المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثانيا تغيير التوراة - الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌صدر الْكتاب

- ‌فصل

- ‌فِي بَيَان مذاهبهم فِي الأقانيم وَإِبْطَال قَوْلهم فِيهَا

- ‌أقانيم الْقُدْرَة وَالْعلم والحياة

- ‌دَلِيل التَّثْلِيث

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌فِي حِكَايَة كَلَام السَّائِل وَ‌‌الْجَوَاب عَنهُ

- ‌الْجَوَاب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌فِي حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌وَالْجَوَاب عَن قَوْله

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌فِي حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَن مَا ذكر

- ‌الْفَصْل الرَّابِع

- ‌فِي حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الْخَامِس

- ‌قَالُوا

- ‌الْجَواب عَن مَا ذكره الْمصدر كَلَامه

- ‌فِي بَيَان مذاهبهم فِي الإتحاد والحلول وَإِبْطَال قَوْلهم فِيهَا

- ‌معنى الإتحاد

- ‌تجسد الْوَاسِطَة

- ‌مَذْهَب أغشتين إِذْ هُوَ زعيم القسيسين

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌فِي حِكَايَة كَلَام هَذَا السَّائِل

- ‌الْجَواب عَن كَلَامه

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌من حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌من حِكَايَة كَلَام السَّائِل

- ‌الْجَواب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الرَّابِع

- ‌من حِكَايَة كَلَامه

- ‌الْجَواب عَمَّا ذكره

- ‌الْفَصْل الْخَامِس

- ‌الْجَواب عَن كَلَامهم

- ‌ف {هاتوا برهانكم إِن كُنْتُم صَادِقين}

- ‌مِنْهَا

- ‌وَنور بعد ذَلِك إلزامات لَهُم

- ‌إِلْزَام آخر

- ‌إِلْزَام آخر يظْهر تناقضهم

- ‌ثمَّ نقُول تَحْقِيقا لالزام الْجَمِيع

- ‌إِلْزَام آخر وَطَلَبه

- ‌مِنْهَا

- ‌‌‌وَمِنْهَا

- ‌وَمِنْهَا

- ‌إِلْزَام آخر

- ‌‌‌إِلْزَام آخر

- ‌إِلْزَام آخر

- ‌إِلْزَام آخر

- ‌الْفَصْل السَّادِس

- ‌نُكْتَة أُخْرَى

- ‌كمل الْبَاب الثَّانِي وبكماله كمل الْجُزْء الأول الحمدلله حق حَمده وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَسلم يتلوه الثَّانِي

- ‌الْإِعْلَام

- ‌فِي النبوات وَذكر كَلَامهم

- ‌الْقسم الأول

- ‌احتجاج أَصْحَاب الْملَل

- ‌الْجَواب عَن كَلَامه يَا هَذَا أسهبت وأطنبت وبحبة خَرْدَل مَا أتيت كثر كلامك فَكثر غلطك وَقلت فَائِدَته فَظهر قصورك وسقطك وَمن كثر كَلَامه كثر سقطه وَمن كثر سقطه كَانَت النَّار أولى بِهِ أعميت لجهلك بلحنه وَلم تتفطن لتثبيجه ولحنه فَلَقَد استسمنت ذَا ورم ونفخت فِي غير ضرم

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌فِي حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌فَافْهَم الْجَواب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌من حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَمَّا ذكر

- ‌فصل

- ‌فَأول دَلِيل

- ‌فصل فِي بَيَان أَن الْإِنْجِيل لَيْسَ بمتواتر وَبَيَان بعض مَا وَقع فِيهِ من الْخلَل

- ‌الْفَصْل السَّابِع

- ‌من حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَمَّا ذكر

- ‌‌‌وَأما قَوْلك

- ‌وَأما قَوْلك

- ‌وَأما قَوْلك

- ‌وَأما قَوْلك

- ‌وَأما قَوْلك

- ‌الْقسم الثَّانِي

- ‌الْمُقدمَة الأولى

- ‌فَأَما المعجزة

- ‌وَأما وَجه دلالتها

- ‌الْمُقدمَة الثَّانِيَة

- ‌وَمِمَّا يدل على أَنهم من كِتَابهمْ وشرعهم على غير علم

- ‌ من ذَلِك

- ‌الْإِعْلَام بِمَا فِي دين النَّصَارَى من الْفساد والأوهام وَإِظْهَار محَاسِن دين الْإِسْلَام وَإِثْبَات نبوة نَبينَا مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام

- ‌الْجُزْء الثَّالِث

- ‌أَنْوَاع الْقسم الثَّانِي

- ‌نقُول

- ‌النَّوْع الأول

- ‌فَمن ذَلِك

- ‌وَمن ذَلِك

- ‌وَمن ذَلِك

- ‌وَفِي التَّوْرَاة

- ‌وَمن ذَلِك مَا جَاءَ فِي الزبُور

- ‌أخبرونا

- ‌‌‌وَفِي الزبُور أَيْضا

- ‌وَفِي الزبُور أَيْضا

- ‌وَفِيه أَيْضا

- ‌وَقد تقدم قَول دَاوُود

- ‌وَفِي الزبُور

- ‌وَفِيه أَيْضا عَن يوحنا

- ‌‌‌وَفِيه أَيْضا

- ‌وَفِيه أَيْضا

- ‌وَفِيه أَيْضا

- ‌فَالْجَوَاب

- ‌وَفِي الْإِنْجِيل أَيْضا

- ‌وَفِي صحف أشعياء النَّبِي

- ‌وَفِي صحف حزقيال النَّبِي

- ‌وَقَالَ أشعياء

- ‌وَفِي صحف حبقوق النَّبِي الَّتِي بِأَيْدِيكُمْ

- ‌‌‌وَفِي صحف أشعياء النَّبِيقَالَ

- ‌وَفِي صحف أشعياء النَّبِي

- ‌وَفِي صحفه أَيْضا

- ‌وَفِي الصُّحُف المنسوبة للإثنى عشر نَبيا

- ‌وَفِي صحف حزقيال النَّبِي

- ‌وَقَالَ دانيال النَّبِي

- ‌وَفِي نفس النَّص

- ‌ثمَّ قَالَ

- ‌وَفِي صحف أشعياء

- ‌وَقَول أشعياء

- ‌وَقَالَ أَيْضا عَن الله

- ‌وَقَالَ على أثر ذَلِك

- ‌وَقَالَ أشعياء أَيْضا عَن الله

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌وَمن أوضح ذَلِك وأبينه

- ‌وَيَنْبَغِي الْآن أَن يعرف الجاحد وَالْجَاهِل بعض مَا خص بِهِ من صِفَات الْكَمَال والفضائل

- ‌اعْلَم أَنا

- ‌فَمن ذَلِك

- ‌قَالَ ناعته

- ‌يَقُول ناعته

- ‌وَأما فصاحة لِسَانه

- ‌وَأما نسبه

- ‌وَأما عزة قومه

- ‌أما سفساف الْأَخْلَاق ودنيها

- ‌وَأما قُوَّة عقله وَعلمه

- ‌أما الْأُمُور المصلحية

- ‌فأصول الشَّرِيعَة وَإِن تعدّدت صورها فَهِيَ رَاجِعَة إِلَى هَذِه الْخَمْسَة

- ‌وَأما الدِّمَاء

- ‌وَأما الْأَمْوَال

- ‌وَأما الْعُقُول

- ‌وَأما حفظ الْأَنْسَاب وصيانة إختلاط الْمِيَاه فِي الْأَرْحَام

- ‌وَأما الْمُحَافظَة على الْأَدْيَان وصيانتها

- ‌وَأما صبره وحلمه

- ‌وَأما تواضعه

- ‌وَأما عدله وَصدقه صلى الله عليه وسلم وأمانته وَصدق لهجته

- ‌وَأما زهده

- ‌وَأما كَثْرَة جوده وَكَرمه

- ‌وَأما وفاؤه بالعهد

- ‌يَا هَذَا تَأمل بعقلك

- ‌وَأما حسن سمته وتؤدته وَكثير حيائه ومروءته

- ‌وَمِمَّا يدلك على عَظِيم شجاعته

- ‌وَأما خَوفه من الله تَعَالَى وإجتهاده فِي عِبَادَته

- ‌خَاتِمَة جَامِعَة فِي صِفَاته وشواهد صدقه وعلاماته

- ‌النَّوْع الثَّالِث

- ‌وَالْجَوَاب من وَجْهَيْن

- ‌الْوَجْه الثَّانِي من الْجَواب

- ‌فَإِن قيل

- ‌الْجَواب

- ‌معَارض

- ‌فَإِن قيل

- ‌فَالْجَوَاب

- ‌الْوَجْه الأول

- ‌أَن لِسَان الْعَرَب مباين للسان غَيرهم

- ‌الْوَجْه الثَّانِي

- ‌الْوَجْه الثَّالِث

- ‌الْوَجْه الرَّابِع

- ‌النَّوْع الرَّابِع

- ‌الْفَصْل الأول فِي إنشقاق الْقَمَر

- ‌الْفَصْل الثَّانِي فِي حبس الشَّمْس آيَة لَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الثَّالِث نبع المَاء وتكثيره معْجزَة لَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الرَّابِع تَكْثِير الطَّعَام معْجزَة لَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الْخَامِس فِي كَلَام الشّجر وَكثير من الجمادات وشهادتها لَهُ بِالنُّبُوَّةِ

- ‌النَّوْع الأول

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌الْفَصْل السَّادِس فِي كَلَام ضروب من الْحَيَوَان وتسخيرهم آيَة لَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌النَّوْع الأول

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌الْفَصْل السَّابِع فِي إحْيَاء الْمَوْتَى وَكَلَام الصّبيان والمراضع وشهادتهم لَهُ بِالنُّبُوَّةِ

- ‌الْفَصْل الثَّامِن فِي إِبْرَاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم المرضى وَذَوي العاهات

- ‌الْفَصْل التَّاسِع فِي إِجَابَة دُعَائِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الْعَاشِر فِي ذكر جمل من بركاته ومعجزاته صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الْحَادِي عشر فِي مَا أخبر بِهِ مِمَّا أطلعه الله من الْغَيْب صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الثَّانِي عشر فِي عصمَة الله لَهُ مِمَّن أَرَادَ كَيده

- ‌فَإِن قَالَ قَائِل من النَّصَارَى والمخالفين لنا

- ‌قُلْنَا فِي الْجَواب عَن ذَلِك

- ‌الْفَصْل الثَّالِث عشر فِي مَا ظهر على أَصْحَابه وَالتَّابِعِينَ لَهُم من الكرامات الخارقة للعادات

- ‌أَحدهمَا أَن نبين أَن مَا ظهر على أَصْحَابه وعَلى أهل دينه من الكرامات هُوَ آيَة لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أعظم الْآيَات وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى إِذا أكْرم وَاحِدًا مِنْهُم بِأَن خرق لَهُ عَادَة فَإِن ذَلِك يدل على أَنه على الْحق وَأَن دينه حق إِذْ لَو كَانَ مُبْطلًا فِي دينه مُتبعا لمبطل فِي

