الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفَصْل الأول
إعتقاد الْمُسلمين
أما إعتقاد الْمُسلمين فَهُوَ أَن كل مَوْجُود سوى الله تَعَالَى فَهُوَ مُحدث مَخْلُوق مخترع على معنى أَنه لم يكن مَوْجُودا ثمَّ صَار مَوْجُودا وَأَن لَهُ مُحدثا مَوْجُودا قَدِيما لَا يشبه شَيْئا من الموجودات الْحَادِثَة بل يتعالى عَن شبهها من كل وَجه فَلَيْسَ بجسم وَلَا يحل فِي الْأَجْسَام وَلَا جَوْهَر وَلَا يحل فِي الْجَوَاهِر وَلَا عرض وَلَا تحله الْأَعْرَاض وَأَنه إِلَه وَاحِد لَا شريك لَهُ فِي فعله وَلَا نَظِير لَهُ فِي ذَاته وَطوله لَا يَنْبَغِي لَهُ الصاحبة وَلَا الْوَلَد وَلم يكن لَهُ من خلقه كُفؤًا أحد وَأَنه عَالم قَادر مُرِيد حَيّ مَوْصُوف بِصِفَات الْكَمَال من السّمع وَالْبَصَر وَالْكَلَام وَغير ذَلِك مِمَّا يكون كمالا فِي حَقه وَأَنه منزه عَن صِفَات النَّقْص والقصور وَأَنه يفعل فِي ملكه مَا يُرِيد وَيحكم فِي خلقه بِمَا يَشَاء لَا يفْتَقر إِلَى شَيْء وَإِلَيْهِ يفْتَقر كل شَيْء وَبِيَدِهِ ملك كل جماد وَحي لايجب عَلَيْهِ لمخلوق حق وَتجب حُقُوقه على الْخلق لَا يتَوَجَّه عَلَيْهِ مَتى وَلَا أَيْن وَلَا لم وَلَا كَيفَ فَلَا يُقَال مَتى وجد وَلَا أَيْن وجد وَلَا كَيفَ هُوَ وَلَا لم فعل {لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون}
وَإِن إرْسَال الرُّسُل من أَفعاله الْجَائِزَة وَأَنه قد أرسل الرُّسُل وَأنزل الْكتب وكلف الْخلق وَشرع لَهُم شرائع على أَلْسِنَة رسله وَأَن رسله صَادِقُونَ فِي قَوْلهم ومؤيدون بالمعجزات من عِنْد رَبهم وَأَنَّهُمْ عبيد الله وَرُسُله وَأَنَّهُمْ بشر مثلنَا إِلَّا أَن الله تَعَالَى فَضلهمْ بِأَن جعلهم وَاسِطَة بَينه وَبَين خلقه وأطلعهم على مَا شَاءَ من غيبه وَأَنَّهُمْ بلغُوا عَن الله مَا أمروا بتبليغه وَأَنَّهُمْ كلهم صَادِقُونَ مصدقون لَا نفرق بَين أحد مِنْهُم وَأَن مُحَمَّدًا بن عبد الله بن عبد المطلب الْعَرَبِيّ
الْقرشِي الْهَاشِمِي رَسُول من الله إِلَى النَّاس كَافَّة بشير وَنَذِيرا وَأَن الله تَعَالَى أيده بالمعجزات على صدقه كَمَا فعل بالرسل من قبله
وَأَن شَرعه وإجابته لازمان لكل من بلغته دَعوته حَيْثُ كَانَ من أقطار الأَرْض وجهاتها وعَلى أَي دين كَانَ من أديانها
لَا يقبل مِمَّن كفر بِهِ يَوْم الْقِيَامَة مَا هُوَ عَلَيْهِ من دين بل يكون مخلدا فِي الْعَذَاب أَبَد الآبدين كَمَا أَن الْمُؤمن بِهِ وَبِكُل مَا جَاءَ بِهِ مخلد فِي الْجنَّة أَبَد الآبدين
وَأَن شَرعه نَاسخ لكل الشَّرَائِع الْمُتَقَدّمَة على الْجُمْلَة وهادم مَا قبله من الْأَحْكَام السالفة وَأَن كل مَا جَاءَ بِهِ عَن الله حق من الْعَذَاب والحشر والنشر بعد الْمَوْت والصراط وَالْمِيزَان والحوض والمحاسبة وشفاعة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم لأهل الْموقف وَلأَهل الْكَبَائِر من أمته خَاصَّة
