الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(3) - (280) - بَابٌ: فِي فَرْضِ الْجُمُعَةِ
(8)
-1056 - (1) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ بُكَيْرٍ أَبُو جَنَّابٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَدَوِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ،
===
(3)
(280) - (باب: في فرض الجمعة)
(8)
- 1056 - (1)(حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة أربع وثلاثين ومئتين (234 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا الوليد بن بكير) -مصغرًا- التميمي الطهوي (أبو جنَّاب) -بفتح الجيم والنون المشددة- الكوفي. روى عن: عبد الله بن محمد العدوي، ويروي عنه:(ق)، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وآخرون.
قال أبو حاتم: شيخ، وذكره ابن حبان في "الثقات".
قلت: وقال الدارقطني: متروك الحديث، وقال في "التقريب": لين الحديث، من الثامنة.
(حدثني عبد الله بن محمد العدوي) متروك، رماه وكيع بالوضع، من السابعة. يروي عنه:(ق).
(عن علي بن زيد) بن عبد الله بن زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي البصري، أصله حجازي، وهو المعروف بعلي بن زيد بن جدعان، ينسب أبوه إلى جد جده، ضعيف، من الرابعة، مات سنة إحدى وثلاثين ومئة (131 هـ)، وقيل قبلها. يروي عنه:(م عم).
(عن سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني، ثقة ثبت متقن، من الثانية، مات بعد التسعين. يروي عنه:(ع).
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ؛ تُوبُوا إِلَى اللهِ قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا، وَبَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ أَنْ تُشْغَلُوا، وَصِلُوا الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ بِكَثْرَةِ ذِكْرِكُمْ لَهُ، وَكَثْرَةِ الصَّدَقَةِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ .. تُرْزَقُوا، وَتُنْصَرُوا، وَتُجْبَرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الله قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْكُمُ الْجُمُعَةَ
===
(عن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنهما.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الضعف جدًّا؛ لضعف علي بن زيد بن جدعان، وعبد الله بن محمد العدوي، والوليد بن بكير، ففيه ثلاثة من الضعفاء.
(قال) جابر: (خطبنا) معاشر الصحابة (رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: وعظنا يومًا، (فقال) في خطبته: (يا أيها الناس) الحاضرون (توبوا) من المعاصي والأعمال السيئة، وارجعوا (إلى) طاعة (الله) تعالى (قبل أن تموتوا) فتفوتكم التوبة، (وبادروا) أي: سارعوا (بالأعمال الصالحة قبل أن تُشغَلوا) عنها بالمرض وكبر السن.
(وصلوا) من الوصل؛ أي: أكدوا الوصل والعهد (الذي بينكم وبين ربكم) أي: حق الله الذي عليكم (بكثرة ذكركم له) تعالى، (و) بـ (كثرة الصدقة) من المال والعلم والجاه (في السر) والخفية (والعلانية) والإظهار؛ أي: أكثروا من التصدق خلوة وجلوة؛ فإن الصدقة تكون كفارة عن الخطايا وبركة في العطايا إن أكثرتم منها .. (ترزقوا) رزقًا حلالًا طيبًا واسعًا، (وتُنصروا) على أعدائكم، (وتُجبروا) ما نقص منكم بإصلاح أحوالكم، (واعلموا) أيها الناس (أن الله) عز وجل (قد افترض) أي: فرض وأوجب (عليكم الجمعة) أي: صلاتها. وهذا موضع الترجمة.
