الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأما الْعُقُول
فَحرم اسْتِعْمَال مَا يُؤَدِّي إِلَى تلفهَا وذهابها كَالْخمرِ وَذَلِكَ أَن منَاط التَّكْلِيف الْعقل وَهُوَ الَّذِي بِهِ يعرف الله تَعَالَى وَهُوَ الَّذِي يَنْتَظِم مصَالح الدُّنْيَا وَالدّين فَإِذا أذهبه الْإِنْسَان بِالْخمرِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ فقد تعرض لإِسْقَاط التَّكْلِيف وللكفر بِاللَّه تَعَالَى بل لكل الْمَفَاسِد وَلأَجل هَذَا قَالَ عليه السلام الْخمر جماع الْإِثْم وَأم الْخَبَائِث والكبائر وَلأَجل هَذَا قَالَ الله تَعَالَى {إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر والأنصاب والأزلام رِجْس من عمل الشَّيْطَان فَاجْتَنبُوهُ لَعَلَّكُمْ تفلحون إِنَّمَا يُرِيد الشَّيْطَان أَن يُوقع بَيْنكُم الْعَدَاوَة والبغضاء فِي الْخمر وَالْميسر ويصدكم عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ}
ثمَّ أكد الْكَفّ عَن الْخمر بِأَن شرع على شربه حدا هُوَ ضرب بِالسَّوْطِ ليَكُون ذَلِك أبلغ فِي الردع والزجر
وَأما حفظ الْأَنْسَاب وصيانة إختلاط الْمِيَاه فِي الْأَرْحَام
فشرع النِّكَاح وَحرم السفاح لينتسب كل ولد لوالده ويتميز الْوَلِيّ عَن مضادده ولينضاف كل إِلَى شيعته ويتحقق نسبته بقبيلته وَلأَجل هَذَا قَالَ الله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ من ذكر وَأُنْثَى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا}
وَلم لم يكن ذَلِك لارتفع التعارف وَلم يسمع ولاتسع خرق لَا يرقع
وَأما الْمُحَافظَة على الْأَدْيَان وصيانتها
فَهُوَ الْمَقْصُود الْأَعْظَم والمستند الأعصم فَحرم الْكفْر والفسوق والعصيان وَأوجب الطَّاعَات وَالْإِيمَان وَأوجب قتل الْكَافِر وتوعده بِالْعَذَابِ الدَّائِم والهوان وَلَا يخفى على من مَعَه أدنى مسكة إِذا تَأمل بِأَدْنَى فكرة أَن الْإِيمَان
بِاللَّه رَأس الْمصَالح والخيرات وَالْكفْر رَأس المقابح والهلكات وَلأَجل وجوب الْإِيمَان وَتَحْرِيم الكفران أرسل الله الرُّسُل وَأنزل الْكتب وَلأَجل ذَلِك قَالَ الله تَعَالَى {وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون مَا أُرِيد مِنْهُم من رزق وَمَا أُرِيد أَن يطْعمُون إِن الله هُوَ الرَّزَّاق ذُو الْقُوَّة المتين}
فَهَذِهِ الْأُصُول الْخَمْسَة بهَا يتم نظام الْعَالم وبأضدادها يخرب الْعَالم وبنظام الْعَالم يتم نظام الْأَدْيَان وبنظام الْأَدْيَان يحصل النجَاة من عَذَاب النيرَان والفوز بنعيم الْجنان مَعَ رضى الرَّحْمَن
فَهَذَا بَيَان أنموذج من أصُول السياسات الشرعيات وَأما الرياضات
فيكفيك مِنْهَا مِثَال وَاحِد من الطَّيِّبَات وَذَلِكَ أَنه عليه السلام قَالَ الْمعدة بَيت الدَّاء وَالْحمية أصل الدَّوَاء وأصل كل دَاء الْبرد وَلَقَد سمع بعض أطباء الْهِنْد هَذَا الْكَلَام فَقَالَ لم يتْرك نَبِيكُم من الطِّبّ لأحد شَيْئا أَو كلَاما هَذَا مَعْنَاهُ
وتتبع مَا اسْتُفِيدَ من جِهَته من الْعُلُوم بَحر لَا سَاحل لَهُ وَلَيْسَ هَذَا مَوضِع اسْتِيفَائه ومقصود هَذَا الْكَلَام أَن النَّبِي الرفيع عِنْد الله الْعَظِيم الْقدر لَدَيْهِ كَانَ أُمِّيا مَنْسُوبا إِلَى ولادَة الْأُم وَمعنى هَذِه النِّسْبَة أَنه بقى على مَا كَانَ عَلَيْهِ أَي لم يتَعَلَّم علما من أحد وَلَا اكْتَسبهُ وَلَا خطّ كتابا بِيَمِينِهِ وَهَذَا مَعْرُوف من حَاله عِنْد الْمُوَافق والمخالف وَرُبمَا كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يحْسب شَيْئا عدده بأصابعه فَكَانَ يَقُول أَنا أمة أُميَّة لَا نكتب وَلَا نحسب الشَّهْر هَكَذَا وَهَكَذَا يُشِير بيدَيْهِ ثَلَاثًا والشهر هَكَذَا وَهَكَذَا ويخنس بِإِحْدَى أَصَابِعه يَعْنِي فِي الثَّالِثَة وَمَعَ ذَلِك فقد أُوتى جَوَامِع الْكَلم وبدائع الحكم وعلوم الْأَوَّلين فَأخْبر عَن الْقُرُون الْمَاضِيَة والأمم السالفة بأخبار هِيَ حق عِنْد أَرْبَاب الْعُلُوم وَلَا ينازعه أحد مِنْهُم فِيهَا بل إِذا سمعوها أذعنوا للتصديق بهَا وَلم يكذبوه فِي شَيْء مِنْهَا وَكَذَلِكَ أخبر عَن الْأُمَم الْآتِيَة والوقائع المنتظرة أَخْبَارًا لَا يتَوَصَّل إِلَيْهَا بإكتساب وَإِنَّمَا ذَلِك بإعلام الْعَلِيم الْوَهَّاب فَجَاءَت على نَحْو مَا أخبر وَمَا بِهِ بشر وأنذر
وَسَيَأْتِي من ذَلِك مَوَاضِع يتَبَيَّن فِيهَا ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى