المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌وَمِنْهَا أَنه لَا يبعد أَن يكون الله تَعَالَى رفع الْمَسِيح إِلَى - الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌صدر الْكتاب

- ‌فصل

- ‌فِي بَيَان مذاهبهم فِي الأقانيم وَإِبْطَال قَوْلهم فِيهَا

- ‌أقانيم الْقُدْرَة وَالْعلم والحياة

- ‌دَلِيل التَّثْلِيث

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌فِي حِكَايَة كَلَام السَّائِل وَ‌‌الْجَوَاب عَنهُ

- ‌الْجَوَاب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌فِي حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌وَالْجَوَاب عَن قَوْله

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌فِي حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَن مَا ذكر

- ‌الْفَصْل الرَّابِع

- ‌فِي حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الْخَامِس

- ‌قَالُوا

- ‌الْجَواب عَن مَا ذكره الْمصدر كَلَامه

- ‌فِي بَيَان مذاهبهم فِي الإتحاد والحلول وَإِبْطَال قَوْلهم فِيهَا

- ‌معنى الإتحاد

- ‌تجسد الْوَاسِطَة

- ‌مَذْهَب أغشتين إِذْ هُوَ زعيم القسيسين

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌فِي حِكَايَة كَلَام هَذَا السَّائِل

- ‌الْجَواب عَن كَلَامه

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌من حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌من حِكَايَة كَلَام السَّائِل

- ‌الْجَواب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الرَّابِع

- ‌من حِكَايَة كَلَامه

- ‌الْجَواب عَمَّا ذكره

- ‌الْفَصْل الْخَامِس

- ‌الْجَواب عَن كَلَامهم

- ‌ف {هاتوا برهانكم إِن كُنْتُم صَادِقين}

- ‌مِنْهَا

- ‌وَنور بعد ذَلِك إلزامات لَهُم

- ‌إِلْزَام آخر

- ‌إِلْزَام آخر يظْهر تناقضهم

- ‌ثمَّ نقُول تَحْقِيقا لالزام الْجَمِيع

- ‌إِلْزَام آخر وَطَلَبه

- ‌مِنْهَا

- ‌‌‌وَمِنْهَا

- ‌وَمِنْهَا

- ‌إِلْزَام آخر

- ‌‌‌إِلْزَام آخر

- ‌إِلْزَام آخر

- ‌إِلْزَام آخر

- ‌الْفَصْل السَّادِس

- ‌نُكْتَة أُخْرَى

- ‌كمل الْبَاب الثَّانِي وبكماله كمل الْجُزْء الأول الحمدلله حق حَمده وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَسلم يتلوه الثَّانِي

- ‌الْإِعْلَام

- ‌فِي النبوات وَذكر كَلَامهم

- ‌الْقسم الأول

- ‌احتجاج أَصْحَاب الْملَل

- ‌الْجَواب عَن كَلَامه يَا هَذَا أسهبت وأطنبت وبحبة خَرْدَل مَا أتيت كثر كلامك فَكثر غلطك وَقلت فَائِدَته فَظهر قصورك وسقطك وَمن كثر كَلَامه كثر سقطه وَمن كثر سقطه كَانَت النَّار أولى بِهِ أعميت لجهلك بلحنه وَلم تتفطن لتثبيجه ولحنه فَلَقَد استسمنت ذَا ورم ونفخت فِي غير ضرم

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌فِي حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌فَافْهَم الْجَواب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌من حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَمَّا ذكر

- ‌فصل

- ‌فَأول دَلِيل

- ‌فصل فِي بَيَان أَن الْإِنْجِيل لَيْسَ بمتواتر وَبَيَان بعض مَا وَقع فِيهِ من الْخلَل