فِي مَقَامِي هَذَا، فِي يَوْمِي هَذَا، فِي شَهْرِي هَذَا، مِنْ عَامِي هَذَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ تَرَكَهَا فِي حَيَاتِي أَوْ بَعْدِي وَلَهُ إِمَامٌ عَادِلٌ أَوْ جَائِرٌ اسْتِخْفَافًا بِهَا أَوْ جُحُودًا لَهَا .. فَلَا جَمَعَ اللهُ لَهُ شَمْلَهُ، وَلَا بَارَكَ لَهُ فِي أَمْرِهِ، أَلَا وَلَا صَلَاةَ لَهُ وَلَا زَكَاةَ لَهُ، وَلَا حَجَّ لَهُ وَلَا صَوْمَ لَهُ وَلَا بِرَّ لَهُ حَتَّى يَتُوبَ، فَمَنْ تَابَ .. تَابَ اللهُ عَلَيْهِ، أَلَا لَا تَؤُمَّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلًا، وَلَا يَؤُمَّ أَعْرَابِيٌّ مُهَاجِرًا،
===
(في مقامي هذا، في يومي هذا، في شهري هذا من عامي هذا إلى يوم القيامة، فمن تركها) أي: ترك صلاة الجمعة بغير عذر من أعذار الجمعة؛ كالمرض والمطر والخوف مما هو مبسوط في كتب الفروع (في حياتي أو بعدي) أي: بعد وفاتي، (وله) أي: والحال أن لذلك التارك (إمام عادل) يأمر بالمعروف وينهى عن المنكرات، (أو جائر) لا يأمر بالمأمورات ولا ينهى عن المنكرات؛ أي: تركها (استخفافًا) لشأنها وعدم اهتمام (بها أو جحودًا لها) أي: إنكارًا لوجوبها .. (فلا جمع الله له) أي: لذلك التارك (شمله) أي: شؤونه، (ولا بارك) الله (له) أي: لذلك التارك (في أمره) أي: في شغله دينًا ودنيا.
(ألا) أي: انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم أيها الناس من المواعظ؛ وهو هذا القول المذكور بقوله: (ولا صلاة) مقبولة (له) أي: لذلك التارك من الصلوات الخمس وغيرها، (ولا زكاة) مجزئة (له، ولا حج) مبرور (له، ولا صوم) مقبول (له، ولا بر) أي: ولا عمل بر وخير مقبول (له حتى يتوب) ويرجع من تركها إلى فعلها، غاية لعدم قبول عمله الصالح، (فمن تاب) ورجع إلى فعلها .. (تاب الله عليه) أي: قبل توبته منه.
(ألا) أي: استمعوا وانتبهوا من غفلتكم (لا تؤُمَّن امرأة رجلًا) أي: لا تكون امرأة إمامًا لرجل، (ولا يؤم أعرابي) أي: جاهل (مهاجرًا) أي: عالمًا،
وَلَا يَؤُمَّ فَاجِرٌ مُؤْمِنًا إِلَّا أَنْ يَقْهَرَهُ بِسُلْطَانٍ يَخَافُ سَيْفَهُ وَسَوْطَهُ".
(9)
-1057 - (2) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ أَبُو سَلَمَةَ،
===
(ولا يؤم فاجر) أي: فاسق (مؤمنًا) أي: رجلًا صالحًا عَادلًا (إلا أن يقهره) أي: يقهر ذلك الفاجر مؤمنًا صالحًا (بسلطان) أي: بمساعدة سلطان جائر له (يخاف) ذلك المؤمن (سيفه) أي: سيف ذلك السلطان وقتله بالسيف (وسوطه) أي: سوط ذلك السلطان وضربه بالسوط، قال السندي: قوله: "ولا يؤم أعرابي مهاجرًا" أي: لأن من شأن الأعرابي الجهل، ومن شأن المهاجر العلم. انتهى.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، قال المزي: ولكن رواه موسى بن داوود عن الوليد بن بكير، فقال: عن محمد بن عبد الله العدوي، ورواه عبد بن حميد في "مسنده"، فقال: حدثنا إبراهيم بن عيسى الطالقاني، حدثنا شعبة بن الوليد عن حمزة بن حسان عن علي بن زيد
…
فذكره بالإسناد والمتن، ورواه أبو يعلى الموصلي في "مسنده" من طريق محمد بن علي عن سعيد بن المسيب به، إلا أنه قال:(وهو على منبره يوم جمعة)، وقال فيه:(تؤجروا) بدل قوله: (وتجبروا)، وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري رواه الطبراني في "الأوسط"، والبيهقي في "السنن الكبرى". انتهى "تحفة الأشراف".
فدرجة هذا الحديث: أنه ضعيف (1)(128)؛ لضعف سنده ولا شاهد صحيحًا له، وغرضه: الاستئناس به.
* * *
ثم استدل رحمه الله تعالى على الترجمة بحديث كعب بن مالك رضي الله عنه، فقال:
(9)
- 1057 - (2)(حدثنا يحيى بن خلف) الباهلي (أبو سلمة) البصري
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ قَائِدَ أَبِي حِينَ ذَهَبَ بَصَرُهُ، فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ بِهِ إِلَى الْجُمُعَةِ فَسَمِعَ الْأَذَانَ .. اسْتَغْفَرَ لِأَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ
===
الجوباري -بجيم مضمومة وواو ساكنة ثم موحدة- صدوق، من العاشرة، مات سنة اثنتين وأربعين ومئتين (242 هـ)، ويروي عنه:(م د ت ق).
(حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي -بمهملة- أبو محمد البصري، ثقة، من الثامنة، مات سنة تسع وثمانين ومئة (189 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن محمد بن إسحاق) بن يسار المطلبي مولاهم أبو عبد الله المدني، إمام في المغازي، صدوق مدلس، من صغار الخامسة، مات سنة خمسين ومئة (150 هـ)، ويقال بعدها. يروي عنه:(م عم)، قرنه (م) بآخر.
(عن محمد بن أبي أمامة) أسعد (بن سهل بن حنيف) -مصغرًا- ثقة، من السادسة. يروي عنه:(د س ق).
(عن أبيه أبي أمامة) أسعد بن سهل بن حنيف الأنصاري المعروف بكنيته معدود في الصحابة، له رؤية، ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، مات سنة مئة (100 هـ)، وله اثنتان وتسعون سنة. يروي عنه:(ع).
(عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك) الأنصاري أبي الخطاب المدني، ثقة، من كبار التابعين، ويقال: وُلد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومات في خلافة سليمان. يروي عنه:(ع).
(قال) عبد الرحمن: (كنت قائد أبي) كعب بن مالك من الثلاثة الذين خُلّفوا رضي الله عنهم (حين ذهب بصره) وعمي، قال عبد الرحمن:(فكنت إذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الأذان .. استغفر لأبي أمامة أسعد بن زرارة) بن
وَدَعَا لَهُ، فَمَكَثْتُ حِينًا أَسْمَعُ ذَلِكَ مِنْهُ، ثُمَّ قُلْتُ فِي نَفْسِي: وَاللهِ؛ إِنَّ ذَا
===
عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غُنم بن مالك بن النجار أبي أمامة الأنصاري الخزرجي النجاري رضي الله عنه، كان قديم الإسلام شهد العقبتين وكان نقيبًا على قبيلته، ولم يكن في النقباء أصغر منه سنًا، ويُقال: إنه أول من بايع ليلة العقبة، وروى أبو داوود والحاكم من طريق عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال: (كنت قائد أبي حين كُفَّ بصره، فإذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الأذان .. استغفر لأسعد بن زرارة
…
) الحديث، وفيه: وكان أسعد أول من جمع بنا بالمدينة قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم في حرة بني بياضة في نقيع الخضمات.
وذكر الواقدي أنه مات على رأس تسعة أشهر من الهجرة، رواه الحاكم في "المستدرك" من طريق الواقدي، قال الواقدي: كان ذلك في شوال، قال البغوي: بلغني أنه أول من مات من الصحابة بعد الهجرة، وأنه أول ميت صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وروى الواقدي من طريق عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال: أول من دُفن بالبقيع من الأنصار أسعد بن زرارة، ومن المهاجرين عثمان بن مظعون رضي الله تعالى عنهم أجمعين. انتهى من "الإصابة في تمييز الصحابة" للحافظ ابن حجر باختصار.
وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه محمد بن إسحاق، وهو مدلس.
