرس وَقد ثَبت فِي كتب نبوته على أَلْسِنَة النقلَة الثِّقَات الْعُدُول الْأَثْبَات الَّذين يدينون بِتَحْرِيم الْكَذِب ويعتقدون وجوب الصدْق وَلَا تأخذهم فِي الله لومة لائم أَن عبد الله بن عبد المطلب وَالِد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَت لَهُ امْرَأَتَانِ احداهما آمِنَة أم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَامْرَأَة أُخْرَى فَحمل يَوْمًا فِي طين لبِنَاء بَيته فتعلقت بِهِ آثَار من الطين فَمر بِتِلْكَ الْمَرْأَة فَدَعَاهَا لنَفسِهِ فَأَبت لما كَانَ عَلَيْهِ من الطين فَخرج من عِنْدهَا فاغتسل وَغسل مَا بِهِ من أثر الطين فدعته تِلْكَ الْمَرْأَة إِلَى نَفسهَا فَأبى عَلَيْهَا ثمَّ خرج عَامِدًا إِلَى آمِنَة فَدخل عَلَيْهَا فأصابها فَحملت بِمُحَمد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ مر بامرأته تِلْكَ فَقَالَ لَهَا هَل لَك قَالَت لَا إِنَّك مَرَرْت بِي وَبَين عَيْنَيْك غرَّة مثل غرَّة الْفرس فدعوتك رَجَاء أَن يكون لي فأبيت وَدخلت على آمِنَة فَذَهَبت بهَا

ثمَّ لما حملت بِهِ آمِنَة أمه أتيت فَقيل لَهَا إِنَّك قد حملت بِسَيِّد هَذِه الْأمة فَإِذا وَقع على الأَرْض فَقولِي أُعِيذهُ بِالْوَاحِدِ من شَرّ كل حَاسِد ثمَّ سميه مُحَمَّدًا

وَرَأَتْ حِين حملت بِهِ أَنه خرج مِنْهَا نور رَأَتْ بِهِ قُصُور بصرى من أَرض الشَّام

وَلَقَد قَالَت أم عُثْمَان الثقفية حضرت ولادَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَرَأَيْت الْبَيْت حِين وضع قد امْتَلَأَ نورا وَرَأَيْت

ص: 281

النُّجُوم تَدْنُو حَتَّى ظَنَنْت أَنَّهَا ستقع على وَولد صلى الله عليه وسلم مختونا

وَكَانَت أمه تحدث أَنَّهَا لم تَجِد حِين حملت بِهِ مَا تَجِد الْحَوَامِل من ثقل وألم وَلَا غير ذَلِك وَلما وَضعته أمه وَقع على الأَرْض مَقْبُوضَة أَصَابِع يَدَيْهِ مُشِيرا بالسبابة كالمسبح بهَا

وَذكر ابْن دُرَيْد أَنه أَلْقَت عَلَيْهِ جَفْنَة لِئَلَّا يرَاهُ أحد قبل جده فجَاء جده والجفنة قد انفلقت عَنهُ

ثمَّ لم يلبث عبد الله بن عبد الملطلب أَبوهُ أَن توفى وَأم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَامِل بِهِ فَكَفَلَهُ جده عبد المطلب وَقيل لجده لم سميت إبنك مُحَمَّدًا وَلَيْسَ هَذَا الإسم لأحد من آبَائِك وقومك فَقَالَ إِنِّي لأرجو أَن تحمده أهل الأَرْض كلهم

وَذَلِكَ أَنه كَانَ يرى فِي مَنَامه كَأَن سلسلة من فضَّة خرجت من ظَهره لَهَا طرف فِي السَّمَاء وطرف فِي الأَرْض وطرف فِي الْمشرق وطرف فِي الْمغرب ثمَّ عَادَتْ كَأَنَّهَا شَجَرَة على كل ورقة مِنْهَا نور وَإِذا أهل الْمشرق وَالْمغْرب كَأَنَّهُمْ يعتلقون بهَا فَقَصَّهَا فعبرت لَهُ بمولود يكون من صلبه يتبعهُ أهل الْمشرق وَالْمغْرب وَيَحْمَدهُ أهل السَّمَاء وَأهل الأَرْض فَلذَلِك سَمَّاهُ مُحَمَّدًا

قَالَ حسان بن ثَابت رضي الله عنه وَالله إِنِّي لغلام يفعة ابْن سبع سِنِين أَو ثَمَان سِنِين أَعقل كل مَا سمعته إِذْ سَمِعت يَهُودِيّا على أَطَم يثرب يصْرخ بِأَعْلَى صَوته يَقُول يَا معشر يهود فَلَمَّا اجْتَمعُوا لَهُ قَالُوا لَهُ وَيلك مَالك قَالَ طلع اللَّيْلَة نجم أَحْمد

ثمَّ التمس لَهُ المراضع فاسترضع لَهُ امراة من بني سعد بن بكر إسمها حليمة بنت أبي ذُؤَيْب قَالَت حليمة خرجت من بلدي مَعَ زَوجي وَابْن لي فِي نسْوَة من بني سعد نلتمس الرضعاء قَالَت وَفِي سنة شهباء لم تبْق لنا شَيْئا قَالَت فَخرجت على أتان لي قَمْرَاء مَعنا شَارف لنا وَالله مَا تفيض بقطرة وَمَا ننام ليلنا مَعَ صبينا من بكائه من الْجُوع وَمَا فِي ثديي مَا يُغْنِيه وَمَا فِي شارفنا مَا يغديه وَلَكنَّا نرجو الْغَيْث والفرج فَلَقَد حيست الركب حَتَّى

ص: 282

شقّ ذَلِك عَلَيْهِم ضعفا وعجفا حَتَّى قدمنَا مَكَّة نلتمس الرضعاء فَمَا منا امْرَأَة إِلَّا وَقد عرض عَلَيْهَا مُحَمَّد بن عبد الله فتأباه إِذا قيل لَهَا أَنه يَتِيم

وَذَلِكَ أَنا كُنَّا نرجو الْمَعْرُوف من أبي الصَّبِي فَكُنَّا نقُول يَتِيم فَمَا عَسى أَن تصنع أمه وجده فَكُنَّا نكرهه لذَلِك فَمَا بقيت امْرَأَة قدمت معي إِلَى أخذت رضيعا غَيْرِي فَلَمَّا أجمعنا الإنطلاق قلت لصاحبي إِنِّي وَالله أكره أَن أرجع من بَين صواحبي وَلم آخذ رضيعا وَالله لأذهبن إِلَى ذَلِك الْيَتِيم فلأخذنه فَقَالَ افعلي عَسى الله أَن يَجْعَل فِيهِ بركَة قَالَت فَذَهَبت إِلَيْهِ فَأَخَذته وَمَا حَملَنِي على أَخذه إِلَّا أَنِّي لم أجد غَيره

قَالَت فَلَمَّا أَخَذته رجعت بِهِ إِلَى رجْلي فَلَمَّا وَضعته فِي حجري أقبل على ثدياي بِمَا شَاءَ من لبن فَشرب حَتَّى روى وَشرب مَعَه أَخُوهُ حَتَّى روى ثمَّ نَامَا وَمَا كُنَّا ننام مَعَه قبل ذَلِك

وَقَامَ زَوجي إِلَى شارفنا تِلْكَ فَإِذا أَنَّهَا لحافل فَحلبَ مِنْهَا ماشرب وشربت حَتَّى انتهينا ريا وشبعا فبتنا بِخَير لَيْلَة قَالَت يَقُول صَاحِبي حِين أَصْبَحْنَا تعلمي وَالله يَا حليمة لقد أخذت نسمَة مباركة قلت وَالله إِنِّي لأرجو ذَلِك قَالَت ثمَّ خرجنَا فركبت أَتَانِي وَحَمَلته عَلَيْهَا معي فوَاللَّه لَقطعت بالركب مَا يقدر على شَيْء من حمرهم حَتَّى أَن صواحبي ليقلن لي يَا إبنة أبي ذؤيت وَيحك أربعي علينا أليست هَذِه أتانك الَّتِي كنت خرجت عَلَيْهَا فَأَقُول لَهُنَّ بلَى وَالله فيقلن لي وَالله أَن لَهَا لشأنا

قَالَ ثمَّ قدمنَا مَنَازلنَا من بِلَاد بني سعد وَمَا أعلم أَرضًا من أَرض الله أجدب مِنْهَا فَكَانَت غنمي تروح على حِين قدمنَا بِهِ مَعنا شباعا لَبَنًا فنحلب وَنَشْرَب وَمَا يجلب إِنْسَان قَطْرَة وَلَا يجدهَا فِي ضرع حَتَّى كَانَ الْحَاضِر من قَومنَا يَقُولُونَ لرعاتهم وَيحكم أسرحوا حَيْثُ يسرح راعي بنت أبي ذُؤَيْب فتروح أغنامهم جياعا مَا تبض بقطرة لبن وَتَروح غنمي شباعا لَبَنًا فَلم نزل نتعرف من الله الزِّيَادَة وَالْخَيْر حَتَّى مَضَت سنتاه وفصلته وَكَانَ يشب شبَابًا لَا يشبه الغلمان فَلم يبلغ سنتيه حَتَّى كَانَ غُلَاما جفرا

ص: 283

قَالَت فقدمنا بِهِ على أمه وَنحن أحرص شَيْء على مكثه فِينَا لما كُنَّا نرى من بركته فكلمنا أمه وَقلت لَهَا لَو تركت بني عِنْدِي حَتَّى يغلظ فَإِنِّي أخْشَى عَلَيْهِ وباء مَكَّة قَالَت فَلم نزل بهَا حَتَّى ردته لنا قَالَت فرجعنا بِهِ فوَاللَّه أَنه بعد مقدمنا بِشَهْر مَعَ أَخِيه لفى بهم لنا خلف بُيُوتنَا إِذْ أَتَانَا أَخُوهُ يشْتَد فَقَالَ لي ولأبيه ذَاك أخي الْقرشِي قد أَخذه رجلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَاب بيض فأضجعاه فشقا بَطْنه فهما يسوطانه يعْنى يخلطانه قَالَت فَخرجت أَنا وَأَبوهُ نَحوه فوجدناه قَائِما منتقحا وَجهه قَالَت فألتزمته وألتزمه أَبوهُ فَقُلْنَا لَهُ مَالك يَا بني قَالَ جَاءَنِي رجلَانِ عَلَيْهَا ثِيَاب بيض فأضجعاني وشقا بَطْني فَالْتَمَسَا شَيْئا لَا أَدْرِي مَا هُوَ قَالَت فرجعنا بِهِ إِلَى خبائنا

قَالَت وَقَالَ لي أَبوهُ يَا حليمة لقد خشيت أَن يكون هَذَا الْغُلَام قد أُصِيب فألحقيه بأَهْله قبل أَن يظْهر ذَلِك بِهِ قَالَت

فاحتملناه فقدمنا بِهِ على أمه فَقَالَت مَا أقدمك بِهِ يَا ظئر وَقد كنت حريصة عَلَيْهِ وعَلى مكثه عنْدك قَالَت فَقلت قد بلغ الله بِابْني وقضيت الَّذِي عَليّ وتخوفت الْأَحْدَاث عَلَيْهِ فاديته إِلَيْك كَمَا تحبين قَالَت مَا هَذَا شَأْنك فاصدقيني خبرك قَالَت فَلم تدعني حَتَّى أخْبرتهَا قَالَت أفتخوفت عَلَيْهِ الشَّيْطَان قَالَت قلت نعم قَالَت كلا وَالله مَا للشَّيْطَان عَلَيْهِ من سَبِيل وَإِن لبني لشأنا أَفلا أخْبرك خَبره قَالَت قلت بلَى قَالَت رَأَيْت حِين حملت بِهِ أَنه خرج مني نور أَضَاء لي قُصُور بصرى من أَرض الشَّام ثمَّ حملت بِهِ فوَاللَّه مَا رَأَيْت من حمل قطّ كَانَ أخف وَلَا أيسر مِنْهُ وَوَقع حِين وَلدته وَأَنه لواضع يَدَيْهِ بِالْأَرْضِ رَافع رَأسه إِلَى السَّمَاء دعيه عَنْك وانصرفي راشدة

فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَعَ أمه آمِنَة بنت وهب وجده عبد المطلب بن هَاشم فِي كلأة الله تَعَالَى وَحفظه ينبته الله نباتا حسنا لما يُرِيد بِهِ من كرامته فَلَمَّا بلغ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سِتّ سِنِين توفيت أمه آمِنَة فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