- ‌وَالْغَرَض الثَّانِي

- ‌من ذَلِك مَا علمنَا من أَحْوَالهم على الْقطع

- ‌وَأما التابعون

- ‌وَبعد هَذَا

- ‌انْتهى الْجُزْء الثَّالِث من كتاب الْإِعْلَام بِمَا فِي دين النَّصَارَى من الْفساد والأوهام وَإِظْهَار محَاسِن دين الْإِسْلَام وَإِثْبَات نبوة نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم ويليه الْجُزْء الرَّابِع بِإِذن الله وأوله الْبَاب الرَّابِع فِي بَيَان أَن النَّصَارَى متحكمون فِي أديانهم وَأَنَّهُمْ لَا مُسْتَند لَهُم فِي

- ‌الْإِعْلَام بِمَا فِي دين النَّصَارَى من الْفساد والأوهام وَإِظْهَار محَاسِن دين الْإِسْلَام وَإِثْبَات نبوة نَبينَا مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام

- ‌تَقْدِيم وَتَحْقِيق وَتَعْلِيق الدكتور أَحْمد حجازي السقا

- ‌فِي بَيَان أَن النَّصَارَى متحكمون فِي أديانهم

- ‌الصَّدْر وَفِيه فصلان

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌قَالَ ذَلِك الْجَاهِل بعد ذكر الْمُحرمَات

- ‌الْفَنّ الأول

- ‌مَسْأَلَة فِي المعمودية

- ‌مَسْأَلَة فِي غفران الأساقفة والقسيسين ذنُوب المذنبين وإختراعهم الْكَفَّارَة للعاصين

- ‌مِثَال الْقسم الأول العابثون بالصبيان

- ‌وَمِثَال الثَّانِي نِكَاح الْقرَابَات

- ‌وَأما الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَة

- ‌مِثَال مَا يغرمون فِيهِ الْأَمْوَال

- ‌وَقد حكمُوا على قَاتل عَبده

- ‌وَأما قَاتل الْخَطَأ

- ‌وعَلى الْجُمْلَة

- ‌مُطَالبَة وَهِي أَنا نقُول لَهُم

- ‌مَسْأَلَة فِي الصلوبية وَقَوْلهمْ فِيهَا

- ‌قَالُوا

- ‌ مِنْهَا

- ‌‌‌وَمِنْهَا

- ‌وَمِنْهَا

- ‌وَمِنْهَا

- ‌مَسْأَلَة فِي تَركهم الْخِتَان

- ‌فأولها

- ‌وَثَانِيها

- ‌وَثَالِثهَا

- ‌وَرَابِعهَا

- ‌وَهل يصلح الْعَطَّار مَا أفسد الدَّهْر

- ‌مَسْأَلَة فِي أعيادهم المصانة

- ‌مَسْأَلَة فِي قُرْبَانهمْ

- ‌أَحدهَا

- ‌مَسْأَلَة فِي تقديسهم دُورهمْ وَبُيُوتهمْ بالملح

- ‌مَسْأَلَة فِي تصليبهم على وُجُوههم فِي صلَاتهم

- ‌مَسْأَلَة فِي قَوْلهم فِي النَّعيم وَالْعَذَاب الأخراوين

- ‌الْفَنّ الثَّانِي

- ‌تمهيد

- ‌أَحدهمَا

- ‌وَالْغَرَض الثَّانِي

- ‌وَفِي هَذَا الْفَنّ فصلان

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌مُلْحق

- ‌المبحث الثَّالِث

- ‌أَولا النبوءات

- ‌يَوْم الرب

- ‌ثَانِيًا تَغْيِير التَّوْرَاة

- ‌عالمية الْملَّة النَّصْرَانِيَّة

الفصل: ‌ثانيا تغيير التوراة

شهوات أنفسهم وقائلين أَيْن هُوَ موعد مَجِيئه لِأَنَّهُ من حِين رقد الْآبَاء كل شَيْء بَاقٍ هَكَذَا من بَدْء الخليقة ورد بقوله لَا يخف عَلَيْكُم هَذَا الشَّيْء الْوَاحِد أَيهَا الأحباء أَن يَوْمًا وَاحِدًا عِنْد الرب كألف سنة وَألف سنة كَيَوْم وَاحِد لَا يتباطأ الرب عَن وعده كَمَا يحْسب قوم التباطؤ لكنه يتأنى علينا

وَالنَّصَارَى الْيَوْم طوائفهم الْعُظْمَى على أَن يَوْم الرب قريب وَلَكِن لن ينزل عِيسَى بالجسد وَالروح بل بِالروحِ دون الْجَسَد

