الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(69) - (346) - بَابُ مَا جَاءَ فِي "إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ
"
(162)
- 1210 - (1) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَام بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتِ: اشْتَكَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابهِ يَعُودُونَهُ، فَصَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَالِسًا، فَصَلوْا بِصَلَاتِهِ قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ .. قَالَ:"إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ؛ فَإِذَا رَكَعَ .. فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ .. فَارْفَعُوا، وَإذَا صَلَّى جَالِسًا .. فَصَلُّوا جُلُوسًا".
===
(69)
- (346) - (باب ما جاء في "إنما جُعل الإمام ليؤتم به")
(162)
- 1210 - (1) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبدة بن سليمان) الكلابي الكوفي، ثقة، من الثامنة، مات سنة سبع وثمانين ومئة (187 هـ)، وقيل بعدها. يروي عنه:(ع).
(عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة) رضي الله تعالى عنها.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(قالت) عائشة: (اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: مرض وكان سبب شكايته ما يأتي في حديث أنس الآتي بعد هذا، وكان جالسًا في مشربة له في بيت عائشة، (فدخل عليه ناس من أصحابه) حالة كونهم (يعودونه) من مرضه، (فصلى النبي صلى الله عليه وسلم جالسًا، فصلوا) المقتدين به (بصلاته قيامًا، فأشار إليهم) بـ (أن اجلسوا، فلما انصرف) وفرغ من صلاته .. (قال) لهم: (إنما جُعل الإمام ليؤتم به) أي: ليتبع ويقتدى به في أفعاله؛ (فإذا ركع .. فاركعوا) معه، (وإذا رفع) رأسه من الركوع أو السجود .. (فارفعوا) عقبه، (وإذا صلى جالسًا .. فصلوا جلوسًا).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وسبب شكايته ومرضه أنه سقط من فرسه، فجُرح شقه الأيمن وعجز عن القيام، فكان جالسًا في غرفة عائشة، وعجز عن الخروج إلى المسجد، كما سيأتي قريبًا في حديث أنس، فقيامًا وجلوسًا جمعان لقائم وجالس؛ أي: قائمين جالسين أو مصدران؛ أي: ذوي قيام وجلوس، ونصبهما على الحالية، قال الخطابي في "المعالم": ذكر أبو داوود هذا الحديث من رواية عائشة وأنس وجابر وأبي هريرة، ولم يذكر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرض موته آخر ما صلاها بالناس وهو قاعد والناس خلفه قيام، وهو آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن عادة أبي داوود فيما أنشأه من أبواب هذا الكتاب أن يذكر الحديث في بابه، ويذكر الحديث الذي يعارضه في باب آخر على أثره، ولم أجده في شيء من النسخ، فلست أدري كيف أغفل ذكر تلك القصة وهي من أمهات السنن، وإليه ذهب أكثر الفقهاء؟ !
ونحن نذكرها؛ لتحصل فائدة ويُحفظ على الكتاب رسمه وعادته، ثم ذكر الخطابي بإسناده عن عائشة حديث صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر ما صلاها بالناس وهو قاعد والناس خلفه قيام، وفي آخر الحديث: فأقامه في مقامه، وجعله عن يمينه، فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكبر بالناس، فجعل أبو بكر يكبر بتكبيره، والناس يكبرون بتكبير أبي بكر.
قال الخطابي: قلت: وفي إقامة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر عن يمينه وهو مقام المأموم، وفي تكبيره بالناس وتكبير أبي بكر بتكبيره .. بيان واضح أن الإمام في هذه الصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد صلى قاعدًا والناس من خلفه قيام، وهي آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، فدل على أن حديث عائشة المذكور هنا وحديث أنس
(163)
- 1211 - (2) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ،
===
وجابر المذكورين في هذا الباب .. منسوخ بصلاته تلك في مرضه، ويزيد ما قلناه وضوحًا ما رواه أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
وذكر الحديث، قالت: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس عن يسار أبي بكر، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس جالسًا وأبو بكر قائمًا يقتدي به، والناس يقتدون بأبي بكر.
وفي هذا الحديث من الفقه أنه يجوز الصلاة بإمامين أحدهما بعد الآخر من غير حدث يحدث بالإمام الأول، وفيه دليل على جواز تقدم بعض صلاة المأموم على بعض صلاة الإمام، وفيه دليل على قبول خبر الواحد. انتهى من "العون" باختصار.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في مواضع منها كتاب الأذان، باب إنما جُعل الإمام ليؤتم به، ومسلم في كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام، وأبو داوود في كتاب الصلاة، باب الإمام يصلي من قعود، ومالك في "الموطأ"، والشافعي في الرسالة.
