الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(74) - (705) - بَابٌ: الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقا
(163)
-2147 - (1) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ الْمِصْرِيُّ، أَنْبَأَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ .. فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقا، وَكَانَا جَمِيعًا
===
(74)
- (705) - (باب: البيعان بالخيار ما لم يفترقا)
(163)
-2147 - (1)(حدثنا محمد بن رمح المصري) التجيبي مولاهم، ثقة ثبت، من العاشرة، مات سنة اثنتين وأربعين ومئتين (242 هـ). يروي عنه:(م ق).
(أنبأنا الليث بن سعد) الفهمي المصري عالمها، ثقة ثبت فقيه إمام مشهور، من السابعة، مات في شعبان سنة خمس وسبعين ومئة (175 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن نافع) مولى ابن عمر أبي عبد الله المدني، ثقة ثبت فقيه مشهور، من الثالثة، مات سنة سبع عشرة ومئة (117 هـ) أو بعد ذلك. يروي عنه:(ع).
(عن عبد الله بن عمر) رضي الله تعالى عنهما.
وهذا السند من رباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا تبايع الرجلان) أو المرأتان؛ لأن النساء شقائق الرجال .. (فكل واحد منهما) محكوم له (بالخيار) في المجلس (ما لم يفترقا) أي: مدةَ عدمِ افتراقِهما بأبدانهما، فإن تفرقا بأبدانهما .. انقطع خيار المجلس.
وقوله: (و) الحال أنهما (كانا جميعًا) أي: مجتمعين في مجلس العقد ..
أَوْ يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ؛
===
تأكيد لما قبله، والجملة حالية من الضمير في (يفترقا) أي: وقد كانا جميعًا، وهذا كما قال الخطابي: أوضح شيء في ثبوت خيار المجلس، وهو مبطل لكل تأويل مخالف لظاهر الحديث.
وكذا قوله في آخر الحديث: "وإن تفرقا بعد أن تبايعا" فيه البيان الواضح بأن التفرق بالبدن هو القاطع للخيار، ولو كان معناه التفرق بالقول .. لخلا الحديث عن فائدة. انتهى.
وقد حمله ابن عمر راوي الحديث على التفرق بالأبدان؛ كما في بعض رواية مسلم بقوله: (قال نافع: وكان ابن عمر إذا بايع رجلًا فأراد ألا يقيله .. قام فمشى هنيهة، ثم رجع إليه)، وكذا أبو برزة الأسلمي، ولا يعرف لهما مخالف بين الصحابة.
نعم؛ خالف في ذلك إبراهيم النخعي؛ فروى سعيد بن منصور عنه: إذا وجبت الصفقة .. فلا خيار؛ وبذلك قال المالكية إلا ابن حبيب والحنفيَّة كُلُّهم. انتهى من "الإرشاد".
ومعنى هذا الحديث على القول بأن التفرق هو القولي (إذا تبايع الرجلان) أي: قارب عقدهما أو شرع أحدهما في العقد .. (فكل واحد منهما بالخيار) من بيعه؛ أي: من إتمام عقده (ما لم يتفرقا) قولًا بالقبول بعد الإيجاب.
وقوله: (أو يخير أحدهما الآخر) بصيغة المضارع، والنصب بأن مضمرة بعد (أو) التي بمعنى (إلا) أي: إلا أن يخير، أو بمعنى (إلى) أي: إلى أن يخير.
والمعنى: إذا تبايع الرجلان .. فكل واحد منهما محكوم له بالخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما وكانا مجتمعين، إلا أن يخير أحدهما الآخر؛ بأن قال له: اختر، فاختار، فينقطع الخيار أيضًا وإن كانا مجتمعين، أو المعنى: محكوم
فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ .. فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ، وإنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ .. فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ".
===
له بالخيار إلا أن يخير أحدهما الآخر فينقطع الخيار وإن لم يتفرقا.
وقال في "الفتح": بالجزم عطفًا على المجزوم السابق؛ وهو قوله: "ما لم يتفرقا" أي: محكوم له بالخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما، أو ما لم يخير أحدهما الآخر، وبالرفع عطفًا على جواب (إذا) وتكون (أو) للتنويع، والمعنى حينئذ: إذا تبايع الرجلان .. فكل واحد منهما محكوم له بالخيار أو يخير أحدهما الآخر.
(فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا) أي: ألزما عقد البيع (على ذلك) التخاير، قيل: إن قوله: "فتبايعا" معطوف على ما قبله عطف المجمل على المفصل، فلا تغاير بينه وبين ما قبله إلا بالإجمال والتفصيل.
والفاء في قوله: (فقد وجب البيع) لربط الجواب بالشرط وجوبًا؛ لاقترانه بقد، وفيما نقلناه هنا في "الكوكب" نظر؛ أي: فإذا كان التبايع على التخيير .. فقد لزم البيع وانبرم، وبطل خيار المجلس.
