المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فَإِنَّهُ يلْزم مِنْهُ أَن يكون جسما وَهُوَ بَاطِل على الله - الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌صدر الْكتاب

- ‌فصل

- ‌فِي بَيَان مذاهبهم فِي الأقانيم وَإِبْطَال قَوْلهم فِيهَا

- ‌أقانيم الْقُدْرَة وَالْعلم والحياة

- ‌دَلِيل التَّثْلِيث

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌فِي حِكَايَة كَلَام السَّائِل وَ‌‌الْجَوَاب عَنهُ

- ‌الْجَوَاب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌فِي حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌وَالْجَوَاب عَن قَوْله

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌فِي حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَن مَا ذكر

- ‌الْفَصْل الرَّابِع

- ‌فِي حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الْخَامِس

- ‌قَالُوا

- ‌الْجَواب عَن مَا ذكره الْمصدر كَلَامه

- ‌فِي بَيَان مذاهبهم فِي الإتحاد والحلول وَإِبْطَال قَوْلهم فِيهَا

- ‌معنى الإتحاد

- ‌تجسد الْوَاسِطَة

- ‌مَذْهَب أغشتين إِذْ هُوَ زعيم القسيسين

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌فِي حِكَايَة كَلَام هَذَا السَّائِل

- ‌الْجَواب عَن كَلَامه

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌من حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌من حِكَايَة كَلَام السَّائِل

- ‌الْجَواب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الرَّابِع

- ‌من حِكَايَة كَلَامه

- ‌الْجَواب عَمَّا ذكره

- ‌الْفَصْل الْخَامِس

- ‌الْجَواب عَن كَلَامهم

- ‌ف {هاتوا برهانكم إِن كُنْتُم صَادِقين}

- ‌مِنْهَا

- ‌وَنور بعد ذَلِك إلزامات لَهُم

- ‌إِلْزَام آخر

- ‌إِلْزَام آخر يظْهر تناقضهم

- ‌ثمَّ نقُول تَحْقِيقا لالزام الْجَمِيع

- ‌إِلْزَام آخر وَطَلَبه

- ‌مِنْهَا

- ‌‌‌وَمِنْهَا

- ‌وَمِنْهَا

- ‌إِلْزَام آخر

- ‌‌‌إِلْزَام آخر

- ‌إِلْزَام آخر

- ‌إِلْزَام آخر

- ‌الْفَصْل السَّادِس

- ‌نُكْتَة أُخْرَى

- ‌كمل الْبَاب الثَّانِي وبكماله كمل الْجُزْء الأول الحمدلله حق حَمده وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَسلم يتلوه الثَّانِي

- ‌الْإِعْلَام

- ‌فِي النبوات وَذكر كَلَامهم

- ‌الْقسم الأول

- ‌احتجاج أَصْحَاب الْملَل

- ‌الْجَواب عَن كَلَامه يَا هَذَا أسهبت وأطنبت وبحبة خَرْدَل مَا أتيت كثر كلامك فَكثر غلطك وَقلت فَائِدَته فَظهر قصورك وسقطك وَمن كثر كَلَامه كثر سقطه وَمن كثر سقطه كَانَت النَّار أولى بِهِ أعميت لجهلك بلحنه وَلم تتفطن لتثبيجه ولحنه فَلَقَد استسمنت ذَا ورم ونفخت فِي غير ضرم

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌فِي حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌فَافْهَم الْجَواب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌من حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَمَّا ذكر

- ‌فصل

- ‌فَأول دَلِيل

- ‌فصل فِي بَيَان أَن الْإِنْجِيل لَيْسَ بمتواتر وَبَيَان بعض مَا وَقع فِيهِ من الْخلَل

- ‌الْفَصْل السَّابِع

- ‌من حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَمَّا ذكر

- ‌‌‌وَأما قَوْلك

- ‌وَأما قَوْلك

- ‌وَأما قَوْلك

- ‌وَأما قَوْلك

- ‌وَأما قَوْلك

- ‌الْقسم الثَّانِي

- ‌الْمُقدمَة الأولى

- ‌فَأَما المعجزة

- ‌وَأما وَجه دلالتها

- ‌الْمُقدمَة الثَّانِيَة

- ‌وَمِمَّا يدل على أَنهم من كِتَابهمْ وشرعهم على غير علم

- ‌ من ذَلِك

- ‌الْإِعْلَام بِمَا فِي دين النَّصَارَى من الْفساد والأوهام وَإِظْهَار محَاسِن دين الْإِسْلَام وَإِثْبَات نبوة نَبينَا مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام

- ‌الْجُزْء الثَّالِث

- ‌أَنْوَاع الْقسم الثَّانِي

- ‌نقُول

- ‌النَّوْع الأول

- ‌فَمن ذَلِك

- ‌وَمن ذَلِك

- ‌وَمن ذَلِك

- ‌وَفِي التَّوْرَاة

- ‌وَمن ذَلِك مَا جَاءَ فِي الزبُور

- ‌أخبرونا

- ‌‌‌وَفِي الزبُور أَيْضا

- ‌وَفِي الزبُور أَيْضا

- ‌وَفِيه أَيْضا

- ‌وَقد تقدم قَول دَاوُود

- ‌وَفِي الزبُور

- ‌وَفِيه أَيْضا عَن يوحنا

- ‌‌‌وَفِيه أَيْضا

- ‌وَفِيه أَيْضا

- ‌وَفِيه أَيْضا

- ‌فَالْجَوَاب

- ‌وَفِي الْإِنْجِيل أَيْضا

- ‌وَفِي صحف أشعياء النَّبِي

- ‌وَفِي صحف حزقيال النَّبِي

- ‌وَقَالَ أشعياء

- ‌وَفِي صحف حبقوق النَّبِي الَّتِي بِأَيْدِيكُمْ

- ‌‌‌وَفِي صحف أشعياء النَّبِيقَالَ

- ‌وَفِي صحف أشعياء النَّبِي

- ‌وَفِي صحفه أَيْضا

- ‌وَفِي الصُّحُف المنسوبة للإثنى عشر نَبيا

- ‌وَفِي صحف حزقيال النَّبِي

- ‌وَقَالَ دانيال النَّبِي

- ‌وَفِي نفس النَّص

- ‌ثمَّ قَالَ

- ‌وَفِي صحف أشعياء

- ‌وَقَول أشعياء

- ‌وَقَالَ أَيْضا عَن الله

- ‌وَقَالَ على أثر ذَلِك

- ‌وَقَالَ أشعياء أَيْضا عَن الله

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌وَمن أوضح ذَلِك وأبينه

- ‌وَيَنْبَغِي الْآن أَن يعرف الجاحد وَالْجَاهِل بعض مَا خص بِهِ من صِفَات الْكَمَال والفضائل

- ‌اعْلَم أَنا

- ‌فَمن ذَلِك

- ‌قَالَ ناعته

- ‌يَقُول ناعته

- ‌وَأما فصاحة لِسَانه

- ‌وَأما نسبه

- ‌وَأما عزة قومه

- ‌أما سفساف الْأَخْلَاق ودنيها

- ‌وَأما قُوَّة عقله وَعلمه

- ‌أما الْأُمُور المصلحية

- ‌فأصول الشَّرِيعَة وَإِن تعدّدت صورها فَهِيَ رَاجِعَة إِلَى هَذِه الْخَمْسَة

- ‌وَأما الدِّمَاء

- ‌وَأما الْأَمْوَال

- ‌وَأما الْعُقُول

- ‌وَأما حفظ الْأَنْسَاب وصيانة إختلاط الْمِيَاه فِي الْأَرْحَام

- ‌وَأما الْمُحَافظَة على الْأَدْيَان وصيانتها

- ‌وَأما صبره وحلمه

- ‌وَأما تواضعه

- ‌وَأما عدله وَصدقه صلى الله عليه وسلم وأمانته وَصدق لهجته

- ‌وَأما زهده

- ‌وَأما كَثْرَة جوده وَكَرمه

- ‌وَأما وفاؤه بالعهد

- ‌يَا هَذَا تَأمل بعقلك

- ‌وَأما حسن سمته وتؤدته وَكثير حيائه ومروءته

- ‌وَمِمَّا يدلك على عَظِيم شجاعته

- ‌وَأما خَوفه من الله تَعَالَى وإجتهاده فِي عِبَادَته

- ‌خَاتِمَة جَامِعَة فِي صِفَاته وشواهد صدقه وعلاماته

- ‌النَّوْع الثَّالِث

- ‌وَالْجَوَاب من وَجْهَيْن

- ‌الْوَجْه الثَّانِي من الْجَواب

- ‌فَإِن قيل

- ‌الْجَواب

- ‌معَارض

- ‌فَإِن قيل

- ‌فَالْجَوَاب

- ‌الْوَجْه الأول

- ‌أَن لِسَان الْعَرَب مباين للسان غَيرهم

- ‌الْوَجْه الثَّانِي

- ‌الْوَجْه الثَّالِث

- ‌الْوَجْه الرَّابِع

- ‌النَّوْع الرَّابِع

- ‌الْفَصْل الأول فِي إنشقاق الْقَمَر

- ‌الْفَصْل الثَّانِي فِي حبس الشَّمْس آيَة لَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الثَّالِث نبع المَاء وتكثيره معْجزَة لَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الرَّابِع تَكْثِير الطَّعَام معْجزَة لَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الْخَامِس فِي كَلَام الشّجر وَكثير من الجمادات وشهادتها لَهُ بِالنُّبُوَّةِ

- ‌النَّوْع الأول

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌الْفَصْل السَّادِس فِي كَلَام ضروب من الْحَيَوَان وتسخيرهم آيَة لَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌النَّوْع الأول

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌الْفَصْل السَّابِع فِي إحْيَاء الْمَوْتَى وَكَلَام الصّبيان والمراضع وشهادتهم لَهُ بِالنُّبُوَّةِ

- ‌الْفَصْل الثَّامِن فِي إِبْرَاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم المرضى وَذَوي العاهات

- ‌الْفَصْل التَّاسِع فِي إِجَابَة دُعَائِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الْعَاشِر فِي ذكر جمل من بركاته ومعجزاته صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الْحَادِي عشر فِي مَا أخبر بِهِ مِمَّا أطلعه الله من الْغَيْب صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الثَّانِي عشر فِي عصمَة الله لَهُ مِمَّن أَرَادَ كَيده

- ‌فَإِن قَالَ قَائِل من النَّصَارَى والمخالفين لنا

- ‌قُلْنَا فِي الْجَواب عَن ذَلِك

- ‌الْفَصْل الثَّالِث عشر فِي مَا ظهر على أَصْحَابه وَالتَّابِعِينَ لَهُم من الكرامات الخارقة للعادات

- ‌أَحدهمَا أَن نبين أَن مَا ظهر على أَصْحَابه وعَلى أهل دينه من الكرامات هُوَ آيَة لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أعظم الْآيَات وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى إِذا أكْرم وَاحِدًا مِنْهُم بِأَن خرق لَهُ عَادَة فَإِن ذَلِك يدل على أَنه على الْحق وَأَن دينه حق إِذْ لَو كَانَ مُبْطلًا فِي دينه مُتبعا لمبطل فِي

- ‌وَالْغَرَض الثَّانِي

- ‌من ذَلِك مَا علمنَا من أَحْوَالهم على الْقطع

- ‌وَأما التابعون

- ‌وَبعد هَذَا

- ‌انْتهى الْجُزْء الثَّالِث من كتاب الْإِعْلَام بِمَا فِي دين النَّصَارَى من الْفساد والأوهام وَإِظْهَار محَاسِن دين الْإِسْلَام وَإِثْبَات نبوة نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم ويليه الْجُزْء الرَّابِع بِإِذن الله وأوله الْبَاب الرَّابِع فِي بَيَان أَن النَّصَارَى متحكمون فِي أديانهم وَأَنَّهُمْ لَا مُسْتَند لَهُم فِي

- ‌الْإِعْلَام بِمَا فِي دين النَّصَارَى من الْفساد والأوهام وَإِظْهَار محَاسِن دين الْإِسْلَام وَإِثْبَات نبوة نَبينَا مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام

- ‌تَقْدِيم وَتَحْقِيق وَتَعْلِيق الدكتور أَحْمد حجازي السقا

- ‌فِي بَيَان أَن النَّصَارَى متحكمون فِي أديانهم

- ‌الصَّدْر وَفِيه فصلان

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌قَالَ ذَلِك الْجَاهِل بعد ذكر الْمُحرمَات

- ‌الْفَنّ الأول

- ‌مَسْأَلَة فِي المعمودية

- ‌مَسْأَلَة فِي غفران الأساقفة والقسيسين ذنُوب المذنبين وإختراعهم الْكَفَّارَة للعاصين

- ‌مِثَال الْقسم الأول العابثون بالصبيان

- ‌وَمِثَال الثَّانِي نِكَاح الْقرَابَات

- ‌وَأما الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَة

- ‌مِثَال مَا يغرمون فِيهِ الْأَمْوَال

- ‌وَقد حكمُوا على قَاتل عَبده

- ‌وَأما قَاتل الْخَطَأ

- ‌وعَلى الْجُمْلَة

- ‌مُطَالبَة وَهِي أَنا نقُول لَهُم

- ‌مَسْأَلَة فِي الصلوبية وَقَوْلهمْ فِيهَا

- ‌قَالُوا

- ‌ مِنْهَا

- ‌‌‌وَمِنْهَا

- ‌وَمِنْهَا

- ‌وَمِنْهَا

- ‌مَسْأَلَة فِي تَركهم الْخِتَان

- ‌فأولها

- ‌وَثَانِيها

- ‌وَثَالِثهَا

- ‌وَرَابِعهَا

- ‌وَهل يصلح الْعَطَّار مَا أفسد الدَّهْر

- ‌مَسْأَلَة فِي أعيادهم المصانة

- ‌مَسْأَلَة فِي قُرْبَانهمْ

- ‌أَحدهَا

- ‌مَسْأَلَة فِي تقديسهم دُورهمْ وَبُيُوتهمْ بالملح

- ‌مَسْأَلَة فِي تصليبهم على وُجُوههم فِي صلَاتهم

- ‌مَسْأَلَة فِي قَوْلهم فِي النَّعيم وَالْعَذَاب الأخراوين

- ‌الْفَنّ الثَّانِي

- ‌تمهيد

- ‌أَحدهمَا

- ‌وَالْغَرَض الثَّانِي

- ‌وَفِي هَذَا الْفَنّ فصلان

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌مُلْحق

- ‌المبحث الثَّالِث

- ‌أَولا النبوءات

- ‌يَوْم الرب

- ‌ثَانِيًا تَغْيِير التَّوْرَاة

- ‌عالمية الْملَّة النَّصْرَانِيَّة

الفصل: فَإِنَّهُ يلْزم مِنْهُ أَن يكون جسما وَهُوَ بَاطِل على الله

فَإِنَّهُ يلْزم مِنْهُ أَن يكون جسما وَهُوَ بَاطِل على الله تَعَالَى ومحال وَإِن كَانَ خَارِجا عَنْهَا لزم تحديده أَيْضا لِأَنَّهُ لَا يكون خَارج لَا مَحْدُود متحيز فَيلْزم أَن يكون بِجِهَة من الصُّورَة وَإِذا كَانَ بِجِهَة كَانَ جسما وَهَذَا تَشْبِيه

وَأَيْضًا فَإِذا كَانَ بِجِهَة من الصُّورَة الَّتِي ظهر فِيهَا كَانَ مفارقا لَهَا وَإِذا كَانَ مفارقا لَهَا لم يظْهر فِيهَا وَإِن ظهر فَإِنَّمَا يظْهر بِنَفسِهِ لَا بالصورة وَإِذا كَانَ لَا دَاخِلا فِيهَا وَلَا خَارِجا عَنْهَا اسْتَحَالَ عَلَيْهِ أَن يظْهر بهَا أَو فِيهَا لِأَن مَا لَيْسَ بمتحيز وَلَا دَاخل وَلَا خَارج لَا يظْهر فِي جسم متحيز لِأَنَّهُ من حَيْثُ كَانَ لَيْسَ بداخل فِيهَا فقد فَارقهَا وَإِذا فَارقهَا لم يكن فِيهَا وَإِذا لم يكن فِيهَا لم يظْهر فِيهَا

وَلَو جَازَ أَن يظْهر فِي كل مَا لَيْسَ بداخل فِيهِ وَلَا خَارج عَنهُ لجَاز أَن يظْهر فِي كل مَوْجُود وَإِذا جَازَ ذَلِك فَلَعَلَّهُ قد اتخذ الْأَنْبِيَاء كلهم حِجَابا يظْهر فيهم وَهَذَا مِمَّا يأبونه وَهُوَ محَال عِنْدهم

وَأَيْضًا فَإِن الله تَعَالَى عِنْدهم لَا يرى بإنفراد من غير صُورَة وَلَا يظْهر دونهَا فَكَذَلِك يلْزمهُم أَن يبْقى على حَاله لَا يظْهر وَإِذا وجد صُورَة إِذْ لَيْسَ بداخل فِيهَا وَلَا خَارج عَنْهَا

فَإِن الصُّورَة لَا تكسبه أمرا أوجب لَهُ ظهورا إِلَّا لم يكن لَهُ وَهَذَا بَين الإستحالة إِذْ يلْزم على ذَلِك تغيره عِنْد الْعَاقِل الْمنصف

‌نُكْتَة أُخْرَى

وَهِي أَنا نقُول هَل يجوز أَن يرى الْبَارِي تَعَالَى وَيظْهر من غير صُورَة أم لَا يجوز فَإِن جَازَ ذَلِك فَلم حتمتم اتِّخَاذ الصُّورَة عَلَيْهِ وقلتم أَنه لَا يظْهر وَلَا يرى إِلَّا بِصُورَة وَإِن قُلْتُمْ لَا يرى وَلَا يظْهر إِلَّا بإتخاذ صُورَة فَإِذا وَقع بصر النَّاظر فَأَما أَن يَقع على تِلْكَ الصُّورَة أَو على الله وَعَلَيْهِمَا

فَإِن قُلْتُمْ وقعل الْبَصَر على الصُّورَة لَا عَلَيْهِ فالمرئى إِذن هِيَ الصُّورَة المخلوقة لَا الْخَالِق وَإِن وَقع الْبَصَر على الْخَالِق وَحده لَا على الصُّورَة فَهُوَ المرئى وَلَا ترى الصُّورَة فَإِن الصُّورَة لَيست هِيَ الْخَالِق تَعَالَى والرائي لم ير إِلَّا الصَّوْت فَإِذن لم ير الْخَالِق وَإِن وَقع الْبَصَر عَلَيْهِمَا لزم عَلَيْهِ أَن يرى الرَّائِي شَيْئَيْنِ الْخَالِق وَالصُّورَة

ص: 152

وَهُوَ إِنَّمَا رأى شَيْئا وَاحِدًا بِالضَّرُورَةِ وَهُوَ الصُّورَة لقَوْل من يَقُول إِنَّه ظهر بالصورة

وَأَيْضًا فَلَو وَقع بصر من رأى عِيسَى عليه السلام على ناسوته ولاهوته لما احتاجوا أَن يستدلوا على ألوهيته بإحياء الْمَوْتَى وَغير ذَلِك وَلما كَانَ يحْتَاج هُوَ أَن يدل على لاهوت نَفسه بِشَيْء من المعجزات وخوارق الْعَادَات إِذا كَانَ يدْرك مِنْهُ بالحس والعيان ذَلِك والمعلوم بالعيان لَا يطْلب تَحْصِيل علمه بِالدَّلِيلِ والبرهان

فَحصل من هَذَا أَن الصُّورَة الْمقدرَة لَا يظْهر فِيهَا الْبَارِي تَعَالَى وَإِن ظَهرت هِيَ فَإِن الرائى إِنَّمَا يَرَاهَا وَحدهَا وَهِي الظَّاهِرَة لَهُ وَأما الْبَارِي سبحانه وتعالى فَهُوَ بعد إِيجَاد هَذِه الصُّورَة على مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل إيجادها لم تتبدل حَاله أعنى أَنه إِن كَانَ قبل إيجاده هَذِه الصُّورَة قَابلا لِأَن يظْهر فَهُوَ بعْدهَا قَابل لِأَن يظْهر وَإِن كَانَ مُمْتَنعا عَلَيْهِ أَن يظْهر قبلهَا امْتنع عَلَيْهِ ذَلِك بعْدهَا لِاسْتِحَالَة التَّغَيُّر عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَو تغير لَكَانَ مُحدثا

وَأما مَا ادَّعَاهُ من الْجَامِع فَلَا نسلم أَن الصَّوْت مظهر للإرادة إِلَّا بِمَعْنى أَنه يدل عَلَيْهَا لَا بِمَعْنى الإحتجاب والظهور كَمَا زعم وَإِذا لم نسلم هَذَا فِي الصَّوْت فَلَا يَصح لَهُ قِيَاس الصُّورَة على الصَّوْت وَلَو سلمنَا قِيَاس الصُّورَة على الصَّوْت من حَيْثُ الْجَامِع فَبِأَي دَلِيل يحمل أَحدهمَا على الآخر فَإِن وجود الْجَامِع لَا يدل على أَن حكم أَحدهمَا حكم الآخر إِذْ لَا يبعد فِي المتماثلات فِي بعض الصِّفَات اختلافها فِي بعض الْأَحْكَام على مَا يعرفهُ أَهله وَلَو سلمنَا وجود دَلِيل الْإِلْحَاق لَكَانَ قِيَاس جُزْء على جُزْء وَذَلِكَ غير مَقْبُول فِي العقليات على مَا يعرف فِي مَوْضِعه وعَلى مايقال مَعَ أَهله فَظهر من كَلَام هَذَا الرجل عِنْد الْعُقَلَاء أَنه غير متمسك بِدَلِيل عَقْلِي وسنبين أَنه لم يسْتَدلّ على صِحَة مذْهبه بِدَلِيل نقلى فَإِذا بَطل لَهُ الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول ثَبت أَنه بالتحكم والهوى يَقُول وَذَلِكَ دأب كل غبي جهول

وَأما قَوْله فَالْوَاجِب عَلَيْهِم أَن يخاطبوا الصَّوْت بإسم الَّذِي الصَّوْت لَهُ وَكَذَلِكَ الصُّورَة يجب أَن تخاطب بإسم الَّذِي هِيَ لَهُ

ص: 153

فَنَقُول لَهُ قَوْلك وَاجِب عَلَيْهِم هَذَا الْوُجُوب الَّذِي ادعيته أهوَ عَقْلِي أَو شَرْعِي فَإِن قَالَ هُوَ عَقْلِي وشرعي فَلَا بُد من إِقَامَة الدَّلِيل على ذَلِك

فَإِن قَالَ الدَّلِيل على ذَلِك النَّقْل وَالْعقل أما النَّقْل فَهُوَ أَن الْعَاقِل إِذا أقرّ بِأَن الله خَاطب مُوسَى بِصَوْت مسموع أَو ظهر فِي صُورَة مرئية فقد أقرّ بِأَن الله خص ذَلِك الصَّوْت وَتلك الصُّورَة بِمَا لم يخص بِهِ شَيْئا من الْمَخْلُوقَات إِذْ تجلى هُوَ فِيهَا وَإِذا ثَبت ذَلِك فالعقل يشْهد بِأَن ذَلِك الصَّوْت وَتلك الصُّورَة شرِيف وَالصَّوْت لابد أَن يعْتَرف لشرفه وَينزل مَنْزِلَته وَلَا أشرف من الله تَعَالَى وَمَا ظهر فِيهِ الله تَعَالَى فَيَنْبَغِي أَن يعظم بأقصى رتب التَّعْظِيم ويعبد بِأَجل الْعِبَادَات فَخرج من هَذَا أَنه يجب عقلا أَن تعظم الصُّورَة لتعظيم الْحَال فِيهَا فتخاطب بإسم الرب ويعترف لَهَا بالربوبية والألوهية

وَأما الشَّرْع فَالَّذِي دلّ عَلَيْهِ الْعقل جَاءَت بِهِ الشَّرَائِع أَلا ترى أَن مُوسَى خَاطب الصَّوْت بإسم الربوبية وَكَذَلِكَ من رأى الصُّورَة إِنَّمَا يرى صُورَة الله وَالله تَعَالَى مُعظم بِالشَّرْعِ وَالْعقل فَتلك الصُّورَة يَنْبَغِي أَن تكون معظمة بِالشَّرْعِ وَالْعقل أَلا ترى أَن الشَّرَائِع قد أمرتنا بتعظيم الْمَلَائِكَة وإهانة الشَّيَاطِين وَلَيْسَ يخفى أَن الْعَرْش أعظم من السَّمَاء وَأَن الْمشرق أعظم من الْمغرب وَأَن الصَّالِحين أعظم من الطالحين وَهَذَا كُله يشْهد لَهُ الْعقل وَالنَّقْل كَمَا سبق

هَذَا إنهاء تَقْرِير حجَّته وإليها أَشَارَ فِي كَلَامه وَلَا مزِيد فِي التَّقْرِير عَلَيْهَا