- ‌الْفَصْل السَّابِع

- ‌من حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَمَّا ذكر

- ‌‌‌وَأما قَوْلك

- ‌وَأما قَوْلك

- ‌وَأما قَوْلك

- ‌وَأما قَوْلك

- ‌وَأما قَوْلك

- ‌الْقسم الثَّانِي

- ‌الْمُقدمَة الأولى

- ‌فَأَما المعجزة

- ‌وَأما وَجه دلالتها

- ‌الْمُقدمَة الثَّانِيَة

- ‌وَمِمَّا يدل على أَنهم من كِتَابهمْ وشرعهم على غير علم

- ‌ من ذَلِك

- ‌الْإِعْلَام بِمَا فِي دين النَّصَارَى من الْفساد والأوهام وَإِظْهَار محَاسِن دين الْإِسْلَام وَإِثْبَات نبوة نَبينَا مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام

- ‌الْجُزْء الثَّالِث

- ‌أَنْوَاع الْقسم الثَّانِي

- ‌نقُول

- ‌النَّوْع الأول

- ‌فَمن ذَلِك

- ‌وَمن ذَلِك

- ‌وَمن ذَلِك

- ‌وَفِي التَّوْرَاة

- ‌وَمن ذَلِك مَا جَاءَ فِي الزبُور

- ‌أخبرونا

- ‌‌‌وَفِي الزبُور أَيْضا

- ‌وَفِي الزبُور أَيْضا

- ‌وَفِيه أَيْضا

- ‌وَقد تقدم قَول دَاوُود

- ‌وَفِي الزبُور

- ‌وَفِيه أَيْضا عَن يوحنا

- ‌‌‌وَفِيه أَيْضا

- ‌وَفِيه أَيْضا

- ‌وَفِيه أَيْضا

- ‌فَالْجَوَاب

- ‌وَفِي الْإِنْجِيل أَيْضا

- ‌وَفِي صحف أشعياء النَّبِي

- ‌وَفِي صحف حزقيال النَّبِي

- ‌وَقَالَ أشعياء

- ‌وَفِي صحف حبقوق النَّبِي الَّتِي بِأَيْدِيكُمْ

- ‌‌‌وَفِي صحف أشعياء النَّبِيقَالَ

- ‌وَفِي صحف أشعياء النَّبِي

- ‌وَفِي صحفه أَيْضا

- ‌وَفِي الصُّحُف المنسوبة للإثنى عشر نَبيا

- ‌وَفِي صحف حزقيال النَّبِي

- ‌وَقَالَ دانيال النَّبِي

- ‌وَفِي نفس النَّص

- ‌ثمَّ قَالَ

- ‌وَفِي صحف أشعياء

- ‌وَقَول أشعياء

- ‌وَقَالَ أَيْضا عَن الله

- ‌وَقَالَ على أثر ذَلِك

- ‌وَقَالَ أشعياء أَيْضا عَن الله

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌وَمن أوضح ذَلِك وأبينه

- ‌وَيَنْبَغِي الْآن أَن يعرف الجاحد وَالْجَاهِل بعض مَا خص بِهِ من صِفَات الْكَمَال والفضائل

