المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(68) - (699) - باب ما لا يحل بيعه - شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه - جـ ١٢

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌كتابُ الطَّلاق

- ‌(1) - (632) - بَابُ الطَّلَاقِ

- ‌(2) - (633) - بَابُ طَلَاقِ السُّنَّةِ

- ‌(3) - (634) - بَابُ الْحَامِلِ كَيْفَ تُطَلَّقُ

- ‌(4) - (635) - بَابُ مَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ

- ‌(5) - (636) - بَابُ الرَّجْعَةِ

- ‌(6) - (637) - بَابُ الْمُطَلَّقَةِ الْحَامِلِ إِذَا وَضَعَتْ ذَا بَطْنِهَا بَانَتْ

- ‌(7) - (638) - بَابُ الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إِذَا وَضَعَتْ .. حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ

- ‌(8) - (639) - بَاب: أَيْنَ تَعْتَدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا

- ‌(9) - (640) - بَابٌ: هَلْ تَخْرُجُ الْمَرْأَةُ فِي عِدَّتِهَا

- ‌(10) - (641) - بَابُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا هَلْ لَهَا سُكْنَى وَنَفَقَةٌ

- ‌(11) - (642) - بَابُ مُتْعَةِ الطَّلَاقِ

- ‌(12) - (643) - بَابُ الرَّجُلِ يَجْحَدُ الطَّلَاقَ

- ‌(13) - (644) - بَابُ مَنْ طَلَّقَ أَوْ نَكَحَ أَوْ رَاجَعَ لَاعِبًا

- ‌(14) - (645) - بَابُ مَنْ طَلَّقَ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ

- ‌(15) - (646) - بَابُ طَلَاقِ الْمَعْتُوهِ وَالصَّغِيرِ وَالنَّائِمِ

- ‌(16) - (647) - بَابُ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ وَالنَّاسِي

- ‌(17) - (648) - بَابٌ: لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ

- ‌(18) - (649) - بَابُ مَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ مِنَ الْكَلَامِ

- ‌(19) - (650) - بَابُ طَلَاقِ الْبَتَّةِ

- ‌(20) - (651) - بَابٌ: الرَّجُلُ يُخَيِّرُ امْرَأَتَهُ

- ‌(21) - (652) - بَابُ كَرَاهِيَةِ الْخُلْعِ لِلْمَرْأَةِ

- ‌(22) - (653) - بَابُ الْمُخْتَلِعَةِ يَأْخُذُ مَا أَعْطَاهَا

- ‌(23) - (654) - بَابُ عِدَّةِ الْمُخْتَلِعَةِ

- ‌(24) - (655) - بَابُ الْإِيلَاءِ

- ‌(25) - (656) - بَابُ الظِّهَارِ

- ‌(26) - (657) - بَابٌ: الْمُظَاهِرُ يُجَامِعُ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ

- ‌(27) - (658) - بَابُ اللِّعَانِ

- ‌(28) - (659) - بَابُ الْحَرَامِ

- ‌(29) - (660) - بَابُ خِيَارِ الْأَمَةِ إِذَا أُعْتِقَتْ

- ‌(30) - (661) - بَابٌ: فِي طَلَاقِ الْأَمَةِ وَعِدَّتِهَا

- ‌(31) - (662) - بَابُ طَلَاقِ الْعَبْدِ

- ‌(32) - (663) - بَابُ مَنْ طَلَّقَ أَمَةً تَطْلِيقَتَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا

- ‌(33) - (664) - بَابُ عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ

- ‌(34) - (665) - بَابُ كرَاهِيَةِ الزِّينَةِ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا

- ‌(35) - (666) - بَابٌ: هَلْ تُحِدُّ الْمَرْأَةُ عَلَى غَيْرِ زَوْجِهَا

- ‌(36) - (667) - بَابُ الرَّجُلِ يَأْمُرُهُ أَبُوهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ

- ‌كتابُ الكفّارات

- ‌(37) - (668) - بَابُ يَمِينِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الَّتِي كَانَ يَحْلِفُ بِهَا

- ‌(38) - (669) - بَابُ النَّهْيِ أَنْ يُحْلَفَ بِغَيْرِ اللهِ

- ‌مبحث في اللات والعزى وتاريخهما

- ‌(39) - (670) - بَابُ مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ

- ‌(40) - (671) - بَابٌ: مِنْ حُلِفَ لَهُ بِاللهِ فَلْيَرْضَ

- ‌(41) - (672) - بَابُ الْيَمِينِ حِنْثٌ أَوْ نَدَمٌ

- ‌(42) - (673) - بَابُ الاسْتِثْنَاءِ فِي الْيَمِينِ

- ‌(43) - (674) - بَابُ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا

- ‌(44) - (675) - بَابُ مَنْ قَالَ: كفَّارَتُهَا تَرْكُهَا

- ‌(45) - (676) - بَابٌ: كَمْ يُطْعِمُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ

- ‌(46) - (677) - بَابٌ: مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ

- ‌(47) - (678) - بَابُ النَّهْيِ أَنْ يَسْتَلِجَّ الرَّجُلُ فِي يَمِينِهِ وَلَا يُكَفِّرَ

- ‌(48) - (679) - بَابُ إِبْرَارِ الْمُقْسِمِ

- ‌(49) - (680) - بَابُ النَّهْيِ أَنْ يُقَالَ: مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ

- ‌تتمة

- ‌(50) - (681) - بَابُ مَنْ وَرَّى فِي يَمِينِهِ

- ‌فائدة

- ‌(51) - (682) - بَابُ النَّهْيِ عَنِ النَّذْرِ

- ‌(52) - (683) - بَابُ النَّذْرِ فِي الْمَعْصِيَةِ

- ‌(53) - (684) - بَابُ مَنْ نَذَرَ نَذْرًا وَلَمْ يُسَمِّهِ

- ‌(54) - (685) - بَابُ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ

- ‌(55) - (686) - بَابُ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ

- ‌(56) - (687) - بَابُ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا

- ‌(57) - (688) - بَابُ مَنْ خَلَطَ فِي نَذْرِهِ طَاعَةً بِمَعْصِيَةٍ

- ‌كتاب التّجارات

- ‌(58) - (689) - بَابُ الْحَثِّ عَلَى الْمَكَاسِبِ

- ‌(59) - (690) - بَابُ الاقْتِصَادِ فِي طَلَبِ الْمَعِيشَةِ

- ‌(60) - (691) - بَابُ التَّوَقِّي فِي التِّجَارَةِ

- ‌(61) - (692) - بَابٌ: إِذَا قُسِمَ لِلرَّجُلِ رِزْقٌ مِنْ وَجْهٍ .. فَلْيَلْزَمْهُ

- ‌(62) - (693) - بَابُ الصِّنَاعَاتِ

- ‌(63) - (694) - بَابُ الْحُكْرَةِ وَالْجَلَبِ

- ‌(64) - (695) - بَابُ أَجْرِ الرِّاقِي

- ‌(65) - (696) - بَابُ الْأَجْرِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ

- ‌(66) - (697) - بَابُ النَّهْيِ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَعَسْبِ الْفَحْلِ

- ‌(67) - (698) - بَابُ كَسْبِ الْحَجَّامِ

- ‌(68) - (699) - بَابُ مَا لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ

- ‌تتمة

- ‌(69) - (700) - بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْمُنَابَذَةِ وَالْمُلَامَسَةِ

- ‌(70) - (701) - بَابٌ: لَا يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلَا يَسُومُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ

- ‌(71) - (702) - بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنِ النَّجْشِ

- ‌(72) - (703) - بَابُ النَّهْيِ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ

- ‌تتمة

- ‌(73) - (704) - بَابُ النَّهْيِ عَنْ تَلَقِّي الْجَلَبِ

- ‌(74) - (705) - بَابٌ: الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقا

- ‌فائدة

- ‌(75) - (706) - بَابُ بَيْعِ الْخِيَارِ

- ‌(76) - (707) - بَابٌ: الْبَيِّعَانِ يَخْتَلِفَانِ

- ‌(77) - (708) - بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ وَعَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ

- ‌(78) - (709) - بَابٌ: إِذَا بَاعَ الْمُجِيزَانِ .. فَهُوَ لِلْأَوَّلِ

- ‌(79) - (710) - بَابُ بَيْعِ الْعُرْبَانِ

الفصل: ‌(68) - (699) - باب ما لا يحل بيعه

(68) - (699) - بَابُ مَا لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ

(149)

-2133 - (1) حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ الْمِصْرِيُّ، أَنْبَأَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ

===

(68)

- (699) - (باب ما لا يحل بيعه)

(149)

-2133 - (1)(حدثنا عيسى بن حماد) بن مسلم التجيبي أبو موسى الأنصاري (المصري) لقبه زغبة -بضم الزاي وسكون المعجمة بعدها موحدة- وهو لقب أبيه أيضًا، ثقة، من العاشرة، مات سنة ثمان وأربعين ومئتين (248 هـ)، وهو آخر من حدث عن الليث من الثقات. يروي عنه:(م د س ق).

(أنبأنا الليث بن سعد) بن عبد الرحمن الفهمي أبو الحارث المصري، ثقة فقيه إمام مشهور، من السابعة، مات في شعبان، سنة خمس وسبعين ومئة (175 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن يزيد بن أبي حبيب) المصري أبي رجاء، واختلف في ولائه، ثقة فقيه، من الخامسة، وكان يرسل، مات سنة ثمان وعشرين ومئة (128 هـ). يروي عنه:(ع).

(أنه قال: قال عطاء بن أبي رباح) واسم أبي رباح أسلم القرشي مولاهم المكي، ثقة فقيه فاضل، من الثالثة، مات سنة أربع عشرة ومئة (114 هـ) على المشهور. يروي عنه:(ع).

(سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله تعالى عنهما.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

ص: 427

يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: "إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ"، فَقِيلَ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ؟ فَإِنَّهُ يُدْهَنُ بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ، قَالَ:"لَا، هُنَّ حَرَامٌ"، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ؛ إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْهِمُ الشُّحُومَ فَأَجْمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ".

===

(يقول) جابر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح وهو بمكة: إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، فقيل له) صلى الله عليه وسلم (عند ذلك) أي: عندما ذكر تحريم الميتة: (يا رسول الله؛ أرأيت شحوم الميتة؟ ) أي: أخبرنا عن حكمها (فإنه) أي: فإن الشأن والحال (يدهن بها السفن) لئلا يتخرق خشبها (ويدهن بها الجلود) لئلا تكون يابسة (ويستصبح بها الناس) أي: ينورون مصابيحهم منها، فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب السائل:(لا) يجوز الانتفاع بها في ذلك؛ (هن حرام) أي: إن الشحوم لا يجوز بيعها ولا الانتفاع بها (ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قاتل الله اليهود) أي: لعنهم (إن الله حرم عليهم الشحوم، فأجملوه) أي: أذابوا ما ذكر من الشحوم؛ من أجمل الشحم؛ أذابه واستخرج دهنه، قال الخطابي: معناه: أذابوها حتى تصير ودكًا، فيزول عنها اسم الشحم، وفيه إبطال كل حيلة يتوصل بها إلى محرم (ثم باعوه) أي: باعوا ما أذيب منها (فأكلوا ثمنه) أي: ثمن ما باعوه.

قوله: (وهو) صلى الله عليه وسلم (بمكة) المكرمة، قال العيني: هذه الجملة حالية، فيها بيان تاريخ ذلك، وكان ذلك في رمضان سنة ثمان من الهجرة، ويحتمل: أن يكون التحريم وقع قبل ذلك، ثم أعاده صلى الله عليه وسلم؛ ليُسمعه من لم يكن سمعه. انتهى.

ص: 428

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

قوله: "إن الله ورسوله حرَّم" قال القرطبي: كذا صحت الرواية مسندًا إلى ضمير الواحد، وكان أصله "حَرَّما" بضمير التثنية؛ لأنه تَقَدَّمه اثنان، لكن تأدب النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجمع بينه وبين اسم الله تعالى بضمير الاثنين؛ لأن هذا من نوع ما رده على الخطيب الذي قال:(ومن يعصهما فقد غوى)، فقال له:"بئس الخطيب أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله". رواه أحمد ومسلم وأبو داوود والنسائي، وقد قدمنا الكلام عليه في كتاب الصلاة.

قال السندي: قوله: "إن الله ورسوله حرم" أي: كل واحد منهما أو الضمير لله ورسوله؛ بتقدير: إن الله حرم ورسوله بلَّغ، أو الضمير للرسول وذِكرُ الله معه للتعظيم.

قوله: "بيع الخمر" وهذا الحديث يدل على أن تحريم الخمر كان متقدمًا على فتح مكة -كما مر آنفًا- والخمر: كل شراب يسكر من أي شيء كان من عنب أو غيره، فيحرم بيع قليله وكثيره، وقد قدمنا أن تحريم نفعه معلل بنجاسته، وأنه ليس فيها منفعة مُسوَّغة شرعًا.

