المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ومما يدل على أنهم من كتابهم وشرعهم على غير علم - الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌صدر الْكتاب

- ‌فصل

- ‌فِي بَيَان مذاهبهم فِي الأقانيم وَإِبْطَال قَوْلهم فِيهَا

- ‌أقانيم الْقُدْرَة وَالْعلم والحياة

- ‌دَلِيل التَّثْلِيث

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌فِي حِكَايَة كَلَام السَّائِل وَ‌‌الْجَوَاب عَنهُ

- ‌الْجَوَاب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌فِي حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌وَالْجَوَاب عَن قَوْله

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌فِي حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَن مَا ذكر

- ‌الْفَصْل الرَّابِع

- ‌فِي حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الْخَامِس

- ‌قَالُوا

- ‌الْجَواب عَن مَا ذكره الْمصدر كَلَامه

- ‌فِي بَيَان مذاهبهم فِي الإتحاد والحلول وَإِبْطَال قَوْلهم فِيهَا

- ‌معنى الإتحاد

- ‌تجسد الْوَاسِطَة

- ‌مَذْهَب أغشتين إِذْ هُوَ زعيم القسيسين

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌فِي حِكَايَة كَلَام هَذَا السَّائِل

- ‌الْجَواب عَن كَلَامه

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌من حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌من حِكَايَة كَلَام السَّائِل

- ‌الْجَواب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الرَّابِع

- ‌من حِكَايَة كَلَامه

- ‌الْجَواب عَمَّا ذكره

- ‌الْفَصْل الْخَامِس

- ‌الْجَواب عَن كَلَامهم

- ‌ف {هاتوا برهانكم إِن كُنْتُم صَادِقين}

- ‌مِنْهَا

- ‌وَنور بعد ذَلِك إلزامات لَهُم

- ‌إِلْزَام آخر

- ‌إِلْزَام آخر يظْهر تناقضهم

- ‌ثمَّ نقُول تَحْقِيقا لالزام الْجَمِيع

- ‌إِلْزَام آخر وَطَلَبه

- ‌مِنْهَا

- ‌‌‌وَمِنْهَا

- ‌وَمِنْهَا

- ‌إِلْزَام آخر

- ‌‌‌إِلْزَام آخر

- ‌إِلْزَام آخر

- ‌إِلْزَام آخر

- ‌الْفَصْل السَّادِس

- ‌نُكْتَة أُخْرَى

- ‌كمل الْبَاب الثَّانِي وبكماله كمل الْجُزْء الأول الحمدلله حق حَمده وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَسلم يتلوه الثَّانِي

- ‌الْإِعْلَام

- ‌فِي النبوات وَذكر كَلَامهم

- ‌الْقسم الأول

- ‌احتجاج أَصْحَاب الْملَل

- ‌الْجَواب عَن كَلَامه يَا هَذَا أسهبت وأطنبت وبحبة خَرْدَل مَا أتيت كثر كلامك فَكثر غلطك وَقلت فَائِدَته فَظهر قصورك وسقطك وَمن كثر كَلَامه كثر سقطه وَمن كثر سقطه كَانَت النَّار أولى بِهِ أعميت لجهلك بلحنه وَلم تتفطن لتثبيجه ولحنه فَلَقَد استسمنت ذَا ورم ونفخت فِي غير ضرم

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌فِي حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌فَافْهَم الْجَواب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌من حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَمَّا ذكر

- ‌فصل

- ‌فَأول دَلِيل

- ‌فصل فِي بَيَان أَن الْإِنْجِيل لَيْسَ بمتواتر وَبَيَان بعض مَا وَقع فِيهِ من الْخلَل

- ‌الْفَصْل السَّابِع

- ‌من حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَمَّا ذكر

- ‌‌‌وَأما قَوْلك

- ‌وَأما قَوْلك

- ‌وَأما قَوْلك

- ‌وَأما قَوْلك

- ‌وَأما قَوْلك

- ‌الْقسم الثَّانِي

- ‌الْمُقدمَة الأولى

- ‌فَأَما المعجزة

- ‌وَأما وَجه دلالتها

- ‌الْمُقدمَة الثَّانِيَة

- ‌وَمِمَّا يدل على أَنهم من كِتَابهمْ وشرعهم على غير علم

- ‌ من ذَلِك

- ‌الْإِعْلَام بِمَا فِي دين النَّصَارَى من الْفساد والأوهام وَإِظْهَار محَاسِن دين الْإِسْلَام وَإِثْبَات نبوة نَبينَا مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام

- ‌الْجُزْء الثَّالِث

- ‌أَنْوَاع الْقسم الثَّانِي

- ‌نقُول

- ‌النَّوْع الأول

- ‌فَمن ذَلِك

- ‌وَمن ذَلِك

- ‌وَمن ذَلِك

- ‌وَفِي التَّوْرَاة

- ‌وَمن ذَلِك مَا جَاءَ فِي الزبُور

- ‌أخبرونا

- ‌‌‌وَفِي الزبُور أَيْضا

- ‌وَفِي الزبُور أَيْضا

- ‌وَفِيه أَيْضا

- ‌وَقد تقدم قَول دَاوُود

- ‌وَفِي الزبُور

- ‌وَفِيه أَيْضا عَن يوحنا

- ‌‌‌وَفِيه أَيْضا

- ‌وَفِيه أَيْضا

- ‌وَفِيه أَيْضا

- ‌فَالْجَوَاب

- ‌وَفِي الْإِنْجِيل أَيْضا

- ‌وَفِي صحف أشعياء النَّبِي

- ‌وَفِي صحف حزقيال النَّبِي

- ‌وَقَالَ أشعياء

- ‌وَفِي صحف حبقوق النَّبِي الَّتِي بِأَيْدِيكُمْ

- ‌‌‌وَفِي صحف أشعياء النَّبِيقَالَ

- ‌وَفِي صحف أشعياء النَّبِي

- ‌وَفِي صحفه أَيْضا

- ‌وَفِي الصُّحُف المنسوبة للإثنى عشر نَبيا

- ‌وَفِي صحف حزقيال النَّبِي

- ‌وَقَالَ دانيال النَّبِي

- ‌وَفِي نفس النَّص

- ‌ثمَّ قَالَ

- ‌وَفِي صحف أشعياء

- ‌وَقَول أشعياء

- ‌وَقَالَ أَيْضا عَن الله

- ‌وَقَالَ على أثر ذَلِك

- ‌وَقَالَ أشعياء أَيْضا عَن الله

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌وَمن أوضح ذَلِك وأبينه

- ‌وَيَنْبَغِي الْآن أَن يعرف الجاحد وَالْجَاهِل بعض مَا خص بِهِ من صِفَات الْكَمَال والفضائل

