المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الْوَجْه الثَّالِث من وُجُوه إعجاز الْقُرْآن مَا تضمنه من الْأَخْبَار بالمغيبات - الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌صدر الْكتاب

- ‌فصل

- ‌فِي بَيَان مذاهبهم فِي الأقانيم وَإِبْطَال قَوْلهم فِيهَا

- ‌أقانيم الْقُدْرَة وَالْعلم والحياة

- ‌دَلِيل التَّثْلِيث

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌فِي حِكَايَة كَلَام السَّائِل وَ‌‌الْجَوَاب عَنهُ

- ‌الْجَوَاب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌فِي حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌وَالْجَوَاب عَن قَوْله

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌فِي حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَن مَا ذكر

- ‌الْفَصْل الرَّابِع

- ‌فِي حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الْخَامِس

- ‌قَالُوا

- ‌الْجَواب عَن مَا ذكره الْمصدر كَلَامه

- ‌فِي بَيَان مذاهبهم فِي الإتحاد والحلول وَإِبْطَال قَوْلهم فِيهَا

- ‌معنى الإتحاد

- ‌تجسد الْوَاسِطَة

- ‌مَذْهَب أغشتين إِذْ هُوَ زعيم القسيسين

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌فِي حِكَايَة كَلَام هَذَا السَّائِل

- ‌الْجَواب عَن كَلَامه

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌من حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌من حِكَايَة كَلَام السَّائِل

- ‌الْجَواب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الرَّابِع

- ‌من حِكَايَة كَلَامه

- ‌الْجَواب عَمَّا ذكره

- ‌الْفَصْل الْخَامِس

- ‌الْجَواب عَن كَلَامهم

- ‌ف {هاتوا برهانكم إِن كُنْتُم صَادِقين}

- ‌مِنْهَا

- ‌وَنور بعد ذَلِك إلزامات لَهُم

- ‌إِلْزَام آخر

- ‌إِلْزَام آخر يظْهر تناقضهم

- ‌ثمَّ نقُول تَحْقِيقا لالزام الْجَمِيع

- ‌إِلْزَام آخر وَطَلَبه

- ‌مِنْهَا

- ‌‌‌وَمِنْهَا

- ‌وَمِنْهَا

- ‌إِلْزَام آخر

- ‌‌‌إِلْزَام آخر

- ‌إِلْزَام آخر

- ‌إِلْزَام آخر

- ‌الْفَصْل السَّادِس

- ‌نُكْتَة أُخْرَى

- ‌كمل الْبَاب الثَّانِي وبكماله كمل الْجُزْء الأول الحمدلله حق حَمده وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَسلم يتلوه الثَّانِي

- ‌الْإِعْلَام

- ‌فِي النبوات وَذكر كَلَامهم

- ‌الْقسم الأول

- ‌احتجاج أَصْحَاب الْملَل

- ‌الْجَواب عَن كَلَامه يَا هَذَا أسهبت وأطنبت وبحبة خَرْدَل مَا أتيت كثر كلامك فَكثر غلطك وَقلت فَائِدَته فَظهر قصورك وسقطك وَمن كثر كَلَامه كثر سقطه وَمن كثر سقطه كَانَت النَّار أولى بِهِ أعميت لجهلك بلحنه وَلم تتفطن لتثبيجه ولحنه فَلَقَد استسمنت ذَا ورم ونفخت فِي غير ضرم

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌فِي حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌فَافْهَم الْجَواب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌من حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَمَّا ذكر

- ‌فصل

- ‌فَأول دَلِيل

- ‌فصل فِي بَيَان أَن الْإِنْجِيل لَيْسَ بمتواتر وَبَيَان بعض مَا وَقع فِيهِ من الْخلَل

- ‌الْفَصْل السَّابِع

- ‌من حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَمَّا ذكر

- ‌‌‌وَأما قَوْلك

- ‌وَأما قَوْلك

- ‌وَأما قَوْلك

- ‌وَأما قَوْلك

- ‌وَأما قَوْلك

- ‌الْقسم الثَّانِي

- ‌الْمُقدمَة الأولى

- ‌فَأَما المعجزة

- ‌وَأما وَجه دلالتها

- ‌الْمُقدمَة الثَّانِيَة

- ‌وَمِمَّا يدل على أَنهم من كِتَابهمْ وشرعهم على غير علم

- ‌ من ذَلِك

- ‌الْإِعْلَام بِمَا فِي دين النَّصَارَى من الْفساد والأوهام وَإِظْهَار محَاسِن دين الْإِسْلَام وَإِثْبَات نبوة نَبينَا مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام

- ‌الْجُزْء الثَّالِث

- ‌أَنْوَاع الْقسم الثَّانِي

- ‌نقُول

- ‌النَّوْع الأول

- ‌فَمن ذَلِك

- ‌وَمن ذَلِك

- ‌وَمن ذَلِك

- ‌وَفِي التَّوْرَاة

- ‌وَمن ذَلِك مَا جَاءَ فِي الزبُور

- ‌أخبرونا

- ‌‌‌وَفِي الزبُور أَيْضا

- ‌وَفِي الزبُور أَيْضا

- ‌وَفِيه أَيْضا

- ‌وَقد تقدم قَول دَاوُود

- ‌وَفِي الزبُور

- ‌وَفِيه أَيْضا عَن يوحنا

- ‌‌‌وَفِيه أَيْضا

- ‌وَفِيه أَيْضا

- ‌وَفِيه أَيْضا

- ‌فَالْجَوَاب

- ‌وَفِي الْإِنْجِيل أَيْضا

- ‌وَفِي صحف أشعياء النَّبِي

- ‌وَفِي صحف حزقيال النَّبِي

- ‌وَقَالَ أشعياء

- ‌وَفِي صحف حبقوق النَّبِي الَّتِي بِأَيْدِيكُمْ

- ‌‌‌وَفِي صحف أشعياء النَّبِيقَالَ

- ‌وَفِي صحف أشعياء النَّبِي

- ‌وَفِي صحفه أَيْضا

- ‌وَفِي الصُّحُف المنسوبة للإثنى عشر نَبيا

- ‌وَفِي صحف حزقيال النَّبِي

- ‌وَقَالَ دانيال النَّبِي

- ‌وَفِي نفس النَّص

- ‌ثمَّ قَالَ

- ‌وَفِي صحف أشعياء

- ‌وَقَول أشعياء

- ‌وَقَالَ أَيْضا عَن الله

- ‌وَقَالَ على أثر ذَلِك

- ‌وَقَالَ أشعياء أَيْضا عَن الله

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌وَمن أوضح ذَلِك وأبينه

- ‌وَيَنْبَغِي الْآن أَن يعرف الجاحد وَالْجَاهِل بعض مَا خص بِهِ من صِفَات الْكَمَال والفضائل

- ‌اعْلَم أَنا

- ‌فَمن ذَلِك

- ‌قَالَ ناعته

- ‌يَقُول ناعته

- ‌وَأما فصاحة لِسَانه

- ‌وَأما نسبه

- ‌وَأما عزة قومه

- ‌أما سفساف الْأَخْلَاق ودنيها

- ‌وَأما قُوَّة عقله وَعلمه

- ‌أما الْأُمُور المصلحية

- ‌فأصول الشَّرِيعَة وَإِن تعدّدت صورها فَهِيَ رَاجِعَة إِلَى هَذِه الْخَمْسَة

- ‌وَأما الدِّمَاء

- ‌وَأما الْأَمْوَال

- ‌وَأما الْعُقُول

- ‌وَأما حفظ الْأَنْسَاب وصيانة إختلاط الْمِيَاه فِي الْأَرْحَام

- ‌وَأما الْمُحَافظَة على الْأَدْيَان وصيانتها

- ‌وَأما صبره وحلمه

- ‌وَأما تواضعه

- ‌وَأما عدله وَصدقه صلى الله عليه وسلم وأمانته وَصدق لهجته

- ‌وَأما زهده

- ‌وَأما كَثْرَة جوده وَكَرمه

- ‌وَأما وفاؤه بالعهد

- ‌يَا هَذَا تَأمل بعقلك

- ‌وَأما حسن سمته وتؤدته وَكثير حيائه ومروءته

- ‌وَمِمَّا يدلك على عَظِيم شجاعته

- ‌وَأما خَوفه من الله تَعَالَى وإجتهاده فِي عِبَادَته

- ‌خَاتِمَة جَامِعَة فِي صِفَاته وشواهد صدقه وعلاماته

- ‌النَّوْع الثَّالِث

- ‌وَالْجَوَاب من وَجْهَيْن

- ‌الْوَجْه الثَّانِي من الْجَواب

- ‌فَإِن قيل

- ‌الْجَواب

- ‌معَارض

- ‌فَإِن قيل

- ‌فَالْجَوَاب

- ‌الْوَجْه الأول

- ‌أَن لِسَان الْعَرَب مباين للسان غَيرهم

- ‌الْوَجْه الثَّانِي

- ‌الْوَجْه الثَّالِث

- ‌الْوَجْه الرَّابِع

- ‌النَّوْع الرَّابِع

- ‌الْفَصْل الأول فِي إنشقاق الْقَمَر

- ‌الْفَصْل الثَّانِي فِي حبس الشَّمْس آيَة لَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الثَّالِث نبع المَاء وتكثيره معْجزَة لَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الرَّابِع تَكْثِير الطَّعَام معْجزَة لَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الْخَامِس فِي كَلَام الشّجر وَكثير من الجمادات وشهادتها لَهُ بِالنُّبُوَّةِ

- ‌النَّوْع الأول

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌الْفَصْل السَّادِس فِي كَلَام ضروب من الْحَيَوَان وتسخيرهم آيَة لَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌النَّوْع الأول

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌الْفَصْل السَّابِع فِي إحْيَاء الْمَوْتَى وَكَلَام الصّبيان والمراضع وشهادتهم لَهُ بِالنُّبُوَّةِ

- ‌الْفَصْل الثَّامِن فِي إِبْرَاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم المرضى وَذَوي العاهات

- ‌الْفَصْل التَّاسِع فِي إِجَابَة دُعَائِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الْعَاشِر فِي ذكر جمل من بركاته ومعجزاته صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الْحَادِي عشر فِي مَا أخبر بِهِ مِمَّا أطلعه الله من الْغَيْب صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الثَّانِي عشر فِي عصمَة الله لَهُ مِمَّن أَرَادَ كَيده

- ‌فَإِن قَالَ قَائِل من النَّصَارَى والمخالفين لنا

- ‌قُلْنَا فِي الْجَواب عَن ذَلِك

- ‌الْفَصْل الثَّالِث عشر فِي مَا ظهر على أَصْحَابه وَالتَّابِعِينَ لَهُم من الكرامات الخارقة للعادات

- ‌أَحدهمَا أَن نبين أَن مَا ظهر على أَصْحَابه وعَلى أهل دينه من الكرامات هُوَ آيَة لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أعظم الْآيَات وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى إِذا أكْرم وَاحِدًا مِنْهُم بِأَن خرق لَهُ عَادَة فَإِن ذَلِك يدل على أَنه على الْحق وَأَن دينه حق إِذْ لَو كَانَ مُبْطلًا فِي دينه مُتبعا لمبطل فِي

- ‌وَالْغَرَض الثَّانِي

- ‌من ذَلِك مَا علمنَا من أَحْوَالهم على الْقطع

- ‌وَأما التابعون

- ‌وَبعد هَذَا

- ‌انْتهى الْجُزْء الثَّالِث من كتاب الْإِعْلَام بِمَا فِي دين النَّصَارَى من الْفساد والأوهام وَإِظْهَار محَاسِن دين الْإِسْلَام وَإِثْبَات نبوة نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم ويليه الْجُزْء الرَّابِع بِإِذن الله وأوله الْبَاب الرَّابِع فِي بَيَان أَن النَّصَارَى متحكمون فِي أديانهم وَأَنَّهُمْ لَا مُسْتَند لَهُم فِي

- ‌الْإِعْلَام بِمَا فِي دين النَّصَارَى من الْفساد والأوهام وَإِظْهَار محَاسِن دين الْإِسْلَام وَإِثْبَات نبوة نَبينَا مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام

- ‌تَقْدِيم وَتَحْقِيق وَتَعْلِيق الدكتور أَحْمد حجازي السقا

- ‌فِي بَيَان أَن النَّصَارَى متحكمون فِي أديانهم

- ‌الصَّدْر وَفِيه فصلان

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌قَالَ ذَلِك الْجَاهِل بعد ذكر الْمُحرمَات