فَنَقُول قَوْلك الْعقل دلّ عَلَيْهِ بَاطِل فَإِن الْعقل لَا يدل على الْتِزَام الْعِبَادَات فَإِن معنى الْعِبَادَات الَّتِي تفعل بِحكم اللُّزُوم إِنَّهَا تفعل وَإِلَّا فيعاقب الله التارك وَذَلِكَ لَا يتَوَصَّل الْعقل إِلَيْهِ إِذْ الْعِبَادَات لَا تتَعَيَّن عِنْده إِلَّا بِتَعْيِين معِين الَّذِي هُوَ الشَّارِع الَّذِي ينص على مَا يرضيه من الْعِبَادَات وعَلى مَا لَا يرضيه وَأما الْعقل فَلَا يسْتَقلّ بِشَيْء من ذَلِك فَلَعَلَّ الْعِبَادَة الَّتِي يعينها الْعقل ويلتزمها لَعَلَّ الله تَعَالَى لَا يرضى بهَا إِذْ يفعل الله مَا يُرِيد وَلَعَلَّ مَا يَظُنّهُ الْعقل عبَادَة هُوَ مَعْصِيّة فَإِن هَذَا الله تَعَالَى يفعل مَا يَشَاء فَكَمَا يَجْعَل من شَاءَ نَبيا ووليا

ص: 154

يَجْعَل من يَشَاء فَاسِقًا وخبيثا ويمد بِأَسْبَاب ذَلِك وَلَا حجر عَلَيْهِ فِي ذَلِك وَلَا حكم كَذَلِك يَجْعَل مَا يَشَاء من الْأَعْمَال طَاعَة وَمَا يَشَاء مَعْصِيّة وَإِن لم تقل بذلك لزمك أَن تجْعَل الله تَعَالَى مَحْكُومًا عَلَيْهِ مَغْلُوبًا وَذَلِكَ كُله على الله تَعَالَى محَال

وَأما مَا ادعيت من النَّقْل من الْأَنْبِيَاء فَذَلِك شَيْء لَا يَصح عَنْهُم أَنهم عظموا الصَّوْت وَالصُّورَة بِمَا عظموا بِهِ الله حَتَّى عبدوهما كَمَا تَزْعُمُونَ أَنْتُم

وقولكم إِن مُوسَى خَاطب الصَّوْت بالربوبية زعم وقاح وافك صراح وَإِنَّمَا الْمُخَاطب بالربوبية الْمُتَكَلّم بالصوت بزعمكم الَّذِي قَالَ عَن نَفسه بالصوت أَنا الله وَالَّذِي يعقله الْعُقَلَاء الَّذين لَا يَلْعَبُونَ بأديانهم وَلَا يجترؤون على رَبهم والههم إِن الصَّوْت مَوْجُود يتَكَلَّم بِهِ وَلَا يتَكَلَّم هُوَ عَن نَفسه فَإِذا سمع الْعَاقِل قَائِلا قَالَ بِصَوْت مقطع مشيت إِلَى بَيت الْمُقَدّس فرأيته مثلا لَا يشك عَاقل فِي أَن الْمخبر عَن نَفسه إِنَّمَا هُوَ الَّذِي قَامَ بِهِ الصَّوْت لَا الصَّوْت فَإِنَّهُ لَو كَانَ الصَّوْت هُوَ الَّذِي أخبر بذلك عَن نَفسه لما صدق عَلَيْهِ ذَلِك وَلما صَحَّ مِنْهُ الْخَبَر لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ المشى وَلَا الرُّؤْيَة

وَكَذَلِكَ لَو قَالَ إِنْسَان مخبرا عَن نَفسه بقوله أكلت الْخبز وَهَذَا بَين بِالضَّرُورَةِ وَإِذا تقرر هَذَا فالصوت الَّذِي سلمناه جدلا الَّذِي تكلم الله بِهِ على زعمهم لم يقل من نَفسه شَيْئا مِمَّا ذَكرُوهُ إِنَّمَا الله هُوَ الَّذِي قَالَه مخبرا عَن نَفسه وَأما مَا قَالَه مُوسَى فَإِنَّمَا قَالَه لله تَعَالَى فَلهُ اعْترف بالربوبية وَإِلَيْهِ تَابَ وَله سجد وإياه عبد لَا للصوت وَهَذَا مَعْلُوم على الْقطع والضرورة والمخالف فِي ذَلِك جَاهِل متسامح أَو معاند متواقح