"و" بيعَ "الميتة" -بفتح الميم- وهي كل ما زالت حياته بغير ذكاةٍ شرعية، سواء كانت مذكاة أو ماتت حتف أنفها، فيحرم بيع جميع أجزائها حتى عظمها وقرنها ولا يستثنى منها عندنا شيء إلا ما لا تحل الحياة فيه؛ كالشعر والصوف والوبر؛ فإنه طاهر من الميتة، وينتزع من الحيوان في حال حياته، وهو قول مالك وأبي حنيفة، وزاد أبو حنيفة وابن وهب من أصحابنا على ذلك أن العظم من الفيل وغيره والسن والقرن والظلف كلها لا تحلها الحياة، فلا تنجس بالموت.

ص: 429

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

والجمهور على خلافهما في العظم وما ذكر معه؛ فإنها تحله الحياة، وهو الصحيح؛ فإن العظم والسن يَأْلَمُ وتُحَسُّ به الحرارةُ والبرودةُ، بخلاف الشعر، وهذا معلوم بالضرورة، فأما أطراف القرون والأظلاف وأنياب الفيل .. فاختلف فيها، فهل يلحق حكمها حكم أصولها فتنجس، أو حكمها حكم الشعر؟ على قولين، وأما الريش .. فالشعريُّ منه شعر، وأسفلُه عظم، ومتوسطه هل يلحق بأطرافه أو بأصله فيه؟ قولان لأصحابنا.

وقد قال بنجاسة الشعر الحسن البصري والليث بن سعد والأوزاعي، لكنها

تطهر بالغسل عندهم، فكأنها عندهم نجسة بما يتعلق بها من رطوبات الميتة، وإلى نحو من هذا، ذهب ابن القاسم في أنياب الفيل، فقال: تطهر إن سُلِقَتْ بالماء، وعن الشافعي ثلاث روايات؛ إحداها: أن الشعر ينجس بالموت، والثانية: أنها طاهرة؛ كقولنا، والثالثة: أن شعر ابن آدم وحده طاهر وأن ما عداه نجس. انتهى من "المفهم".

وأما جلود الميتة .. فلا تباع قبل الدباغ ولا ينتفع بها؛ كلحم الميتة، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب" رواه أبو داوود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

وأما بعد الدباغ .. فمشهور مذهب مالك أنها لا تطهر بالدباغ، وإنما ينتفع بها، وهو مذهب جماعة من أهل العلم، وعلى هذا فلا يجوز بيعها ولا الصلاة عليها ولا بها، ولا ينتفع بها إلا في اليابسات دون المائعات إلا في الماء وحده.

وذهب الجمهور من السلف والخلف إلى أنها تطهر طهارةً مطلقةً، وأنه يجوز بيعها والصلاة عليها وبها، وإليه ذهب الشافعي ومالك في رواية ابن وهب، وهو الصحيح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"أيما إهاب دبغ .. فقد طهر" رواه

ص: 430

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

أصحاب السنن، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"دباغ الإهاب طهوره" رواه أحمد وابن حبان، وغير ذلك، وكلها صحيح. انتهى من "المفهم".

واستدل بهذا الحديث أيضًا على أنه لا يجوز بيع ميتة الآدمي مطلقًا، سواء فيه المسلم والكافر؛ أما المسلم .. فلشرفه وفضله حتى إنه لا يجوز الانتفاع بشيء من شعره وجلده وجميع أجزائه، وأما الكافر .. فلأن نوفل بن عبد الله بن المغيرة لما اقتحم الخندق وقتل، غلب المسلمون على جسده فأراد المشركون أن يشتروه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا حاجة لنا بجسده ولا بثمنه، فخلى بينه وبينهم، ذكره ابن أبي إسحاق وغيره من أهل السير، رواه ابن أبي شيبة، قال ابن هشام: أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بجسده عشرة آلاف درهم فيما بلغني عن الزهري.

وروى الترمذي من حديث ابن عباس: أن المشركين أرادوا أن يشتروا جسد رجل من المشركين، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعهم، كذا في "عمدة القاري"(5/ 606).

"و" حرم بيع "الخنزير" وهو الحيوان المعروف البري، ولا تعرف العرب في البحر خنزيرًا، وقد سئل مالك عن خنزير الماء، فقال: أنتم تسمونه خنزيرًا؛ أي: لا تسميه العرب بذلك، وقد اتقاه مرةً أخرى على جهة الورع، والله تعالى أعلم.

