الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَجِيء فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ربه فزيد لَهُ فِي النَّهَار سَاعَة وحبست عَلَيْهِ الشَّمْس
وَهَذِه الْآيَة أعظم من آيَة يشوع بن نون فَإِنَّكُم تَقولُونَ إِن يشوع استوقف الشَّمْس فوقفت وَفِي بعض كتبكم إِنَّمَا استوقف ضياها وَنَبِينَا عليه السلام استرجعها فَرَجَعت واستزاد سَاعَة فِي النَّهَار فزيدت {ذَلِك تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم}
فَإِن اعْترض معترض على معْجزَة نَبينَا بِشَيْء فَإِن كَانَ كتابيا عارضناه بمعجزة يشوع فبالذي ينْفَصل عَن معْجزَة يشوع بِمثلِهِ ننفصل عَمَّا اعْترض بِهِ وَإِن كَانَ طبيعيا غير متشرع انْتقل الْكَلَام مَعَه إِلَى مَوَاضِع أخر لَيْسَ هَذَا مَوضِع ذكرهَا
الْفَصْل الثَّالِث نبع المَاء وتكثيره معْجزَة لَهُ صلى الله عليه وسلم
وَهَذَا الْفَصْل نَوْعَانِ نوع نبع لَهُ المَاء من بَين أَصَابِعه وَنَوع آخر نبع لَهُ المَاء من غير أَصَابِعه
فلنبدأ بِالْأولِ فَنَقُول روى الجم الْغَفِير وَالْعدَد الْكثير أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم خرج فِي بعض أَسْفَاره وحانت صَلَاة الْعَصْر فالتمس النَّاس الْوضُوء فَلم يجدوه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم هَل من أحد مِنْكُم مَاء فَأتى بِمَاء فِي إِنَاء فَوضع يَده فِي ذَلِك الْإِنَاء وسمى الله قَالَت الصَّحَابَة فَرَأَيْنَا المَاء يخرج من بَين أَصَابِعه فَتَوَضَّأ النَّاس حَتَّى توضأوا كلهم قيل لأنس كم تراهم قَالَ نَحوا من سبعين وَقد اتّفق لَهُ مثل هَذَا مرّة أُخْرَى وَكَانُوا نَحوا من ثَلَاثَة مائَة
وَكَذَلِكَ عَطش النَّاس يَوْم الْحُدَيْبِيَة وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم بَين يَدَيْهِ ركوة فَتَوَضَّأ مِنْهَا وَأَقْبل النَّاس نَحوه وَقَالُوا لَيْسَ عندنَا مَاء إِلَّا مَا فِي ركوتك فَوضع النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَده فِي الركوة فَجعل المَاء يفور من بَين أَصَابِعه كأمثال الْعُيُون وَكَانُوا خمس عشرَة مائَة قَالُوا وَلَو كُنَّا مائَة ألف لَكَفَانَا
فَهَذِهِ ثَلَاثَة مَوَاطِن وَقد روى عَنهُ نَحْو هَذَا من طرق كَثِيرَة لَا يتَطَرَّق لَهَا الْكَذِب وَلم يردهَا أحد من أهل الْعقل وَالْأَدب لكَونهَا وَقعت فِي جموع كَثِيرَة وتناقلها جماعات عديدة يدينون تَحْرِيم الْكَذِب ويرونه أقبح شُبْهَة وأشنع سَبَب بل يبادرون إِلَى ذمّ الْكَاذِب وَإِظْهَار فضيحته وَلَا يقرونَ شَيْئا من الْكَذِب بِحَال عِنْد مَعْرفَته فَهَذَا هُوَ النَّوْع الأول
وَأما النَّوْع الثَّانِي فَهُوَ مَا تواردت بِهِ الرِّوَايَات عَن الْأَئِمَّة الْأَثْبَات من ذَلِك مَا اتّفق لَهُ فِي غَزْوَة تَبُوك وَذَلِكَ أَنهم وردوا عينا بتبوك وَهِي تبض بِشَيْء من مَاء مثل الشرَاك فغرفوا من الْعين بِأَيْدِيهِم حَتَّى اجْتمع مِنْهُ شَيْء قَلِيل ثمَّ غسل النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِيهِ وَجهه وَيَديه وَأَعَادَهُ فِيهَا فجرت بِمَاء كثير فاستقى النَّاس هَذَا حَدِيث معَاذ
وَقَالَ ابْن إِسْحَاق فانخرق من المَاء مَاله حس كحس الصَّوَاعِق ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُوشك يَا معَاذ إِن طَالَتْ بك حَيَاة أَن ترى مَا هَا هُنَا قد ملئ جنَانًا وَكَذَلِكَ صنع ذَلِك الْموضع جنَانًا بعده صلى الله عليه وسلم وَهَذَا من بَاب الْأَخْبَار عَن الْغَيْب