- ‌اعْلَم أَنا

- ‌فَمن ذَلِك

- ‌قَالَ ناعته

- ‌يَقُول ناعته

- ‌وَأما فصاحة لِسَانه

- ‌وَأما نسبه

- ‌وَأما عزة قومه

- ‌أما سفساف الْأَخْلَاق ودنيها

- ‌وَأما قُوَّة عقله وَعلمه

- ‌أما الْأُمُور المصلحية

- ‌فأصول الشَّرِيعَة وَإِن تعدّدت صورها فَهِيَ رَاجِعَة إِلَى هَذِه الْخَمْسَة

- ‌وَأما الدِّمَاء

- ‌وَأما الْأَمْوَال

- ‌وَأما الْعُقُول

- ‌وَأما حفظ الْأَنْسَاب وصيانة إختلاط الْمِيَاه فِي الْأَرْحَام

- ‌وَأما الْمُحَافظَة على الْأَدْيَان وصيانتها

- ‌وَأما صبره وحلمه

- ‌وَأما تواضعه

- ‌وَأما عدله وَصدقه صلى الله عليه وسلم وأمانته وَصدق لهجته

- ‌وَأما زهده

- ‌وَأما كَثْرَة جوده وَكَرمه

- ‌وَأما وفاؤه بالعهد

- ‌يَا هَذَا تَأمل بعقلك

- ‌وَأما حسن سمته وتؤدته وَكثير حيائه ومروءته

- ‌وَمِمَّا يدلك على عَظِيم شجاعته

- ‌وَأما خَوفه من الله تَعَالَى وإجتهاده فِي عِبَادَته

- ‌خَاتِمَة جَامِعَة فِي صِفَاته وشواهد صدقه وعلاماته

- ‌النَّوْع الثَّالِث

- ‌وَالْجَوَاب من وَجْهَيْن

- ‌الْوَجْه الثَّانِي من الْجَواب

- ‌فَإِن قيل

- ‌الْجَواب

- ‌معَارض

- ‌فَإِن قيل

- ‌فَالْجَوَاب

- ‌الْوَجْه الأول

- ‌أَن لِسَان الْعَرَب مباين للسان غَيرهم

- ‌الْوَجْه الثَّانِي

- ‌الْوَجْه الثَّالِث

- ‌الْوَجْه الرَّابِع

- ‌النَّوْع الرَّابِع

- ‌الْفَصْل الأول فِي إنشقاق الْقَمَر

- ‌الْفَصْل الثَّانِي فِي حبس الشَّمْس آيَة لَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الثَّالِث نبع المَاء وتكثيره معْجزَة لَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الرَّابِع تَكْثِير الطَّعَام معْجزَة لَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الْخَامِس فِي كَلَام الشّجر وَكثير من الجمادات وشهادتها لَهُ بِالنُّبُوَّةِ

- ‌النَّوْع الأول

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌الْفَصْل السَّادِس فِي كَلَام ضروب من الْحَيَوَان وتسخيرهم آيَة لَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌النَّوْع الأول

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌الْفَصْل السَّابِع فِي إحْيَاء الْمَوْتَى وَكَلَام الصّبيان والمراضع وشهادتهم لَهُ بِالنُّبُوَّةِ

- ‌الْفَصْل الثَّامِن فِي إِبْرَاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم المرضى وَذَوي العاهات

- ‌الْفَصْل التَّاسِع فِي إِجَابَة دُعَائِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الْعَاشِر فِي ذكر جمل من بركاته ومعجزاته صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الْحَادِي عشر فِي مَا أخبر بِهِ مِمَّا أطلعه الله من الْغَيْب صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الثَّانِي عشر فِي عصمَة الله لَهُ مِمَّن أَرَادَ كَيده

- ‌فَإِن قَالَ قَائِل من النَّصَارَى والمخالفين لنا

- ‌قُلْنَا فِي الْجَواب عَن ذَلِك

- ‌الْفَصْل الثَّالِث عشر فِي مَا ظهر على أَصْحَابه وَالتَّابِعِينَ لَهُم من الكرامات الخارقة للعادات

- ‌أَحدهمَا أَن نبين أَن مَا ظهر على أَصْحَابه وعَلى أهل دينه من الكرامات هُوَ آيَة لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أعظم الْآيَات وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى إِذا أكْرم وَاحِدًا مِنْهُم بِأَن خرق لَهُ عَادَة فَإِن ذَلِك يدل على أَنه على الْحق وَأَن دينه حق إِذْ لَو كَانَ مُبْطلًا فِي دينه مُتبعا لمبطل فِي

- ‌وَالْغَرَض الثَّانِي

- ‌من ذَلِك مَا علمنَا من أَحْوَالهم على الْقطع

- ‌وَأما التابعون

- ‌وَبعد هَذَا

- ‌انْتهى الْجُزْء الثَّالِث من كتاب الْإِعْلَام بِمَا فِي دين النَّصَارَى من الْفساد والأوهام وَإِظْهَار محَاسِن دين الْإِسْلَام وَإِثْبَات نبوة نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم ويليه الْجُزْء الرَّابِع بِإِذن الله وأوله الْبَاب الرَّابِع فِي بَيَان أَن النَّصَارَى متحكمون فِي أديانهم وَأَنَّهُمْ لَا مُسْتَند لَهُم فِي

- ‌الْإِعْلَام بِمَا فِي دين النَّصَارَى من الْفساد والأوهام وَإِظْهَار محَاسِن دين الْإِسْلَام وَإِثْبَات نبوة نَبينَا مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام

- ‌تَقْدِيم وَتَحْقِيق وَتَعْلِيق الدكتور أَحْمد حجازي السقا

- ‌فِي بَيَان أَن النَّصَارَى متحكمون فِي أديانهم

- ‌الصَّدْر وَفِيه فصلان

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌قَالَ ذَلِك الْجَاهِل بعد ذكر الْمُحرمَات