ص: 284

مَعَ جده عبد المطلب وَكَانَ يوضع لعبد الْمطلب فرَاش فِي ظلّ الْكَعْبَة فَكَانَ بنوه يَجْلِسُونَ حول فرَاشه ذَلِك حَتَّى يخرج إِلَيْهِ لَا يجلس عَلَيْهِ أحد من بنيه إجلالا لَهُ قَالَ فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَأْتِي وَهُوَ غُلَام جفر حَتَّى يجلس عَلَيْهِ فَيَأْخذهُ أَعْمَامه ليؤخروه عَنهُ فَيَقُول عبد المطلب إِذا رأى ذَلِك مِنْهُم دعوا ابْني فوَاللَّه أَن لَهُ لشأنا ثمَّ يجلسه مَعَه على الْفراش وَيمْسَح ظَهره بِيَدِهِ ويسره مَا يرَاهُ يصنع فَلَمَّا بلغ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثَمَانِي سِنِين هلك عبد المطلب جده فَكَانَ مَعَ عَمه أبي طَالب فَكَانَ يحنو عَلَيْهِ ويحفظه فَبَيْنَمَا هُوَ عِنْده يَوْمًا إِذْ قدم مَكَّة رجل عائف من أَزْد شنُوءَة وَكَانَ ذَلِك الرجل إِذا قدم مَكَّة أَتَاهُ رجال قُرَيْش بغلمانهم ينظر إِلَيْهِم ويعتاف لَهُم ويتفرس وَكَانَ ماهرا فِي ذَلِك مَعْرُوفا بِهِ مجربا عَلَيْهِ الْإِصَابَة فِي ذَلِك

فَأَتَاهُ أَبُو طَالب بِهِ وَهُوَ غُلَام قَالَ فَنظر العائف إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ شغله عَنهُ شَيْء فَلَمَّا فرغ قَالَ أَيْن الْغُلَام على بِهِ فَلَمَّا رأى أَبُو طَالب حرصه عَلَيْهِ غيبه عَنهُ فَجعل يَقُول وَيْلكُمْ ردوا على الْغُلَام الَّذِي رَأَيْت آنِفا فوَاللَّه لَيَكُونن لَهُ شَأْن

ثمَّ إِن أَبَا طَالب خرج فِي ركب تَاجِرًا إِلَى الشَّام فَلَمَّا تهَيَّأ للرحيل ضبث بِهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فرق لَهُ أَبُو طَالب وَقَالَ وَالله لأخْرجَن بِهِ معي وَلَا يفارقني وَلَا أفارقه أبدا وَكَانَ يُحِبهُ حبا شَدِيدا فَخرج بِهِ مَعَه فَلَمَّا نزل الركب بصرى من أَرض الشَّام وَبهَا رَاهِب يُقَال لَهُ بخيرا فِي صومعة لَهُ وَكَانَ إِلَيْهِ علم النَّصْرَانِيَّة وَلم ينزل فِي تِلْكَ الصومعة مُنْذُ قطّ رَاهِب يصير إِلَيْهِ علم النَّصْرَانِيَّة لأجل كتاب فِيهَا فِيمَا يَزْعمُونَ يتوارثونه كَابِرًا عَن كَابر فَلَمَّا نزلُوا ذَلِك الْعَام ببحيرا وَكَانَ كثيرا مَا يَمرونَ بِهِ قبل ذَلِك فَلَا يعرض لَهُم وَلَا يكلمهم حَتَّى كَانَ ذَلِك الْعَام فَلَمَّا نزلُوا قَرِيبا من صومعته صنع لَهُم طَعَاما كثيرا

ص: 285

وَذَلِكَ عَن شَيْء رَآهُ فِي صومعته وَذَلِكَ أَنه رأى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من صومعته وَهُوَ فِي الركب حِين أَقبلُوا وغمامة تظله من بَين الْقَوْم ثمَّ أَقبلُوا فنزلوا فِي ظلّ شَجَرَة قَرِيبا مِنْهُ فَنظر إِلَى الغمامة حِين أظلت الشَّجَرَة وتهصرت أَغْصَان الشَّجَرَة على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى استظل تحتهَا فَلَمَّا رأى ذَلِك بحيرا نزل من صومعته وَقد أَمر بذلك الطَّعَام فَصنعَ ثمَّ أرسل إِلَيْهِم فَقَالَ إِنِّي قد صنعت لكم طَعَاما فَقَالَ لَهُ رجل وَالله يَا بحيرا إِن لَك الْيَوْم لشأنا فَمَا كنت تصنع هَذَا بِنَا وَقد كُنَّا نمر بك كثيرا فَمَا شَأْنك الْيَوْم

