المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(35) - (666) - باب: هل تحد المرأة على غير زوجها - شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه - جـ ١٢

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌كتابُ الطَّلاق

- ‌(1) - (632) - بَابُ الطَّلَاقِ

- ‌(2) - (633) - بَابُ طَلَاقِ السُّنَّةِ

- ‌(3) - (634) - بَابُ الْحَامِلِ كَيْفَ تُطَلَّقُ

- ‌(4) - (635) - بَابُ مَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ

- ‌(5) - (636) - بَابُ الرَّجْعَةِ

- ‌(6) - (637) - بَابُ الْمُطَلَّقَةِ الْحَامِلِ إِذَا وَضَعَتْ ذَا بَطْنِهَا بَانَتْ

- ‌(7) - (638) - بَابُ الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إِذَا وَضَعَتْ .. حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ

- ‌(8) - (639) - بَاب: أَيْنَ تَعْتَدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا

- ‌(9) - (640) - بَابٌ: هَلْ تَخْرُجُ الْمَرْأَةُ فِي عِدَّتِهَا

- ‌(10) - (641) - بَابُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا هَلْ لَهَا سُكْنَى وَنَفَقَةٌ

- ‌(11) - (642) - بَابُ مُتْعَةِ الطَّلَاقِ

- ‌(12) - (643) - بَابُ الرَّجُلِ يَجْحَدُ الطَّلَاقَ

- ‌(13) - (644) - بَابُ مَنْ طَلَّقَ أَوْ نَكَحَ أَوْ رَاجَعَ لَاعِبًا

- ‌(14) - (645) - بَابُ مَنْ طَلَّقَ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ

- ‌(15) - (646) - بَابُ طَلَاقِ الْمَعْتُوهِ وَالصَّغِيرِ وَالنَّائِمِ

- ‌(16) - (647) - بَابُ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ وَالنَّاسِي

- ‌(17) - (648) - بَابٌ: لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ

- ‌(18) - (649) - بَابُ مَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ مِنَ الْكَلَامِ

- ‌(19) - (650) - بَابُ طَلَاقِ الْبَتَّةِ

- ‌(20) - (651) - بَابٌ: الرَّجُلُ يُخَيِّرُ امْرَأَتَهُ

- ‌(21) - (652) - بَابُ كَرَاهِيَةِ الْخُلْعِ لِلْمَرْأَةِ

- ‌(22) - (653) - بَابُ الْمُخْتَلِعَةِ يَأْخُذُ مَا أَعْطَاهَا

- ‌(23) - (654) - بَابُ عِدَّةِ الْمُخْتَلِعَةِ

- ‌(24) - (655) - بَابُ الْإِيلَاءِ

- ‌(25) - (656) - بَابُ الظِّهَارِ

- ‌(26) - (657) - بَابٌ: الْمُظَاهِرُ يُجَامِعُ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ

- ‌(27) - (658) - بَابُ اللِّعَانِ

- ‌(28) - (659) - بَابُ الْحَرَامِ

- ‌(29) - (660) - بَابُ خِيَارِ الْأَمَةِ إِذَا أُعْتِقَتْ

- ‌(30) - (661) - بَابٌ: فِي طَلَاقِ الْأَمَةِ وَعِدَّتِهَا

- ‌(31) - (662) - بَابُ طَلَاقِ الْعَبْدِ

- ‌(32) - (663) - بَابُ مَنْ طَلَّقَ أَمَةً تَطْلِيقَتَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا

- ‌(33) - (664) - بَابُ عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ

- ‌(34) - (665) - بَابُ كرَاهِيَةِ الزِّينَةِ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا

- ‌(35) - (666) - بَابٌ: هَلْ تُحِدُّ الْمَرْأَةُ عَلَى غَيْرِ زَوْجِهَا

- ‌(36) - (667) - بَابُ الرَّجُلِ يَأْمُرُهُ أَبُوهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ

- ‌كتابُ الكفّارات

- ‌(37) - (668) - بَابُ يَمِينِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الَّتِي كَانَ يَحْلِفُ بِهَا