وَمن ذَلِك مَا اتّفق لَهُ بِالْحُدَيْبِية أَيْضا وَذَلِكَ أَنهم أَتَوا الْحُدَيْبِيَة وهم أَربع عشرَة مائَة وبئرها لَا تروي خمسين شَاة
قَالَ الْبَراء وَسَلَمَة بن الْأَكْوَع فنزحناها فَلم نَتْرُك فِيهَا شَيْئا فَقعدَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على بِئْرهَا فبصق ودعا وَأخرج سَهْما من كِنَانَته فَوَضعه فِي الْبِئْر فَجَاشَتْ الْعين بِمَاء كثير فأرووا أنفسهم وركابهم وهم ألف وَأَرْبع مائَة
وَمن ذَلِك مَا روى قَتَادَة صَاحب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن النَّاس شكوا إِلَيْهِ الْعَطش فِي بعض أَسْفَاره فَدَعَا بالمبيضأة فَجَعلهَا فِي ضبنه ثمَّ الْتَقم فمها فَالله أعلم نفث فِيهَا أم لَا فَشرب النَّاس حَتَّى رووا وملأوا كل إِنَاء مَعَهم وَكَانُوا إثنين وَسبعين رجلا
وَمن ذَلِك الحَدِيث الْمَشْهُور عَن عمرَان بن حُصَيْن وَذَلِكَ أَنهم كَانُوا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي بعض أَسْفَاره فَأَصَابَهُمْ عَطش شَدِيد فَوجه رجلَيْنِ من أَصْحَابه وأعلمهم أَنهم يَجدونَ امْرَأَة بمَكَان كَذَا لمَكَان معِين عنيه لَهُم مَعهَا بعير عَلَيْهِ مزادتا مَاء فوجداها بالموضع الَّذِي عين لَهُم على الصّفة الَّتِى ذكر لَهُم فجاءا بهَا الى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَأخذ من مَاء المزادتين وَقَالَ فِيهِ ماشاء الله أَن يَقُول ثمَّ أعَاد المَاء فِي المزادتين ثمَّ فتحهما وَأمر النَّاس فملأوا أسقيتهم حَتَّى لم يدعوا شَيْئا إِلَّا ملأوه قَالَ عمرَان ونحيل لي أَنَّهُمَا لم يزدادا إِلَّا إمتلاء ثمَّ أَمر فَجمع للْمَرْأَة من الأزواد حَتَّى مَلأ ثوبها ثمَّ قَالَ لَهَا اذهبي فانا مَا نقصناك من مائك شَيْئا وَلَكِن الله سقانا
وَمن ذَلِك حَدِيث عمر فِي حيش الْعسرَة وَذكر مَا أَصَابَهُم من الْعَطش حَتَّى أَن الرجل لينحر بعيره فيعصبر فرثه فيشربه فَرغب أَبُو بكر للنَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الدُّعَاء فَرفع يَدَيْهِ فَلم يرجعهما حَتَّى قَالَت السَّمَاء فانسكبت فملأوا مَا مَعَهم من آنِية وَلم يُجَاوز ذَلِك الْمَطَر الْعَسْكَر
وَمن ذَلِك حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب أَن أَبَا طَالب قَالَ للنَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ردفه بِذِي الْمجَاز عطشت وَلَيْسَ عِنْدِي مَاء فَنزل النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَضرب بقدمه الأَرْض فَخرج المَاء فَقَالَ لَهُ اشرب
والْحَدِيث فِي هَذَا النَّوْع كثير وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ كِفَايَة وَإِذا تَأمل الْعَاقِل الْمنصف هَذَا الْبَاب علم أَن نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم أُوتى مثل معْجزَة مُوسَى الَّتِي هِيَ نبع المَاء من الْحجر كَمَا ذكرنَا فِي هَذَا النَّوْع الثَّانِي وَزَاد عَلَيْهِ نبع المَاء من بَين أَصَابِعه كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي النَّوْع الأول كَانَ إنفجار المَاء من اللَّحْم أعجب من إنفجاره من الْحِجَارَة فَإِن رام الْيَهُودِيّ أَو النَّصْرَانِي تشكيكا فِي شَيْء من معجزات نَبينَا مُحَمَّد عليه السلام أَو إلحادا أَو ادّعى أَن هَذَا من قبيل السحر عارضناه بِمثل مقَالَته فِي معْجزَة مُوسَى فبالذي ينْفَصل بِهِ بِعَيْنِه ننفصل