فَقَالَ لَهُ بحيرا صدقت قد كَانَ مَا تَقول وَلَكِنَّكُمْ ضيف وَقد أَحْبَبْت أَن أكْرمكُم وأصنع لكم طَعَاما فتأكلون مِنْهُ كلكُمْ فَاجْتمعُوا إِلَيْهِ وتخلف رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من بَين الْقَوْم لحداثة سنه فِي رحال الْقَوْم تَحت الشَّجَرَة فَلَمَّا نظر بحيرا فِي الْقَوْم لم ير الصّفة الَّتِي يعرف ويجد عِنْده قَالَ يَا معشر قُرَيْش لَا يتخلفن أحد مِنْكُم عَن طَعَامي فَقَالُوا لَهُ يَا بحيرا مَا تخلف عَنْكُم أحد يَنْبَغِي لَهُ أَن يَأْتِيك إِلَّا غُلَام وَهُوَ أحدث الْقَوْم سنا فَتخلف فِي رحالهم قَالَ لَا تَفعلُوا دَعوه فليحضر هَذَا الطَّعَام مَعكُمْ

فجَاء وَقد احتضنه رجل من الْقَوْم فَلَمَّا رَآهُ بحيرا جعل يلحظه لحظا شَدِيدا وَينظر إِلَى أَشْيَاء من جسده قد كَانَ يجدهَا عِنْده من صفته حَتَّى إِذا فرغ الْقَوْم من طعامهم وَتَفَرَّقُوا قَامَ إِلَيْهِ بحيرا وَقَالَ لَهُ يَا غُلَام أَسأَلك بِحَق اللات والعزى أَلا مَا أَخْبَرتنِي عَمَّا أَسأَلك عَنهُ وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ بحيرا ذَلِك لِأَنَّهُ كَانَ يسمع قومه يحلفُونَ بهما فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا تَسْأَلنِي بِاللات والعزى فوَاللَّه مَا أبغضت شَيْئا قطّ بغضهما

فَقَالَ لَهُ بحيرا فبالله أَلا مَا أَخْبَرتنِي عَمَّا أَسأَلك عَنهُ قَالَ لَهُ سل عَمَّا بدا لَك فَجعل يسْأَله عَن أَشْيَاء من حَاله فِي نَومه وهيئته وأموره فَجعل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُخبرهُ فيوافق ذَلِك مَا عِنْد بحيرا من صفته ثمَّ نظر إِلَى ظَهره فَرَأى خَاتم النُّبُوَّة بَين كَتفيهِ على مَوْضِعه من صفته الَّتِي عِنْده وَكَانَ مثل أثر المحجم ثمَّ أقبل على

ص: 286

عَمه أبي طَالب فَقَالَ مَا هَذَا الْغُلَام مِنْك قَالَ ابْني قَالَ مَا هُوَ بإبنك وَمَا يَنْبَغِي لهَذَا الْغُلَام أَن يكون أَبوهُ حَيا

قَالَ فَإِنَّهُ ابْن أخي قَالَ مَا فعل أَبوهُ قَالَ مَاتَ وَأمه حُبْلَى بِهِ قَالَ صدقت فَارْجِع بِابْن أَخِيك إِلَى بَلَده وَاحْذَرْ عَلَيْهِ يهود فوَاللَّه لَئِن رَأَوْهُ وَعرفُوا مِنْهُ مَا عرفت ليبلغنه شرا فَإِنَّهُ كَائِن لِابْنِ أَخِيك هَذَا شَأْن عَظِيم فأسرع بِهِ إِلَى بِلَاده

فَخرج بِهِ عَمه أَبُو طَالب سَرِيعا حَتَّى أقدمه مَكَّة حِين فرغ من تِجَارَته فزعموا فِيمَا يروي النَّاس أَن زريرا وتماما ودريسا وهم نفر من أهل الْكتاب قد كَانُوا رَأَوْا من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مثل مَا رأى بحيرا فِي ذَلِك السّفر الَّذِي كَانَ فِيهِ مَعَ عَمه أبي طَالب فأرادوه فردهم عَنهُ بحيرا وَذكرهمْ الله وَمَا يَجدونَ فِي الْكتاب من ذكره وَصفته وَأَنَّهُمْ إِن أَجمعُوا لما أَرَادوا بِهِ لم يخلصوا إِلَيْهِ وَلم يزل بهم حَتَّى عرفُوا مَا قَالَ لَهُم وَصَدقُوهُ بِمَا قَالَ فتركون وَانْصَرفُوا

فشب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَالله تَعَالَى يكلؤه ويحفظه ويحوطه من أقذار الْجَاهِلِيَّة لما يُرِيد بِهِ من كرامته ورسالته حَتَّى بلغ أَن كَانَ رجلا أفضل قومه مُرُوءَة وَأَحْسَنهمْ خلقا وَأكْرمهمْ حسبا وَأَحْسَنهمْ جوارا وأعظمهم حلما وأصدقهم حَدِيثا وأعظمهم أَمَانَة وأبعدهم من الْفُحْش والأخلاق الَّتِي تدنس الرِّجَال تنزها وتكرما حَتَّى مَا اسْمه فِي قومه إِلَّا الْأمين لما جمع الله فِيهِ من الْأُمُور الصَّالِحَة