(ودعا له) بالرحمة، قال عبد الرحمن:(فمكثت حينًا) أي: زمنًا طويلًا وأنا (أسمع ذلك) المذكور من الاستغفار والدعاء لأسعد بن زرارة (منه) أي: من والدي كعب بن مالك، قال عبد الرحمن:(ثم) بعد مكثي زمانًا على ذلك (قلت في نفسي) أي: في قلبي (والله؛ إن ذا) أي: إن هذا السكوت
لَعَجْزٌ؛ إِنِّي أَسْمَعُهُ كُلَّمَا سَمِعَ أَذَانَ الْجُمُعَةِ .. يَسْتَغْفِرُ لِأَبِي أُمَامَةَ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ وَلَا أَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ: لِمَ هُوَ، فَخَرَجْتُ بِهِ كَمَا كُنْتُ أَخْرُجُ بِهِ إِلَى الْجُمُعَةِ، فَلَمَّا سَمِعَ الْأَذَانَ .. اسْتَغْفَرَ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَتَاهُ؛ أَرَأَيْتَكَ صَلَاتَكَ عَلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ كُلَّمَا سَمِعْتَ النِّدَاءَ بِالْجُمُعَةِ لِمَ هُوَ؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ؛
===
عن سؤاله عن سبب استغفاره له (لعجز) مني وإعراض عما هو المهم؛ (إني أسمعه) أي: أسمع والدي (كلما سمع أذان الجمعة .. يستغفر لأبي أمامة) أسعد بن زرارة، (ويصلي عليه) ويدعو له بالرحمة، (ولا أسأله عن) سبب (ذلك) الاستغفار له فأقول له:(لم) أي: لأي سبب (هو) أي: استغفارك له؟
(فخرجت) يومًا (به) أي: بوالدي إلى الجمعة (كما كنت أخرج به) أولًا (إلى الجمعة، فلما سمع الأذان .. استغفر) له الآن (كما كان يفعل) الاستغفار له أولًا، (فقلت له: يا أبتاه) أي: يا أبي ويا والدي (أرأيتك صلاتك على أسعد بن زرارة) أي: أخبرني عن صلاتك ودعائك لأسعد بن زرارة (كلما سمعت النداء بالجمعة) والأذان لها، (لم) أي: لأي سبب (هو) أي: دعاؤك واستغفارك له كلما سمعت الأذان؟
(قال) لي والدي كعب بن مالك في جواب سؤالي له عن ذلك: (أي) حرف نداء (بني) منادىً مضاف مصغرًا تصغير شفقة، وإعرابه: الهمزة: حرف نداء لنداء القريب مبنية على الفتح، بني: منادىً مضاف منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة؛ اجتزاءً عنها بالكسرة المنقلبة فتحة للتخفيف لثقلها على الياء، بني مضاف وياء المتكلم المحذوفة اجتزاءً عنها بالكسرة في محل الجر مضاف إليه مبنية على السكون، وجملة النداء في محل النصب مقول لقال، فهو نظير أُخيّ في إعرابه، وأصله: أي يا بُنيّ
كَانَ أَوَّلَ مَنْ صَلَّى بِنَا صَلَاةَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ فِي نَقِيعِ الْخَضِمَاتِ فِي هَزْمِ النَّبِيتِ مِنْ حَرَّةِ بَنِي بَيَاضَةَ، قُلْتُ: كَمْ كُنْتُمُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ أَرْبَعِينَ رَجُلًا.
===
(كان) أسعد بن زرارة (أول من صلى بنا صلاة الجمعة قبل مقدم) أي قبل قدوم (رسول الله صلى الله عليه وسلم وهجرته (من مكة) إلى المدينة، كان يصلي بنا صلاتها.
(في نقيع) بالنون ثم القاف ثم الياء التحتية بعدها عين مهملة (الخضمات) -بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين- قال ابن الأثير: هو موضع قريب إلى المدينة، كان يستنقع فيه الماء؛ أي: يجتمع، وقال الخطابي في "المعالم": النقيع بطن الوادي من الأرض يستنقع فيه الماء مدة، وإذا نضب الماء؛ أي: غار في الأرض .. أنبت الكلأ، فنقيع الخضمات موضع بنواحي المدينة، كذا في "النهاية" أي: يصلي (في هزم) -بفتح الهاء وسكون الزاي- المكان المطمئن (النبيت) -بفتح النون وكسر الباء الموحدة وسكون الياء التحتية وبعدها تاء فوقية- هو أبو حي في اليمن، اسمه عمرو بن مالك، كذا في "القاموس" (من حرة بني بياضة) والحرة -بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء-: هي الأرض ذات الحجارة السود، قال العيني: هي قرية كانت على ميل من المدينة، وبنو بياضة هي بطن من الأنصار.
والمعنى: أنه جمع في قرية يقال لها: هزم النبيت كانت في حرة بني بياضة في المكان الذي يجتمع فيه الماء، واسم ذلك المكان نقيع الخضمات، وتلك القرية على ميل من المدينة، كذا في "غاية المقصود". انتهى من "العون".