وَالْجنَّة وَنَعِيمهَا وَالنَّار وعذابها وأنهما محسوسان ليسَا معنويين وَأَن خُلُود أهل الْجنَّة سرمد وَعَذَاب أهل النَّار الْكَافرين سرمد وَلَا إنقطاع لوَاحِد مِنْهُمَا إِلَى غير ذَلِك مِمَّا هُوَ مفصل فِي الشَّرِيعَة مِمَّا يعرفهُ أَهله وَلَا يسعهم جَهله
وَهَذِه قَوَاعِد إعتقاد أهل الْإِسْلَام مُجَرّدَة عَن أدلتها ومقتضبة من شواهدها إِذْ مَا مِنْهَا قَاعِدَة إِلَّا ويعضدها برهَان عَقْلِي لَا يشك فِيهِ عَاقل وَدَلِيل سَمْعِي لَا يُنكره فَاضل وَمن أَرَادَ تعرف ذَلِك طلبه من موَاضعه وَأما مستندات أحكامهم فَهِيَ كتاب الله وَسنة رَسُول الله لَا يعدلُونَ لمحة عَنْهَا وَلَا يخرجُون لَحْظَة مِنْهَا إِلَّا أَن وُجُوه إستدلالاتهم لَا يُحِيط بهَا متطفل عَلَيْهَا لكثرتها ولنقاوة درجاتها
فَإِن كتاب الله تَعَالَى وَسنة رَسُوله لَا يسْتَدلّ بهما من لَا يعرف منظوم اللَّفْظ وَمَفْهُومه وفحواه ومعقوله وَيعرف من المنظوم النَّص وَالظَّاهِر والمؤول والمحمل والعموم وَالْخُصُوص والإستثناء وَالْمُطلق والمقيد وَيعرف من الْمَفْهُوم أَحْكَامه وأقسامه وَكَذَلِكَ من الفحوى والمعقول على مَا هُوَ مَعْرُوف فِي علم الْأُصُول الَّذِي هُوَ علم خَاص بِأمة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم بل هُوَ من كرامات أهل الْإِسْلَام
إِذْ لَيْسَ فِي مِلَّة من الْملَل الْمُتَقَدّمَة من التَّحْقِيق مَا عِنْدهم وَلَا اجْتمع لأحد قبلهم من الْعُلُوم مثل الَّذِي اجْتمع لَهُم
ذَلِك بِأَنَّهُم آخر الْأُمَم وكتابهم آخر الْكتب وأفضلها ورسولهم آخر الرُّسُل وأفضلهم ولسانهم أحكم الْأَلْسِنَة وأفصحها على مَا يعرفهُ من تصفح شريعتهم وَعرف لغتهم وَنظر إِلَيْهَا بِعَين الْإِنْصَاف وَترك طَرِيق التعصب والإعتساف فالحمدلله على مَا أولاه {وَمَا كُنَّا لنهتدي لَوْلَا أَن هدَانَا الله لقد جَاءَت رسل رَبنَا بِالْحَقِّ}
وَمِمَّا يبين للعاقل حسن شَرِيعَة الْإِسْلَام وجمال طريقتها إِنَّهَا مَبْنِيَّة على مُرَاعَاة مصَالح الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وإتمام مَكَارِم الْأَخْلَاق الْحَسَنَة
أما بَيَان مصَالح الْآخِرَة فَهُوَ أَن هَذَا الشَّرْع يبين وجوهها وَلم يغْفل شَيْئا مِنْهَا بل فَسرهَا وأوضحها غَايَة الوضوح لِئَلَّا يجهل شَيْء مِنْهَا فوعد بنعيمها وتوعد بعذابها بِخِلَاف الشَّرَائِع الْمُتَقَدّمَة فَإِنَّهَا إِنَّمَا كَانَت تتوعد على الْمُخَالفَة بعقاب دُنْيَوِيّ كَمَا فعل بنوا إِسْرَائِيل غير مرّة وتوعد بِثَوَاب دُنْيَوِيّ وَلم يبين لَهُم شَيْء مِمَّا بَين لنا على مَا يَقْتَضِيهِ نسق التَّوْرَاة إِذْ لَيْسَ فِيهَا ذكر جنَّة وَلَا نَار إِلَّا تَنْبِيهَات قَليلَة وَكَذَلِكَ الْإِنْجِيل لَيْسَ فِيهِ شَيْء من ذَلِك إِلَّا مَا ذَكرْنَاهُ