- ‌الْفَنّ الأول

- ‌مَسْأَلَة فِي المعمودية

- ‌مَسْأَلَة فِي غفران الأساقفة والقسيسين ذنُوب المذنبين وإختراعهم الْكَفَّارَة للعاصين

- ‌مِثَال الْقسم الأول العابثون بالصبيان

- ‌وَمِثَال الثَّانِي نِكَاح الْقرَابَات

- ‌وَأما الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَة

- ‌مِثَال مَا يغرمون فِيهِ الْأَمْوَال

- ‌وَقد حكمُوا على قَاتل عَبده

- ‌وَأما قَاتل الْخَطَأ

- ‌وعَلى الْجُمْلَة

- ‌مُطَالبَة وَهِي أَنا نقُول لَهُم

- ‌مَسْأَلَة فِي الصلوبية وَقَوْلهمْ فِيهَا

- ‌قَالُوا

- ‌ مِنْهَا

- ‌‌‌وَمِنْهَا

- ‌وَمِنْهَا

- ‌وَمِنْهَا

- ‌مَسْأَلَة فِي تَركهم الْخِتَان

- ‌فأولها

- ‌وَثَانِيها

- ‌وَثَالِثهَا

- ‌وَرَابِعهَا

- ‌وَهل يصلح الْعَطَّار مَا أفسد الدَّهْر

- ‌مَسْأَلَة فِي أعيادهم المصانة

- ‌مَسْأَلَة فِي قُرْبَانهمْ

- ‌أَحدهَا

- ‌مَسْأَلَة فِي تقديسهم دُورهمْ وَبُيُوتهمْ بالملح

- ‌مَسْأَلَة فِي تصليبهم على وُجُوههم فِي صلَاتهم

- ‌مَسْأَلَة فِي قَوْلهم فِي النَّعيم وَالْعَذَاب الأخراوين

- ‌الْفَنّ الثَّانِي

- ‌تمهيد

- ‌أَحدهمَا

- ‌وَالْغَرَض الثَّانِي

- ‌وَفِي هَذَا الْفَنّ فصلان

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌مُلْحق

- ‌المبحث الثَّالِث

- ‌أَولا النبوءات

- ‌يَوْم الرب

- ‌ثَانِيًا تَغْيِير التَّوْرَاة

- ‌عالمية الْملَّة النَّصْرَانِيَّة

الفصل: ‌ومما يدل على أنهم من كتابهم وشرعهم على غير علم

‌الْمُقدمَة الثَّانِيَة

وَأما الْمُقدمَة الثَّانِيَة

فالغرض مِنْهَا أَن تتبين فِيهَا أَن عِيسَى عليه السلام ظَهرت المعجزات على يَدَيْهِ وتحدى بهَا الْخلق ليؤمنوا أَنه رَسُول الله لَا ليؤمنوا بِأَنَّهُ إِلَه وَأَن النَّصَارَى غير عَالمين بمعجزات عِيسَى عليه السلام إِذْ لم تتوافر عِنْدهم فَنَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق

إِن النَّصَارَى غايتهم أَن يسندوا معجزات عِيسَى عليه السلام لما فِي أَيْديهم من الْإِنْجِيل وَهُوَ لم يتواتر نَقله وَلَا أَمن التحريف والغلط فِيهِ على مَا تقرر قبل وَإِذا كَانَ هَذَا فَكل مَا فِي أَيْديهم من الْأَخْبَار عَنهُ فِي الْإِنْجِيل لَا تفِيد الْعلم الْقطعِي وَغَايَة ذَلِك أَن تفِيد غَلَبَة ظن

وَالظَّن فِي الإعتقاد بِمَنْزِلَة الشَّك بل هُوَ شكّ فَإِذن هم من معجزات عِيسَى فِي شكّ وهم لَا يَشْعُرُونَ بذلك الْإِفْك