- ‌(38) - (669) - بَابُ النَّهْيِ أَنْ يُحْلَفَ بِغَيْرِ اللهِ

- ‌مبحث في اللات والعزى وتاريخهما

- ‌(39) - (670) - بَابُ مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ

- ‌(40) - (671) - بَابٌ: مِنْ حُلِفَ لَهُ بِاللهِ فَلْيَرْضَ

- ‌(41) - (672) - بَابُ الْيَمِينِ حِنْثٌ أَوْ نَدَمٌ

- ‌(42) - (673) - بَابُ الاسْتِثْنَاءِ فِي الْيَمِينِ

- ‌(43) - (674) - بَابُ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا

- ‌(44) - (675) - بَابُ مَنْ قَالَ: كفَّارَتُهَا تَرْكُهَا

- ‌(45) - (676) - بَابٌ: كَمْ يُطْعِمُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ

- ‌(46) - (677) - بَابٌ: مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ

- ‌(47) - (678) - بَابُ النَّهْيِ أَنْ يَسْتَلِجَّ الرَّجُلُ فِي يَمِينِهِ وَلَا يُكَفِّرَ

- ‌(48) - (679) - بَابُ إِبْرَارِ الْمُقْسِمِ

- ‌(49) - (680) - بَابُ النَّهْيِ أَنْ يُقَالَ: مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ

- ‌تتمة

- ‌(50) - (681) - بَابُ مَنْ وَرَّى فِي يَمِينِهِ

- ‌فائدة

- ‌(51) - (682) - بَابُ النَّهْيِ عَنِ النَّذْرِ

- ‌(52) - (683) - بَابُ النَّذْرِ فِي الْمَعْصِيَةِ

- ‌(53) - (684) - بَابُ مَنْ نَذَرَ نَذْرًا وَلَمْ يُسَمِّهِ

- ‌(54) - (685) - بَابُ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ

- ‌(55) - (686) - بَابُ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ

- ‌(56) - (687) - بَابُ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا

- ‌(57) - (688) - بَابُ مَنْ خَلَطَ فِي نَذْرِهِ طَاعَةً بِمَعْصِيَةٍ

- ‌كتاب التّجارات

- ‌(58) - (689) - بَابُ الْحَثِّ عَلَى الْمَكَاسِبِ

- ‌(59) - (690) - بَابُ الاقْتِصَادِ فِي طَلَبِ الْمَعِيشَةِ

- ‌(60) - (691) - بَابُ التَّوَقِّي فِي التِّجَارَةِ

- ‌(61) - (692) - بَابٌ: إِذَا قُسِمَ لِلرَّجُلِ رِزْقٌ مِنْ وَجْهٍ .. فَلْيَلْزَمْهُ

- ‌(62) - (693) - بَابُ الصِّنَاعَاتِ

- ‌(63) - (694) - بَابُ الْحُكْرَةِ وَالْجَلَبِ

- ‌(64) - (695) - بَابُ أَجْرِ الرِّاقِي

- ‌(65) - (696) - بَابُ الْأَجْرِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ

- ‌(66) - (697) - بَابُ النَّهْيِ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَعَسْبِ الْفَحْلِ

- ‌(67) - (698) - بَابُ كَسْبِ الْحَجَّامِ

- ‌(68) - (699) - بَابُ مَا لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ

- ‌تتمة

- ‌(69) - (700) - بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْمُنَابَذَةِ وَالْمُلَامَسَةِ

- ‌(70) - (701) - بَابٌ: لَا يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلَا يَسُومُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ

- ‌(71) - (702) - بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنِ النَّجْشِ

- ‌(72) - (703) - بَابُ النَّهْيِ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ

- ‌تتمة

- ‌(73) - (704) - بَابُ النَّهْيِ عَنْ تَلَقِّي الْجَلَبِ

- ‌(74) - (705) - بَابٌ: الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقا

- ‌فائدة

- ‌(75) - (706) - بَابُ بَيْعِ الْخِيَارِ

- ‌(76) - (707) - بَابٌ: الْبَيِّعَانِ يَخْتَلِفَانِ

- ‌(77) - (708) - بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ وَعَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ

- ‌(78) - (709) - بَابٌ: إِذَا بَاعَ الْمُجِيزَانِ .. فَهُوَ لِلْأَوَّلِ

- ‌(79) - (710) - بَابُ بَيْعِ الْعُرْبَانِ

الفصل: ‌(35) - (666) - باب: هل تحد المرأة على غير زوجها

(35) - (666) - بَابٌ: هَلْ تُحِدُّ الْمَرْأَةُ عَلَى غَيْرِ زَوْجِهَا

؟

(69)

- 2053 - (1) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ".