وَمَعَ ذَلِك فَإِنَّهُ تعبدنا بعبادات مَحْضَة ذَوَات فعال وأركان كَالصَّلَاةِ وَالْحج وَغير ذَلِك وكل ركن من أَرْكَانهَا فالمقصود بِهِ تَعْظِيم الله تَعَالَى وخضوع لَهُ بِالظَّاهِرِ وَالْبَاطِن حَتَّى تُؤدِّي كل جارحة من الْجَوَارِح حظها من تَعْظِيم الله تَعَالَى مَعَ مَا ينضاف إِلَى ذَلِك من الْمعَانِي الشَّرِيفَة والأدعية الرفيعة الفصيحة الَّتِي يعرف مَعَانِيهَا أَهلهَا حسب مَا فسروه فِي كتبهمْ وَلَيْسَ كَمَا تَقولُونَ أَنْتُم فِي صَلَاتكُمْ
يَا أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاء
فَإِن ظَاهر هَذَا مستبشع فِي الْعرف محَال فِي الْعقل أما استبشاعه فِي الْعرف فَإِنَّهُ يقبح بِالْعَبدِ أَن يُخَاطب سَيّده بِلَفْظ الْأُبُوَّة
هَذَا مَعَ أَن معنى الْأُبُوَّة جَائِز فِي حقوقنا فَكيف لَا يقبح إِطْلَاقه فِي حق من لَا تجوز الْأُبُوَّة فِي حَقه فإطلاق مثل هَذِه اللَّفْظ فِي حق الله تَعَالَى يَنْبَغِي أَلا يجوز وَلَا يُطلق وَأما إحالته فِي الْعقل فَإِن ظَاهر قوكم فِي السَّمَاء يفهم مِنْهُ أَن السَّمَاء مُحِيط بِهِ وَإِن جَازَ ذَلِك جَازَ أَن يكون جسما وَأَنْتُم تأبون ذَلِك وَهُوَ محَال فِي حَقه تبارك وتعالى
وَكَذَلِكَ قَوْلكُم فِي بَقِيَّة هَذَا الدُّعَاء
وَعجل لنا خبزنا الدَّائِم واغفر لنا كَمَا يغْفر بَعْضنَا لبَعض فَإِنَّهُ لفظ مستثقل مستقبح وَمَعْنَاهُ مستغث مسترك وَلَوْلَا خوف التَّطْوِيل لأبدينا مَا يحْتَمل ذَلِك من قَبِيح التَّأْوِيل
فَإِن قُلْتُمْ هَكَذَا علمنَا عِيسَى فِي الْإِنْجِيل فَقَالَ لنا إِذا صليتم فَقولُوا قُلْنَا لَا نسلم أَن هَذَا مِمَّا علمه عِيسَى وَلَا مِمَّا جَاءَ بِهِ بل هُوَ إختراع من لَا يحسن مَا يَقُول وَلَيْسَ لَهُ إِلَى المعارف وُصُول
وَقد تقدم أَن كتابكُمْ قَابل للتحريف والتصحيف فَهَذَا الَّذِي ذكرنَا يُنَبه على الْمصَالح الأخروية وَأما الْمصَالح الدُّنْيَوِيَّة فقد بَينا أَن مَقْصُود شرعنا حفظ الْأَدْيَان والنفوس وَالْأَمْوَال والأنساب والأعراض والعقول وَلأَجل ذَلِك شرع الْقَتْل والديات والعقوبات وَحرم السّرقَة والخيانة وَجَمِيع وُجُوه أكل المَال بِالْبَاطِلِ وَحرم الزِّنَا وَفعل اللوطى وَغير ذَلِك من الْفَوَاحِش
وَكَذَلِكَ حرم الْغَيْبَة والنميمة وَالْقَذْف والبهتان والزور وَجَمِيع أَصْنَاف الْكَذِب والغش وَالْخداع وَالْمَكْر إِلَى غير ذَلِك من أَنْوَاع الْمَفَاسِد