- ‌الْفَنّ الأول

- ‌مَسْأَلَة فِي المعمودية

- ‌مَسْأَلَة فِي غفران الأساقفة والقسيسين ذنُوب المذنبين وإختراعهم الْكَفَّارَة للعاصين

- ‌مِثَال الْقسم الأول العابثون بالصبيان

- ‌وَمِثَال الثَّانِي نِكَاح الْقرَابَات

- ‌وَأما الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَة

- ‌مِثَال مَا يغرمون فِيهِ الْأَمْوَال

- ‌وَقد حكمُوا على قَاتل عَبده

- ‌وَأما قَاتل الْخَطَأ

- ‌وعَلى الْجُمْلَة

- ‌مُطَالبَة وَهِي أَنا نقُول لَهُم

- ‌مَسْأَلَة فِي الصلوبية وَقَوْلهمْ فِيهَا

- ‌قَالُوا

- ‌ مِنْهَا

- ‌‌‌وَمِنْهَا

- ‌وَمِنْهَا

- ‌وَمِنْهَا

- ‌مَسْأَلَة فِي تَركهم الْخِتَان

- ‌فأولها

- ‌وَثَانِيها

- ‌وَثَالِثهَا

- ‌وَرَابِعهَا

- ‌وَهل يصلح الْعَطَّار مَا أفسد الدَّهْر

- ‌مَسْأَلَة فِي أعيادهم المصانة

- ‌مَسْأَلَة فِي قُرْبَانهمْ

- ‌أَحدهَا

- ‌مَسْأَلَة فِي تقديسهم دُورهمْ وَبُيُوتهمْ بالملح

- ‌مَسْأَلَة فِي تصليبهم على وُجُوههم فِي صلَاتهم

- ‌مَسْأَلَة فِي قَوْلهم فِي النَّعيم وَالْعَذَاب الأخراوين

- ‌الْفَنّ الثَّانِي

- ‌تمهيد

- ‌أَحدهمَا

- ‌وَالْغَرَض الثَّانِي

- ‌وَفِي هَذَا الْفَنّ فصلان

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌مُلْحق

- ‌المبحث الثَّالِث

- ‌أَولا النبوءات

- ‌يَوْم الرب

- ‌ثَانِيًا تَغْيِير التَّوْرَاة

- ‌عالمية الْملَّة النَّصْرَانِيَّة

الفصل: ‌ ‌الْوَجْه الثَّالِث من وُجُوه إعجاز الْقُرْآن مَا تضمنه من الْأَخْبَار بالمغيبات

‌الْوَجْه الثَّالِث

من وُجُوه إعجاز الْقُرْآن مَا تضمنه من الْأَخْبَار بالمغيبات قبل أَن يُحِيط أحد من الْبشر بعلمها وبوقوع كائنات قبل وجودهَا وَذَلِكَ أَمر لَا يتَوَصَّل إِلَى الْعلم بِهِ إِلَّا من جِهَة الصَّادِقين الَّذِي يخبرون عَن الله تَعَالَى

وَنحن نذْكر مِنْهَا مَوَاضِع على شَرط التَّقْرِيب والإختصار تغني عَن التَّطْوِيل والإكثار

فَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى {لتدخلن الْمَسْجِد الْحَرَام إِن شَاءَ الله آمِنين مُحَلِّقِينَ رؤوسكم وَمُقَصِّرِينَ لَا تخافون}

فَهَذِهِ الْآيَة من أوضح معجزاته صلى الله عليه وسلم وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى وعده بِأَن يدْخلهُ الْمَسْجِد الْحَرَام هُوَ وَقَومه فِي حَالَة أَمن وَيفتح عَلَيْهِم مَكَّة على أحسن حَال فَمَا زَالُوا ينتظرون ذَلِك حى بلغ وقته وَصدق وعده فَدَخَلُوا كَمَا وعدهم وفتحوه على مَا أخْبرهُم

وَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى {الم غلبت الرّوم فِي أدنى الأَرْض وهم من بعد غلبهم سيغلبون فِي بضع سِنِين لله الْأَمر من قبل وَمن بعد ويومئذ يفرح الْمُؤْمِنُونَ بنصر الله ينصر من يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيز الرَّحِيم وعد الله لَا يخلف الله وعده وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يعلمُونَ}