‌ثَانِيًا تَغْيِير التَّوْرَاة

لاحظ أَولا مَا يَلِي

يرْوى الْقُرْطُبِيّ الإِمَام الْفَقِيه الْمُفَسّر فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى عَن عِيسَى عليه السلام {ولأحل لكم بعض الَّذِي حرم عَلَيْكُم} آل عمرَان 50 قَول عَن إِمَام من الإئمة هُوَ أَن عِيسَى عليه السلام مَا أحل لَهُم إِلَّا مَا حرمه عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل على النَّاس لَا مَا حرمه الله بِنَصّ فِي التَّوْرَاة وَهَذَا القَوْل مَعَ صَوَابه لم يجْزم بصوابه الْمُفَسّر ولماذا لم يكن لِأَن الْعلمَاء نظرُوا إِلَى آيَات أَرْبَعَة فِي دَعْوَة الْمَسِيح الْآيَة الأولى قَول الله عَن عِيسَى عليه السلام أَنه {مُصدقا لما بَين يَدي من التَّوْرَاة وَمُبشرا برَسُول يَأْتِي من بعدِي اسْمه أَحْمد} الصَّفّ 6 أَي أَن دَعوته فِي أَمريْن إثنين الأول أَنه مُصدق للتوراة غير نَاسخ وَالثَّانِي أَنه لم يُعْط لأتباعه شَرِيعَة مُنْفَصِلَة عَن شَرِيعَة مُوسَى عليه السلام لم يعطهم إِلَّا خَبرا بمجيء نَبِي الْإِسْلَام صلى الله عليه وسلم وَالْخَبَر لَا ينْسَخ التشريع وَالْآيَة الثَّانِيَة قَول الله عَن عِيسَى عليه السلام أَنه قَالَ لِقَوْمِهِ {ولأبين لكم بعض الَّذِي تختلفون فِيهِ} الزخرف 63 أَي أَنه كَانَ على شَرِيعَة مُوسَى الَّتِي يَخْتَلِفُونَ فِي تَفْسِير بعض آياتها فيفسر لَهُم التَّفْسِير الصَّحِيح وَالْآيَة الثَّالِثَة {وليحكم أهل الْإِنْجِيل بِمَا أنزل الله فِيهِ} الْمَائِدَة 47 وَقد فهم مِنْهَا الْبَعْض أَن الحكم بالإنجيل يعْنى أَنه شَرِيعَة مُنْفَصِلَة عَن التَّوْرَاة وَفهم مِنْهَا الْبَعْض وَقد أَشَارَ إِلَيْهِم الزَّمَخْشَرِيّ الْمُفَسّر طيب الله ثراه أَن الحكم بالإنجيل هُوَ نَفسه الحكم بِالتَّوْرَاةِ لماذا لِأَنَّهُ مَكْتُوب فِي الْإِنْجِيل رغم تحريفه أَن عِيسَى عليه السلام قَالَ لأتباعه

ص: 477

أتظنون أَنِّي جِئْت لأبطل الشَّرِيعَة والأنبياء الْحق أَقُول لكم لعمر الله إِنِّي لم آتٍ لأبطلها وَلَكِن لأحفظها فعلى قَوْله هَذَا إِذا أَرَادَ النَّصَارَى أهل الْإِنْجِيل أَن يقيموا حكم الله فَعَلَيْهِم بهدى إمَامهمْ وَهدى إمَامهمْ مَعْرُوف من قَوْله لم آتٍ لأبطلها إِذن فليتحاكموا فِيمَا بَينهم على قوانينها وَالْآيَة الرَّابِعَة قَول الله تَعَالَى عَن عِيسَى عَليّ السَّلَام {ومصدقا لما بَين يَدي من التَّوْرَاة ولأحل لكم بعض الَّذِي حرم عَلَيْكُم} آل عمرَان 50 وَهَذِه الْآيَة هِيَ مَوضِع الْإِشْكَال فِي الظَّاهِر حَيْثُ فهم الْبَعْض أَن التَّصْدِيق لَا صلَة لَهُ الْبَتَّةَ بإنجيله الَّذِي أحل فِيهِ وَأَن التَّصْدِيق لَا يتعارض مَعَ شَرِيعَة جَدِيدَة تكون مَعَه

وفهمهم هَذَا يكون صَحِيحا إِذا كَانَ الله تَعَالَى قد صرح فِي أَمر عِيسَى عليه السلام بِأَنَّهُ مَعَ التَّصْدِيق مهيمن على التَّوْرَاة فَفِي الْحَالة هَذِه يجب القَوْل بِأَن عِيسَى عليه السلام قد أعْطى بِنَاء عَن وَحي الله شَرِيعَة مُسْتَقلَّة عَن شَرِيعَة مُوسَى عليه السلام لِأَن معنى الهيمنة السيطرة بِقُوَّة على الْكتاب أَي يصدق على صَحِيحه وَيُصَرح بباطله ويغير من تشريعاته مَا هُوَ غير صَالح للنَّاس فِي زَمَانه فَهَل الهيمنة على التَّوْرَاة من إختصاص عِيسَى عليه السلام لَا لَيست من إختصاصه بل من إختصاص مُحَمَّد نَبِي الْإِسْلَام صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ هُوَ وَحده الْمُصدق والمهيمن وَحَيْثُ ذَلِك ثَابت فَإِن تَحْلِيل عِيسَى عليه السلام يجب أَن ينظر فِيهِ إِلَى أَي أَمر غير تَغْيِير نُصُوص التَّوْرَاة الَّتِي تحرم مَا يُرِيد هُوَ أَن يحله وَإِلَّا لزم التَّنَاقُض فِي مَفْهُوم دَعوته بَين التَّصْدِيق فَقَط وَحل مَا حرم على بني إِسْرَائِيل وَهَذَا هُوَ الَّذِي حدا بِي إِلَى فحص هَذَا الْمَوْضُوع بدقة متناهية وَقد انْتَهَيْت فِيهِ إِلَى أَنه أحل بعض مَا حرمه على النَّاس عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل من تِلْقَاء أنفسهم

وَمَا يزَال الْبَعْض من النَّاس فِي عصرنا هَذَا يعد النَّصْرَانِيَّة دينا سماويا تاليا للديانة الْيَهُودِيَّة سَابِقًا على الْإِسْلَام ويزعمون أَن الْأَدْيَان ثَلَاثَة أَدْيَان الْيَهُودِيَّة والنصرانية وَالْإِسْلَام وَأَنا أعلم أَن زعمهم قَائِم لَا على حسب وَاقع النَّاس الْيَوْم بل على أَنهم عالمون بِأَن عِيسَى عليه السلام قد أضَاف جَدِيدا على شَرِيعَة مُوسَى عليه السلام وَلَقَد علمُوا ذَلِك من التَّرْجَمَة المتداولة للإنجيل وفيهَا يَقُول مَتى عَن عِيسَى عليه السلام لَا تظنوا إِنِّي جِئْت لأنقض الناموس أَو الْأَنْبِيَاء مَا جِئْت لأنقض بل لأكمل يفهمون من

