المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مسألة في قولهم في النعيم والعذاب الأخراوين - الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌صدر الْكتاب

- ‌فصل

- ‌فِي بَيَان مذاهبهم فِي الأقانيم وَإِبْطَال قَوْلهم فِيهَا

- ‌أقانيم الْقُدْرَة وَالْعلم والحياة

- ‌دَلِيل التَّثْلِيث

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌فِي حِكَايَة كَلَام السَّائِل وَ‌‌الْجَوَاب عَنهُ

- ‌الْجَوَاب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌فِي حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌وَالْجَوَاب عَن قَوْله

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌فِي حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَن مَا ذكر

- ‌الْفَصْل الرَّابِع

- ‌فِي حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الْخَامِس

- ‌قَالُوا

- ‌الْجَواب عَن مَا ذكره الْمصدر كَلَامه

- ‌فِي بَيَان مذاهبهم فِي الإتحاد والحلول وَإِبْطَال قَوْلهم فِيهَا

- ‌معنى الإتحاد

- ‌تجسد الْوَاسِطَة

- ‌مَذْهَب أغشتين إِذْ هُوَ زعيم القسيسين

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌فِي حِكَايَة كَلَام هَذَا السَّائِل

- ‌الْجَواب عَن كَلَامه

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌من حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌من حِكَايَة كَلَام السَّائِل

- ‌الْجَواب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الرَّابِع

- ‌من حِكَايَة كَلَامه

- ‌الْجَواب عَمَّا ذكره

- ‌الْفَصْل الْخَامِس

- ‌الْجَواب عَن كَلَامهم

- ‌ف {هاتوا برهانكم إِن كُنْتُم صَادِقين}

- ‌مِنْهَا

- ‌وَنور بعد ذَلِك إلزامات لَهُم

- ‌إِلْزَام آخر

- ‌إِلْزَام آخر يظْهر تناقضهم

- ‌ثمَّ نقُول تَحْقِيقا لالزام الْجَمِيع

- ‌إِلْزَام آخر وَطَلَبه

- ‌مِنْهَا

- ‌‌‌وَمِنْهَا

- ‌وَمِنْهَا

- ‌إِلْزَام آخر

- ‌‌‌إِلْزَام آخر

- ‌إِلْزَام آخر

- ‌إِلْزَام آخر

- ‌الْفَصْل السَّادِس

- ‌نُكْتَة أُخْرَى

- ‌كمل الْبَاب الثَّانِي وبكماله كمل الْجُزْء الأول الحمدلله حق حَمده وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَسلم يتلوه الثَّانِي

- ‌الْإِعْلَام

- ‌فِي النبوات وَذكر كَلَامهم

- ‌الْقسم الأول

- ‌احتجاج أَصْحَاب الْملَل

- ‌الْجَواب عَن كَلَامه يَا هَذَا أسهبت وأطنبت وبحبة خَرْدَل مَا أتيت كثر كلامك فَكثر غلطك وَقلت فَائِدَته فَظهر قصورك وسقطك وَمن كثر كَلَامه كثر سقطه وَمن كثر سقطه كَانَت النَّار أولى بِهِ أعميت لجهلك بلحنه وَلم تتفطن لتثبيجه ولحنه فَلَقَد استسمنت ذَا ورم ونفخت فِي غير ضرم

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌فِي حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌فَافْهَم الْجَواب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌من حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَمَّا ذكر

- ‌فصل

- ‌فَأول دَلِيل

- ‌فصل فِي بَيَان أَن الْإِنْجِيل لَيْسَ بمتواتر وَبَيَان بعض مَا وَقع فِيهِ من الْخلَل

- ‌الْفَصْل السَّابِع

- ‌من حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَمَّا ذكر

- ‌‌‌وَأما قَوْلك

- ‌وَأما قَوْلك

- ‌وَأما قَوْلك

- ‌وَأما قَوْلك

- ‌وَأما قَوْلك

- ‌الْقسم الثَّانِي

- ‌الْمُقدمَة الأولى

- ‌فَأَما المعجزة

- ‌وَأما وَجه دلالتها

- ‌الْمُقدمَة الثَّانِيَة

- ‌وَمِمَّا يدل على أَنهم من كِتَابهمْ وشرعهم على غير علم

- ‌ من ذَلِك

- ‌الْإِعْلَام بِمَا فِي دين النَّصَارَى من الْفساد والأوهام وَإِظْهَار محَاسِن دين الْإِسْلَام وَإِثْبَات نبوة نَبينَا مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام

- ‌الْجُزْء الثَّالِث

- ‌أَنْوَاع الْقسم الثَّانِي

- ‌نقُول

- ‌النَّوْع الأول

- ‌فَمن ذَلِك

- ‌وَمن ذَلِك

- ‌وَمن ذَلِك

- ‌وَفِي التَّوْرَاة

- ‌وَمن ذَلِك مَا جَاءَ فِي الزبُور

- ‌أخبرونا

- ‌‌‌وَفِي الزبُور أَيْضا

- ‌وَفِي الزبُور أَيْضا

- ‌وَفِيه أَيْضا

- ‌وَقد تقدم قَول دَاوُود

- ‌وَفِي الزبُور

- ‌وَفِيه أَيْضا عَن يوحنا

- ‌‌‌وَفِيه أَيْضا

- ‌وَفِيه أَيْضا

- ‌وَفِيه أَيْضا

- ‌فَالْجَوَاب

- ‌وَفِي الْإِنْجِيل أَيْضا

- ‌وَفِي صحف أشعياء النَّبِي

- ‌وَفِي صحف حزقيال النَّبِي

- ‌وَقَالَ أشعياء

- ‌وَفِي صحف حبقوق النَّبِي الَّتِي بِأَيْدِيكُمْ

- ‌‌‌وَفِي صحف أشعياء النَّبِيقَالَ

- ‌وَفِي صحف أشعياء النَّبِي

- ‌وَفِي صحفه أَيْضا

- ‌وَفِي الصُّحُف المنسوبة للإثنى عشر نَبيا

- ‌وَفِي صحف حزقيال النَّبِي

- ‌وَقَالَ دانيال النَّبِي

- ‌وَفِي نفس النَّص

- ‌ثمَّ قَالَ

- ‌وَفِي صحف أشعياء

- ‌وَقَول أشعياء

- ‌وَقَالَ أَيْضا عَن الله

- ‌وَقَالَ على أثر ذَلِك

- ‌وَقَالَ أشعياء أَيْضا عَن الله

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌وَمن أوضح ذَلِك وأبينه

- ‌وَيَنْبَغِي الْآن أَن يعرف الجاحد وَالْجَاهِل بعض مَا خص بِهِ من صِفَات الْكَمَال والفضائل