وَقد كَانَ تقدم من قَول السَّائِل الغبي الْجَاهِل أَن مُوسَى أعترف للصدى بالربوبية وَأَنه الَّذِي قَالَ عَن نَفسه أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاعبدني وَأَنه هُوَ الَّذِي سجد لَهُ مُوسَى وَعَن ذَلِك الصدى تحمل مُوسَى الرسَالَة وَأَنه هُوَ الَّذِي كلم مُوسَى وإياه جاوب وَأَنه قَامَ عِنْد مُوسَى مقَام خَالق فَسَماهُ إِلَهًا وَرُبمَا يظنّ ذَلِك الْجَاهِل أَن هَذَا

ص: 155

الَّذِي قَالَه أغشتين هُوَ الَّذِي قَالَه هُوَ وهيهات أَن بَينهمَا مَا بَين الثرى والثريا

وَغَايَة كَلَام أغشتين وَإِن كَانَ فِيهِ من المخطئين أَن يَقُول قد علمنَا أَن الله تَعَالَى خلق الصَّوْت الَّذِي أسمعهُ لمُوسَى كَمَا علمنَا أَن الله خلق جَمِيع الْأَصْوَات وَلَكِن وَجب علينا الْإِقْرَار لذَلِك الصَّوْت بالربوبية مالم يجب لغيره لعلمنا أَن الله تَعَالَى ولى المخاطبة بِهِ

هَذَا نَص مَا فِي كِتَابه على هَذَا الْمَعْنى

وَلَا يفهم مِنْهُ شَيْء مِمَّا انتحله ذَلِك السَّائِل وَقد وكلت النَّاظر الْعَاقِل الْمنصف للوقوف على كَلَامهمَا وتفهم معانيهما فَإِنِّي قد نصصت على كَلَامهمَا فِي هَذَا الْكتاب وحكيته كي يَزُول الإرتياب وَيعلم النَّاظر الْمنصف أَن السَّائِل لَيْسَ على شَيْء من الصَّوَاب وَإِنَّمَا نبهت هَذَا التَّنْبِيه حذرا من المغالطة والتمويه فَإِنِّي أَخَاف إِن وبخ أحد أقسة النَّصَارَى هَذَا السَّائِل على هَذَا الْمَذْهَب الَّذِي اخترعه والمحال الَّذِي ابتدعه أَن يحْتَج لنَفسِهِ بِأَن ينْسبهُ إِلَى أغشتين وَيكون فِي نسبته من الْكَاذِبين

فَمن أَرَادَ الْإِنْصَاف فليطرح عَن نَفسه التعصب والإعتساف وَيقف على كَلَامهمَا متدبرا وَفِيه متفكرا وَلَقَد كنت أَتَمَنَّى أَن يكون أُولَئِكَ الأقسة بَين يَدي حَتَّى يسمعوا مني وينظروا إِلَى فَلَيْسَ كل مَا فِي النَّفس تبرزه الْمُكَاتبَة ثمَّ لَيْسَ الْخَبَر كالمشافهة

وَأما قَوْله وَإِذا وَجب إكرام الْحجاب بإكرام المحتجب بِهِ لم يبْق علينا من الْكَلَام شَيْء إِلَّا فِي الْحجاب الَّذِي اتَّخذهُ منا وَهُوَ الْمَسِيح فَنَقُول الْمَفْهُوم من لفظ الْحجاب إِنَّمَا هُوَ السَّاتِر للشَّيْء الْمَانِع لَهُ فَإنَّك تَقول احتجب عني فلَان إِذا استتر عَنْك وَامْتنع من لقائك وَالْخُرُوج إِلَيْك وَلَا يَصح هُنَا على مَفْهُوم كَلَام هَذَا الرجل أَن يكون الْحجاب هُوَ السَّاتِر بل هُوَ الكاشف الْمظهر على قَوْله وَذَلِكَ أَن إِرَادَة الله وذاته قبل إتخاذ الصَّوْت وَالصُّورَة لم يكن شَيْء مِنْهُمَا ظَاهرا فَلَمَّا اتخذهما ظَهرت إِرَادَته وذاته هَذَا مَفْهُوم مساق كَلَامه فتدبره

ص: 156