وَلأَجل ذَلِك أَيْضا حرم الْخمر فَإِنَّهَا تذْهب الْعقل الَّذِي هُوَ منَاط التَّكْلِيف وَبِه يعرف الْبَارِي تبارك وتعالى وَالسكر آفَة تناقضه وتضاده فَهَذِهِ الْأُمُور كلهَا مَحْفُوظَة بالحدود والزواجر المشاكلة للعقوبات الثَّابِتَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِمَّا بِالْكتاب وَإِمَّا بِالسنةِ وَلَيْسَ شَيْء مِنْهَا مَوْضُوعا بالتشهي والتحكم كَمَا فَعلْتُمْ أَنْتُم
وَقد بَينا ذَلِك بمستنده للشارع وَلَا نعدل عَنهُ طرفَة عين بل نقف عِنْد مَا أَمر وننتهي عَمَّا نَهَانَا وَيعرف ذَلِك على التَّفْصِيل أَهله وَمن وقف عَلَيْهِ من الْعُقَلَاء المنصفين
وَأما مَكَارِم الْأَخْلَاق الَّتِي تضمنها شرعنا فَلَا تخفى على متأمل
وَذَلِكَ أَن شرعنا أمرنَا بهَا ظَاهرا وَبَاطنا ونهانا عَن رذائلها وسفسافها فَمن المكارم الظَّاهِرَة النَّظَافَة وَالطَّهَارَة والتنزه عَن الأقذار والأوساخ فَمن النَّظَافَة تَطْهِير الثِّيَاب والأبدان فَإِنَّهَا يَنْبَغِي أَن تنزه عَن الأقذار مثل الْبَوْل وَالْغَائِط والمنى والمذى وَالدَّم والقيح وَمَا شاكل ذَلِك
وَمن النَّظَافَة أَيْضا التَّطَيُّب وتحسين الْهَيْئَة فالطيب لَا يخفى على عَاقل اسْتِعْمَاله وَكَذَلِكَ تَحْسِين الْهَيْئَة وَمن تَحْسِين الْهَيْئَة قصّ الشَّارِب وإعفاء اللِّحْيَة فَقص الشَّارِب لتتأتى النَّظَافَة فِي الْأكل إِذْ لَا تتأتى مَعَ طوله إِذْ يدْخل الشّعْر فِي الْفَم وينغص الْأكل ويقذره
هَذَا مَعَ مَا يلْحق الشَّارِب من قذارة المخاط إِذْ كَانَ الشَّارِب كَبِيرا وَمَعَ ذَلِك فَلَا يحلق عندنَا كُله ويمحق رسمه فَإِن ذَلِك مثله وتشويه وَكَذَلِكَ اللحي إِذا حلقت فَيَنْبَغِي أَن توفر توفيرا لَا يخل بمروءة الْإِنْسَان وَلَا يخرج عَن عَادَة النَّاس وَخير الْأُمُور أوساطها
وَأما حلق اللِّحْيَة فتشويه ومثلة لَا يَنْبَغِي لعاقل أَن يَفْعَلهَا بِنَفسِهِ
وَالْعجب من جهل النَّصَارَى بالشرائع وَبِمَا يستحسنه ذووا المروءات فَإِنَّهُم يحلقون لحاهم ويشوهون أنفسهم ويوفرون غلوفتهم الَّتِي يَنْبَغِي أَن تزَال لما فِي إِزَالَتهَا من الْفَوَائِد على مَا ذكرنَا من النَّظَافَة الْمَأْمُور بهَا تقليم الْأَظْفَار ونتف الْإِبِط وَحلق الْعَانَة وَغسل البراجم والمغابن بِالْمَاءِ وَهَذَا كُله من شرعنا مُبَالغَة فِي النَّظَافَة ومحافظة على مَكَارِم الْأَخْلَاق وعَلى عَادَة ذَوي الْعُقُول والمروءات
وَأما التَّنَزُّه عَن الأقذار فَإِنَّهُ حرم علينا الْخَبَائِث من الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير والأنجاس كلهَا على مَا تَقْتَضِيه عَادَة الْعُقَلَاء والمروءات وأمرنا بِأَكْل الطَّيِّبَات وإستعمال المستحسنات ونهانا عَن السَّرف والتبذير
وَلأَجل هَذَا نَهَانَا عَن إستعمال أواني الذَّهَب وَالْفِضَّة وَعَن لِبَاس الْحَرِير للذكور وَذَلِكَ لما فِيهِ من التبذير والسرف