‌وَمِمَّا يدل على أَنهم من كِتَابهمْ وشرعهم على غير علم

مَا استفاض فِي كتب التواريخ عندنَا وَعِنْدهم وَذَلِكَ أَن عِيسَى عليه السلام لما بَعثه الله تَعَالَى دَعَا بني إِسْرَائِيل للْإيمَان فَأَجَابَهُ من شَاءَ الله مِنْهُم فَلَمَّا رَفعه الله تَعَالَى استحلى النَّاس كَلَامه بعد ذَلِك حَتَّى بلغ عدد بني إِسْرَائِيل سبع مائَة رجل فَكَانُوا يجاهدون فِي بني إِسْرَائِيل وَيدعونَ الى الايمان فَقَامَ بولش الْيَهُودِيّ وَكَانَ هُوَ الْملك فِي بنى اسرائيل فحشد عَلَيْهِم الأجناد وَخرج عَلَيْهِ وَقَاتلهمْ فَهَزَمَهُمْ وأخرجهم من بِلَاد الشَّام حَتَّى انْتهى فَلهم إِلَى الدروب فأعجزوه فَقَالَ بولش الْملك لجنوده إِن كَلَام هَؤُلَاءِ لمستحلى وَقد قدمُوا على عَدوكُمْ وسيرجعونهم فِي ملتهم فيكثرون علينا فيخروجون إِلَيْنَا ويخرجوننا من بِلَاد الشَّام وَلَكِنِّي أرى لكم رَأيا قَالُوا وَمَا هُوَ قَالَ تعاهدوني على كل شَيْء كَانَ خيرا أَو شرا فَفَعَلُوا فَترك ملكه ثمَّ لبس لباسهم وَخرج إِلَيْهِم ليضلهم حَتَّى

ص: 241

انْتهى إِلَى عَسْكَرهمْ فَأَخَذُوهُ وَقَالُوا الحمدلله الَّذِي أخزاك أمكن مِنْك فَقَالَ لَهُم أَجمعُوا رؤوسكم فَإِنَّهُ لم يبلغ مني حمقي أَن آتيكم وَإِلَّا وَمَعِي برهَان فأبلغوه رؤوسهم

فَقَالُوا مَالك فَقَالَ إِنِّي لَقِيَنِي الْمَسِيح منصرفي عَنْكُم فَأخذ سمعى وبصري وعقلي فَلم أسمع وَلم أبْصر وَلم أَعقل ثمَّ كشف عني فَأعْطيت الله عهدا أَن أَدخل فِي أَمركُم فَأتيت لأقيم فِيكُم وَأعْلمكُمْ التورا وأحكامها فصدقوه فَأَمرهمْ أَن يبنوا لَهُ بَيْتا ويفرشوه رَمَادا ليعبد الله فِيهِ بِزَعْمِهِ وَيُعلمهُم التَّوْرَاة

فَفَعَلُوا وعلمهم مَا شَاءَ الله ثمَّ أغلق الْبَاب دونه فأطافوا بِهِ وَقَالُوا نخشى أَن يكون رأى شَيْئا يكرههُ ثمَّ فَتحه بعد يَوْم فَقَالُوا أَرَأَيْت شَيْئا تكرههُ قَالَ لَا وَلَكِنِّي رَأَيْت رَأيا وأعرضه عَلَيْكُم فَإِن كَانَ صَوَابا فَخُذُوهُ وَإِن كَانَ خطأ فردوني عَنهُ قَالُوا هَات قَالَ هَل رَأَيْتُمْ سارحة تسرح إِلَّا من عِنْد رَبهَا وَتخرج إِلَّا من حَيْثُ تُؤمر بِهِ قَالُوا لَا قَالَ فَإِنِّي رَأَيْت الصُّبْح وَاللَّيْل وَالشَّمْس وَالْقَمَر والبروج إِنَّمَا تَجِيء من هَا هُنَا وَمَا أوجب ذَلِك إِلَّا وَهُوَ أَحَق الْوُجُوه أَن يصل إِلَيْهِ قَالُوا صدقت فردهم عَن قبلتهم

ثمَّ أغلق الْبَاب بعد ذَلِك بيومين ففزعوا أشر من الأول وأطافوا بِهِ ففتحه فَقَالُوا أرايت شَيْئا تكرههُ قَالَ لَا وَلَكِنِّي رَأَيْت رَأيا قَالُوا هَات قَالَ ألستم تَزْعُمُونَ أَن الرجل إِذا أهْدى إِلَى الرجل الْهَدِيَّة وأكرمه بالكرامة فَردهَا شقّ ذَلِك عَلَيْهِ وَأَن الله تَعَالَى سخر لكم مَا فِي الأَرْض وَجعل مَا فِي السَّمَاء لكم كَرَامَة فَالله أَحَق أَن لَا ترد عَلَيْهِ كرامته