والمراد بالتخيير ها هنا: التخاير؛ وهو قول أحدهما للآخر: اختر، وقول الآخر: اخترتُ، وبه يلزم العقد عند الشافعية قبل أن يتفرقا بالأبدان.
(وإن تفرقا) أي: تفرق المتبايعان بأبدانهما (بعد أن تبايعا) أي: عقدا البيع بالإيجاب والقبول (و) الحال أنه (لم يترك) ولم يفسخ (واحد منهما البيع) قبل التفرق .. (فقد وجب البيع) أي: لزم وثبت وتم بعد التفرق، وهذا ظاهر جدًّا في انفساخ البيع بفسخ أحدهما قبل التفرق.
واستدل بهذا الحديث الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى على ثبوت خيار المجلس للمتبايعين، والمراد من التفرق في الحديث عندهما: التفرق
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
بالأبدان، والبيع لا يلزم عندهما بمجرد الإيجاب والقبول، بل يثبت لكل واحد من المتبايعين خيار فسخ البيع حتى ينقضي مجلس البيع ويتفرقا بالأبدان، فإذا تفرقا .. سقط خيار المجلس ولزم البيع، وهذا القول مروي عن سعيد بن المسيب والزهري وعطاء وطاووس وشريح والشعبي والأوزاعي وابن أبي ذئب وسفيان بن عيينة وابن أبي مليكة والحسن البصري وهشام بن يوسف وإسحاق بن راهويه وأبي ثور وأبي عبيد ومحمد بن جرير الطبري وأهل الظاهر؛ كما في "المغني" لابن قدامة (3/ 563)، و"التعليق الممجد"(340).
ومعنى الحديث على هذا المذهب: البيعان كل واحد منهما محكوم له قهرًا على صاحبه بالخيار؛ أي: بالخيار بين إمضاء البيع وفسخه ما داما في مجلس العقد ولم يتفرقا بأبدانهما.
وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند البيهقي والدارقطني: "ما لم يتفرقا عن مكانهما"، وهذا صريح في أن المراد بالتفرق: التفرق بالأبدان.
وسماهما بالبيعين وهما المتعاقدان؛ لأن البيع من الأسماء المشتقة من أفعال الفاعلين، وهي لا تقع في الحقيقة إلا بعد حصول الفعل، وليس بعد العقد تفرق إلا بالأبدان، فثبت خيار المجلس.
وأما الحنفية والمالكية .. فلا يقولون بخيار المجلس، وإنما يتم عندهم البيع بالإيجاب والقبول، ولا خيار لأحدهما بعد ذلك إلا بالشرط أو بالعيب، وهذا القول مروي عن أبي حنيفة ومحمد بن الحسن وأبي يوسف ومالك بن أنس وسفيان الثوري وإبراهيم النخعي وربيعة الرأي.
والمراد بالتفرق عندهم: التفرق بالأقوال؛ وهو الفراغ من العقد، فإذا تعاقدا .. صح البيع، ولا خيار لهما إلا أن يشترطا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وتسميتهما بالمتبايعين يصح أن يكون بمعنى المتساومين؛ من باب تسمية الشيء بما يؤول إليه أو يقرب منه.
ومعنى الحديث على هذا المذهب: إذا أوجب أحد المتعاقدين بالبيع .. فالآخر بالخيار؛ فإن شاء .. قَبِلَ، وإن لم يشأ .. لم يقبل، وللموجب خيار الرجوع عما قال قبل قول صاحبه: قبلت، وهذا الخيار ثابت ما لم يتفرقا؛ أي: قولًا، فإن تفرقا قولًا؛ بأن قال أحدهما: بعت، وقال الآخر: اشتريت .. لم يبق الخيار. انتهى "مرقاة".
فالتفرق في الحديث مفسر بالتفرق القولي لا البدني، فهم لا يقولون بثبوت خيار المجلس، وإن لم يتفرقا بأبدانهما؛ واستدلوا على ذلك بنصوص متضاربة مذكورة في الفروع.
وتعقب هذا القول ابن حزم بأن خيار المجلس ثابت بهذا الحديث، سواء قلنا التفرق بالأبدان أو بالكلام؛ أما حيث قلنا بالأبدان .. فواضح، وحيث قلنا بالكلام .. فواضح أيضًا؛ لأن قول أحد المتبايعين مثلًا: بعتكه بعشرة، وقول المشتري: بل بعشرين مثلًا .. افتراق في الكلام بلا شك، بخلاف ما لو قال: اشتريته بعشرة؛ فإنهما حينئذ متوافقان، فيتعين ثبوت الخيار لهما حين يتفقان، لا حين يفترقان، وهو المدعى.
وأما قولهم: المراد بالمتبايعين المتساومان .. فمردود؛ لأنه مجاز، والحمل على الحقيقة أو ما يقرب إليها أولى، قال البيضاوي: ومن نفى خيار المجلس .. ارتكب مجازين؛ بحمله التفرق على الأقوال، وحمله المتبايعين على المتساومين. انتهى من "الإرشاد".
والمذهب الأول أقوى دليلًا. انتهى من "الكوكب".