وَأَيْضًا فَإِن فِيهِ ترفها يُنَاسب ترفه أهل الْجنَّة ويشبهه وَلَا يَنْبَغِي أَن يفعل ذَلِك وَلأَجل ذَلِك قَالَ نَبينَا عليه السلام من شرب فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة لم يشرب بهَا فِي الْآخِرَة وَمن لبس الْحَرِير فِي الدُّنْيَا لم يلْبسهُ فِي الْآخِرَة
وَهَذَا كُله لِأَن الدُّنْيَا دَار عمل وَالْآخِرَة دَار جَزَاء وَلأَجل ذَلِك قَالَ الْحُكَمَاء الدُّنْيَا قنطرة فاعبروها وَلَا تتعمروها فَهَذِهِ نبذة من النَّظَافَة الطاهرة وأحكامها كَثِيرَة تعرف فِي موَاضعهَا
وَأما النَّظَافَة الباطنية فترجع إِلَى التخلي عَن مَذْمُوم الْأَخْلَاق والتحلي بمحامدها ومستحسنها وَهِي كَثِيرَة فلنذكر الْأَخْلَاق المذمومة الَّتِي يتنظف مِنْهَا وَبعدهَا نذْكر الْأَخْلَاق المحمودة الَّتِي يَنْبَغِي الإتصاف بهَا
أما الْأَخْلَاق المذمومة فكثيرة لَكِن أمهاتها مَا نذكرهُ وَهِي الْغَضَب والحسد وَالْبخل ومهانة النَّفس ودناءتها والرعونة وَحب الجاه وَحب الدُّنْيَا الَّذِي مِنْهُ كل خَطِيئَة وَالْكبر وَالْعجب والرياء إِلَى غير ذَلِك من الْأَخْلَاق المذمومة الَّتِي من اتّصف بهَا كَانَ منجس الْبَاطِن بِمَثَابَة من كَانَ مُتَنَجّس الظَّاهِر فَعَلَيهِ تنظيفه
إِلَّا أَن نظافة النَّجَاسَة الظَّاهِرَة بِالْمَاءِ ونظافة النَّجَاسَة الْبَاطِنَة بالإتصاف بالأخلاق المحمودة الَّتِي هِيَ التَّوْبَة من الْمعاصِي وَحسن الصُّحْبَة مَعَ الْخلق والنصيحة لَهُم وَالْعدْل فِي الْأُمُور كلهَا والتواضع وكرم النَّفس وبغض الدُّنْيَا والزهد فِيهَا وَالْإِخْلَاص وَالْخَوْف وَالصَّبْر وَالشُّكْر والصدق والتوكل ومحبة الله تَعَالَى ومحبة رسله
إِلَى غير ذَلِك من الْأَوْصَاف المحمودة الَّتِي من اتّصف بهَا فقد تتقي من أَوْصَاف البشرية وتطهر الطَّهَارَة المعنوية
فَهَذِهِ أنموذج وقانون يعرف الْعَاقِل الْمنصف بِهِ حسن شريعتنا وجمال طريقتنا وَأَنَّهَا جَارِيَة على نهج الْعُقُول ومستحسنه عِنْد من لَهُ محصول وَمن أَرَادَ أَن يتَبَيَّن محَاسِن شريعتنا على التَّفْصِيل فَلَا يصل إِلَى ذَلِك إِلَّا ببحث كثير وَتَطْوِيل
فَإِن وقف فأمعن النّظر وأستدت مِنْهُ الْكفْر قضى من عجائبها كل عجب وَعلم على الْقطع والبتات أَنَّهَا حق من الله من غير شكّ وَلَا ريب وَأَن الَّذِي جَاءَ بهَا لَا يجوز عَلَيْهِ الْغَلَط وَلَا الْكَذِب
فها نَحن معشر الْمُسلمين قد أرصدنا شريعتنا للإستعراض ونادينا عَلَيْهَا فِي سوق الإعتراض لِئَلَّا يعْتَرض أحد أَو يُعَارض فيدمغه ناقد لقَوْله وحافظ وَلم نكل حكايتها إِلَى غبي غافل عَن مَقَاصِد شرعنا جَاهِل
وَقد آن أَن نذْكر مَا اعْترض بِهِ النَّصَارَى على ديننَا ونتصل عَنهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَعند ذَلِك يتَبَيَّن صميم جهلهم وَسُوء صنيعهم وفعلهم