وَهَذِه الْآيَة أَيْضا من أعظم معجزاته وَذَلِكَ أَن هَذِه الْآيَة لما نزلت كَانَت فَارس غالبي الرّوم وَكَانَ الْمُسلمُونَ يحبونَ ظُهُور الرّوم على فَارس لكَون الرّوم أهل كتاب وَكَانَت قُرَيْش يحبونَ ظُهُور فَارس على الرّوم لأَنهم وإياهم لَيْسُوا أهل كتاب وَلَا إِيمَان فَلَمَّا أنزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة خرج أَبُو بكر الصّديق رضي الله عنه يَصِيح فِي النَّاس وَفِي نواحي مَكَّة بِهَذِهِ الْآيَة ويقرأها على مُشْركي

ص: 337

قُرَيْش فَقَالَ نَاس من قُرَيْش زعم صَاحبكُم أَن الرّوم ستغلب فَارس فِي بضع سِنِين أَفلا نراهنك على ذَلِك فَقَالَ بلَى وَذَلِكَ قبل تَحْرِيم الرِّهَان فارتهن أَبُو بكر وَالْمُشْرِكُونَ وتواضعوا الرِّهَان وَقَالُوا لأبي بكر كم نجْعَل الْبضْع الْبضْع ثَلَاث سِنِين إِلَى تسع سِنِين فسم بَيْننَا وَبَيْنك وسطا ننتهي إِلَيْهِ قَالَ فسموا بَينهم سِتّ سِنِين فمضت السِّت سِنِين قبل أَن يظهروا فَأخذ الْمُشْركُونَ رهن أبي بكر فَلَمَّا دخلت السّنة السَّابِعَة ظَهرت الرّوم على فَارس فعاب الْمُسلمُونَ على أبي بكر تَسْمِيَة سِتّ سِنِين لِأَن الله تَعَالَى قَالَ {فِي بضع سِنِين}

قَالَ وَأسلم عِنْد ذَلِك نَاس كثير

وَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى {وعد الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وَعمِلُوا الصَّالِحَات ليَستَخْلِفنهم فِي الأَرْض كَمَا اسْتخْلف الَّذين من قبلهم وليمكنن لَهُم دينهم الَّذِي ارتضى لَهُم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لَا يشركُونَ بِي شَيْئا}

وَقد فعل الله ذَلِك بِمُحَمد وَأمته ملكهم الأَرْض واستخلفهم فِيهَا وأذل لَهُم ملوكا تَحت سيف الْقَهْر بعد أَن كَانُوا أهل عز وَكبر وأورثهم أَرضهم وديارهم وَأَمْوَالهمْ ومنحهم رقابهم {وعد الله إِن الله لَا يخلف الميعاد}

وَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى {يُرِيدُونَ ليطفئوا نور الله بأفواههم وَالله متم نوره وَلَو كره الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أرسل رَسُوله بِالْهدى وَدين الْحق لِيظْهرهُ على الدّين كُله وَلَو كره الْمُشْركُونَ}

فَإِن قيل كَيفَ يَصح لكم قَوْله {لِيظْهرهُ على الدّين كُله} وَمَعْلُوم أَن ملك النَّصَارَى لم يَنْقَطِع فِي حَيَاته وَلَا بعد مَوته وَهَذَا ملكهم قَائِم فَلم يظْهر دينكُمْ على دينهم فَلَا معنى لقَوْله {لِيظْهرهُ على الدّين كُله}

ص: 338

الْجَواب أَن الله تَعَالَى بعث مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم إِلَى النَّاس كَافَّة وَإِلَى جَمِيع أهل الْملَل عَامَّة نصرانيهم ويهوديهم وَغير ذَلِك فَبَلغهُمْ مَا أمره الله فَكَلَّمَهُمْ فناصبوه العداة وأبدوا لَهُ صفحة الْخلاف وهموا بِإِبْطَال دَعوته وإطفاء كَلمته وبذلوا فِي ذَلِك غَايَة جدهم واستفرغوا أقْصَى جهدهمْ فنصبوا لحربه وعزموا على قَتله ونهبه ومرسله يَقُول لَهُ {بلغ مَا أنزل إِلَيْك من رَبك وَإِن لم تفعل فَمَا بلغت رسَالَته وَالله يَعْصِمك من النَّاس}

فَأول من حاربه كفار قُرَيْش فأظفره الله بهم وأظهره عَلَيْهِم ثمَّ حاربته يهود فأمكنه الله مِنْهُم وَملكه أَرضهم وديارهم فَقتل وسبأ وَأسر فعلا عَلَيْهِم وَظهر ثمَّ حاربته النَّصَارَى فغزاهم بتبوك وَدخل عَلَيْهِم بِلَادهمْ وافتتح فِي طَرِيقه حصونا لَهُم ولغيرهم وأظهره الله عَلَيْهِم وَضرب على كثير من مُلُوكهمْ الْجِزْيَة

ثمَّ إِن أَصْحَابه بعده لم يزَالُوا على مثل حَاله يُقَاتلُون كل من كفر بِاللَّه وَلَا يخَافُونَ لومة لائم فِي الله فَلَقَد صيروا مُلُوك الرّوم وَغَيرهم أَذِلَّة أهل صغَار وجزية وذلة ثمَّ لم يزل دين الْإِسْلَام مَعَ مُرُور الْأَيَّام ينتشر بِكُل مَكَان وَيظْهر وَغَيره من الْأَدْيَان يقل ويصغر

وحسبك شَاهدا على ذَلِك فتح هَذِه الجزيرة الأندلسية

ص: 339

على يَدي جمَاعَة من الْعَرَب قَلِيل عَددهمْ وعددهم كثير دينهم ومددهم على أعداد من النَّصَارَى لَا تحصى وجنود لَا تستقى وَلَكِن صدق الله عَبده وأنجز وعده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده فأمكنهم الله مِنْكُم وأظهرهم عَلَيْكُم فأجدادكم عِنْدهم بَين أَسِير وقتيل وَتَحْت صغَار الْجِزْيَة ذليل وأصدق شَاهد على ظُهُور دين الْإِسْلَام على دينكُمْ وَجَمِيع الْأَدْيَان غلبتهم على بَيت حَجكُمْ وَمَوْضِع قرابينكم الْمُعظم وَالْمَسْجِد المكرم بَيت الْمُقَدّس حَيْثُ أَرَادَ الله أَن يطهره من رذائلكم وينزهه عَن جهالاتكم وخبائثكم فافتتحه الْمُسلمُونَ وَظهر دين الله على الدّين كُله وَلَو كره الْكَافِرُونَ

وَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى {سنريهم آيَاتنَا فِي الْآفَاق وَفِي أنفسهم}

وَقَوله {فِي الْآفَاق} يُرِيد بذلك فتح الْأَمْصَار وَقَوله {وَفِي أنفسهم} يَعْنِي بِهِ فتح مَكَّة وَقَوله {سنريهم} يرجع إِلَى كفار قُرَيْش وَلذَلِك قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِن الله زوى

ص: 340

لي الأَرْض فَرَأَيْت مشارقها وَمَغَارِبهَا وَأَن ملك أمتِي سيبلغ مَا زوى مِنْهَا وَمعنى زوى جمع

وَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى {سَيهْزمُ الْجمع وَيُوَلُّونَ الدبر}

يُرِيد بذلك وَالله أعلم جمع كفار قُرَيْش وَكَذَلِكَ فعل بهم وَذَلِكَ أَنهم خَرجُوا إِلَى حربه صلى الله عليه وسلم فِي غير موطن فَهَزَمَهُمْ الله وولوا الأدبار وَكَانَت عاقبتهم الخسار والبوار

وَكَذَلِكَ قَالَ تَعَالَى فِي آيَات أخر {قل للَّذين كفرُوا ستغلبون وتحشرون إِلَى جَهَنَّم وَبئسَ المهاد}

وَفِي آيَة أُخْرَى {لن يضروكم إِلَّا أَذَى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يولوكم الأدبار ثمَّ لَا ينْصرُونَ}