- ‌اعْلَم أَنا

- ‌فَمن ذَلِك

- ‌قَالَ ناعته

- ‌يَقُول ناعته

- ‌وَأما فصاحة لِسَانه

- ‌وَأما نسبه

- ‌وَأما عزة قومه

- ‌أما سفساف الْأَخْلَاق ودنيها

- ‌وَأما قُوَّة عقله وَعلمه

- ‌أما الْأُمُور المصلحية

- ‌فأصول الشَّرِيعَة وَإِن تعدّدت صورها فَهِيَ رَاجِعَة إِلَى هَذِه الْخَمْسَة

- ‌وَأما الدِّمَاء

- ‌وَأما الْأَمْوَال

- ‌وَأما الْعُقُول

- ‌وَأما حفظ الْأَنْسَاب وصيانة إختلاط الْمِيَاه فِي الْأَرْحَام

- ‌وَأما الْمُحَافظَة على الْأَدْيَان وصيانتها

- ‌وَأما صبره وحلمه

- ‌وَأما تواضعه

- ‌وَأما عدله وَصدقه صلى الله عليه وسلم وأمانته وَصدق لهجته

- ‌وَأما زهده

- ‌وَأما كَثْرَة جوده وَكَرمه

- ‌وَأما وفاؤه بالعهد

- ‌يَا هَذَا تَأمل بعقلك

- ‌وَأما حسن سمته وتؤدته وَكثير حيائه ومروءته

- ‌وَمِمَّا يدلك على عَظِيم شجاعته

- ‌وَأما خَوفه من الله تَعَالَى وإجتهاده فِي عِبَادَته

- ‌خَاتِمَة جَامِعَة فِي صِفَاته وشواهد صدقه وعلاماته

- ‌النَّوْع الثَّالِث

- ‌وَالْجَوَاب من وَجْهَيْن

- ‌الْوَجْه الثَّانِي من الْجَواب

- ‌فَإِن قيل

- ‌الْجَواب

- ‌معَارض

- ‌فَإِن قيل

- ‌فَالْجَوَاب

- ‌الْوَجْه الأول

- ‌أَن لِسَان الْعَرَب مباين للسان غَيرهم

- ‌الْوَجْه الثَّانِي

- ‌الْوَجْه الثَّالِث

- ‌الْوَجْه الرَّابِع

- ‌النَّوْع الرَّابِع

- ‌الْفَصْل الأول فِي إنشقاق الْقَمَر

- ‌الْفَصْل الثَّانِي فِي حبس الشَّمْس آيَة لَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الثَّالِث نبع المَاء وتكثيره معْجزَة لَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الرَّابِع تَكْثِير الطَّعَام معْجزَة لَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الْخَامِس فِي كَلَام الشّجر وَكثير من الجمادات وشهادتها لَهُ بِالنُّبُوَّةِ

- ‌النَّوْع الأول

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌الْفَصْل السَّادِس فِي كَلَام ضروب من الْحَيَوَان وتسخيرهم آيَة لَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌النَّوْع الأول

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌الْفَصْل السَّابِع فِي إحْيَاء الْمَوْتَى وَكَلَام الصّبيان والمراضع وشهادتهم لَهُ بِالنُّبُوَّةِ

- ‌الْفَصْل الثَّامِن فِي إِبْرَاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم المرضى وَذَوي العاهات

- ‌الْفَصْل التَّاسِع فِي إِجَابَة دُعَائِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الْعَاشِر فِي ذكر جمل من بركاته ومعجزاته صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الْحَادِي عشر فِي مَا أخبر بِهِ مِمَّا أطلعه الله من الْغَيْب صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الثَّانِي عشر فِي عصمَة الله لَهُ مِمَّن أَرَادَ كَيده

- ‌فَإِن قَالَ قَائِل من النَّصَارَى والمخالفين لنا

- ‌قُلْنَا فِي الْجَواب عَن ذَلِك

- ‌الْفَصْل الثَّالِث عشر فِي مَا ظهر على أَصْحَابه وَالتَّابِعِينَ لَهُم من الكرامات الخارقة للعادات

- ‌أَحدهمَا أَن نبين أَن مَا ظهر على أَصْحَابه وعَلى أهل دينه من الكرامات هُوَ آيَة لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أعظم الْآيَات وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى إِذا أكْرم وَاحِدًا مِنْهُم بِأَن خرق لَهُ عَادَة فَإِن ذَلِك يدل على أَنه على الْحق وَأَن دينه حق إِذْ لَو كَانَ مُبْطلًا فِي دينه مُتبعا لمبطل فِي

- ‌وَالْغَرَض الثَّانِي

- ‌من ذَلِك مَا علمنَا من أَحْوَالهم على الْقطع

- ‌وَأما التابعون

- ‌وَبعد هَذَا

- ‌انْتهى الْجُزْء الثَّالِث من كتاب الْإِعْلَام بِمَا فِي دين النَّصَارَى من الْفساد والأوهام وَإِظْهَار محَاسِن دين الْإِسْلَام وَإِثْبَات نبوة نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم ويليه الْجُزْء الرَّابِع بِإِذن الله وأوله الْبَاب الرَّابِع فِي بَيَان أَن النَّصَارَى متحكمون فِي أديانهم وَأَنَّهُمْ لَا مُسْتَند لَهُم فِي

