الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(20) - (651) - بَابٌ: الرَّجُلُ يُخَيِّرُ امْرَأَتَهُ
(36)
- 2020 - (1) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَش، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَيَّرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاخْتَرْنَاهُ فَلَمْ يَرَهُ شَيْئًا.
===
(20)
- (651) - (باب: الرجل يخير امرأته)
(36)
- 2020 - (1)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلم) بن صبيح أبي الضحى الهمداني الكوفي مشهور بكنيته، ثقة فاضل، من الرابعة، مات سنة مئة (100 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن مسروق) بن الأجدع الهمداني الكوفي، ثقة مخضرم، من الثانية، مات سنة اثنتين، ويقال: سنة ثلاث وستين. يروي عنه: (ع).
(عن عائشة) رضي الله تعالى عنها.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(قالت) عائشة: (خيرنا) معاشر أزواجه (رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أن يفارقهن فيذهبن إلى غيره ممن يحصل لهن عنده الدنيا وزخرفها، وبين الصبر على ما عنده من ضيق الحال، ولهن عند الله تعالى الثواب الجزيل والأجر العظيم حين أمره الله سبحانه وتعالى بقوله: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا
…
} الآية (1).
(فاخترناه) أي: فاخترنا المُقامَ معه مع ضيق الحال (فلم يره) أي: لم ير النبي صلى الله عليه وسلم ذلك التخيير (شيئًا) أي: لم يحسبه شيئًا من الطلاق
(1) سورة الأحزاب: (28).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
رجعيًا ولا بائنًا، وفي رواية مسلم:(فلم يعده طلاقًا).
قال القرطبي: وفي قول عائشة هذا دليل على أن المخيرة إذا اختارت نفسها .. أن نفس ذلك الخيار يكون طلاقًا من غير احتياج إلى النطق بلفظ يدل على الطلاق سوى الخيار، ويقتبس ذلك من مفهوم لفظها، فتأمله. انتهى من "المفهم".
وبهذا الحديث أخذ الأئمة الأربعة وجمهور الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار وأئمة الفتوى، فقالوا: إذا خير الرجل امرأته فاختارته .. لا يقع بذلك طلاق لا واحدة ولا أكثر.
وحكي عن علي وزيد بن ثابت رضي الله تعالى عنهما روايتان؛ إحداهما: كما قال جماعة السلف وأئمة الفتوى: أنه لا يقع بذلك شيء، والرواية الثانية: أن نفس الخيار طلقة واحدة بائنة، وإن اختارت زوجها.
ويؤيد قول الجمهور من حيث المعنى أن التخيير ترديد بين شيئين، فلو كان اختيارها زوجها طلاقًا .. لاتحدا، فدل على أن اختيارها لنفسها بمعنى الفراق، واختيارها لزوجها بمعنى البقاء في العصمة. كذا في "فتح الباري".
هذا إذا اختارت المخيرة زوجها، وأما إذا اختارت نفسها .. فهي ثلاث عند مالك والليث، وهو المروي عن زيد بن ثابت، وقال أبو حنيفة: هي واحدة بائنة، وهو المروي عن عمر وابن مسعود وعلي رضي الله تعالى عنهم، وقال الشافعي وأحمد: هي طلقة رجعية، وهو مذهب إسحاق والثوري وابن أبي ليلى، وهو المروي عن ابن عباس. هذا ملخص ما في "فتح الباري"، والله وأعلم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الطلاق، باب من
(37)
-2021 - (2) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاق، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ
===
خير نساءه، ومسلم في كتاب الطلاق، باب أن التخيير لا يكون طلاقًا إلا بالنية، وأبو داوود في كتاب الطلاق، باب الخيار، والترمذي في كتاب الطلاق، باب ما جاء في الخيار، والنسائي في كتاب الطلاق، باب في المخيرة.
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
* * *
ثم استشهد المؤلف لحديث عائشة الأول بحديث آخر لها، فقال:
(37)
-2021 - (2)(حدثنا محمد بن يحيى) بن عبد الله الذهلي النيسابوري، ثقة متقن، من الحادية عشرة، مات سنة ثمان وخمسين ومئتين (258 هـ). يروي عنه:(خ عم).
(حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني، ثقة، من التاسعة، مات سنة إحدى عشرة ومئتين (211 هـ). يروي عنه:(ع).
(أنبأنا معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من السابعة، مات سنة أربع وخمسين ومئة (154 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن) محمد بن مسلم (الزهري) المدني، ثقة، من الرابعة، مات سنة خمس وعشرين ومئة، وقيل: قبل ذلك بسنة أو سنتين. يروي عنه: (ع).
(عن عروة) بن الزبير الأسدي المدني، ثقة، من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين (94 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن عائشة) رضي الله تعالى عنها.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} .. دَخَلَ عَلَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ؛ إِنِّي ذَاكِر لَكِ أَمْرًا فَلَا عَلَيْكِ أَلَّا تَعْجَلِي فِيهِ حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ"، قَالَتْ: قَدْ عَلِمَ وَاللهِ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا لِيَأْمُرَانِي بِفِرَاقِه،
===
(قالت) عائشة: (لما ثزلت) آية: {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (1) .. دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل دخوله على أحدٍ من نسائه، وإنما بدأ بها في التخيير قبل أزواجه؛ لعقلها ولفضيلتها على غيرها (فقال) لي:(يا عائشة؛ إني ذاكر لك أمرًا) أي: سأذكر لك أمرًا مهمًا؛ وهو التخيير (فلا) بأس ولا حرج ولا ضرر (عليك) في (ألا تعجلي) أي: في عدم العجلة، والتأني (فيه) أي: في الجواب في ذلك الأمر.
قال النووي: معناه: لا يضرك ألا تعجلي، إنما قال ذلك لها؛ شفقةً عليها وعلى أهلها؛ لأنه خاف أن يَسْتَغِرَّهَا الصغرُ، فتختار نفسها، فيجب فراقها، فتتأذى بذلك، فيتأذى أهلها، ويتأذى بقية النسوة في الاقتداء بها.
قال القاضي: وقال ذلك؛ لكراهية فراقها، وخوف أن تبادر بذلك؛ إذ جعل ذلك إليها؛ لما في ظاهره من الزهد فيها بتخييرها وأنفة النساء من مثل هذا مع صغر سنها. انتهى من "الأبي".
(حتى تستأمري) وتشاوري (أبويك) أبا بكر وأم رومان؛ أي: حتى تطلبي منهما أن يبينا لك رأيهما في ذلك الأمر (قالت) عائشة: وإنما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم عليك ألا تعجلي حتى تشاوريهما؛ لأنه (قد علم والله؛ أن أبوي لم يكونا ليأمراني بفراقه) صلى الله عليه وسلم؛ أي: لعلمه أن أبويها لا يوافقانها في اختيارها نفسها إن حصل ذلك منها بسبب حداثة سنها وصغرها،
(1) سورة الأحزاب: (29).
قَالَتْ: فَقَرَأَ عَلَيَّ {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا
…
} الْآيَات،
===
لا يوافقانها في اختيارها نفسها إن حصل ذلك منها بسبب حداثة سنها وصغرها، وهذه اللام - أعني: لام (ليأمراني) - لام الجحود الواقعة بعد الكون المنفي بلم، أو بما نظير قوله تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} (1)، والمراد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أمرها باستشارة أبويها؛ خشية أن يحملها صغر السن على اختيار الشق الآخر.
وفيه منقبة عظيمة لعائشة رضي الله تعالى عنها من وجوه:
الأول: أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بها قبل سائر الأزواج، وما ذلك إلا لفضيلتها عنده صلى الله عليه وسلم.
والثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يحب فراقها حتى عند التخيير، ولذلك أمرها باستشارة أبويها؛ حبًا لها ونصحًا لأمرها.
والثالث: أنها لم تتوقف في اختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على كمال عقلها وجودة رأيها مع حداثة سنها رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
ويستفاد من هذا الحديث أن أم رومان كانت يومئذ موجودة، فيرد به على من زعم أنها ماتت سنة ست من الهجرة؛ فإن التخيير كان في سنة تسعٍ، كذا في "فتح الباري"(8/ 401).
(قالت) عائشة: (فقرأ علي) رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا
…
} أي: السعة في الدنيا وزهرتها (الآيات) أي: أتم الآيات المذكورة بعد هذه؛ يعني بها: قوله
(1) سورة آل عمران: (179).
فَقُلْتُ: فِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ ! قَدِ اخْتَرْتُ اللهَ وَرَسولَهُ.
===
تعالى: {فَتَعَالَيْنَ} أي: أقبلن بإرادتكن واختياركن لأحد الأمرين، ولم يرد نهوضهن إليه بأنفسهن .. {أُمَتِّعْكُنَّ} أي: أعطكن متعة الطلاق {وَأُسَرِّحْكُنَّ} أي: أطلقكن {سَرَاحًا جَمِيلًا} لا ضرر فيه {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} (1).
وهذا أمر من الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يخير نساءه بين أن يفارقهن فيذهبن إلى غيره ممن يحصل لهن عنده الدنيا وزخرفها، وبين الصبر على ما عنده من ضيق الحال، ولهن عند الله في ذلك الثواب الجزيل، فاخترن رضا الله ورسوله والدار الآخرة، فجمع الله تعالى لهن بعد ذلك بين خيري الدنيا وسعادة الآخرة.
قالت عائشة: (فقلت) له صلى الله عليه وسلم: أ (في هذا) المذكور من الأمرين من الفراق والمقام معك (أستأمر) وأستشير (أبوي؟ ! ) لا حاجة لي إلى استشارتهما؛ فإني (قد اخترت الله ورسوله) والدار الآخرة؛ تعني: أن الأمر واضح لا حاجة فيه إلى مشاورة الأبوين.
(قالت) عائشة: (ثم فعل أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت) أنا من اختيار الله ورسوله والدار الآخرة.
والحاصل: أن سبب نزول هذه الآية مطالبتهن إياه صلى الله عليه وسلم من زينة الدنيا ما ليس عنده؛ ففي "تفسير البيضاوي": روي أنهن سألنه صلى الله عليه وسلم ثياب الزينة وزيادة النفقة، فنزلت، فبدأ بعائشة فخيرها، فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة، ثم اختارت الباقيات اختيارها، فشكر الله
(1) سورة الأحزاب: (28 - 29).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
تعالى لهن ذلك فنزل: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} (1)، فقصره الله تعالى عليهن؛ وهن التسع اللاتي تقدم ذكرهن في باب القسم بين الزوجات، وجاء في بعض الروايات: أنه خير نساءه، فاخترنه جميعًا غير العامرية، فاختارت قومها، فكانت بعد تقول: أنا الشقية، ويقال: إنها كانت ذاهبة العقل حتى ماتت.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب التفسير، باب تفسير:(قل لأزواجك)، ومسلم في كتاب الطلاق، باب بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقًا، والترمذي في كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة الأحزاب، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
فالحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديثين:
الأول للاستدلال، والثاني للاستشهاد، وكلاهما لعائشة رضي الله عنها.
والله سبحانه وتعالى أعلم
(1) سورة الأحزاب: (52).