- ‌اعْلَم أَنا

- ‌فَمن ذَلِك

- ‌قَالَ ناعته

- ‌يَقُول ناعته

- ‌وَأما فصاحة لِسَانه

- ‌وَأما نسبه

- ‌وَأما عزة قومه

- ‌أما سفساف الْأَخْلَاق ودنيها

- ‌وَأما قُوَّة عقله وَعلمه

- ‌أما الْأُمُور المصلحية

- ‌فأصول الشَّرِيعَة وَإِن تعدّدت صورها فَهِيَ رَاجِعَة إِلَى هَذِه الْخَمْسَة

- ‌وَأما الدِّمَاء

- ‌وَأما الْأَمْوَال

- ‌وَأما الْعُقُول

- ‌وَأما حفظ الْأَنْسَاب وصيانة إختلاط الْمِيَاه فِي الْأَرْحَام

- ‌وَأما الْمُحَافظَة على الْأَدْيَان وصيانتها

- ‌وَأما صبره وحلمه

- ‌وَأما تواضعه

- ‌وَأما عدله وَصدقه صلى الله عليه وسلم وأمانته وَصدق لهجته

- ‌وَأما زهده

- ‌وَأما كَثْرَة جوده وَكَرمه

- ‌وَأما وفاؤه بالعهد

- ‌يَا هَذَا تَأمل بعقلك

- ‌وَأما حسن سمته وتؤدته وَكثير حيائه ومروءته

- ‌وَمِمَّا يدلك على عَظِيم شجاعته

- ‌وَأما خَوفه من الله تَعَالَى وإجتهاده فِي عِبَادَته

- ‌خَاتِمَة جَامِعَة فِي صِفَاته وشواهد صدقه وعلاماته

- ‌النَّوْع الثَّالِث

- ‌وَالْجَوَاب من وَجْهَيْن

- ‌الْوَجْه الثَّانِي من الْجَواب

- ‌فَإِن قيل

- ‌الْجَواب

- ‌معَارض

- ‌فَإِن قيل

- ‌فَالْجَوَاب

- ‌الْوَجْه الأول

- ‌أَن لِسَان الْعَرَب مباين للسان غَيرهم

- ‌الْوَجْه الثَّانِي

- ‌الْوَجْه الثَّالِث

- ‌الْوَجْه الرَّابِع

- ‌النَّوْع الرَّابِع

- ‌الْفَصْل الأول فِي إنشقاق الْقَمَر

- ‌الْفَصْل الثَّانِي فِي حبس الشَّمْس آيَة لَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الثَّالِث نبع المَاء وتكثيره معْجزَة لَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الرَّابِع تَكْثِير الطَّعَام معْجزَة لَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الْخَامِس فِي كَلَام الشّجر وَكثير من الجمادات وشهادتها لَهُ بِالنُّبُوَّةِ

- ‌النَّوْع الأول

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌الْفَصْل السَّادِس فِي كَلَام ضروب من الْحَيَوَان وتسخيرهم آيَة لَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌النَّوْع الأول

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌الْفَصْل السَّابِع فِي إحْيَاء الْمَوْتَى وَكَلَام الصّبيان والمراضع وشهادتهم لَهُ بِالنُّبُوَّةِ

- ‌الْفَصْل الثَّامِن فِي إِبْرَاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم المرضى وَذَوي العاهات

- ‌الْفَصْل التَّاسِع فِي إِجَابَة دُعَائِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الْعَاشِر فِي ذكر جمل من بركاته ومعجزاته صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الْحَادِي عشر فِي مَا أخبر بِهِ مِمَّا أطلعه الله من الْغَيْب صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الثَّانِي عشر فِي عصمَة الله لَهُ مِمَّن أَرَادَ كَيده

- ‌فَإِن قَالَ قَائِل من النَّصَارَى والمخالفين لنا

- ‌قُلْنَا فِي الْجَواب عَن ذَلِك

- ‌الْفَصْل الثَّالِث عشر فِي مَا ظهر على أَصْحَابه وَالتَّابِعِينَ لَهُم من الكرامات الخارقة للعادات

- ‌أَحدهمَا أَن نبين أَن مَا ظهر على أَصْحَابه وعَلى أهل دينه من الكرامات هُوَ آيَة لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أعظم الْآيَات وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى إِذا أكْرم وَاحِدًا مِنْهُم بِأَن خرق لَهُ عَادَة فَإِن ذَلِك يدل على أَنه على الْحق وَأَن دينه حق إِذْ لَو كَانَ مُبْطلًا فِي دينه مُتبعا لمبطل فِي

- ‌وَالْغَرَض الثَّانِي

- ‌من ذَلِك مَا علمنَا من أَحْوَالهم على الْقطع

- ‌وَأما التابعون

- ‌وَبعد هَذَا

- ‌انْتهى الْجُزْء الثَّالِث من كتاب الْإِعْلَام بِمَا فِي دين النَّصَارَى من الْفساد والأوهام وَإِظْهَار محَاسِن دين الْإِسْلَام وَإِثْبَات نبوة نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم ويليه الْجُزْء الرَّابِع بِإِذن الله وأوله الْبَاب الرَّابِع فِي بَيَان أَن النَّصَارَى متحكمون فِي أديانهم وَأَنَّهُمْ لَا مُسْتَند لَهُم فِي

- ‌الْإِعْلَام بِمَا فِي دين النَّصَارَى من الْفساد والأوهام وَإِظْهَار محَاسِن دين الْإِسْلَام وَإِثْبَات نبوة نَبينَا مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام

- ‌تَقْدِيم وَتَحْقِيق وَتَعْلِيق الدكتور أَحْمد حجازي السقا

- ‌فِي بَيَان أَن النَّصَارَى متحكمون فِي أديانهم

- ‌الصَّدْر وَفِيه فصلان

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌قَالَ ذَلِك الْجَاهِل بعد ذكر الْمُحرمَات

- ‌الْفَنّ الأول

- ‌مَسْأَلَة فِي المعمودية

- ‌مَسْأَلَة فِي غفران الأساقفة والقسيسين ذنُوب المذنبين وإختراعهم الْكَفَّارَة للعاصين

- ‌مِثَال الْقسم الأول العابثون بالصبيان

- ‌وَمِثَال الثَّانِي نِكَاح الْقرَابَات

- ‌وَأما الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَة

- ‌مِثَال مَا يغرمون فِيهِ الْأَمْوَال

- ‌وَقد حكمُوا على قَاتل عَبده

- ‌وَأما قَاتل الْخَطَأ

- ‌وعَلى الْجُمْلَة

- ‌مُطَالبَة وَهِي أَنا نقُول لَهُم

- ‌مَسْأَلَة فِي الصلوبية وَقَوْلهمْ فِيهَا

- ‌قَالُوا

- ‌ مِنْهَا

- ‌‌‌وَمِنْهَا

- ‌وَمِنْهَا

- ‌وَمِنْهَا

- ‌مَسْأَلَة فِي تَركهم الْخِتَان

- ‌فأولها

- ‌وَثَانِيها

- ‌وَثَالِثهَا

- ‌وَرَابِعهَا

- ‌وَهل يصلح الْعَطَّار مَا أفسد الدَّهْر

- ‌مَسْأَلَة فِي أعيادهم المصانة

- ‌مَسْأَلَة فِي قُرْبَانهمْ

- ‌أَحدهَا

- ‌مَسْأَلَة فِي تقديسهم دُورهمْ وَبُيُوتهمْ بالملح

- ‌مَسْأَلَة فِي تصليبهم على وُجُوههم فِي صلَاتهم

- ‌مَسْأَلَة فِي قَوْلهم فِي النَّعيم وَالْعَذَاب الأخراوين

- ‌الْفَنّ الثَّانِي

- ‌تمهيد

- ‌أَحدهمَا

- ‌وَالْغَرَض الثَّانِي

- ‌وَفِي هَذَا الْفَنّ فصلان

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌مُلْحق

- ‌المبحث الثَّالِث

- ‌أَولا النبوءات

- ‌يَوْم الرب

- ‌ثَانِيًا تَغْيِير التَّوْرَاة

- ‌عالمية الْملَّة النَّصْرَانِيَّة

الفصل: ‌ ‌وَمِنْهَا أَنه لَا يبعد أَن يكون الله تَعَالَى رفع الْمَسِيح إِلَى

‌وَمِنْهَا

أَنه لَا يبعد أَن يكون الله تَعَالَى رفع الْمَسِيح إِلَى السَّمَاء وصور لَهُم شَيْطَانا أَو غَيره بِصُورَة تشبه صورته فاعتقدوا أَنه هُوَ فصلبوه وَإِلَى هَذَا يشيء سُكُوته حَيْثُ سَأَلُوهُ فَسكت وَلم يجاوبهم وَفِي الْوَقْت الَّذِي تكلم لَهُم نزلت تِلْكَ الصُّورَة نَفسهَا مَنْزِلَته وَهَذَا كُله مُمكن لَا يَدْفَعهُ عقل فَإِن الله على كل شَيْء قدير وَلَا يَدْفَعهُ ايضا نقل

فَإِن كل مَا نقلتموه لَيْسَ نصا قَاطعا وَلَا نقل نقلا متواترا فَحصل من هَذَا أَنكُمْ غير عَالمين بصلبه وَلَا موقنين بقتْله

وَأما الْيَهُود فليسوا أَيْضا عَالمين بِشَيْء من ذَلِك إِذْ لَا يصدقون كتابكُمْ وَلَيْسَ عِنْدهم نقل متواتر بذلك على التَّفْصِيل وغايتهم أَن يعتقدوا على الْجُمْلَة أَن رجلا كَانَ فِيمَا مضى غير بعض أَحْكَام التَّوْرَاة فَشهد عَلَيْهِ بذلك فَقتل وَكِتَابكُمْ يدل على أَنهم إِنَّمَا قتلوا رجلا شهد لَهُم فِيهِ يهوذا الأشكريوث أَنه الْمَسِيح الَّذِي ادّعى أَنه ابْن الله فَحصل من هَذَا أَن الْيَهُود فِي شكّ مِنْهُ وأنكم أَنْتُم على غير علم بِهِ وَهَكَذَا قَالَ كتاب الله النَّاطِق على لِسَان رَسُوله الصَّادِق {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صلبوه وَلَكِن شبه لَهُم وَإِن الَّذين اخْتلفُوا فِيهِ لفي شكّ مِنْهُ مَا لَهُم بِهِ من علم إِلَّا اتِّبَاع الظَّن وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينا بل رَفعه الله إِلَيْهِ وَكَانَ الله عَزِيزًا حكيما}

وَحين بَينا أَنهم فِي شكّ من الصلوبية يَنْبَغِي أَن نتتبع بِالنَّقْضِ كَلَامهم الْمُتَقَدّم فَنَقُول

أما قَوْلهم من رَحمته على النَّاس أَنه رضى بهرق دَمه عَنْهُم فِي خشيَة الصلب فتواقح لَا يفوه بِهِ من لَهُ من الْحيَاء أقل نصيب يَا عجبا كَيفَ يجترئ أَن ينْطق بِهَذِهِ القبائح عَاقل أم كَيفَ يرضى لنَفسِهِ بِمثل هَذِه المخازي فَاضل وهلا كَانَ يرحم عباده بِأَن يغْفر لأبيهم وَلَا يحْتَاج إِلَى هَذَا كُله أَو لَيْسَ كَانَ يكون غفران الذَّنب أَهْون عَلَيْهِ ابْتِدَاء وأليق بالحكمة وَالرَّحْمَة والرأفة من أَن يُعَاقب من لم يجن ثمَّ ذَلِك المعاقب الَّذِي لم يجن الذَّنب ابْنه بل وَهُوَ عنْدكُمْ

ص: 416

نَفسه بإعتبار مَا حل فِيهِ مِنْهُ فَلم يرض من عُقُوبَة الذَّنب الَّذِي جناه آدم حَتَّى عاقب نَفسه أَو ابْنه فَأنْتم فِي هَذَا القَوْل الوقاح والإفك الصراح بِمَنْزِلَة رجل أَخطَأ عَلَيْهِ عَبده فبقى بعد مُدَّة غاضبا عَلَيْهِ وعَلى غَيره من عبيده نَاوِيا على معاقبتهم حَتَّى ولد لنَفسِهِ ولد فَعمد إِلَيْهِ فَقتله بذنب العَبْد الَّذِي كَانَ أذْنب ثمَّ لم يقنع بذلك حَتَّى ضرب نَفسه ولامها وأهانها على مَا صنع عَبده مَعَ أَنه قد كَانَ مُتَمَكنًا من أَن يغْفر لعَبْدِهِ وَلَا يفعل هَذَا بولده وَلَا بِنَفسِهِ فَأَي تشف يحصل لَهُ مِمَّا فعل بل يحصل لَهُ كل ألم وَنقص وخلل مثل السَّفِيه الأحمق الْجَاهِل بل يزِيدهُ ذَلِك فِي كربته وَيَدْعُو إِلَى دوَام حزنه وحسرته

