الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالسحر وَأما الْعَالم بالطب وبالسحر فَلَا تكون هَذِه شُبْهَة فِي حَقه لعلمه الَّذِي حصل لَهُ بالذوق والممارسه بِأَن الَّذِي جَاءَ بِهِ هَذَا مِمَّا لَيْسَ يدْرك بحيلة صناعية وَلَا بِالْوُقُوفِ على خاصية بل هُوَ صنع خَالق الْبَريَّة وَأَنه أَرَادَ بِهِ التَّصْدِيق لهَذَا الْمُدَّعِي وَالشَّهَادَة واليقينية فَحصل من هَذَا أَن الْعلم بإعجاز إحْيَاء الْمَوْتَى وقلب العصى إِنَّمَا يحصل أَولا للسحرة والأطباء وَلَا يحصل لكثير من الْجُهَّال بالطب وَالسحر الأغبياء فَكَذَلِك إعجاز الْقُرْآن وَلَا فرق
حصل الْعلم بِهِ لمن يعلم لِسَان الْعَرَب بالذوق بضرورة الْفرق الَّذِي بَينه وَبَين لِسَان الْعَرَب فَعلم أَنه لَيْسَ دَاخِلا تَحت مَقْدُور الْعَرَب وَإِذا عجز عَنهُ الْعَرَب الفصحاء واللد البلغاء فغيرهم أعجز كَمَا أَنا نقُول إِذا عجز الْأَطِبَّاء عَن إحْيَاء الْمَوْتَى وإبراء الأكمه والأبرص فَغير الْأَطِبَّاء أولى وَإِذا عجز السَّحَرَة عَن قلب العصى ثعبانا فَغير السَّحَرَة أعجز وأعجز
وَقَوْلهمْ
إِنَّمَا يعجز عَنهُ الْعَرَب لَا الْعَجم
معَارض
بِأَن يُقَال لَهُم إِنَّمَا يعجز عَن إحْيَاء الْمَوْتَى الْأَطِبَّاء لَا غَيرهم وَإِنَّمَا يعجز عَن قلب العصى السَّحَرَة لَا غَيرهم فبالذي ينفصلون بِهِ ننفصل بل نزيد عَلَيْهِم فِي الإنفصال بِوُجُوه ترفع الأشكال فَإنَّا سنبدي وُجُوهًا فِي إعجاز الْقُرْآن يُدْرِكهَا كل إِنْسَان عجميا كَانَ أَو عَرَبيا مجوسيا كَانَ أَو كتابيا وسنبينها إِن شَاءَ الله أثر هَذَا
فقد حصل من هَذَا الْكَلَام كُله الْعلم بِأَن مُحَمَّدًا صلى الله عيله وَسلم جَاءَ بِالْقُرْآنِ وتحدى بِهِ وَهُوَ معْجزَة وكل من جَاءَ بالمعجزة وتحدى بهَا فَهُوَ صَادِق فالنتيجة مَعْلُومَة وَهِي أَن مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم صَادِق
فَإِن قيل
فبينوا لنا وُجُوه إعجاز الْقُرْآن وَهل هُوَ من جنس مَا يقدر عَلَيْهِ الْبشر فصرفوا عَنهُ أَو لَيْسَ من جنس مَا يقدرُونَ عَلَيْهِ
فَالْجَوَاب
أَن نقُول ذهب بعض عُلَمَائِنَا إِلَى أَن وَجه إعجازه إِنَّمَا هُوَ من جِهَة أَن صرفُوا عَن الْإِتْيَان بِهِ وَأَنه من جنس مَقْدُور الْبشر لَكِن لم يقدروا عَلَيْهِ وَهَذَا إِن كَانَ فَهُوَ بليغ فِي الإعجاز وَذَلِكَ أَن المعجزات ضَرْبَان ضرب خَارج عَن مَقْدُور الْبشر كإنفلاق
الْبَحْر وإنشقاق الْقَمَر ونبع المَاء من بَين الْأَصَابِع وَضرب يكون من جنس مَقْدُور الْبشر إِلَّا أَنهم يمْنَعُونَ من فعله وَلَا يقدرُونَ عَلَيْهِ
فَلَو أَن نَبيا ادّعى أَنه رَسُول الله وَاسْتدلَّ على صدقه بِأَن قَالَ لِقَوْمِهِ آيتي أَلا تقدروا الْيَوْم على الْقيام فَكَانَ ذَلِك فَهَذَا دَلِيل صدقه وَهُوَ معْجزَة جلية أبلغ فِي الإعجاز من الْإِتْيَان بِمَا لَيْسَ بمقدور وَلَا يبعد أَن يكون إعجاز الْقُرْآن من هَذَا الْقَبِيل فَإِن الْبشر قد صرفُوا عَن الْإِتْيَان بِمثلِهِ بل عَن الْإِتْيَان بِآيَة طَوِيلَة من آيَاته وَمن تنَازع فِي ذَلِك فَعَلَيهِ بِأَن يأتى بقرآن مثله أَو بِسُورَة من مثله وَهَذَا من خَصَائِص نَبينَا صلى الله عيه وَسلم
وَذَلِكَ أَن معجزته مَوْجُودَة بعده وحاضرة مُشَاهدَة فِي كل وَقت لم تَنْقَطِع بإنقطاع وجوده وَلَا مَاتَت بِمَوْتِهِ بل هِيَ مَوْجُودَة مستمرة إِلَى قيام السَّاعَة فَكل من أبدى نكيرا فِي نبوته أَو قدحا فِي رسَالَته قُلْنَا لَهُ إِن كنت صَادِقا فِي تكذيبك لَهُ فعارض قرآنه ومنزله فَإِن لم تفعل تبين الْعُقَلَاء مِنْهُ أَنه متواقح مُبْطل
ثمَّ نقُول وَالَّذِي ذهب إِلَيْهِ أَكثر عُلَمَائِنَا أَن الْقُرْآن خَارج عَن مَقْدُور الْبشر وَلَيْسَ من جنس مقدورهم وَأَن الْقُرْآن وَإِن كَانَ كلَاما فَلَيْسَ بَينه وَبَين كَلَام الْعَرَب من الْمُنَاسبَة والإلتقاء إِلَّا مَا كَانَ بَين الْحَيَّة الَّتِي انقلبت عصى مُوسَى عَنْهَا وَبَين حيات السَّحَرَة الَّتِي كَانَت تخيل للنَّاظِر إِلَيْهَا أَنَّهَا حيات تسْعَى
ووجوه إعجازه كَثِيرَة لَكنا نبدي مِنْهَا أَرْبَعَة ونقتصر عَلَيْهَا لبيانها وظهورها