===

(35)

- (666) - (باب: هل تحد المرأة على غير زوجها؟ )

(69)

- 2053 - (1)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة) رضي الله تعالى عنها.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

(عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لامرأة) تؤمن بالله واليوم الآخر؛ كما في رواية مسلم (أن تحد) أي: تمتنع من الطيب والزينة (على ميت) أي: لأجل التفجع والتحزن على موت ميت أيًا كان (فوق ثلاث) ليال مع أيامها (إلا على) موت (زوج) لها فتحد عليه أربعة أشهر وعشرة أيام.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب الطلاق، باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة وتحريمه في غير ذلك.

ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.

قوله: "أن تحد" من الإحداد - بكسر الهمزة - من أحد الرباعي، ويقال فيه: الحداد - بكسر الحاء المهملة - من حد الثلاثي، ويروى بالجيم؛ من جددت الشيء؛ إذا قطعته؛ لأنها قطعت نفسها من الزينة والطيب.

وأما الاستحداد - بالسين - فهو استعمال الحديد؛ كالمُوسى في حلق الشعر على العانة؛ كما هو معلوم؛ أي: فمعنى الإحداد لغةً: المنع، وشرعًا: امتناع

ص: 204

(70)

- 2054 - (2) حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَص،

===

المرأة من الزينة؛ أي: من استعمال الزينة في البدن؛ بترك لبس مصبوغ يقصد لزينة؛ كثوب أصفر أو أحمر، وبترك حلي من ذهب أو فضة أو غيرهما إنْ مُوِّهَ بأحدهما، وإنما حرم عليها ذلك، لأنه يزيد في حسنها وجمالها، كما قيل:

وما الحلي إلا زينة لنقيصة

يتمم من حسن إذا الحسن قصرا

فأما إذا كان الجمال موفرا

كحسنك لم يحتج إلى أن يزورا

وامتناعها من الطيب؛ أي: من استعماله في بدن أو ثوب أو طعام أو كحل غير محرم، وضابط الطيب الذي يحرم على المعتدة: هو كل ما حرم على المحرم، لكن لا فدية عليها في استعماله، بخلاف المحرم في ذلك.

وخرج بالمرأة: الرجل، فلا يجوز له الإحداد مطلقًا ولو لحظة؛ لأن الإحداد إنما شرع؛ لنقص عقلهن المقتضي عدم صبرهن، وأحكامه مبسوطة في كتب الفروع، فراجعها إن شئت. انتهى من "الكوكب"، وله سابقية في الجاهلية.

* * *

ثم استشهد المؤلف لحديث عائشة بحديث حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(70)

- 2054 - (2)(حدثنا هناد بن السري) - بكسر الراء المخففة - ابن مصعب التميمي أبو السري الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة ثلاث وأربعين ومئتين (243 هـ). يروي عنه:(م عم).

(حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي مولاهم الكوفي، ثقة متقن صاحب حديث، من السابعة، مات سنة تسع وسبعين ومئة (179 هـ). يروي عنه:(ع).

ص: 205

عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ".

===

(عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني، ثقة متقن، من الخامسة، مات سنة أربع وأربعين ومئة، أو بعدها. يروي عنه:(ع).

(عن نافع) مولى ابن عمر الفقيه المدني، ثقة ثبت، من الثالثة، مات سنة سبع عشرة ومئة، أو بعد ذلك. يروي عنه:(ع).

(عن صفية بنت أبي عبيد) بن مسعود الثقفية زوج ابن عمر، قيل: لها إدراك، وأنكره الدارقطني، وقال العجلي: ثقة، من الثانية. يروي عنها:(م د س ق).

(عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

(قالت) حفصة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت) أيا كان أبًا كان أو أمًا، ابنًا أو بنتًا، أخًا أو أختًا، إلى غير ذلك (فوق ثلاث) ليالٍ (إلا على زوج) فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا.

وإنما خص الله تعالى عدة الوفاة بأربعة وعشر؛ لأن غالب الحمل يَبِينُ تحركهُ في تلك المدة؛ لأن النطفة تبقى في الرحم أربعين، ثم تصير علقة أربعين، ثم مضغة في مثل ذلك، فتلك أربعة أشهر، ثم ينفخ فيه الروح بعد ذلك، فتظهر حركته في العشر الزائد على الأربعة الأشهر. انتهى من "المفهم".

وقد شذَّ الحسنُ، فقال: لا إحداد على المطلقة ولا على المتوفى عنها زوجها، وهو قول يدل على إبطاله نَصُّ الأحاديث المتقدمة.