فَمَا بَال بعض الْأَشْيَاء حَلَال وَبَعضهَا حرَام مَا بَين البقة إِلَى الْفِيل حَلَال قَالُوا صدقت

ثمَّ أغلق بعد ذَلِك ثَلَاثًا ففزعوا أمثل من الثَّانِيَة فَلَمَّا فتح لَهُم قَالَ لَهُم إِنِّي رَأَيْت رَأيا قَالُوا هَات قَالَ لنخرج كل من فِي الْبَيْت إِلَّا يَعْقُوب ونسطور وملكون وَالْمُؤمن

فَفَعَلُوا فَقَالَ هَل علمْتُم أحدا من الْإِنْس خلق من الطين خلقا فَجعله فَصَارَ نفسا قَالُوا لَا قَالَ فَهَل علمْتُم أَن أحدا من الْإِنْس

ص: 242

أَبْرَأ الأكمه والأبرص وَأَحْيَا الْمَوْتَى قَالُوا لَا قَالَ هَل علمْتُم أَن أحدا من الْإِنْس يُنبئ النَّاس بِمَا يَأْكُلُون وَمَا يدخرون فِي بُيُوتهم قَالُوا لَا قَالَ فَإِنِّي أزعم أَن الله تَعَالَى تجلى لنا ثمَّ احتجب

فَقَالَ بَعضهم صدقت وَقَالَ بَعضهم لَا وَلكنه ثَلَاثَة وَالِد وَولد وروح الْقُدس وَقَالَ بَعضهم الله وَولده وَقَالَ بَعضهم هُوَ الله تجسم لنا

فافترقوا على أَربع فرق فَأَما يَعْقُوب فَأخذ بقول بولش إِن الله هُوَ الْمَسِيح وَأَنه كَانَ ثمَّ تجسم وَبِه أخذت شيعته وهم اليعقوبية وَأما نسطور فَقَالَ الْمَسِيح ابْن الله على جِهَة الرحمه وَبِه أخذت شيعته وهم النسطورية إِلَّا أَن شيعته لم تعتقد أَنه سمى إبنا على جِهَة الرَّحْمَة بل على مَا تقدم وَأما ملكون فَقَالَ إِن الله ثَلَاثَة وَبِه أخذت شيعته وهم الملكية الَّذين قَالُوا إِن الله ثَلَاثَة أقانيم فَقَامَ الْمُؤمن وَقَالَ لَهُم عَلَيْكُم لعنة الله وَالله مَا حاول هَذَا إِلَّا إفسادكم وَنحن أَصْحَاب الْمَسِيح قبله وَقد رَأينَا عِيسَى وَسَمعنَا مِنْهُ ونقلنا عَنهُ وَالله مَا حاول هَذَا إِلَّا ضلالتكم وفسادكم

فَقَالَ بولش للَّذين اتَّبعُوهُ قومُوا بِنَا نُقَاتِل هَذَا الْمُؤمن ونقتله هُوَ وَأَصْحَابه وَإِلَّا أفسد عَلَيْكُم دينكُمْ فَخرج الْمُؤمن إِلَى قومه وَقَالَ أَلَيْسَ تعلمُونَ أَن الْمَسِيح عبد الله وَرَسُوله وَكَذَا قَالَ لكم قَالُوا بلَى قَالَ فَإِن هَذَا الملعون قد أضلّ هَؤُلَاءِ الْقَوْم فَرَكبُوا فِي أَثَرهم

فقاتلوهم فَهزمَ الْمُؤمن وَأَصْحَابه وَكَانَ أقلهم تبعا فَخرج مَعَ قومه إِلَى الشَّام فأسرتهم الْيَهُود فَأَخْبرُوهُمْ الْخَبَر وَقَالُوا إِنَّمَا

ص: 243

خرجنَا إِلَيْكُم لنأمن فِي بِلَادكُمْ ومالنا فِي الدُّنْيَا من حَاجَة إِنَّمَا نلزم الكهوف والصوامع ونسيح فِي الأَرْض فَخلوا عَنْهُم

ثمَّ إِن قوما من أُولَئِكَ الَّذين كفرُوا فعلوا مثل مَا فعل قوم الْمُؤمن اتَّخذُوا الصوامع وساحوا وأظهروا الْبِدْعَة فَهُوَ قَول الله عز وجل {ورهبانية ابتدعوها مَا كتبناها عَلَيْهِم إِلَّا ابْتِغَاء رضوَان الله فَمَا رعوها حق رعايتها} يَعْنِي التَّوْحِيد اخْتلفُوا فِيهِ إِلَّا فرقة الْمُؤمن وَفِيهِمْ نزلت {فأيدنا الَّذين آمنُوا على عدوهم فَأَصْبحُوا ظَاهِرين} بالجهة وَظُهُور مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم

وَكَانَ هرب الْمُؤمنِينَ مِنْهُم إِلَى جَزِيرَة الْعَرَب فَأدْرك النَّبِي صلى الله عليه وسلم مِنْهُم ثَلَاثُونَ رَاهِبًا فآمنوا بِهِ وَصَدقُوهُ وتوفاهم الله على الْإِسْلَام

كَانَ هَذَا وَالله أعلم بعد الْمَسِيح بِأَرْبَعِينَ سنة أَو نَحْوهَا ثمَّ لم يزل أَمر الْمُؤمن وَأَصْحَابه خفِيا وَغَيرهم من الْفرق مُخْتَلفُونَ ويتهارجون وَلم يسْتَقرّ لَهُم قدم إِلَى مُدَّة قسطنطين قَيْصر الْملك ابْن هيلانة وَذَلِكَ بعد رفع الْمَسِيح بمائتين وَثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ سنة

وَذَلِكَ انه كثر عدوه وَكَاد ملكه يذهب بإختلاف رعاياه عَلَيْهِ وضعفهم وكسلهم عَن نصرته فرام حملهمْ على شَرِيعَة ينظم بهَا سلكهم ويؤلف بهَا متفرقهم فَاسْتَشَارَ من لَدَيْهِ من أهل النّظر فَوَقع اختيارهم على أَن يتعبد الْقَوْم بِطَلَب دم ليَكُون ذَلِك أقوى لارتباطهم مَعَه وأوكد لجدهم فِي نَصره فوجدوا الْيَهُود يَزْعمُونَ أَن فِي بعض تواريخهم خَبرا عَن رجل مِنْهُم هم أَن ينْسَخ حكم التَّوْرَاة وينفرد بالتأويل فِيهَا فعمدوا إِلَيْهِ وَهُوَ فِي نفر مِمَّن اتبعهُ وظفروا بِوَاحِد

ص: 244

مِنْهُم وَشهد لديهم رجل وَاحِد أَنه ذَلِك الْمَطْلُوب فصلبوه وَمَا عِنْدهم تَحْقِيق لكَونه ذَلِك الْمَطْلُوب بِعَيْنِه إِلَّا فقدهم إِيَّاه من حِينَئِذٍ

فَعِنْدَ ذَلِك عمد قسطنطين إِلَى من ينْسب إِلَى دين الْمَسِيح فَوَجَدَهُمْ قد اخْتلفت آراؤهم ومزجت أديانهم فاستخرج مَا بقى من رسم الشَّرِيعَة المنسوبة للمسيح وَجمع عَلَيْهَا وزراءه فَأثْبت مَا شَاءَ مِنْهَا وتحكم فِيهَا بإختياره حسب مَا رَآهُ مُوَافقا لَهُ بالصلوبية لتعبد قومه بِطَلَب دم وَالْقَوْل بترك الْخِتَان لِأَنَّهُ شَأْن قومه ثمَّ أكد ذَلِك وشده بمنامة إختلقها وَادّعى أَنه أوحى إِلَيْهِ فِيهَا

