الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَعرفت حِين رَأَيْت ذَلِك أَنه قد امْتنع مني وَأَنه ظَاهر قَالَ فناديت الْقَوْم أَنا سراقَة انظروني حَتَّى أكلمكم
فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر وَمَا تبتغي منا قَالَ قلت كتابا يكون آيَة بيني وَبَيْنكُم فَكتب لَهُ أَبُو بكر بِأَمْر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فأمسكه عِنْده حَتَّى كَانَ يَوْم الطَّائِف
وَالْأَخْبَار فِي هَذَا كَثِيرَة والحكايات صِحَاح شهيرة لَا يُمكن جَحدهَا وَلَا يُنكر حُصُول الْعلم عِنْدهَا بل كلهَا تدل على صِحَة نبوته وتصديق شَرِيعَته وَأَنه كَمَا قَالَ الله عز وجل {وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قد خلت من قبله الرُّسُل}
ومعجزاته صلى الله عليه وسلم أَكثر من أَن يُحِيط بهَا هَذَا الْكتاب أَو تدخل تَحت عد وحساب وَعند الْوُقُوف على مَا تضمنته الْفُصُول الْمُتَقَدّمَة والأبواب السَّابِقَة يحصل الْعلم الضَّرُورِيّ بصدقه فِي رسَالَته وبوجوب اتِّبَاع شَرِيعَته ومنكر ذَلِك معاند متواقح جَاحد
{وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون} وَقد نجز غرضنا من هَذَا الْبَاب
فَإِن قَالَ قَائِل من النَّصَارَى والمخالفين لنا
مَا ذكرتموه من معجزات نَبِيكُم إِنَّمَا يثبت عنْدكُمْ من أَخْبَار الْآحَاد وَهِي وَإِن كَانَت صحاحا فَلَا يحصل بهَا الْعلم كَمَا كُنْتُم قدمتم حَيْثُ تكلمتم مَعَ النَّصَارَى حِين استدلوا على إِثْبَات نبوة مسيحهم
فَإِنَّكُم قُلْتُمْ لَا نقبل فِي مثل هَذَا الْموضع خبر من تجوز الْعَادة عَلَيْهِ الْكَذِب والغلط وَإِنَّمَا نقبل فِيهَا خبر من لَا تجوز عَلَيْهِم الْعَادة الْكَذِب والغلط وَهُوَ الْخَبَر الْمُتَوَاتر ثمَّ إِنَّكُم قبلتم هُنَا أَخْبَار من تجوز الْعَادة عَلَيْهِم الْغَلَط وَالْكذب وَهِي أَخْبَار الْآحَاد فقد خالفتم مَا أصلتم وقبلتم عين مَا أنكرتم
قُلْنَا فِي الْجَواب عَن ذَلِك
اعْلَم أَيهَا الْمُعْتَرض أَنا لم نقبل فِي هَذَا الْبَاب أَلا الْأَخْبَار المتواترة الَّتِي يحصل الْعلم بهَا لَكِن يَنْبَغِي أَن
تعلم أَن الْمُتَوَاتر ضَرْبَان ضرب يتواتر لَفظه وَمَعْنَاهُ وَذَلِكَ مثل قَوْله تَعَالَى {وَمن يبتغ غير الْإِسْلَام دينا فَلَنْ يقبل مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَة من الخاسرين} فَإِن هَذَا اللَّفْظ نعلم قطعا ويقينا أَن نَبينَا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم قَالَه كَمَا تلوناه من غير زِيَادَة وَلَا نُقْصَان إِذْ قد نَقله عَنهُ الجم الْغَفِير عَن الجم الْغَفِير فَلَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ وَجه من وُجُوه الشَّك فَلَا يقدر أحد أَن يتشكك فِي لَفظه وَلَا فِي مَعْنَاهُ وَكثير من معجزات النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْمُتَقَدّمَة الذّكر من هَذَا الْقَبِيل فَهَذَا هُوَ الضَّرْب الأول
وَأما الضَّرْب الآخر وَهُوَ متواتر مَعْنَاهُ دون لَفظه فَيحصل الْعلم أَيْضا بذلك الْمَعْنى وَذَلِكَ مثل أَن تتوارد رِوَايَات كَثِيرَة من أَخْبَار الْآحَاد الصِّحَاح على معنى وَاحِد بِأَلْفَاظ مُتَغَايِرَة وحكايات مُخْتَلفَة مِثَال ذَلِك أَنا نجد من أَنْفُسنَا علما قَطْعِيا بشجاعة على بن أبي طَالب رضي الله عنه فَإِذا نَظرنَا فِي الْخَبَر الَّذِي حصل لنا الْعلم بشجاعته لم نجده خَبرا وَاحِدًا متواترا وَإِنَّمَا وَجَدْنَاهُ جملَة أَخْبَار آحَاد تواردت على معنى وَاحِد وَهُوَ الشجَاعَة فَتسمع عَنهُ يَوْمًا أَنه فعل يَوْم خَيْبَر كَذَا وَفعل يَوْم حنين كَذَا وَيَوْم صفّين كَذَا وَيَوْم الْجمل كَذَا فَلَا تزَال أَخْبَار الْآحَاد تكْثر حَتَّى يضْطَر السَّامع إِلَى الْعلم بمخبرها وَلَا يقدر على تشكيك نَفسه فِي شَيْء مِنْهَا وَهَذَا مَسْلَك فِي تَحْصِيل الْعلم إِذا تفقده الْعَاقِل الْمنصف من نَفسه وجده مُفِيدا للْعلم ومحصلا لَهُ ضَرُورَة وَمن أنكر حُصُول الْعلم مِنْهُ كَانَ مُنْكرا لما هُوَ ضَرُورِيّ
فَإِذا ثَبت هَذَا قُلْنَا بعده إِن مَا نَقَلْنَاهُ من معجزات نَبينَا عليه السلام مِنْهَا مَا تَوَاتر لَفظه وَمَعْنَاهُ كإنشقاق الْقَمَر وَغَيره وَمِنْهَا مَا تَوَاتر مَعْنَاهُ وَهُوَ أَكثر مَا احتوت عَلَيْهِ الْفُصُول الْمُتَقَدّمَة وَذَلِكَ أَن كل فصل مِنْهَا اشْتَمَل على معنى وَاحِد وَكَثُرت الْأَخْبَار عَن ذَلِك الْمَعْنى حَتَّى أضطر الْوَاقِف عَلَيْهَا إِلَى الْعلم بمعناها وَذَلِكَ مثل نبع المَاء من بَين أَصَابِعه وتكثير المَاء الْقَلِيل وَالطَّعَام الْقَلِيل إِلَى غير ذَلِك من الْفُصُول فَكل فصل مِنْهَا قد تَوَاتر مَعْنَاهُ وَإِن لم تتواتر آحَاد أَلْفَاظه