- ‌الْإِعْلَام بِمَا فِي دين النَّصَارَى من الْفساد والأوهام وَإِظْهَار محَاسِن دين الْإِسْلَام وَإِثْبَات نبوة نَبينَا مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام

- ‌تَقْدِيم وَتَحْقِيق وَتَعْلِيق الدكتور أَحْمد حجازي السقا

- ‌فِي بَيَان أَن النَّصَارَى متحكمون فِي أديانهم

- ‌الصَّدْر وَفِيه فصلان

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌قَالَ ذَلِك الْجَاهِل بعد ذكر الْمُحرمَات

- ‌الْفَنّ الأول

- ‌مَسْأَلَة فِي المعمودية

- ‌مَسْأَلَة فِي غفران الأساقفة والقسيسين ذنُوب المذنبين وإختراعهم الْكَفَّارَة للعاصين

- ‌مِثَال الْقسم الأول العابثون بالصبيان

- ‌وَمِثَال الثَّانِي نِكَاح الْقرَابَات

- ‌وَأما الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَة

- ‌مِثَال مَا يغرمون فِيهِ الْأَمْوَال

- ‌وَقد حكمُوا على قَاتل عَبده

- ‌وَأما قَاتل الْخَطَأ

- ‌وعَلى الْجُمْلَة

- ‌مُطَالبَة وَهِي أَنا نقُول لَهُم

- ‌مَسْأَلَة فِي الصلوبية وَقَوْلهمْ فِيهَا

- ‌قَالُوا

- ‌ مِنْهَا

- ‌‌‌وَمِنْهَا

- ‌وَمِنْهَا

- ‌وَمِنْهَا

- ‌مَسْأَلَة فِي تَركهم الْخِتَان

- ‌فأولها

- ‌وَثَانِيها

- ‌وَثَالِثهَا

- ‌وَرَابِعهَا

- ‌وَهل يصلح الْعَطَّار مَا أفسد الدَّهْر

- ‌مَسْأَلَة فِي أعيادهم المصانة

- ‌مَسْأَلَة فِي قُرْبَانهمْ

- ‌أَحدهَا

- ‌مَسْأَلَة فِي تقديسهم دُورهمْ وَبُيُوتهمْ بالملح

- ‌مَسْأَلَة فِي تصليبهم على وُجُوههم فِي صلَاتهم

- ‌مَسْأَلَة فِي قَوْلهم فِي النَّعيم وَالْعَذَاب الأخراوين

- ‌الْفَنّ الثَّانِي

- ‌تمهيد

- ‌أَحدهمَا

- ‌وَالْغَرَض الثَّانِي

- ‌وَفِي هَذَا الْفَنّ فصلان

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌مُلْحق

- ‌المبحث الثَّالِث

- ‌أَولا النبوءات

- ‌يَوْم الرب

- ‌ثَانِيًا تَغْيِير التَّوْرَاة

- ‌عالمية الْملَّة النَّصْرَانِيَّة

الفصل: ‌مسألة في قولهم في النعيم والعذاب الأخراوين

ثمَّ نقُول لَهُم هَذِه الصَّلَاة الَّتِي يصلب فِيهَا على الْوَجْه أفضل أم الصَّلَاة الَّتِي لَا يصلب فِيهَا فَإِن قَالُوا الصَّلَاة الَّتِي يصلب فِيهَا فيلزمكم على هَذَا أَن تكون صلَاتهم أفضل من صَلَاة الْمَسِيح وَكفى هَذَا شناعة وحماقة وَإِن كَانَت الصَّلَاة الَّتِي لَا يصلب فِيهَا هِيَ الْأَفْضَل فَيَنْبَغِي أَلا تَفعلُوا مَالا فَضِيلَة فِيهِ وَهَذَا كُله يبين أَن هَؤُلَاءِ الْقَوْم لَا يعولون على الْأَنْبِيَاء فِي أحكامهم وَلَا يرجعُونَ إِلَى قوانينهم بل يعولون على أغراضهم وشهواتهم

فَلَقَد تمكن الشَّيْطَان مِنْهُم فأضلهم حَتَّى استدرجهم عَن الشَّرَائِع وأزلهم

فَهَذِهِ الْمسَائِل الَّتِي ذَكرنَاهَا هِيَ من مُعظم قواعدهم وأصولهم وَإِذا كَانَ عَمَلهم فِي هَذِه الْقَوَاعِد مثل مَا رَأَيْت فناهيك بفروعهم ولنقتصر على مَا ذكرنَا إِذْ فِيهِ تَنْبِيه على مَا لم نذْكر ثمَّ إِن أحوجونا إِلَى مزِيد تتبعنا كبار كتبهمْ بِأَن ننقضها حرفا حرفا ونبين فَسَادهَا لفظا لفظا

بقيت علينا مَسْأَلَة وَاحِدَة وَهِي بَيَان إعتقاداتهم فِي الدَّار الْآخِرَة وعذابها وَنَعِيمهَا وَبهَا اختتام هَذَا الْفَنّ إِن شَاءَ الله تَعَالَى

‌مَسْأَلَة فِي قَوْلهم فِي النَّعيم وَالْعَذَاب الأخراوين

قَالَ صَاحب كتاب الْمسَائِل

لسنا نَنْتَظِر فِي الْمُكَافَأَة الإلهية شَيْئا من الأرضيات الفانيات كَالَّذي ينتظره شيعَة ملسيان وَلَا تَزْوِيج العرائس كَالَّذي يشتهيه جرنش ومركش وَلَا مَا ينتسب إِلَى الْمَأْكُول والمشروب كَالَّذي يسوغه بابيه وَجَمَاعَة وَلَا نَنْتَظِر أَن يكون ملك الْمَسِيح فِي الأَرْض ألف سنة بعد الْقِيَامَة ليمتلك الصالحون مَعَه متنعمين كتعليم قابوش الَّذِي خيل بقيامتين الأولى للصالحين وَالثَّانيَِة للْكَافِرِينَ فَقَالَ إِن مَا بَين هَاتين القيامتين تمسك الأحباس الجاهلة بِاللَّه فِي زَوَايَا الأَرْض فِي أجسامهم ثمَّ يحملهم الشَّيْطَان بعد تملك الصَّالِحين فِي الأَرْض ألف سنة على محاربة الصَّالِحين المتملكين فيدفعهم الله عَنْهُم بأمطار النيرَان مُحَاربًا عَنْهُم فيموتون هَكَذَا

ص: 432

مَعَ سَائِرهمْ الَّذين مَاتُوا فِي الْكفْر ثمَّ يحيون فِي لحم غير متغير للعذابات الدائمة

قد بَين هَذَا الْمُتَكَلّم الحاكي خبط النَّصَارَى وإختلاف فرقها فِي هَذِه الْمَسْأَلَة بِمَا أغْنى عَن الْبَحْث عَن كثير من فرقهم على أَن فرقهم لَا تَنْحَصِر وإختلافهم لَا يَنْضَبِط فَإِن إختلافهم كإختلاف المجانين إِذا اجْتَمعُوا فَكل وَاحِد مِنْهُم يتَكَلَّم بِمَا لَا يعقل وَمَا لَا حجَّة لَهُ عَلَيْهِ وَلَا معول

لَكِن مَذْهَب جماهيرهم ومعظمهم وَمن ينتسب إِلَى التدين مِنْهُم أَن الْخلق لابد أَن يجتمعوا فِي الْقِيَامَة وَأَن عِيسَى محاسبهم فينعم ويعذب لَكِن لَيْسَ عذَابا بنيران وسلاسل وأغلال وَغير ذَلِك مِمَّا نعتقده نَحن وَلَيْسَ نعيما أَيْضا بمأكول ومشروب والتذاذ بِنِكَاح

