الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفَصْل الرَّابِع
تجسد الْوَاسِطَة
من حِكَايَة كَلَامه
قَالَ
فَإِذا لم يكن بُد من الصدى فقد قَالَ أَنا الله فأسألك إِن كنت تصدق الصدى أم تكذب فَإِذا لم يكن بُد من تَصْدِيقه فِي قَول الربوبية إِذْ قَالَ {أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاعبدني} قُلْنَا لكم وَكَذَلِكَ صدق الْمَسِيح فِي قَوْله أَنا الله وانا لنرى كَذَا صدق الحواريون وَمن اتبعهُ من غَيرهم فِي قَوْله فِي الربوبية كتصديق مُوسَى للْكَلَام وَألا يتمارى لَهُ برسالته إِلَى أهل مصر وَقد أوجبتم أَن جسم الْمَسِيح وَكَلَامه لما خطب بالربوبية مثل جسم النَّار وَالْكَلَام إِذا خَاطب مُوسَى بالربوبية
فَإِن قلت إِن مُوسَى لم يعبد النَّار كَمَا تعبد النَّصَارَى الْمَسِيح
قيل لَك إِن الْكَلَام قَالَ لَهُ اعبدني وَسجد لَهُ مُوسَى وَقَالَ {تبت إِلَيْك وَأَنا أول الْمُؤمنِينَ} فَإِن قَالَ الْمُسلم عِنْد الإضطرار إِن النَّار والصدى وَاسِطَة وَلكنهَا خلاف الْمَسِيح وَكَلَامه لِأَن النَّار لَيْسَ من طبعها الْكَلَام وَأما الْمَسِيح فَإِنَّهُ كَانَ إنْسَانا مَعْرُوفا بالْكلَام فَلَا آيَة فِيهِ قُلْنَا لَك إِذْ قد أوجبتم أَن الخليقة لَا تدْرك الْخَالِق إِلَّا بجسم مَخْلُوق تتخذه وتجعله وَاسِطَة بَينه وَبَين من خَاطب من الْأَنْبِيَاء وَيصير الْوَاسِطَة لَهُم إِلَهًا فقد جامعتموه على الْإِقْرَار بِوَاسِطَة مَخْلُوق بالربوبية للمسيح ووقعتم فِيمَا أنكرتم وَلَيْسَ ينفعكم ملجؤكم إِلَى القَوْل بِأَن النَّار والمسيح لَيْسَ آيَة
وَإِنَّمَا أوجبتم علينا الشّرك فِي قَوْلنَا بِوَاسِطَة فَإِذن الْعقل وَالْحق لَا يعيب الواسط فكلا الواسطين بَين الله والخلق
وَإِذا ذهبتم إِلَى أَن النَّار صَادِقَة لَا يتخوف عَلَيْهَا الْكَذِب وَأَن الْمَسِيح يتخوف عَلَيْهِ الْكَذِب فَإِن مُوسَى قد أوجز فِي النَّار وَالْكَلَام وَإِنَّمَا قطع الشَّك بِالْيَقِينِ بِآيَة الْعَصَا وَالْيَد الَّذِي أدخلها فِي جيبه وَكَذَلِكَ قطع الْمُؤْمِنُونَ بربوبية الْمَسِيح شكهم بِإِقْرَار الْمَوْتَى عِنْد إحيائه لَهُم بربوبيته وَإِن ذهبتم إِلَى أَن خلق النَّار فِي ذَاتهَا أشرف فَإِن كل مَخْلُوق فِي الدُّنْيَا هُوَ مَنَافِع لولد آدم مسخرة لَهُم وَكفى بقولكم فِي قرآنكم إِن الله أَمر الْمَلَائِكَة بِالسُّجُود لآدَم وَأَن ابليس مسخوط عَلَيْهِ فِي الْأَبَد لابائه السُّجُود لَهُ وَقَوله {أَنا خير مِنْهُ خلقتني من نَار وخلقته من طين}
فَإِن قُلْتُمْ كَذبْتُمْ على الْمَسِيح لِأَنَّهُ لم يدع مِمَّا قُلْتُمْ شَيْئا قُلْنَا إِنَّمَا أنكرتم علينا القَوْل بِمَا وجدنَا فِي كتَابنَا نَحن لَا نستدل بِمثل هَذَا فِي الْأَبَد فاضررناكم من كتابكُمْ إِلَى القَوْل بِمثلِهِ فَلَمَّا أَبينَا قُلْتُمْ كَذبْتُمْ على الْمَسِيح فَلم تكذبونا وَكِتَابنَا على القَوْل بِمثل قَوْلكُم فِي وَاسِطَة مُوسَى وعبادته لَهَا وَأَنْتُم لما أوجبتم أَن الْأمة تحاسب بعملها يَوْم الْقِيَامَة أَن محاسبها يخاطبها يَوْم الْقِيَامَة ويكافئها بأعمالها ثمَّ يَقُول قرآنكم {وَجَاء رَبك وَالْملك صفا صفا}
فَمَا تنكرون أَن يكون الْمَسِيح الَّذِي كَانَ وَاسِطَة للوعظ أَن يكون هَذَا الْمقبل مَعَ الْمَلَائِكَة كَمَا قدمه فِي الْإِنْجِيل حَيْثُ قَالَ يقْعد ابْن الْإِنْسَان يَعْنِي الْحجاب الْمُتَّخذ من نسل آدم فِي مجْلِس عَظمته وَتقدم جَمِيع الْأُمَم بَين يَدَيْهِ ويميزهم كَمَا يُمَيّز الرَّاعِي الْغنم من الْمعز فَيحمل الْمُؤمنِينَ عَن يَمِينه والمجرمين عَن شِمَاله ثمَّ يعاتبهم ويأمن كل طَائِفَة بِمثل مَا قدمُوا فِي دنياهم
وَإِذا أوجبتم أَن الله لَا مفطور وَلَا مدرك بحاسة فقد وَجب أَن المحاسب المسموع مدرك بالحواس مَعَ إقراركم أَن ربكُم قَالَ ترَوْنَ