قال عبد الرحمن: (قلت) لوالدي كعب بن مالك: (كم) عددًا (كنتم) أيها المصلون مع أسعد بن زرارة (يومئذ) أي: يوم إذ صليت الجمعة معه؟ (قال) كعب: كنا معشر المصلين معه يومئذ (أربعين رجلًا) من المسلمين.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
قال الخطابي: وفي هذا الحديث من الفقه أن الجمعة جوازها في القرى كجوازها في المدن والأمصار؛ لأن حرة بني بياضة يقال: على ميل من المدينة، وقد استدل به الشافعي على أن الجمعة لا تجوز بأقل من أربعين رجلًا أحرارًا مقيمين؛ وذلك أن هذه الجمعة كانت أول ما شُرع من الجمعات، فكان جميع أوصافها معتبرة فيها؛ لأن ذلك بيان لمجمل واجب، وبيان المجمل الواجب واجب، وقد روي عن عمر بن عبد العزيز اشتراط عدد الأربعين في الجمعة، وإليه ذهب أحمد وإسحاق، إلا أن عمر قد اشترط مع عدد الأربعين أن يكون فيها والٍ، وليس الوالي من شرط الشافعي، وقال مالك: إذا كان جماعة في القرية التي بيوتها متصلة، وفيها مسجد يُجمّع فيه وسوق .. وجبت عليهم الجمعة، ولم يذكر عددًا محصورًا، ولم يشترط الوالي، ومذهبه في الوالي كمذهب الشافعي.
وقال أصحاب الرأي: لا جمعة إلا في مصر جامع، وتنعقد عندهم الجمعة بأربعة، وقال الأوزاعي: إذا كانوا ثلاثة .. صلوا جمعة إذا كان فيهم الوالي، وقال أبو ثور: كسائر الصلوات في العدد. انتهى كلام الخطابي. انتهى من "العون".
قلت: حديث ابن عباس وكعب بن مالك المذكوران في الباب فيهما دلالة واضحة على صحة صلاة الجمعة في القرى، فحديث ابن عباس أخرجه أيضًا البخاري في "صحيحه"، وحديث كعب أخرجه أيضًا ابن ماجه، وزاد فيه:(كان أول من صلى بنا صلاة الجمعة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة)، وأخرجه الدارقطني وابن حبان والبيهقي في "سننه"، وقال: حسن الإسناد صحيح، وقال في "خلافياته": رواته كلهم ثقات، وأخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين، وقال الحافظ في "التلخيص": إسناده حسن.
(10)
- 1058 - (3) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُنْذِرِ،
===
قلت: الأمر كما قال البيهقي؛ فإن إسناده حسن قوي، ورواته كلهم ثقات، وفيه محمد بن إسحاق وقد عنعن من محمد بن أبي أمامة في رواية ابن إدريس، كما عند المؤلف، وعند أبي داوود، لكن أخرج الدارقطني ثم البيهقي في "المعرفة" من طريق ابن جرير: حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق قال: حدثني محمد بن أبي أمامة عن أبيه، ثم ساق الحديث، ومحمد بن إسحاق ثقة عند شعبة وعلي بن عبد الله وأحمد ويحيى بن معين والبخاري وعامة أهل العلم، ولم يثبت فيه جرح، فتقبل روايته إذا صرّح بالتحديث، وها هنا صرّح به، فارتفعت عنه مظنة التدليس، وفي هذا كله رد على العلامة العيني حيث ضعّف الحديث في "شرح البخاري" لأجل محمد بن إسحاق، وهذا تعنت وعصبية منه، والله سبحانه وتعالى أعلم. انتهى من "العون".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود، وأخرجه في كتاب الصلاة، باب الجمعة في القرى، رقم (1064)، والحاكم في "المستدرك" وقال: صحيح على شرط مسلم، والدارقطني والبيهقي في "المعرفة"، وقال: إسناده حسن قوي ورواته كلهم ثقات، وله شاهد من حديث ابن عباس أخرجه أبو داوود والبخاري في "صحيحه".
فدرجة هذا الحديث: أنه حسن الإسناد، صحيح المتن، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
* * *
ثم استشهد له بحديث حذيفة وأبي هريرة رضي الله عنهما، فقال:
(10)
- 1058 - (3)(حدثنا علي بن المنذر) الطريقي -بفتح المهملة وكسر الراء بعدها تحتانية ساكنة ثم قاف- الكوفي، صدوق يتشيع، من العاشرة، مات سنة ست وخمسين ومئتين (256 هـ). يروي عنه:(ت س ق).
حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ وَعَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَضَلَّ اللهُ عَنِ الْجُمُعَةِ
===
(حدثنا) محمد (بن فضيل) بن غزوان -بفتح المعجمة وسكون الزاي- الضبي مولاهم الكوفي، صدوق عارف، رُمي بالتشيع، من التاسعة، مات سنة خمس وتسعين ومئة (195 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا أبو مالك الأشجعي) سعد بن طارق الكوفي، ثقة، من الرابعة، مات في حدود الأربعين ومئة (140 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن ربعي بن حراش) -بكسر المهملة آخره معجمة- أبي مريم العبسي الكوفي، ثقة عابد مخضرم، من الثانية، مات سنة مئة (100 هـ)، وقيل غير ذلك. يروي عنه:(ع).
(عن حذيفة) بن اليمان العبسي الأنصاري حليفهم رضي الله عنه، الصحابي المشهور صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، مات في أول خلافة علي سنة ست وثلاثين (36 هـ). يروي عنه:(ع).
(و) روى أبو مالك أيضًا (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي مولى عزة الكوفي، لازم أبا هريرة خمس سنين، ثقة، من الثالثة، مات على رأس المئة (100 هـ). يروي عنه:(ع)، فهو معطوف على قوله عن ربعي بن حراش.
(عن أبي هريرة) رضي الله عنه.
وهذان السندان من خماسياته، وحكمهما: الصحة؛ لأن رجالهما ثقات.
(قال): والصواب: (قالا)، كما في رواية مسلم؛ أي: قال حذيفة وأبو هريرة رضي الله تعالى عنهما: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أضل الله) عز وجل؛ أي: حكم الله تعالى الضلال والخطأ (عن) موافقة تعظيم يوم (الجمعة
مَنْ كَانَ قَبْلَنَا؛ كَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ، وَالْأَحَدُ لِلنَّصَارَى، فَهُمْ لَنَا تَبَعٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ نَحْنُ الْآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَالْأَوَّلُونَ الْمَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلَائِقِ".
===
من كان قبلنا) من أهل الكتابين؛ فـ (كان) عيدًا (لليهود يوم السبت، و) كان (الأحد) عيدًا (للنصارى، فهم) أي: أهل الكتابين (لنا تبع) في أيام العيد (إلى يوم القيامة)، فعيدهم تبع لعيدنا، فالجمعة عيدنا، والسبت عيد اليهود، والأحد عيد النصارى؛ (نحن) معاشر الأمة المحمدية (الآخرون من أهل الدنيا) خلقًا وإيجادًا، (والأولون) فضلًا (المقضي لهم) في دخول الجنة (قبل) دخول جميع (الخلائق) الجنة، ولله الحمد والشكر على هذا الفضل والمنة.
قوله: "فهم لنا تبع إلى يوم القيامة" أي: وكما جعلهم الله تبعًا لنا في أيام العيد الذي اختاروه هم تابعون لنا يوم القيامة في دخول الجنة يدخلون بعد دخولنا؛ يعني: أن ما اختاروه للعيد من الأيام تابعان ليوم الجمعة يجيئان بعده، فكذلك هم تابعون لنا في دخول الجنة يوم القيامة، لا يدخلون حتى ندخل. انتهى ابن الملك.
قوله: "نحن الآخرون من أهل الدنيا" في الزمان والوجود، "والأولون" يوم القيامة في الفضل ودخول الجنة، فتدخل هذه الأمة الجنة قبل سائر الأمم.
وقوله: "المقضي لهم" صفة للأولين؛ أي: ونحن الأولون الذين يُقضى لهم بدخول الجنة، "قبل الخلائق" أي: قبل قضائه لسائر الأمم.
وشارك المؤلف في رواية حديث حذيفة: النسائي في كتاب الجمعة، باب استحباب الجمعة، رقم (3/ 87).
وشارك المؤلف في رواية حديث أبي هريرة: مسلم في كتاب الجمعة، باب
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
هداية هذه الأمة ليوم الجمعة، رقم (1869)، وأبو داوود (1050)، والترمذي (498)، وأحمد (2/ 380).
فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستشهاد به لحديث كعب بن مالك.
* * *
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: ثلاثة أحاديث:
الأول: حديث جابر، ذكره للاستئناس.
والثاني: حديث كعب بن مالك، ذكره للاستدلال.
والثالث: حديث حذيفة وأبي هريرة، ذكره للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم