المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(64) - (695) - باب أجر الراقي - شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه - جـ ١٢

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌كتابُ الطَّلاق

- ‌(1) - (632) - بَابُ الطَّلَاقِ

- ‌(2) - (633) - بَابُ طَلَاقِ السُّنَّةِ

- ‌(3) - (634) - بَابُ الْحَامِلِ كَيْفَ تُطَلَّقُ

- ‌(4) - (635) - بَابُ مَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ

- ‌(5) - (636) - بَابُ الرَّجْعَةِ

- ‌(6) - (637) - بَابُ الْمُطَلَّقَةِ الْحَامِلِ إِذَا وَضَعَتْ ذَا بَطْنِهَا بَانَتْ

- ‌(7) - (638) - بَابُ الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إِذَا وَضَعَتْ .. حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ

- ‌(8) - (639) - بَاب: أَيْنَ تَعْتَدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا

- ‌(9) - (640) - بَابٌ: هَلْ تَخْرُجُ الْمَرْأَةُ فِي عِدَّتِهَا

- ‌(10) - (641) - بَابُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا هَلْ لَهَا سُكْنَى وَنَفَقَةٌ

- ‌(11) - (642) - بَابُ مُتْعَةِ الطَّلَاقِ

- ‌(12) - (643) - بَابُ الرَّجُلِ يَجْحَدُ الطَّلَاقَ

- ‌(13) - (644) - بَابُ مَنْ طَلَّقَ أَوْ نَكَحَ أَوْ رَاجَعَ لَاعِبًا

- ‌(14) - (645) - بَابُ مَنْ طَلَّقَ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ

- ‌(15) - (646) - بَابُ طَلَاقِ الْمَعْتُوهِ وَالصَّغِيرِ وَالنَّائِمِ

- ‌(16) - (647) - بَابُ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ وَالنَّاسِي

- ‌(17) - (648) - بَابٌ: لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ

- ‌(18) - (649) - بَابُ مَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ مِنَ الْكَلَامِ

- ‌(19) - (650) - بَابُ طَلَاقِ الْبَتَّةِ

- ‌(20) - (651) - بَابٌ: الرَّجُلُ يُخَيِّرُ امْرَأَتَهُ

- ‌(21) - (652) - بَابُ كَرَاهِيَةِ الْخُلْعِ لِلْمَرْأَةِ

- ‌(22) - (653) - بَابُ الْمُخْتَلِعَةِ يَأْخُذُ مَا أَعْطَاهَا

- ‌(23) - (654) - بَابُ عِدَّةِ الْمُخْتَلِعَةِ

- ‌(24) - (655) - بَابُ الْإِيلَاءِ

- ‌(25) - (656) - بَابُ الظِّهَارِ

- ‌(26) - (657) - بَابٌ: الْمُظَاهِرُ يُجَامِعُ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ

- ‌(27) - (658) - بَابُ اللِّعَانِ

- ‌(28) - (659) - بَابُ الْحَرَامِ

- ‌(29) - (660) - بَابُ خِيَارِ الْأَمَةِ إِذَا أُعْتِقَتْ

- ‌(30) - (661) - بَابٌ: فِي طَلَاقِ الْأَمَةِ وَعِدَّتِهَا

- ‌(31) - (662) - بَابُ طَلَاقِ الْعَبْدِ

- ‌(32) - (663) - بَابُ مَنْ طَلَّقَ أَمَةً تَطْلِيقَتَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا

- ‌(33) - (664) - بَابُ عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ

- ‌(34) - (665) - بَابُ كرَاهِيَةِ الزِّينَةِ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا

- ‌(35) - (666) - بَابٌ: هَلْ تُحِدُّ الْمَرْأَةُ عَلَى غَيْرِ زَوْجِهَا

- ‌(36) - (667) - بَابُ الرَّجُلِ يَأْمُرُهُ أَبُوهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ

- ‌كتابُ الكفّارات

- ‌(37) - (668) - بَابُ يَمِينِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الَّتِي كَانَ يَحْلِفُ بِهَا

- ‌(38) - (669) - بَابُ النَّهْيِ أَنْ يُحْلَفَ بِغَيْرِ اللهِ

- ‌مبحث في اللات والعزى وتاريخهما

- ‌(39) - (670) - بَابُ مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ

- ‌(40) - (671) - بَابٌ: مِنْ حُلِفَ لَهُ بِاللهِ فَلْيَرْضَ

- ‌(41) - (672) - بَابُ الْيَمِينِ حِنْثٌ أَوْ نَدَمٌ

- ‌(42) - (673) - بَابُ الاسْتِثْنَاءِ فِي الْيَمِينِ

- ‌(43) - (674) - بَابُ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا

- ‌(44) - (675) - بَابُ مَنْ قَالَ: كفَّارَتُهَا تَرْكُهَا

- ‌(45) - (676) - بَابٌ: كَمْ يُطْعِمُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ

- ‌(46) - (677) - بَابٌ: مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ

- ‌(47) - (678) - بَابُ النَّهْيِ أَنْ يَسْتَلِجَّ الرَّجُلُ فِي يَمِينِهِ وَلَا يُكَفِّرَ

- ‌(48) - (679) - بَابُ إِبْرَارِ الْمُقْسِمِ

- ‌(49) - (680) - بَابُ النَّهْيِ أَنْ يُقَالَ: مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ

- ‌تتمة

- ‌(50) - (681) - بَابُ مَنْ وَرَّى فِي يَمِينِهِ

- ‌فائدة

- ‌(51) - (682) - بَابُ النَّهْيِ عَنِ النَّذْرِ

- ‌(52) - (683) - بَابُ النَّذْرِ فِي الْمَعْصِيَةِ

- ‌(53) - (684) - بَابُ مَنْ نَذَرَ نَذْرًا وَلَمْ يُسَمِّهِ

- ‌(54) - (685) - بَابُ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ

- ‌(55) - (686) - بَابُ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ

- ‌(56) - (687) - بَابُ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا

- ‌(57) - (688) - بَابُ مَنْ خَلَطَ فِي نَذْرِهِ طَاعَةً بِمَعْصِيَةٍ

- ‌كتاب التّجارات

- ‌(58) - (689) - بَابُ الْحَثِّ عَلَى الْمَكَاسِبِ

- ‌(59) - (690) - بَابُ الاقْتِصَادِ فِي طَلَبِ الْمَعِيشَةِ

- ‌(60) - (691) - بَابُ التَّوَقِّي فِي التِّجَارَةِ

- ‌(61) - (692) - بَابٌ: إِذَا قُسِمَ لِلرَّجُلِ رِزْقٌ مِنْ وَجْهٍ .. فَلْيَلْزَمْهُ

- ‌(62) - (693) - بَابُ الصِّنَاعَاتِ

- ‌(63) - (694) - بَابُ الْحُكْرَةِ وَالْجَلَبِ

- ‌(64) - (695) - بَابُ أَجْرِ الرِّاقِي

- ‌(65) - (696) - بَابُ الْأَجْرِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ

- ‌(66) - (697) - بَابُ النَّهْيِ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَعَسْبِ الْفَحْلِ

- ‌(67) - (698) - بَابُ كَسْبِ الْحَجَّامِ

- ‌(68) - (699) - بَابُ مَا لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ

- ‌تتمة

- ‌(69) - (700) - بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْمُنَابَذَةِ وَالْمُلَامَسَةِ

- ‌(70) - (701) - بَابٌ: لَا يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلَا يَسُومُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ

- ‌(71) - (702) - بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنِ النَّجْشِ

- ‌(72) - (703) - بَابُ النَّهْيِ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ

- ‌تتمة

- ‌(73) - (704) - بَابُ النَّهْيِ عَنْ تَلَقِّي الْجَلَبِ

- ‌(74) - (705) - بَابٌ: الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقا

- ‌فائدة

- ‌(75) - (706) - بَابُ بَيْعِ الْخِيَارِ

- ‌(76) - (707) - بَابٌ: الْبَيِّعَانِ يَخْتَلِفَانِ

- ‌(77) - (708) - بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ وَعَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ

- ‌(78) - (709) - بَابٌ: إِذَا بَاعَ الْمُجِيزَانِ .. فَهُوَ لِلْأَوَّلِ

- ‌(79) - (710) - بَابُ بَيْعِ الْعُرْبَانِ

الفصل: ‌(64) - (695) - باب أجر الراقي

(64) - (695) - بَابُ أَجْرِ الرِّاقِي

(138)

-2122 - (1) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ

===

(64)

- (695) - (باب أجر الراقي)

(138)

-2122 - (1)(حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة أربع وثلاثين ومئتين (234 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي، ثقة، من التاسعة، مات سنة خمس وتسعين ومئة (195 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، من الخامسة، مات سنة سبع أو ثمان وأربعين ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن جعفر بن إياس) أبي بشر بن أبي وحشية -بفتح الواو وسكون المهملة وكسر المعجمة وتشديد الياء التحتانية - اليشكري، ثقة، من أثبت الناس في سعيد بن جبير، من الخامسة، مات سنة خمس، وقيل: ست وعشرين ومئة (126 هـ). يروي عنه: (ع).

(عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة -بضم القاف وفتح المهملة- العبدي العوقي -بفتح المهملة والواو ثم بالقاف- البصري، مشهور بكنيته، ثقة، من الثالثة، مات سنة ثمان أو تسع ومئة (109 هـ). يروي عنه:(م عم).

(عن أبي سعيد الخدري) رضي الله تعالى عنه.

ص: 392

قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثِينَ رَاكِبًا فِي سَرِيَّةٍ، فَنَزَلْنَا بِقَوْمٍ، فَسَأَلْنَاهُمْ أَنْ يَقْرُونَا فَأَبَوْا، فَلُدِغَ سيِّدُهُمْ، فَأَتَوْنَا فَقَالُوا: أَفِيكُمْ أَحَدٌ يَرْقِي مِنَ الْعَقْرَبِ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، أَنَا، وَلكِنْ لَا أَرْقِيهِ حَتَى تُعْطُونَا غَنَمًا،

===

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة، لأن رجاله ثقات أثبات.

(قال) أبو سعيد: (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين راكبًا في سرية) أي: من سرية؛ فـ (في) بمعنى (من) البيانية، والسرية: قطعة من الجيش ترسل إلى العدو (فنزلنا بـ) جوار (قوم) من المشركين (فسألناهم) أي: طلبنا من أولئك القوم (أن يَقْرُونا) -بفتح الياء- من قرى الثلاثي، يقال: قريت الضيف؛ إذا أحسنت إليه. انتهى "سندي".

أي: أن يعطونا قرى الضيف وطعام ضيافته (فأبوا) أي: فامتنعوا أن يعطونا حق الضيافة؛ أي: فطلب أولئك الأصحاب من أولئك القوم حق الضيافة، فامتنعوا أن يعطوا ضيافتهم، ولم أر من ذكر أسماء أولئك الأصحاب غير أبي سعيد الخدري، ولا مَنْ بيَّنَ أولئك القومَ الذين أبَوا من ضيافتهم (فـ) بينما هم كذلك (لُدِغ سيدهم) بالبناء للمجهول؛ أي: أصيب رئيسهم بلدغة العقرب؛ من اللدغ؛ وهو اللسع وزنًا ومعنىً؛ وهو ضرب ذات الحمة من حية أو عقرب، وأكثر ما يستعمل في العقرب.

(فأتونا) أي: فأتى أولئك القوم إيانا معاشر الصحابة (فقالوا) لنا: (أفيكم) أي: هل وجد فيكم يا معشر الضيف (أحد يرقي) ويعالج (من) لدغة (العقرب) ولسعتها؟ أي: هل يوجد فيكم راقٍ يرقي من لدغة العقرب بالقراءة عليه؟ قال أبو سعيد: (فقلت) لهم: (نعم، أنا) راقٍ من لدغة العقرب بالقراءة عليه (ولكن لا أرقيه) أي: لا أرقي ولا أعالج لديغكم (حتى تعطونا غنمًا) لأجرة رقياه.

ص: 393

قَالُوا: فَإِنَّا نُعْطِيكُمْ ثَلَاثِينَ شَاةً فَقَبلْنَاهَا، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ (الْحَمْدُ) سَبْعَ مَرَّاتٍ فَبَرِئَ، وَقَبَضْنَا الْغَنَمَ، فَعَرَضَ فِي أَنْفُسِنَا مِنْهَا شَيْءٌ، فَقُلْنَا: لَا تَعْجَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم،

===

وفي رواية أبي عوانة عند البخاري في كتاب الإجارة: (فلدغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا، لعله أن يكون عند بعضهم شيء، فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط؛ إن سيدنا لديغ، وسعينا له بكل شيء لا ينفعه، فهل عند أحد منكم من شيء؟ فقال بعضهم: نعم، والله؛ إني لأرقي، ولكن والله؛ لقد استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جعلًا، فصالحوهم على قطيع من الغنم

) إلى آخره.

(قالوا) أي: قال أولئك القوم للسرية: (فإنا نعطيكم ثلاثين شاة) أجرة لرقياه، قال أبو سعيد:(فقبلناها) أي: فقبلنا منهم ثلاثين شاة (فقرأت) أنا (عليه) أي: على اللديغ سورة (الحمد) لله رب العالمين؛ يعني: قرأت عليه الفاتحة (سبع مرات، فبرئ) - بكسر الراء وبالهمزةِ - يقال: برئت من المرض؛ أي: برئ اللديغ وشفي من مرضه عقب القراءة؛ يعني: سيد الحي، وفي رواية أبي عوانة المذكورة:(فانطلق يتفل عليه ويقرأ: الحمد لله رب العالمين، فكأنما نشط من عقال، فانطلق وما به قلبة).

قال أبو سعيد: (وقبضنا) أي: أخذنا (الغنم) منهم، وأراد بعض الرفقة قسمتها (فعَرَضَ) أي: خَطَرَ (في أنفسنا) أي: في قلوبنا (منها) أي: من قسمتها (شيء) من التوقف (فقلنا) أي: قال بعضنا لبعض: (لا تعجلوا) ولا تسرعوا إلى قسمتها بينكم (حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم فنسأله عن حكمها هل هي حلال لنا أم لا؟

ص: 394

فَلَمَّا قَدِمْنَا .. ذَكَرْتُ لَهُ الَّذِي صَنَعْتُ فَقَالَ: "أَوَمَا عَلِمْتَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ ! اقْتَسِمُوهَا، وَاضرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا".

===

قال أبو سعيد: (فلما قدمنا) على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. (ذكرت) أنا (له) صلى الله عليه وسلم الصنيع (الذي صنعتـ) ـه في رقياه، فقلت له: والله؛ يا رسول الله؛ ما رقيته إلا بفاتحة الكتاب (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أ) رقيته بفاتحة الكتاب (وما عَلِمْتَ) أي: أيُّ شيء أعلمك وأدراك (أنها رقية؟ ! ) ويحتمل كون (ما) نافية، والمعنى: أرقيته والحال أنك ما علمْتَ أنها رقية؟ ! ويحتمل أن تكون (ما) زائدة، والمعنى: أفعلت ذلك وعلمت أنها رقية؟ !

وفي رواية مسلم: (وما أدراك) أي: وأي شيء أعلمك يا أبا سعيد (أنها) أي: أن الفاتحة (رقية؟ ! ) أي: دواء، وزاد الدارقطني في روايته من طريق سليمان بن قتيبة:(فقلت: يا رسول الله؛ شيء ألقي في روعي) وهو ظاهر في أنه لم يكن عنده علم بمشروعية الرقي بالفاتحة.

قال أبو سعيد: ثم قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقتسموها) أي: اقتسموا الغنم بينكم (واضربوا) أي: واجعلوا (لي معكم سهمًا) أي: نصيبًا من تلك الغنم عند القسمة بينكم، وهذه القسمة إنما هي قسمة برضا الراقي؛ لأن الغنم ملكه؛ إذ هو الذي فعل العوض الذي به استحقها، لكن طابت نفسه بالتشريك، فأحاله النبي صلى الله عليه وسلم على ما يقع به رضا المشتركين عند القسمة؛ وهي القرعة، فكان فيه دليل على صحة العمل بالقرعة في الأموال المشتركة.

وإيقاف أبي سعيد قسمة الغنم على سؤال النبي صلى الله عليه وسلم .. عمل بما يجب من التوقف عند الإشكال إلى البيان، وهو أمر لا يختلف فيه.

ص: 395

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وقوله صلى الله عليه وسلم: "واضربوا لي معكم سهمًا" مبالغة في تأنيسهم وتطييب قلوبهم وتعريفهم أنه حلال لا شبهة فيه، وقد فعل صلى الله عليه وسلم مثل ذلك في حديث العنبر، وفي حديث أبي قتادة في حمار الوحش. انتهى من "الكوكب".

قوله: "وما أدراك أنها رقية" فيه تصريح بأنها رقية، فيستحب أن يقرأ بها على اللديغ والمريض وسائر أصحاب الأسقام والعاهات. انتهى "نووي".

قال القرطبي: قوله: "أو ما علمت أنها رقية؟ ! " أي: أرقيته بالفاتحة، وأي شيء أعلمك أنها رقية للمريض؟ ! تعجبًا من وقوعه على الرقي بها، ولذلك تبسم النبي صلى الله عليه وسلم عند قوله:"وما أدراك أنها رقية؟ ! " وكأن هذا الرجل الراقي علم أن هذه السورة خصت بأمور؛ منها: أنها فاتحة الكتاب ومبدؤه، وأنها متضمنة لجميع علوم القرآن؛ من حيث إنها تشتمل على الثناء على الله عز وجل بأوصاف كماله وجلاله، وعلى الأمر بالعبادات والإخلاص فيها، والاعتراف بالعجز عن القيام بشيء منها إلا بإعانته تعالى، وعلى الابتهال إلى الله تعالى في الهداية إلى الصراط المستقيم وكفاية أحوال الناكثين، وعلى بيان عاقبة الجاحدين.

وقيل: إن موضع الرقية منها إنما هو: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (1)، ويظهر لي أن السورة كلها موضع الرقية؛ لما ذكرناه، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"وما أدراك أنها رقية؟ ! " ولم يقل: "إن فيها رقية". انتهى منه.

وقولُه صلى الله عليه وسلم: (خذوا منهم) فيه تصريح بجواز أخذ الأجرة على الرقية بالفاتحة والذكر، وأنها حلال لا كراهة فيها، وكذلك الأجرة على

(1) سورة الفاتحة: (5).

ص: 396

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

تعليم القرآن، وهذا مذهب الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق وأبي ثور وآخرين من السلف ومن بعدهم، ومنعها أبو حنيفة في تعليم القرآن، وأجازها في الرقية

إلى آخره. انتهى "نووي".

ورخص الشافعي للمعلم أن يأخذ على تعليم القرآن أجرًا، ويرى له أن يشترط على ذلك، واحتج بهذا الحديث. انتهى "سندي".

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": في هذا الحديث فوائد كثيرة:

الأولى: جواز الرقية بكتاب الله تعالى، ويلتحق به ما كان بالذكر والدعاء المأثور، وكذا غير المأثور مما لا يخالف ما في المأثور، وأما الرقى بما سوى ذلك .. فليس في الحديث ما يثبته ولا ما ينفيه.

والثانية: أن فيه مشروعيةَ الضيافةِ على أهل البوادي، والنزولِ على مياه العرب، وطلبِ ما عندهم على سبيل القرى أو الشراء منهم.

والثالثة: فيه مقابلةُ من امتنع من المَكرُمة بنظيرِ صنيعه؛ لما صنعه الصحابي من الامتناعِ من الرقية في مقابلةِ امتناع أولئك القومِ من ضيافتهم، وهذه طريقُ موسى عليه السلام في قوله تعالى:{لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} (1)، ولم يعتذر الخضر عن ذلك إلا بأمر خارجي.

والرابعة: أن فيه إمضاء ما يلتزمه المرء على نفسه؛ لأن أبا سعيد التزم أن يرقي، وأن يكون الجعل له ولأصحابه، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء بذلك.

والخامسة: أن فيه الاشتراك في الموهوب إذا كان أصله معلومًا.

(1) سورة الكهف: (77).

ص: 397

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

والسادسة: فيه جواز طلب الهدية ممن يعلم رغبته في ذلك وإجابته إليه.

والسابعة: فيه جواز قبض الشيء الذي ظاهره الحل وترك التصرف فيه إذا عرضت فيه شبهة.

والثامنة: أن فيه الاجتهاد عند فقد النص.

والتاسعة: أن فيه عظمة القرآن في صدور الصحابة خصوصًا الفاتحة.

والعاشرة: فيه أن الرزق المقسوم لا يستطيع من هو في يده مَنْعَهُ مما قُسم له؛ لأن أولئك القوم منعوا الضيافة، وكان الله قَسَم للصحابة في مالهم نصيبًا فمنعوهم، فسبَّبَ لهم لدغَ العقرب، حتى سِيق لهم ما قُسم لهم.

والحادية عشرة: فيه الحكمة البالغة؛ حيث اختص بالعقاب من كان رأسًا في المنع؛ لأن من عادة الناس الائتمار بأمر كبيرهم، فلما كان رأسأ في المنع .. اختص بالعقوبة دونهم؛ جزاءًا وفاقًا.

وكأن الحكمة فيه أيضًا إرادة الإجابة إلى ما يلتمسه المطلوب منه الشفاء ولو كثر؛ لأن الملدوغ لو كان من آحاد الناس .. لعله لم يكن يقدر على القدر المطلوب منه. انتهى منه.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في أبواب كثيرة؛ منها: كتاب الإجارة، باب ما يعطى في الرقية، ومنها: كتاب فضائل القرآن، باب فاتحة الكتاب وغيرهما، ومسلم في كتاب السلام، باب جواز أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن والأذكار، وأبو داوود: في كتاب البيوع والإجارات، باب في كسب الأطباء، وفي كتاب الطب، باب كيف الرقى، والترمذي في كتاب الطب، باب ما جاء في أخذ الأجرة على التعويذ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن.

ص: 398

(138)

-2122 - (م) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا أَبُو بشْرٍ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّل، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِهِ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ،

===

فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة، والله أعلم.

* * *

ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث، فقال:

(138)

-2122 - (م)(حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء، من العاشرة، مات سنة سبع وأربعين ومئتين (247 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا هُشَيْمُ) بن بشير السلمي الواسطي، ثقة ثبت، من السابعة، مات سنة ثلاث وثمانين ومئة (183 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا أبو بشر) بيان بن بشر الأحمسي الكوفي، ثقة ثبت، من الخامسة. يروي عنه:(ع).

(عن أبي المتوكل) الناجي عليِّ بن داوود البصري، مشهور بكنيته، ثقة، من الثالثة. يروي عنه:(ع)، مات سنة ثمان ومئة (108 هـ)، وقيل قبل ذلك، وفي أغلب النسخ:(عن ابن أبي المتوكل عن أبي المتوكل) هو تحريف من النساخ.

(عن أبي سعيد) الخدري (عن النبي صلى الله عليه وسلم وساق أبو المتوكل (بنحوه) أي: بنحو حديث أبي نضرة.

وهذا السند من خماسياته، غرضه: بيان متابعة أبي المتوكل لأبي نضرة في رواية هذا الحديث عن أبي سعيد الخدري.

(ح وحدثنا محمد بن بشار) العبدي، من العاشرة، مات سنة اثنتين وخمسين ومئتين (252 هـ). يروي عنه:(ع).

ص: 399

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبي بِشْرٍ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّل، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِه، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ:(وَالصَّوَابُ هُوَ أَبُو الْمُتَوَكِّلِ).

===

(حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي المعروف بغندر، من التاسعة، مات سنة ثلاث أو أربع وتسعين ومئة. يروي عنه:(ع).

(حدثنا شعبة، عن أبي بشر) بيان بن بشر الأحمسي الكوفي.

(عن أبي المتوكل) الناجي.

(عن أبي سعيد) الخدري.

وهذا السند من سداسياته، غرضه: بيان متابعة شعبة لهشيم في رواية هذا الحديث عن أبي بشر.

(عن النبي صلى الله عليه وسلم وساق شعبة (بنحوه) أي: بنحو حديث هشيم وقريبه لفظًا ومعنىً.

قال أبو الحسن بن بحر تلميذ المؤلف: (قال) لنا (أبو عبد الله) محمد بن يزيد بن ماجه رحمه الله تعالى: (والصواب) أن الراوي عن أبي سعيد الخدري (هو أبو المتوكل) الناجي لا أبو نضرة؛ يريد المؤلف بهذا القول ترجيح رواية أبي المتوكل عن أبي سعيد على رواية أبي نضرة عن أبي سعيد، والراجح خلاف ما قاله؛ إذ الأول أصح، وهي مروية في "الصحيحين"، والله أعلم.

* * *

ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديثين:

الأول للاستدلال، والثاني للمتابعة.

والله سبحانه وتعالى أعلم

ص: 400