فَلَمَّا بلغ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خمْسا وَعشْرين سنة وَعرفت أَمَانَته وَصدق حَدِيثه وَظَهَرت بركته عرضت عَلَيْهِ خَدِيجَة بنت خويلد مَا لَا يخرج بِهِ مُسَافِرًا إِلَى الشَّام وتعطيه أفضل مَا كَانَت تُعْطِي غَيره من التُّجَّار مَعَ غُلَام لَهَا يُقَال لَهُ ميسرَة فَقبله رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مِنْهَا وَخرج فِي ذَلِك المَال وَخرج مَعَه ميسرَة حَتَّى قدما الشَّام فَنزل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي ظلّ شَجَرَة قَرِيبا من صومعة رَاهِب من الرهبان فَاطلع الراهب

ص: 287

إِلَى ميسرَة وَقَالَ من هَذَا الرجل الَّذِي نزل تَحت هَذِه الشَّجَرَة قَالَ لَهُ ميسرَة هَذَا رجل من قُرَيْش من أهل الْحرم فَقَالَ لَهُ الراهب مَا نزل تَحت هَذِه الشَّجَرَة قطّ إِلَّا نَبِي

ثمَّ بَاعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سلْعَته الَّتِي خرج بهَا وَاشْترى مَا أَرَادَ أَن يَشْتَرِي ثمَّ أقبل قَافِلًا إِلَى مَكَّة وَمَعَهُ ميسرَة فَكَانَ ميسرَة إِذا كَانَت الهاجرة وَاشْتَدَّ الْحر يرى ملكَيْنِ يظلانه من الشَّمْس وَهُوَ يسير على بعيره

فَلَمَّا قدم مَكَّة على خَدِيجَة بمالها باعت مَا جَاءَ بِهِ بأضعف أَو قَرِيبا

وحدثها ميسرَة عَن قَول الراهب وَعَن مَا كَانَ يرى من إظلال الْملكَيْنِ إِيَّاه وَكَانَت خَدِيجَة رضي الله عنها امْرَأَة حازمة شريفة لَبِيبَة مَعَ مَا أَرَادَ الله بهَا من كرامتها فَلَمَّا أخْبرهَا ميسرَة بِمَا أخْبرهَا بعثت إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَت لَهُ يَا ابْن عَم إِنِّي قد رغبت فِيك لقرابتك ووسطك فِي قَوْمك وأمانتك وَحسن خلقك وَصدق حَدِيثك ثمَّ عرضت عَلَيْهِ نَفسهَا

وَكَانَت خَدِيجَة يَوْمئِذٍ أَوسط نسَاء قُرَيْش نسبا وأعظمهن شرفا وأكثرهن مَالا كل قَومهَا كَانَ حَرِيصًا على ذَلِك مِنْهَا لَو يقدر عَلَيْهِ فَلَمَّا قَالَت ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم ذكر لأعمامه فَخرج مَعَه عَمه حَمْزَة بن عبد الْمطلب حَتَّى دخل على خويلد بن أَسد فَخَطَبَهَا إِلَيْهِ فَتَزَوجهَا

وَقد كَانَت خَدِيجَة بنت خويلد قد ذكرت لورقة بن نَوْفَل وَكَانَ ابْن عَمها وَكَانَ نَصْرَانِيّا قد تتبع الْكتب وَعلم من علم النَّاس مَا ذكر لَهَا غلامها ميسرَة من قَول الراهب وَمَا كَانَ يرى مِنْهُ إِذْ كَانَ الْملكَانِ يظلانه فَقَالَ ورقة لَئِن كَانَ هَذَا حَقًا يَا خَدِيجَة فَإِن مُحَمَّدًا لنَبِيّ هَذِه الْأمة وَقد عرفت أَنه كَانَ لهَذِهِ الْأمة نَبِي ينْتَظر هَذَا زَمَانه أَو كَمَا قَالَ فَجعل ورقة يستبطئ الْأَمر وَيَقُول حَتَّى مَتى فَلَمَّا تقَارب زمَان مبعثه كثرت أَحَادِيث الْكُهَّان عَن نبوته وَالْأَخْبَار بذلك فبشر بِقرب ظُهُوره جمَاعَة من الْكُهَّان

ص: 288