وَيُشبه وَالله أعلم مَذْهَبهم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة مَذْهَب الفلاسفة حَيْثُ يُنكرُونَ الْعَذَاب المحسوس وَالنَّعِيم ويصرفون ذَلِك إِلَى الإلتذاذ الروحاني لكِنهمْ لَا يصرحون بِهِ كَمَا تصرح بِهِ الفلاسفة إِذْ لَا يقدرُونَ على تَبْيِين أغراضهم لقصورهم وَنحن نتكلم هُنَا مَعَ من يُنكر ذَلِك من المتشرعين فَإِنَّهُم قد اجْتَمعُوا على إعادتنا كَمَا كُنَّا أول مرّة إِذْ قد اجْتمعت على ذَلِك الشَّرَائِع كلهَا من غير اخْتِلَاف بَينهَا فِيهِ

فَنَقُول لمنكر ذَلِك لَا يَخْلُو أَن مَا تنكره أما من جِهَة الْعقل أَو من جِهَة الشَّرْع فَإِن قَالَ من جِهَة الْعقل قُلْنَا لَهُ كذبت وأخطأت فَإِن الْعقل لَا يدل على اسْتِحَالَة ذَلِك بل يدل على جَوَازه إِذْ لَيْسَ فِي ذَلِك إِلَّا أَن الَّذِي خلقنَا أول مرّة ومكننا أَن نتنعم نعيما محسوسا ونتألم ألما محسوسا قَادر على أَن يعيدنا بعد أَن يفنينا كَمَا بدأنا

فَإِن الْإِعَادَة إِنَّمَا هِيَ خلق ثَان وَمن قدر على الْخلق الأول قدر على الْخلق الثَّانِي وَهَذَا مَعْلُوم بِنَفسِهِ فَهُوَ إِذن فعل مُمكن فِي نَفسه لَيْسَ من قبيل الْمُمْتَنع وَالله تَعَالَى قَادر على كل مُمكن فَيجب وَصفه بِالْقُدْرَةِ على ذَلِك فَإِن قَالُوا إِن كَانَ فِي الْجنَّة أكل

ص: 433

وشراب وَنِكَاح ولباس فَيلْزم عَلَيْهِ أَن يكون فِي الْجنَّة غَائِط وَبَوْل وولادة وتمزيق الثِّيَاب وتخريقها

وكل ذَلِك محَال أَن يكون فِي الْجنَّة قُلْنَا هَذَا جهل وَلَا يلْزم شَيْء مِمَّا ذكرْتُمْ فِيهَا بل نقُول هُنَاكَ أكل وَشرب وَلَيْسَ هُنَالك غَائِط وَلَا بَوْل وَهَذَا غير مُنكر إِذْ لَا يلْزم فِي كل طَعَام أَن يكون لَهُ فضلَة وَلَو سلمنَا أَن تكون لَهُ فضلَة لما لزم أَن يكون فضلَة مستقذرة بل قد تكون فضلات كَثِيرَة طيبا يتطيب بِهِ وَشَرَابًا يشرب مثل الْمسك فَإِنَّهُ دم حَيَوَان أَو رجيعه أَو الْعَسَل فَإِنَّهُ فضل حَيَوَان مَعْرُوف وَلَيْسَ شَيْء من ذَلِك مستقذرا بل هُوَ مستطاب مستلذ وَلَا يبعد أَن تكون فضلات الْجنَّة بل هُوَ هَكَذَا

وَقد جَاءَنَا على لِسَان الصَّادِق أَن أهل الْجنَّة لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ إِنَّمَا هُوَ عرق يجرى من أَجْسَادهم مثل الْمسك

وَأما الْحمل فَلَا يلْزم شَيْء مِنْهُ إِذْ قد نجد من النِّسَاء العواقر وَهن اللواتي لَا يلدن فَكَذَلِك نسَاء أهل الْجنَّة لَا يلدن وَلَا يحضن