وَذَلِكَ أول شَيْء أظهره من هَذَا الْأَمر فَجمع أنصاره ورعاياه من الرّوم وَذَلِكَ على رَأس سبع سِنِين من مُدَّة ملكه وَقَالَ لَهُم إِنَّه كَانَ يرى فِي مَنَامه آتِيَا أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ بِهَذَا الرَّسْم تغلب وَعرض عَلَيْهِ هَيْئَة الصَّلِيب فأعظمت ذَلِك الْعَامَّة وإنفعلت لما سَمِعت مِنْهُ ثمَّ بعث إِلَى إمرأة فِي ذَلِك الزَّمَان يُقَال لَهَا الأنه كاهنة وَكَانَت ذَات جأش وَقُوَّة فَشَهِدت لَهُ أَنَّهَا رَأَتْ مثل مَا رأى فقوى تَصْدِيق الْعَامَّة لذَلِك

وَفِي هَذَا كُله لَا يعلمُونَ لذَلِك الرَّسْم تَأْوِيلا وَلَا كَانَ قسطنطين كشف لَهُم شَيْئا من أمره فَخرج بهم إِلَى عدوه وَوعظ قومه وهول عَلَيْهِم أَمر الرَّسْم فَحصل لَهُ كل مَا أَرَادَهُ من جد الْقَوْم وإجتهادهم مَعَه فَلَمَّا عَادوا إِلَى أوطانهم بعد الظفر بعدوهم سَأَلُوهُ عَن تَأْوِيل ذَلِك الرَّسْم وألحوا عَلَيْهِ فِيهِ فَقَالَ لَهُم قد أوحى إِلَى فِي نومي أَنه كَأَن الله تبارك وتعالى هَبَط من السَّمَاء إِلَى الأَرْض فصلبته الْيَهُود فهالهم ذَلِك كثيرا مَعَ مَا حصل عِنْدهم من تَصْدِيقه وَعظم عَلَيْهِم الْخطب فِيهِ فإنقادوا إِلَى قسطنطين إنقيادا حسنا وَصَحَّ لَهُ مِنْهُم مَا أَرَادَهُ وَشرع لَهُم هَذِه الشَّرَائِع الَّتِي بِأَيْدِيهِم الْيَوْم أَو أَكْثَرهَا

ص: 245

وَقد ظهر لجَماعَة من أهل الْعلم بأحوال الْأُمَم وبنوازل الْأَزْمَان أَن هَذَا الشَّخْص الَّذِي تعظمه النَّصَارَى وتصفه بالإلهية لم يكن لَهُ وجود فِي الْعَالم وَلَكِن قسطنطين إبتدع ذَلِك كُله وَاتفقَ مَعَ نفر من الْيَهُود من أَحْبَارهم على أَن يبْذل لَهُم من مَتَاع الدُّنْيَا مَا شَاءُوا وَيشْهدُونَ لَهُ عِنْد قومه بِأَن ذَلِك الشَّخْص كَانَ عِنْد الْيَهُود فصلبته فَفَعَلُوا وَكَتَبُوا من أخباره شَيْئا فتلقت ذَلِك النَّصَارَى وقبلوه ودانوا بِهِ وَلَعَلَّه أَكثر الْإِنْجِيل الَّذِي بِأَيْدِيهِم الْيَوْم

ولتعلم أَن هَذِه الْأَخْبَار الَّتِي ذَكرنَاهَا لَا يُمكنهُم إِنْكَار جُمْلَتهَا وَإِن أَنْكَرُوا بعض تفاصيلها لكَون هَذِه الْقَصَص مَعْرُوفَة على الْجُمْلَة عِنْدهم فَإِنَّهُم لَا يقدرُونَ على جحد محاربة بولش الْيَهُودِيّ وإجلاؤهم من الشَّام وَدخُول بولش فِي دينهم وَكَذَلِكَ ملك قسطنطين مِمَّا لَا يُنكرُونَ أشهاره لكتبهم ثمَّ لَو قَدرنَا أَن هَذِه الوقائع لم تعلم صِحَّتهَا وَلَا كذبهَا فشرعهم قَابل لأمثالها فَإِن مُعظم معتمدهم فِي أُمُور دياناتهم إِنَّمَا هُوَ الْإِنْجِيل وَنَقله غير متواتر لَا سِيمَا والأحداث عِنْدهم فِي أَكثر الأحيان بمنامات يدعونها يجعلونها أصولا يعولون عَلَيْهَا وبمحافل يَجْتَمعُونَ فِيهَا فيتحكمون بآرائهم

ص: 246