فأما البري .. فلا خلاف في تحريمه وتحريم بيعه، وأنه لا تعمل فيه الذكاة، ومن هنا قال كافة العلماء: إن جلده لا يطهره الدباغ، وإنما يطهر الدباغ جلد ما تعمل الذكاة في حيه، والحق الشافعي بالخنزير الكلب، فلا يطهر جلده الدباغ عنده.

ص: 431

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وقال الأوزاعي وأبو ثور: إنما يطهر الدباغ جلد ما يؤكل لحمه، وقد أجاز مالك تذكية السباع والفيل لأخذ جلودها، وهذا إنما يتمشى على قوله بكراهة لحمها، وأما على ما قاله في "الموطأ" من أن السباع حرام .. فلا تعمل الذكاة فيها، فلا تطهر جلودها بالدباغ؛ كالخنزير.

وقد شذ داوود وأبو يوسف، فقالا: إنه يطهر بالدباغ جلد كل حيوان حتى الخنزير، ومتمسكهما قوله صلى الله عليه وسلم:"أيما إهاب دبغ .. فقد طهر"، ويعتضد أبو يوسف بقياس جلد الخنزير على جلد الميتة، وينفصل الجمهور عنهما بأن هذا العموم محمول على نوع السبب الذي أخرجه؛ وهي ميتة ما تعمل فيه الذكاة، وبأن جلد الخنزير لا يخطر بالبال حالة الإطلاق، فلا يقصد بالعموم؛ كما قررناه في أصول الفقه، وبأنه لا يقال:(إهاب) إلا على جلد ما يؤكل لحمه؛ كما قاله النضر بن شميل، وأما القياس .. فليس بصحيح؛ لوجود الفرق؛ وذلك أن الأصل ميتة ما تعمل فيه الذكاة، والفرع ميتة ما لا تعمل فيه الذكاة، فكانت أغلظ وأفحش. انتهى من "المفهم".

"و" حرم بيع "الأصنام" وهي الصورة المتخذة للعبادة، ولا خلاف في تحريم اتخاذها وبيعها، وأنه يجب كسرها وتغييرها، وكذا كل صورة مجسدة، كانت صورة ما يعقل أو ما لا يعقل، وأما ما كان رقمًا في ثوب أو حائط أو ورق .. ففيه تفصيل سيأتي إن شاء الله تعالى، والأصنام جمع صنم؛ وهو الوثن.

وفرق بعضهم بينهما: بأن الوثن ما له جثة، والصنم ما كان مصورًا، فبينهما عموم وخصوص وجهي؛ فإن كانت الجثة مصورة .. فهي وثن وصنم جميعًا؛ كما في "فتح الباري"(4/ 341).

وظهر من ذلك أن الصورة إذا لم يكن لها جثة؛ كالصور المرسومة على

ص: 432

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

القرطاس وغيره .. داخلة في الأصنام، وإن لم تكن داخلة في الأوثان، فلا يجوز بيعها واتخاذها بهذا الحديث، ولكن هذا المنع إنما هو في بيع الصورة بقصد الصورة، وإذا كسر الصنم وأمكن الانتفاع برضاضه .. فبيعه جائز عند بعض الحنفية والشافعية، وكذا الحكم في الصلبان؛ كما في "عمدة القاري"(5/ 606).

والصلبان جمع صليب؛ وهو كل ما نحت على صورة آدمي وعُبد؛ كصورة عيسى ومريم عليهما السلام، والوثن: كل صورة مجسدة، سواء كانت على صورة حيوان؛ كالعجل، أم لا؛ كالشجر والحجر، والصنم: كل ما عبد من دون الله تعالى، سواء كانت له جثة أم لا، كذا فرق بينهما بعضهم، والله أعلم.

قوله: (فقيل له) أي: قال بعض الحاضرين عنده صلى الله عليه وسلم له؛ أي: لرسول الله، ولم أر من ذكر اسم القائل:(يا رسول الله؛ أرأيت شحوم الميتة) أي: أخبرنا عن حكمها، هل يجوز بيعها أم لا؛ (فإنه) أي: فإن الشأن والحال (يدهن بها السفن) بالبناء للمجهول؛ من دَهَن أو أَدْهَن الرباعيين؛ كما سيأتي؛ أي: يطلى ويلطخ (بها) أي: بشحوم الميتة (السفن) أي: الفلك الجارية في البحر؛ لئلا ينخرق ويتآكل ألواحها في الماء (ويدهن بها الجلود) الصلبة؛ لتلين (ويستصبح) بصيغة المعلوم؛ أي: يستضيء (بها الناس) في مصابيحهم، فهل يجوز بيعها؛ لما ذكر فيها من المنافع؛ فإنها مقتضية لصحة البيع. انتهى من "الفتح".