وَأما اللبَاس فَلَا يتمزق وَلَا يفنى وَفِي لِبَاس بني إِسْرَائِيل فِي المفاز دَلِيل على بطلَان مَا يخيل هَذَا السَّائِل فَالَّذِي يبْقى الثِّيَاب إِلَى مُدَّة قَادر على أَن يبقيها أَبَد الآبدين

وَهَذِه أُمُور لَا ينكرها إِلَّا كل غبي جَاهِل لَيْسَ لَهُ مَعْقُول حَاصِل فَإِذا دلّ الْعقل على جَوَازه فَيَنْبَغِي أَن يسْتَدلّ على وُقُوع ذَلِك ووجوده بِكَلَام الصَّادِقين صلوَات الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ فَنَقُول لمنكر ذَلِك شرعا

لَا يَصح لَك أَن تستدل على إنكارك بِشَيْء من كَلَام الْأَنْبِيَاء إِذْ لَا تَجدهُ بل سنريك نُصُوص كَلَامهم على إثْبَاته

مِنْهَا أَن من الْمَعْلُوم أَن آدم عليه السلام كَانَ يَأْكُل فِي الْجنَّة وَيشْرب وينكح فَإِن قَالُوا الْجنَّة الَّتِي كَانَ فِيهَا آدم قبل هُبُوطه إِلَى الأَرْض إِنَّمَا كَانَت فِي الأَرْض وَهِي جنَّة عدن الَّتِي قَالَ فِيهَا فِي التَّوْرَاة وغرس الله فردوسا بعدن من قبل وَأَسْكَنَهُ آدم

ص: 434

وَإِنَّمَا كَانَت تِلْكَ بستانا من بساتين الدُّنْيَا قُلْنَا لَيْسَ فِي التَّوْرَاة نَص قَاطع يدل على أَن الْجنَّة الَّتِي يرجع النَّاس إِلَيْهَا يَوْم الْجَزَاء لَيست هِيَ الَّتِي أسكن الله فِيهَا آدم بل التَّوْرَاة مُحْتَملَة لذَلِك وَأما كتَابنَا فَيدل على أَنَّهَا هِيَ

ثمَّ لَو سلمنَا أَنَّهَا لَيست هِيَ لحصل لنا من ذَلِك دَلِيل جَوَاز الْأكل وَالشرب وَالنِّكَاح فِي الْجنَّة فَإِنَّهُ كَمَا جَازَ أَن آدم أكل وَشرب فِيهَا كَذَلِك يجوز أَن يَأْكُل وَيشْرب وينكح فِي الْجنَّة الَّتِي يرجعُونَ إِلَيْهَا وَهَذَا بَين بِنَفسِهِ عِنْد الْمنصف

وَمِنْهَا أَن فِي الْإِنْجِيل أَن الْمَسِيح قَالَ لتلاميذه لَيْلَة أكل مَعَهم الفصح وَقد سقاهم كأسا من الْخمر وَقَالَ لَهُم إِنِّي لَا أشربها مَعكُمْ أبدا حَتَّى تشربوها معي فِي الملكوت عَن يَمِين الله وَهَذَا نَص لَا يحْتَمل التَّأْوِيل إِلَّا مَعَ ضعف وَفِيه أَيْضا فِي قصَّة العازر الَّذِي كَانَ مطروحا على بَاب الْغنى وَالْكلاب تلحس جراح قروحه وَأَن ذَلِك الْغنى نظر إِلَيْهِ فِي الْجنَّة مُتكئا على حجر إِبْرَاهِيم الْخَلِيل فناداه الْغنى وَهُوَ فِي النَّار يَا أبي إِبْرَاهِيم ابْعَثْ العازر إِلَى بِشَيْء من مَاء أبل بِهِ لساني وَهَذَا نَص آخر أبين من الأول

وَفِيه أَيْضا أَنه قَالَ للْيَهُود يَا ثعابين بني الأفاعي كَيفَ لكم والنجاة من عَذَاب النَّار