ص: 478

قَوْله لأكمل أَنه أضَاف جَدِيدا وَلم يكلفوا أنفسهم أَن يبحثوا عَن هَذَا الْجَدِيد الْمُضَاف الَّذِي أكمل بِهِ عِيسَى عليه السلام كتاب مُوسَى عليه السلام أَي جَدِيد أَضَافَهُ عِيسَى عليه السلام وَإِن أصُول الْإِنْجِيل باللغة اليونانية فِيهَا بل لأصحح وَفِي التَّرْجَمَة الَّتِي نقلت عَن برنابا لم آتٍ لأبطلها بل لأحفظها وَفِي الْخطاب الْأَخير يَقُول للجموع وللتلاميذ على كرْسِي مُوسَى جلس الكتبة والفريسيون فَكل مَا قَالُوا لكم أَن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه لقد أوصى فَقَط بِحِفْظ شَرِيعَة مُوسَى وَالْعَمَل بهَا وَلم يُصَرح بجديد عَلَيْهَا مُضَاف إِلَيْهَا وَأي جَدِيد يُصَرح بِهِ وَقد أحَال الأتباع إِلَى عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل وَمِنْهُم من يُؤمن بِهِ وَمن لَا يُؤمن بِهِ فَأَي دَلِيل على هَذَا الزَّعْم وَهَذَا كَلَام صَاحب الشَّأْن كَمَا هُوَ مَكْتُوب وواضح للْعَالم والمتعلم

لَيست الْأَدْيَان ثَلَاثَة بل إثنين فَقَط لَا ثَالِث لَهما الْيَهُودِيَّة أَولا وَالْإِسْلَام آخرا وَقد نسخ الدّين الْأَخير الدّين الأول الَّذِي حرف من قبل ظُهُوره وَغير وَبدل بِشَهَادَة أَهله فَإِنَّهُ فِي الإصحاح الثَّالِث وَالْعِشْرين من سفر أرمياء على لِسَان الله تَعَالَى لِأَن الْأَنْبِيَاء والكهنة تنجسوا جَمِيعًا بل فِي بَيْتِي وجدت شرهم يَقُول الرب وَقد رَأَيْت فِي أَنْبيَاء السامرة حَمَاقَة تنبأوا بالبعل وأضلوا شعبي إِسْرَائِيل وَفِي أَنْبيَاء أورشليم رَأَيْت مَا يقشعر مِنْهُ يفسقون ويسلكون بِالْكَذِبِ ويشددون أيادي فاعلى الشَّرّ من عِنْد أَنْبيَاء أورشليم خرج نفاق فِي كل الأَرْض أما وَحي الرب فَلَا تذكروه بعد لِأَن كلمة كل إِنْسَان تكون وحيه إِذْ قد حرفتم كَلَام الْإِلَه الْحَيّ رب الْجنُود إلهنا الخ وَأي تَصْرِيح أوضح من هَذَا التَّصْرِيح

لنتحدث بعد تِلْكَ الملاحظات فِي محاولة بطرس وبولس وَيَعْقُوب لتغيير التَّوْرَاة فَنَقُول

يحْكى هَذَا السّفر أَن بطرس الَّذِي وَصفه الْمَسِيح عليه السلام بِأَنَّهُ شَيْطَان هُوَ أول من دَعَا إِلَى تَغْيِير التَّوْرَاة فِي الشَّرِيعَة وَقد غَيرهَا هُوَ وَمن مَعَه من أجل الرومان أَولا الَّذين أَرَادوا أَن يُدْخِلُوهُمْ فِي النَّصْرَانِيَّة بسهولة

لقد كَانَ من عَادَة الْعلمَاء من بني إِسْرَائِيل بعد سبي بابل أَن لَا يدخلُوا بَيت خاطئ وَأَن لَا يمشوا مَعَه وَأَن لَا يتعرفوا على رجل

ص: 479

لَيْسَ من جنس بني إِسْرَائِيل وَأَن لَا يعاشروه وَأَن لَا يدخلُوا بَيته وَأَن لَا يَأْكُلُوا طَعَامه وَلَيْسَت هَذِه الْعَادة لِأَن الله نَص عَلَيْهَا فِي التَّوْرَاة بل لأَنهم ابتدعوها من سبى بابل وَلذَلِك وبخهم الْمَسِيح وبكتهم فقد روى مَتى أَنه دخل مَعَ تلاميذه بَيت خاطئ لِيَدْعُوهُ إِلَى التَّوْبَة فَلَمَّا نظره الْعلمَاء قَالُوا لتلاميذه لماذا يَأْكُل معلمكم مَعَ العشارين والخطاة فَلَمَّا سمع يسوع قَالَ لَهُم لَا يحْتَاج الأصحاء إِلَى طَبِيب بل المرضى فأذهبوا وتعلموا مَا هُوَ إِنِّي أُرِيد رَحْمَة لَا ذَبِيحَة لِأَنِّي لم آتٍ لأدعوا أبرارا بل خطاة إِلَى التَّوْبَة وَقد اقتفى بطرس أثر الْمَسِيح مَعَ الْفَارِق فقد دخل الْمَسِيح وَأكل حَسْبَمَا تنص شَرِيعَة مُوسَى فِي الْأَطْعِمَة وَدخل بطرس بَيت أممي غير يَهُودِيّ وَأكل مَا هُوَ محرم فِي شَرِيعَة مُوسَى من الْأَطْعِمَة وَلما سَأَلُوهُ عَن تَحْلِيله لما هُوَ محرم لم يجب بِأَن الْمَسِيح أحل مَا كَانَ محرما وَإِنَّمَا أجَاب بِأَنَّهُ رأى السَّمَاء مَفْتُوحَة وإناء نازلا عَلَيْهِ مثل ملاءة عَظِيمَة مربوطة بأَرْبعَة أَطْرَاف ومدلاة على الأَرْض وَكَانَ فِيهَا كل دَوَاب الأَرْض والوحوش والزحافات وطيور السَّمَاء وَصَارَ إِلَيْهِ صَوت قُم يَا بطرس اذْبَحْ وكل فَقَالَ بطرس كلا يَا رب لِأَنِّي لم آكل قطّ شَيْئا دنسا أَو نجسا فَصَارَ إِلَيْهِ أَيْضا صَوت ثَانِيَة مَا طهره الله لَا تدنسه أَنْت وَكَانَ هَذَا على ثَلَاث مَرَّات ثمَّ ارْتَفع الْإِنَاء أَيْضا إِلَى السَّمَاء وَقد واجه المجتمعين بِرَأْيهِ فِي معاشرة الأمميين قَالَ لَهُم أَنْتُم تعلمُونَ كَيفَ هُوَ محرم على رجل يَهُودِيّ أَن يلتصق بِأحد أَجْنَبِي أَو يَأْتِي إِلَيْهِ وَأما أَنا فقد أَرَانِي الله أَن لَا أَقُول عَن إِنْسَان مَا أَنه دنس أَو نجس وَعلل رَأْيه بقوله بِالْحَقِّ أَنا أجد أَن الله لَا يقبل الْوُجُوه بل فِي كل أمة الَّذِي يتقيه ويصنع الْبر مَقْبُول عِنْده

وَلما رَجَعَ بطرس من عِنْد الأممي إِلَى أورشليم وَقد علم الْيَهُود أَنه دخل بَيت أممي وَأكل عِنْده خاصموه فَقص عَلَيْهِم قصَّة الْإِنَاء الَّذِي يشبه الملاءة فعندئذ سكتوا عَن الْخِصَام قَالَ

ص: 480

كَاتب السّفر فِي الإصحاح الْحَادِي عشر وَلما صعد بطرس إِلَى أورشليم خاصمه الَّذين من أهل الْخِتَان قائلين إِنَّك دخلت إِلَى رجال ذَوي غلفة وأكلت مَعَهم فابتدأ بطرس يشْرَح لَهُم بالتتابع قَائِلا أَنا كنت فِي مَدِينَة يافا أُصَلِّي فَرَأَيْت فِي غيبَة رُؤْيا إِنَاء نازلا مثل ملاءة عَظِيمَة مدلاة بأَرْبعَة أَطْرَاف من السَّمَاء الخ ثمَّ يَقُول الْكَاتِب فَلَمَّا سمعُوا ذَلِك سكتوا وَكَانُوا يمجدون الله قائلين إِذن أعْطى الله الْأُمَم أَيْضا التَّوْبَة للحياة

أَي أَن بطرس بِتِلْكَ الرُّؤْيَا رُؤْيا الْإِنَاء المشابه للملاءة يُرِيد أَن يَقُول أَن كل مَا كَانَ محرما فِي التَّوْرَاة أصبح حَلَالا من الأن إِن من الْأَطْعِمَة الْمُحرمَة فِي التَّوْرَاة الْجمل والأرنب والوبر وَالْخِنْزِير والنسر والأنوق وَالْعِقَاب والحدأة والباشق والشاهين على أجناسه والغراب على أجناسه والنعامة والظليف والسأف والباز على أجناسه والبوم والكركي والبجع والقوق والرخم والغواص واللقلق والببغاء على أجناسه والهدهد والخفاش وكل دَبِيب الطير وَالْميتَة وتعبر التَّوْرَاة عَن عدم حلّه بِلَفْظ أَنه نجس لكم نجس لكم نَجِسَة لكم فِي الإصحاح الرَّابِع عشر من سفر التَّثْنِيَة وَفِي الإصحاح الْحَادِي عشر من سفر اللاويين تعبر التَّوْرَاة عَن عدم حلّه بِلَفْظ نجس لكم إِنَّهَا نَجِسَة لكم لَا تدنسوا أَنفسكُم بدبيب يدب وَلَا تتنجسوا بِهِ وَلَا تَكُونُوا بِهِ نجسين وَيُرِيد بطرس أَن يَقُول أَن ماكان دنسا وَمَا كَانَ نجسا فِي التَّوْرَاة أصبح طَاهِرا ومباحا أكله من يَوْمنَا هَذَا هَذَا رَأْي بطرس وَهُوَ نَفسه رَأْي بولس فَإِن بولس يَقُول الْإِنْسَان الَّذِي يحرم طَعَاما مَا على نَفسه فَلهُ هُوَ وَحده هَذَا الطَّعَام حرَام وَلَكِن لَيْسَ للنَّاس جَمِيعًا أَن الْإِيمَان بيسوع الْمَسِيح كَاف فِي دُخُول الْجنَّة بِدُونِ أَعمال لِأَنَّهُ صلب ليكفر عَن خَطَايَا الْمُؤمنِينَ بِهِ يَقُول لأهل غلاطية إِنَّه بأعمال الناموس لَا يتبرر جَسَد مَا وَيَقُول لأهل كولوسى لَا يحكم عَلَيْكُم أحد فِي أكل أَو شرب أَو من جِهَة عيد أَو هِلَال أَو سبت وَيَقُول لأهل رُومِية إِنِّي عَالم ومتيقن فِي الرب يسوع أَن لَيْسَ شَيْء نجسا بِذَاتِهِ إِلَّا من يحْسب شَيْئا نجسا فَلهُ هُوَ نجس وَيَقُول بولس لأتباعه تلونوا ونافقوا وداهنوا فِي الدعْوَة كَمَا أَنا أفعل فَإِن رَأَيْتُمْ إنْسَانا يُرِيد الدُّخُول فِي النَّصْرَانِيَّة وَهُوَ يُرِيد

ص: 481

أَن يحرم على نَفسه طَعَاما فَلَا تجبروه على أكله يَقُول فِي رسَالَته الأولى إِلَى أهل كورنثوس كل الْأَشْيَاء تحل لي لَكِن لَيْسَ كل الْأَشْيَاء توَافق كل مَا يُبَاع فِي الملحمة كلوه غير فاحصين عَن شَيْء من أجل الضَّمِير وَلَكِن إِن قَالَ لكم أحد هَذَا مَذْبُوح لوثن فَلَا تَأْكُلُوا كونُوا بِلَا عَثْرَة للْيَهُود ولليونانيين ولكنيسة الله كَمَا أَنا أَيْضا أرْضى الْجَمِيع فِي كل شَيْء غير طَالب مَا يُوَافق نَفسِي بل الكثيرين لكَي يخلصوا

وَلَقَد ظلّ بطرس وبولس على رأيهما هَذَا إِلَى أَن فارقا الْحَيَاة الدُّنْيَا ورأيهما هَذَا هُوَ الَّذِي سَارَتْ عَلَيْهِ النَّصْرَانِيَّة إِلَى يَوْمنَا هَذَا

أما رَأْي يَعْقُوب وَهُوَ تَحْرِيم الدَّم والمخنوق من الْأَطْعِمَة فَهُوَ رَأْي لَا يعْتد بِهِ لِأَنَّهُ من من النَّاس يستسيغ فِي حَالَة الإختيار لَا فِي حَالَة الإضطرار أَن يَأْكُل جثة ميتَة خنقها بِحَبل من النَّاس خانق وَمن من النَّاس يستسيغ فِي حَالَة الإختيار أَن يَأْكُل الدَّم لَا فِي حَالَة الإضطرار وَرَأى يَعْقُوب أَيْضا فِي تَحْرِيم الْمَذْبُوح للأوثان هُوَ نَفسه رأى النَّصَارَى كلهم لأَنهم لَا يعْبدُونَ أوثانا بل يعْبدُونَ آلِهَة غير مرئية إِلَّا الْمَسِيح الَّذِي يَزْعمُونَ أَنهم رَأَوْهُ إِلَهًا فِي صُورَة إِنْسَان

وخلاصة الْمَكْتُوب عَن رأى يَعْقُوب فِي الإصحاح الْخَامِس عشر من سفر أَعمال الرُّسُل هَكَذَا

1 -

ذهب بولس وبرنابا لدَعْوَة الْأُمَم إِلَى النَّصْرَانِيَّة فَآمن جُمْهُور كثير من الْيَهُود واليونانيين وَهنا قاوم نفر من الْيَهُود دَعْوَة اليونانيين لَا على أَنَّهَا دَعْوَة بل لأَنهم دخلُوا فِي النَّصْرَانِيَّة على عاداتهم وتقاليدهم قَالَ المقاومون ليدخلوا ويعملوا بِالتَّوْرَاةِ لِأَن الْمَسِيح مَا جَاءَ للنسخ بل للإصلاح وَقَالَ الداعيان أَن يثبتوا فِي الْإِيمَان وَفِي ذَلِك الْوَقْت دخل نفر من عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل من الفريسيين بِلَاد اليونانيين وَجعلُوا يعلمُونَ الْأُخوة اليونانيين أَنه أَن لم تختتنوا حسب عَادَة مُوسَى لَا يمكنكم أَن تخلصوا فَمن أجل ذَلِك رأى بولس وبرنابا وأناس آخَرُونَ مَعَهُمَا أَن يذهبوا إِلَى أورشليم للتشاور فِي هَذَا الْمَوْضُوع مَعَ حوارِي عِيسَى الْأَوَّلين وَلما الْتَقَوْا بهم فِي أورشليم أخبروهم بِمَا حدث وَقَالُوا لَهُم

ص: 482

إِن اليونانيين لما قبلوا النَّصْرَانِيَّة على عاداتهم قَامَ النَّاس من الَّذين كَانُوا قد آمنُوا من مَذْهَب الفريسيين وَقَالُوا أَنه يَنْبَغِي أَن يختتنوا ويوصوا بِأَن يحفظوا ناموس مُوسَى فعندئذ وقف بطرس خَطِيبًا وَقَالَ مِمَّا قَالَ لماذا تجربون الله بِوَضْع نير على عنق التلاميذ لم يسْتَطع آبَاؤُنَا وَلَا نَحن أَن نحمله أَي يُرِيد إِسْقَاط التكاليف الشَّرْعِيَّة عَن الْأُمَم ووقف يَعْقُوب بعده خَطِيبًا فَكَانَ مِمَّا قَالَه قَالَ

أرى أَن لَا يثقل على الراجعين إِلَى الله من الْأُمَم بل يُرْسل إِلَيْهِم أَن يمتنعوا عَن نجاسات الْأَصْنَام وَالزِّنَا والمخنوق وَالدَّم لِأَن مُوسَى مُنْذُ أجيال قديمَة لَهُ فِي كل مَدِينَة من يكرز بِهِ إِذْ يقْرَأ فِي المجامع كل سبت

وَاسْتحْسن المجتمعون رأيى يَعْقُوب فَكَتَبُوا رِسَالَة إِلَى الَّذين آمنُوا من غير الْيَهُود فِي مدن أنطاكية وسورية وكليكية وأرسلوها مَعَ أَرْبَعَة أشخاص هم بولس وبرنابا ويهوذا الملقب برسابا وسيلا وَهَذَا نَص الرسَالَة

الرُّسُل والمشايخ والأخوة يهْدُونَ سَلاما إِلَى الْأُخوة الَّذين من الْأُمَم فِي أنطاكية وسورية وكليكية

إِذْ

قد سمعنَا أَن أُنَاسًا خَارِجين من عندنَا أزعجوكم بأقوال مقلبين أَنفسكُم وقائلين أَن تختتنوا وتحفظوا الناموس الَّذين نَحن لم نأمرهم

رَأينَا وَقد صرنا بِنَفس وَاحِدَة أَن نَخْتَار رجلَيْنِ ونرسلها اليكم مَعَ حبيبنا برنابا وبولس رجلَيْنِ قد بذلا أَنفسهمَا لأجل إسم رَبنَا يسوع الْمَسِيح فقد أرسلنَا يهوذا وسيلا وهما يخبرانكم بِنَفس الْأُمُور شفاها لِأَنَّهُ قد رأى الرّوح الْقُدس وَنحن أَن لَا نضع عَلَيْكُم ثقلا أَكثر غير هَذِه الْأَشْيَاء الْوَاجِبَة أَن تمتنعوا عَمَّا ذبح للأصنام وَعَن الدَّم والمخنوق وَالزِّنَا الَّتِي إِن حفظتم أَنفسكُم مِنْهَا فَنعما تَفْعَلُونَ كونُوا معافين

أنْتَهى نَص الرسَالَة وَلما وصلت إِلَى أَصْحَابهَا وقرأوها

ص: 483

فرحوا كَمَا يَقُول الْكَاتِب وَبهَا ضَاعَ دين عِيسَى الَّذِي هُوَ نَفسه دين مُوسَى

وَأَصْحَاب هَذِه المؤامرة لم يستطيعوا أَن يجهروا بهَا فِي أورشليم وجهروا فِي أورشليم بإحترام التَّوْرَاة وَوُجُوب الْعَمَل بهَا

وَيَعْقُوب نَفسه الَّذِي اقترح تِلْكَ الرسَالَة خَافَ على بولس لمارجع إِلَى أورشليم بَعْدَمَا أوصل الرسَالَة إِلَى أَصْحَابهَا وَقَالَ لَهُ مَعَ الْمَشَايِخ أَنْت ترى أَيهَا الْأَخ كم يُوجد ربوة من الْيَهُود الَّذين آمنُوا وهم جَمِيعًا غيورون للناموس وَقد أخبروا عَنْك أَنَّك تعلم جَمِيع الْيَهُود الَّذين بَين الْأُمَم الإرتداد عَن مُوسَى قَائِلا أَن لَا يختنوا أَوْلَادهم وَلَا يسلكوا حسب العوائد فَإِذن مَاذَا يكون

وَلما خَافَ عَلَيْهِ من الْيَهُود اقترح عَلَيْهِ الإقتراح الْآتِي

افْعَل هَذَا الَّذِي نقُول لَك عندنَا أَرْبَعَة رجال عَلَيْهِم نذر خُذ هَؤُلَاءِ وتطهر مَعَهم وَأنْفق عَلَيْهِم ليحلقوا رؤوسهم فَيعلم الْجَمِيع أَن لَيْسَ شَيْء مِمَّا أخبروا عَنْك بل تسلك أَنْت أَيْضا حَافِظًا للناموس

وَلَقَد نفذ بولس هَذَا الإقتراح أَخذ بولس الرِّجَال فِي الْغَد وتطهر مَعَهم وَدخل الهيكل مخبرا بِكَمَال أَيَّام التَّطْهِير إِلَى أَن يقرب عَن كل وَاحِد مِنْهُم القربان

فَمَاذَا كَانَ من الْيَهُود الَّذين رَأَوْهُ فِي الهيكل لما رَآهُ الْيَهُود الَّذين من آسيا فِي الهيكل أهاجوا عَلَيْهِ جَمِيع الساكنين فِي أورشليم صارخين يَأ أَيهَا الرِّجَال الإسرائليون أعينوا هَذَا الرجل الَّذِي يعلم الْجَمِيع فِي كل مَكَان ضدا للشعب والناموس وَهَذَا الْموضع حَتَّى أَدخل يونانيين أَيْضا إِلَى الهيكل ودنس هَذَا الْموضع الْمُقَدّس وللوقت هَاجَتْ الْمَدِينَة كلهَا وتراكض الشّعب وأمسكوا بولس وجروه خَارج الهيكل وللوقت أغلقت الْأَبْوَاب وبينما هم يطْلبُونَ أَن يقتلوه نما خبر إِلَى أَمِير الكتيبة أَن أورشليم كلهَا قد اضْطَرَبَتْ فللوقت أَخذ عسكرا وقواد مئات وركض إِلَيْهِم فَلَمَّا رَأَوْا الْأَمِير والعسكر كفوا عَن ضرب بولس ولنشرع بعد ذَلِك فِي الحَدِيث عَن عالمية الْملَّة النَّصْرَانِيَّة فَنَقُول

ص: 484