فَهَذِهِ الْآيَة اقْتَضَت بشارتين

أحداهما أَنهم لن يصلوا إِلَى أَصْحَاب النَّبِي بضر أَكثر من السب

وَالثَّانيَِة أَنهم يغلبُونَ وَيُوَلُّونَ الأدبار وَكَذَلِكَ كَانَ على نَحْو مَا أنزلهُ ذُو الْعِزَّة وَالسُّلْطَان

والآيات فِي الْقُرْآن لهَذَا النَّوْع كَثِيرَة وَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى {إِنَّا نَحن نزلنَا الذّكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون} يَعْنِي بِالذكر الْقُرْآن الْعَزِيز

أخبرنَا الله تَعَالَى فِي هَذِه الْآيَة أَنه أنزلهُ وَأَنه تولى حفظه وَهَذَا كتاب الله مَحْفُوظ بحفظه لَا يقدر أحد على تَغْيِير كلمة وَاحِدَة من لَفظه على كَثْرَة من سعى فِي تَغْيِيره فأطفأ نوره لَا سِيمَا القرامطة فَإِنَّهُم كَانُوا قد أَجمعُوا كيدهم واستنفدوا فِي تَغْيِيره وتحريفه جهدهمْ وَلم يزل كَذَلِك دأبهم ودأب غَيرهم من أَعدَاء الدّين وعتاة الْمُلْحِدِينَ ويأبى الله إِلَّا أَن تعلى كَلمته وَتظهر شَرِيعَته

وَقد قدمنَا أَسبَاب حفظ الْقُرْآن فَلَا معنى لاعادتها مَعَ الأحيان

ص: 341

وَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى {إِنَّا كَفَيْنَاك الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذين يجْعَلُونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر}

وَكَانَ هَؤُلَاءِ المستهزئون نَفرا من الْكفَّار معروفون بأعيانهم وأسمائهم ينفرون النَّاس عَنهُ ويؤذونه ويهزأون بِهِ فَأنْزل الله على نبيه هَذِه الْآيَة يبشره بإهلاكهم وهم أَحيَاء فَكَانَ سَبَب أهلاكهم من أعجب آيَات النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَذَلِكَ أَنه كَانَ مِنْهُم الْأسود بن عبد المطلب رمى فِي وَجهه النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِوَرَقَة خضراء فَعمى وَمِنْهُم الْأسود بن عبد يَغُوث أَشَارَ إِلَيْهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَاسْتَسْقَى بَطْنه فَمَاتَ حبنا وَمِنْه الْوَلِيد بن الْمُغيرَة أَشَارَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَى أثر جرح كَانَ بِأَسْفَل كَعبه كَانَ أَصَابَهُ قبل ذَلِك بِسنتَيْنِ وَكَانَ قد برأَ فتجدد حَتَّى قَتله الله بِهِ وَمِنْه الْعَاصِ بن وَائِل أَشَارَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَى أَخْمص رجله فَخرج على حمَار لَهُ يُرِيد الطَّائِف فَرَمَاهُ حِمَاره على الأَرْض فَدخلت فِي أَخْمص رجله شَوْكَة فَقتلته وَمِنْه الْحَارِث بن الطلالة أَشَارَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَى رَأسه فاستحال دَمه قَيْحا فَقتله

فَانْظُر بعقلك هَذِه الْأُمُور العجيبة وَهَذِه الْأَحْوَال الغريبة الَّتِي لَا تلْحق بالأفكار ويحار فِيهَا أولى الْأَبْصَار بل تشهد عِنْدهَا الْعُقُول أَن الْمَقْصُود بهَا تَصْدِيق الرَّسُول فوَاللَّه لَو لم يكن لَهُ من المعجزات إِلَّا هَذِه الْآيَة لَكَانَ فِيهَا أعظم كِفَايَة ولحصل من تَصْدِيقه على أبعد غَايَة

وَفِي كتاب الله تَعَالَى من هَذَا الْقَبِيل مَا يحْتَاج اسْتِقْصَائِهِ إِلَى تَكْثِير وَتَطْوِيل وحسبك مَا تضمنه من كشف أسرار الْمُنَافِقين وفضيحة الْيَهُود الضَّالّين فَلَقَد يقْضِي النَّاظر فِيهَا من ذَلِك الْعجب العجاب ويتحقق انه من عِنْد الله من غير شكّ وَلَا ارتياب

ص: 342