وَفِيه أَيْضا أَن الْجَمَاعَة قَالَت للمسيح بِكفْر ناحوم مَتى جِئْت إِلَى هُنَا يَا معلم فَقَالَ لَهُم آمين آمين أَقُول لكم تطلبونني لَيْسَ لأنكم رَأَيْتُمْ عجائب بل لأنكم أكلْتُم من الْخبز فشبعتم فارغبوا فِي طَعَام لَا يفنى فِي الْجنَّة الدائمة

وَفِيه أَيْضا أَنه قَالَ لتلاميذه فِي وَصِيَّة وصاهم بهَا لتطعمن ولتشربن فِي مائدتي فِي ملك الله

ص: 435

وَفِيه أَيْضا أَنه قَالَ للْيَهُود إِن كَانَ مُوسَى أطْعمكُم خبْزًا فِي المفاز فَأَنا أطْعمكُم خبْزًا سماويا يُرِيد الْجنَّة

وَقَالَ أشعياء يَا معشر العطاش توجهوا إِلَى المَاء الْورْد وَمن لَا فضَّة لَهُ فليذهب وليأكل وَيشْرب وَيَأْخُذ من الْخبز وَاللَّبن بِغَيْر فضَّة وَلَا ثمن

وَهَذَا كثير فِي كتب الْأَنْبِيَاء بِلَا شكّ وَلَا إمتراء فَإِن قَالُوا فلأي معنى لم يُصَرح مُوسَى فِي التَّوْرَاة بذلك وبأخبار الْقِيَامَة قُلْنَا الله وَرَسُوله أعلم وعَلى سَبِيل التَّنْبِيه تحْتَمل وُجُوهًا

أَحدهَا لعتو بني إِسْرَائِيل وتمردهم ولكلال أفهامهم

ثَانِيهَا لبعد زمَان ذَلِك

ثَالِثهَا ليعجل لَهُم جَزَاء أَعْمَالهم فَإِنَّمَا كَانُوا يهددون ويخوفون بالعقوبات العاجلة ويوعدون باللذات العاجلة من الْملك وتكثير الرزق وخصب الْبِلَاد إِلَى غير ذَلِك

رَابِعهَا لِأَنَّهُ قد كَانَ سبق فِي علم الله تَعَالَى أَنه يُرْسل رَسُولا فِي آخر الزَّمَان لَيْسَ بعده نَبِي وَلَا رَسُول يبين أُمُور الْآخِرَة بَيَانا شافيا وَهُوَ مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَذَلِكَ لقرب الْقِيَامَة من زَمَانه وليحصل لنبينا صلى الله عليه وسلم من فَضِيلَة الْعلم والأعلام مَا لم يحصل لأحد غَيره ولتختص أمته بِعلم لَيْسَ لأحد غَيرهَا وَهَذَا الْوَجْه هُوَ أقرب الْوُجُوه وَالله أعلم

وَيدل على ذَلِك قَوْله فِي التَّوْرَاة حِين بشر بنبينا عليه السلام وَذكر كثيرا من علاماته وَمَعَهُ كتاب نَارِي وَقد تقدم ذكر ذَلِك وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَيْضا أَنَّك لَا تَجِد عِنْد أمة من الْأُمَم من أَخْبَار الْقِيَامَة أُمُور الْآخِرَة مَا عِنْدهم

ص: 436

فَالْحَمْد لله الَّذِي جعل لنا كل الْفَضَائِل وخصنا بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم خير نَبِي وفاضل

فقد ظهر من هَذَا النّظر أَن مَا انتحلوه من إِنْكَار النَّعيم وَالْعَذَاب المحسوسين بَاطِل بِشَهَادَة الْعُقُول وبنصوص كَلَام الْأَنْبِيَاء الْمَنْقُول

وَقد فَرغْنَا فِي الْفَنّ الأول وَالْحَمْد لله كثيرا

ص: 437