ص: 206

(71)

- 2055 - (3) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ،

===

وأما مَنْ رأى أن الإحداد على المطلقة .. فمستنده إلحاقُها بالمتوفى عنها زوجها، وليس بصحيح، وللحصر الذي في الحديث؛ لوجود الفرق بينهما؛ وذلك أن الإحداد إنما هو مبالغة في التحرُّز مِنْ تعَرُّضِها لأسباب النكاح في حق المتوفى عنها؛ لعدم الزوج فَافْترقَا، هذا إن قلنا: إن الإحداد معقولُ المعنى، فإن قلنا: إنه تعبدي .. انقطع الإلحاقُ القياسيُّ، ولو سُلِّم صحةُ الإلحاق القياسي .. لكان التمسُّكُ بظاهر اللفظ أولى، وقد بيَّنَّا أنه يدل على الحصر، والله تعالى أعلم. انتهى منه.

وشارك المؤلفَ في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب الطلاق، باب وجوب الإحداد في عدة الوفَاةِ وتحريمه في غير ذلك، والنسائي في كتاب الطلاق، باب عدة المتوفى عنها زوجها، وابن أبي شيبة في "مصنفه".

فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث عائشة.

* * *

ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث عائشة بحديث أم عطية رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(71)

- 2055 - (3)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، ثقة متقن له تصانيف، من العاشرة، مات سنة خمس وثلاثين ومئتين (235 هـ). يروي عنه:(خ م د س ق).

(حدثنا عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي، ثقة ثبت، من التاسعة، مات سنة تسع وتسعين ومئة (199 هـ). يروي عنه:(ع).

ص: 207

عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يُحَدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا امْرَأَةٌ تُحِدُّ عَلَى زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ،

===

(عن هشام بن حسان) الأزدي القردوسي البصري، ثقة، من السادسة، مات سنة سبع أو ثمان وأربعين ومئة (148 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن حفصة) بنت سيرين الأنصارية البصرية، ثقة، من الثالثة. يروي عنها:(ع)، ماتت بعد المئة.

(عن أم عطية) نُسَيبة - مصغرًا - بنت كعب الأنصارية المدنية، وكانت من أفضل الصحابيات، كانت تُمرِّضُ المَرْضَى، وتُداوي الجَرْحى، وتَغْسِل الموتى في مشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها، ولأجل ذلك تُلقَّبُ بالغاسلة.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

(قالت) أم عطية: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحد على ميت فوق ثلاث) ليال (إلا امرأة) بالرفع على أنه استثناء مفرغ؛ أي: لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا الزوجة؛ فإنها (تحد على زوجها أربعة أشهر وعشرًا) من الليالي (ولا تلبس) أي: المرأة المُحِدَّةُ على زوجها (ثوبًا مصبوغًا) بأيِّ صبغ كان، سواء كان أحمر أو أصفر مثلًا، إذا قُصد ذلك المصبوغ لزينة (إلا ثوبَ عَصْبٍ) من إضافة المسمى إلى الاسم؛ أي: ثوبًا يسمى بالعصب؛ فإنها تلبسه؛ لأنه ليس للزينة، والعصب على وزان فلس: بُرْد يُصْبَغُ غَزْلهُ ثم يُنسج، وهو من برود اليمن؛ فإن العَصْبَ - وهو الورس -: صِبْغٌ لا يَنْبُتُ إلا باليمن، أفاده الفيومي.

قال القسطلاني: سمي بالعصب؛ لأنه يُعْصَبُ غزلها؛ أي: يُربط ثم يصبغ

ص: 208

وَلَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَطَيَّبُ إِلَّا عِنْدَ أَدْنَى طُهْرِهَا بِنُبْذَةٍ مِنْ قُسْطٍ أَو أَظْفَارٍ".

===

ثم ينسج مصبوغًا، فيخرج مُوشىً، لبقاء ما عصب منه أبيضَ ولم ينصبغ، وإنما يعصب الذي دون اللحمة (ولا تكتحل) إلا لضرورة ليلًا فتمسحه نهارًا (ولا تَطيَّبُ) -بفتح التاء وفتح الياء المشددة- أصله: ولا تتطيب؛ من باب تفعل الخماسي، حذفت إحدى التاءين؛ للتخفيف؛ أي: ولا تتطيب المعتدة لموت زوجها (إلا عِنْدَ أَدْنَى) وأوَّل (طهرها) من الحيض، أي: إلا عندَ أول طهرها، فتطَيَّبُ عند أول طهرها (بِنُبْذَةٍ) أيْ بقطعةٍ (مِن قُسْطٍ أو أَظْفارٍ) فتستعملُها إذا طهرت من حيضها أو نفاسها؛ أي: تبخر بها فَرْجَها لِيزول عنها رائحةُ الدم.

والنُّبْذَةُ -بضم النون وسكون الموحدة وفتح الذال المعجمة-؛ القِطعةُ من الشيء واليسيرُ منه، وأما القُسط والأظفار .. فنوعان من البخور، وليس المقصودُ منه الطيبَ الذي رُخِّص فيه للمغتسلة من الحيض لإزالةِ الرائحةِ الكريهِة، تُتْبِعُ به أثرَ الدم لا للتطيب، أفاده النووي، وتقدم استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة ممسكة في موضع الدم في بابه، فالمفهوم من المقام: أن استحباب ذلك لغير المحدة، وإنما الجائز لها التبخر بالبخور المذكور، وفي الكلام تقديم وتأخير، والأصل: ولا تتطيب عند أدنى طهرها وأوله إلا بنبذة من قسط أو أظفار، قال القرطبي: وأكثر ما يستعمل القسط والأظفار مع غيرهما فيما يتبخَّرُ به لا بمجردهما. انتهى "مفهم".

والقسط: عرقُ نباتٍ يُتبخَّر به عند مَسِّ الجن، يُسمَّى بالقبروش، والأظفار: نوع من الطيب على شكلِ ظُفْرِ الإنسان.

فإن قلت: ما الحكمة في وجوب الإحداد في عدة الوفاة دون الطلاق؟

فالجواب: أن الزينة والتطيب يستدعيان النكاح، فنهيت عنه؛ زجرًا لها عن

ص: 209

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

ذلك؛ لأن الميت لا يتمكن عن منع معتدته من النكاح، بخلاف المطلق الحي؛ فإنه يُسْتَغْنَى بوجوده عن زاجر آخر. انتهى من "الإرشاد".

قوله: "ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا" اعلم: أن الثوب إذا كان مصبوغًا بما فيه طيب أو لبسته المرأة للزينة .. فلا خلاف في حرمته على المعتدة إلا الثوب الأسود؛ فإنه يجوز عند الأئمة الأربعة، وأما إذا كان مصبوغًا بما ليس فيه طيب أو لبسته المرأة لغير الزينة؛ مثل أن يكون الثوب خَلِقًا لا رائحة له .. فيجوز، وكذالك إذا لم يكن عندها إلا ثوب مصبوغ؛ فإنه لا بأس به؛ لضرورة ستر العورة، ولكن لا تقصد الزينة؛ كما صرح الحاكم في "الكافي"، وقيده ابن الهمام بقدر ما تَسْتَحْدِثُ ثوبًا غَيْرَه؛ إِمَّا ببيعهِ والاستخلاف بثمنه، أو مِنْ مالها إن كان لها مال.

قوله: "إلا ثوب عصب" قال ابن دقيق العيد في "إحكام الأَحكام"(4/ 62): العصب: ثياب تجلب من اليمن فيها بياض وسواد، ولعله اسْتُثْنِيَ مِنَ الحرمة؛ لخشونته وسواده؛ فإنه لا تقصد به الزينة.

فأما إن كان مصبوغًا بلون آخر، أو قصد به الزينة .. فلا يجوز، ولذلك ذكر أكثر فقهاء الأحناف كراهة لبس العصب، وكرهه أيضًاا لمالكية والشافعية؛ كما في "شرح الأبي".

فالحاصل: أن الذي أَذِنَ به صلى الله عليه وسلم هو المصبوغُ بالسواد، والذي كرهه الفقهاء ما كان مصبوغًا بغيره، والله أعلم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الطلاق، باب القسط للحادة عند الطهر، وفي كتاب الجنائز، ومسلم في كتاب الطلاق، باب وجوب الإحداد، وأبو داوود في كتاب الطلاق، باب فيما تجتنبه المعتدة

ص: 210

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

في عدتها، والنسائي في كتاب الطلاق، باب ما تجتنب الحادة من الثياب المصبوغة، والدارمي في كتاب الطلاق.

فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة، لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به.

* * *

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: ثلاثة أحاديث:

الأول للاستدلال، والأخيران للاستشهاد.

والله سبحانه وتعالى أعلم

ص: 211