(فقال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب السائل: (لا) تبيعوها، (هو) أي: بيعها لهذه الأغراض وغيرها (حرام) أي: ممنوع؛ إذ كانت نجسة نظيرها الدم والخمر مما يحرم بيعه وأكل ثمنه.

ص: 433

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وقال القرطبي: هذا نص في أنه يحرم بيعها وإن كانت فيها منافع؛ وذلك لأنها جزء من الميتة؛ كاللحم، أو هي كالشحم مع اللحم؛ فإنه عنه يكون، ولا يلزم من تحريم بيعها والحكم بنجاستها ألا يجوز الانتفاع بها على ما قدمناه، وهذا هو الذي يتمشى عليه مذهب مالك؛ فإنه قد أجاز الانتفاع بما ماتت فيه ميتة من المائعات؛ كالزيت والسمن والعسل وغير ذلك مع الحكم بنجاسته، فقال: يعمل من الزيت النجس الصابون، ويستصبح به في غير المساجد، ويعلف العسل النحل ويطعم النجس الماشية.

وإلى نحو ذلك ذهب الشافعي والثوري وأبو حنيفة، وروي عن علي وابن عمر رضي الله تعالى عنهم، وفرق بعض أهل العلم بين شحوم الميتة وبين ما تنجس بما وقع فيه من النجاسة، فقال: لا ينتفع بالشحوم؛ لأنها نجسة لعينها، بخلاف ما تنجس بما وقع فيه؛ فإنه ينتفع به؛ لأن نجاسته ليست لعينه، بل عارضة. انتهى من "المفهم".

وقوله: (فإنه يدهن بها السفن

) إلى آخره، ذكرت ها هنا للانتفاع بشحم الميتة ثلاث طرق:

الأولن: لادهان السفن، ولعلهم كانوا يفعلون ذلك؛ لصيانة السفن عن مضار هواء البحر.

والثانية: ادهان الجلود بها، وكانوا يضمدون شحم الميتة على الجلود؛ لإحكامها، وفي قوله:(يدهن بها) نسختان: تشديد الدال على كونه من باب الافتعال، وتشديد الهاء على كونه من باب التفعيل، ذكرهما على القاري في "المرقاة"(6/ 39).

ص: 434

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

والطريقة الثالثة: هي الاستصباح؛ يعني: تنوير المصابيح بها وإيقاد السرج منها.

والمقصود: أن شحم الميتة ينتفع به بهذه الطرق، فهل يجوز بيعها؟

(فقال: لا؛ هو حرام) كما في رواية مسلم، قال أكثر الشافعية: إن هذا الضمير المرفوع راجع إلى بيع الشحم دون الانتفاع به، فيجوز عندهم الانتفاع بشحم الميتة بالطرق المذكورة أو بغيرها، ولكن لا يجوز بيعه؛ كما صرح به النووي والحافظ وغيرهما.

وأما الجمهور ومنهم الحنفية .. فعلى أن شحم الميتة لا يجوز بيعه ولا الانتفاع به أصلًا، فكأنهم جعلوا الضمير راجعًا إلى الانتفاع بالطريق المذكورة، ويؤيد الجمهور لفظ ابن ماجه:(لا؛ هن حرام).

(ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك) كما في رواية مسلم؛ أي: عند سؤالهم عن شحوم الميتة؛ أي: ثم قال بعد جوابهم عن سؤالهم: (قاتل الله اليهود) أي: لعنهم الله تعالى، وقد جاء مصرحًا به في الرواية الأخرى؛ كما في "مسلم"، وكذا قاله ابن عباس، وقال غيره: عاداهم الله (إن الله عز وجل لما حرم عليهم شحومها .. أجملوه) أي: أذابوا الشحم، وفي رواية:(اجتملوها)، والإجمال والتجميل والجمل؛ من باب نصر: إذابة الشحم، والجميل: الشحم يذاب ويقطر على الخبز (ثم باعوه فأكلوا ثمنه) وإنما فعلوا ذلك؛ ليزول عنه اسم الشحم ويصير ودكًا؛ فإن العرب إنما تسميه شحمًا قبل الإذابة، وأما بعد الإذابة .. فهو ودك. انتهى من "المرقاة"(6/ 40).

ودل الحديث على أن مجرد تغير الاسم لا يؤثر في حال الشيء وحرمته ما لم تتغير حقيقته.

ص: 435