ويلزمكم على ذَلِك أَن يكون الله تَعَالَى لم يتب على آدم عليه السلام إِلَّا بعد أَن صلب الْمَسِيح وَبِذَلِك تَكْذِيب كتب الْأَنْبِيَاء فَإِنَّهَا تقتضى أَن آدم بَكَى على خطيته ودعا الله تَعَالَى حَتَّى تَابَ عَلَيْهِ واجتباه ويلزمكم أَيْضا عَلَيْهِ أَن يكون نوح وَإِبْرَاهِيم ومُوسَى وَمَا بَينهم من النَّبِيين عصاة بذنب آدم حَتَّى صلب عِيسَى وَحِينَئِذٍ غفر لَهُم

وَقد صرح بعض أقستكم لَعنه الله أَن آدم وَجَمِيع وَلَده إِلَى زمَان عِيسَى كَانُوا كلهم ثاويين فِي الْجَحِيم بخطيئة أَبِيهِم حَتَّى فداهم عِيسَى بهرق دَمه فِي الْخَشَبَة فَلَمَّا صلب نزل جَهَنَّم وَأخرج مِنْهَا جَمِيعهم إِلَّا يهوذا الأشكريوث

فَانْظُر هَل يستجرئ مَجْنُون موسوس على أَن يَقُول أَن نوحًا وَإِبْرَاهِيم الْخَلِيل ومُوسَى الكليم وَمن بَينهم من النَّبِيين مثل يَعْقُوب وَإِسْحَق وَغَيرهمَا من الْأَبْنَاء صلوَات الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ كلهم فِي نَار الْجَحِيم وَالْعَذَاب الْأَلِيم وَفِي السخط الْعَظِيم حَتَّى صلب الْإِلَه نَفسه وإبنه

فَانْظُر هَل سبّ الْأَنْبِيَاء بأقبح من هَذِه الشتائم أَو هَل تجرأ أحد قطّ أَن يَقُول على الله وعَلى رسله مثل هَذِه العظائم فسبحان الْحَلِيم الَّذِي يمهلكم والكريم الَّذِي يرزقكم وَلَكِن إِنَّمَا يعجل من يخَاف الْفَوْت أَو يجزع من الْمَوْت {وَيَوْم الْقِيَامَة ترى الَّذين كذبُوا على الله وُجُوههم مسودة أَلَيْسَ فِي جَهَنَّم مثوى للمتكبرين}

ص: 417

ثمَّ يلزمكم عَلَيْهِ أَيْضا نِسْبَة الله إِلَى الْجور وَإِلَى أَنه يَأْخُذ بالذنب غير فَاعله ويعاقب على الزُّور غير قَائِله وَهَذَا يهون عَلَيْكُم إِذْ لَيْسَ للإله قدر عنْدكُمْ إِذْ قد صرحتم بِأَن آدم ظلمه وَأَنه لَا يُمكن أَن ينْتَقم مِمَّن ظلمه واستهان بِقَدرِهِ

فياليت شعري لأي شَيْء لم يُمكنهُ أَن ينْتَقم من عَبده الْعَاجِز عَن ذَلِك أم لِأَنَّهُ لَا يقدر على عِقَاب أحد مِمَّن هُنَالك أم بحكمة أَنه يُعَاقب غير الْجَانِي أم لحكمة قتل وَلَده فِي جِنَايَة عَبده

قاتلكم الله مَا أسخف عقولكم وَمَا أرك فروعكم وأصولكم ثمَّ أعجب من ذَلِك أَنهم يَقُولُونَ الْكَلِمَة هِيَ الله وَالله هُوَ الْمَسِيح ثمَّ يَقُولُونَ إِنَّه لم يُمكنهُ أَن ينْتَقم من عَبده العَاصِي الَّذِي ظلمه وَإِنَّمَا انتقم من إِلَه مثله

فَانْظُر إِلَى هَذَا التَّنَاقُض الشنيع كَيفَ يعتقدونه تَارَة أَنه هُوَ فَيلْزم عَلَيْهِ أَنه هُوَ المنتقم والمنتقم مِنْهُ والمعاقب والمعاقب وَتارَة يَعْتَقِدُونَ أَن الإهانة والصلب لم يحل بلاهوته بل حل بناسوته

وناسوته لَيْسَ بإله فَيلْزم على هَذَا القَوْل الآخر أَنه لم ينْتَقم من إِلَه مثله وَكَيف مَا كَانَ فالتناقض لَهُم لَازم والمحال

وَهَكَذَا يفعل الله بالجهال أهل الضلال ثمَّ انْظُر سخف جرأتهم على الْكَذِب وَقَوْلهمْ بالمحال من غير سَبَب حَيْثُ قَالَ فَأَخَذُوهُ وصلبوه فغار دَمه فِي اصبعه وَهَذَا لم يرد مِنْهُ شَيْء فِي كتبهمْ بل هُوَ من كذبهمْ وإختراعهم

وَلَو كَانَ هَذَا حَقًا لَكَانَ أولى بِالنَّقْلِ من نقلهم جعل الصَّلِيب على عُنُقه وَأَنه رفع إِلَيْهِ إِنَاء خل ليشربه وَكتب على خشبته بالرومية والعبرانية والعجمية هَذَا ملك الْيَهُود فَهَذَا ولابد كذب وتواقح فَإِن كابروا فِي ذَلِك على عَادَتهم قُلْنَا لَهُم فَأتوا بالإنجيل فاتلوه إِن كُنْتُم صَادِقين

ثمَّ انْظُر كَيفَ تنَاقض ذَلِك الْمُتَكَلّم على الْفَوْر فِي قَوْله لِأَنَّهُ

ص: 418

لَو وَقع شَيْء من دَمه على الأَرْض ليبست ثمَّ إِنَّه أثر ذَلِك قَالَ أَلا شَيْء وَقع فِيهَا نبت مِنْهُ النوار فَكيف يَصح فِي عقل مَجْنُون فأحرى فِي عقل عَاقل أَن يتَكَلَّم بِمثل هَذَا الهذيان أَو يسْتَحل أَن يَتَحَرَّك لَهُ بذلك لِسَان فَإِنَّهُ كذب فَاسد متناقض فلعمري لَو أَن شَيْطَانا يتقول على ألسنتهم وَهُوَ يُرِيد الإضحاك بهم مَا بلغ مِنْهُم بِأَكْثَرَ مِمَّا بلغُوا من أنفسهم بِهَذَا القَوْل السفساف الَّذِي اتّفق الْعُقَلَاء على فَسَاده وإستحالته من غير خلاف

وَلَقَد أحسن بعض عقلاء الشُّعَرَاء فِي إفحام هَؤُلَاءِ الأغبياء فَقَالَ

عجبى للمسيح بَين النَّصَارَى

وَإِلَى أَي وَالِد نسبوه

أسلموه إِلَى الْيَهُود وَقَالُوا

أَنهم بعد قَتله صلبوه

فَإِذا كَانَ مَا تَقولُونَ حَقًا

وصحيحا فَأَيْنَ كَانَ أَبوهُ

حِين حل ابْنه رهين الأعادي

أَترَاهُم قد رضوه أم أغضبوه

فلئن كَانَ رَاضِيا بأذاهم

فاحمدوهم لأَنهم عذبوه

وَإِذا كَانَ ساخطا فاتركوه

واعبدوهم لأَنهم غلبوه

فقد جعلتم أَنفسكُم ضحكة الْعُقَلَاء حَيْثُ ارتكبتم كل قبيحة شنعاء وَمَا بالنا نطول الْكَلَام مَعَ من تبين عارهم ومحالهم للخاص وَالْعَام فَقدر هَؤُلَاءِ الْقَوْم عِنْد الْعُقَلَاء أَحْقَر من قلامة فِي قمامة وأخس من بقة فِي حَقه وَلَوْلَا أَن هذيانهم ومحالهم طبق الْوُجُود لما كَانَ يَنْبَغِي أَن يتَكَلَّم مَعَهم من الْعُقَلَاء مَوْجُود فَإِن الْكَلَام مَعَهم مخل بالعقول محوج لحكاية القبائح والفضول

وَقد قدمت فِي صدر الْكتاب مَا يمهد الْعذر ويزيل العتاب وَأَنا اسْتغْفر الله الْعَظِيم الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم وأسأله التَّوْبَة من حِكَايَة قبائحهم وأسأله جزيل الْأجر فِي إبداء فضائحهم

ص: 419