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، ولكنه منسوخ بما تقدم بيانه، وغرضه بسوقه: الاستدلال به على الترجمة.
* * *
ثم استشهد له بحديث أنس رضي الله عنه، فقال:
(163)
- 1211 - (2)(حدثنا هشام بن عمار) بن نصير - مصغرًا - السلمي الدمشقي، صدوق مقرئ، من كبار العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ). يروي عنه:(خ عم).
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صُرِعَ عَنْ فَرَسٍ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ، فَدَخَلْنَا نَعُودُهُ، وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى بِنَا قَاعِدًا وَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ .. قَالَ: "إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ؛ فَإِذَا كَبَّرَ .. فَكَبِّرُوا، وَإذَا رَكَعَ .. فَارْكَعُوا،
===
(حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن أنس بن مالك) رضي الله عنه.
وهذا السند من رباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(أن النبي صلى الله عليه وسلم صُرع) بضم أوله وكسر ثانيه وهو من الأفعال المجهولة اللفظ المعلومة المعنى؛ أي: سقط (عن فرس) له، يقال: هذا مسقطة له من أعين الناس، كذا في بعض هوامش مسلم، (فجُحش) بالبناء للمفعول أيضًا؛ أي: خُدش شقه الأيمن بأن قُشر جلده، وفي "النهاية":(فجُحش) أي: انخدش جلد (شقه الأيمن) وانشجح، فالجُحش مثل الخدش، فمنعه القيام يحتمل أنه لمرض لحقه في بعض الأعضاء والشق الجانب، (فدخلنا نعوده، وحضرت) وقت (الصلاة) المكتوبة، (فصلى بنا قاعدًا، وصلينا وراءه قعودًا) حال أي: قاعدين (فلما قضى الصلاة .. قال: إنما جُعل الإمام ليؤتم به؛ فإذا كبر) للإحرام .. (فكبروا، وإذا ركع .. فاركعوا).
قوله: (فجحش شقة الأيمن) قال الأبي: الأمراض الحسية للأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيها كغيرهم تعظيم لأجرهم، ولا يقدح في منزلتهم العلية، بل هو تثبيت لأمرهم، لأنهم بشر؛ إذ لو لَمْ يصبهم ما أصاب البشر مع ما ظهر على أيديهم من خوارق العادة .. لقيل فيهم ما قالت النصارى في عيسى عليه السلام، ويستثنى من ذلك ما هو نقص؛ كالجنون. انتهى منه.
(فدخلنا عليه) حالة كوننا (نعوده) من مرضه، (وحضرت الصلاة) أي:
وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ .. فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ .. فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا .. فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعُونَ.
===
وقت الصلاة المكتوبة، قال القاضي: أشار ابن القاسم إلى أنه كان نافلة، والأظهر أنه فرض؛ لقوله (حضرت الصلاة) أي: المعهودة، (فصلى بنا) تلك الحاضرة، حالة كونه (قاعدًا) أي: جالسًا لعجزه عن القيام، (فصلينا وراءه) أي: خلفه (قعودًا) أي: قاعدين في جميع الصلاة؛ أي: بعد أن كانوا قيامًا وأومأ لهم عليه الصلاة والسلام بالقعود، (فلما قضى الصلاة) وفرغ منها .. (قال: إنما جُعل الإمام) وشرع وقُدّم (ليؤتم) أي: ليُقتدى (به) في الأفعال الظاهرة، ولذا يُصلى الفرض خلف النفل، والنفل خلف الفرض حتى الظهر خلف الصبح والمغرب، والصبح خلف الظهر في الأظهر.
نعم؛ إن اختلف عمل الصلاتين كمكتوبة وكسوف أو جنازة .. فلا على الصحيح؛ لتعذر المتابعة هذا مذهب الشافعي، وقال غيره: يتابعه في الأفعال والنيات مطلقًا.
(فإذا كبر) الإمام للإحرام أو للانتقال .. (فكبروا عقبه) فلا تسابقوه ولا تقارنوه، (وإذا سجد .. فاسجدوا) عقبه، (وإذا رفع) رأسه من الركوع أو السجود .. (فارفعوا) رؤوسكم هذا في رواية مسلم، وكذا في حديث عائشة المذكور قبله.
(وإذا قال) الإمام: (سمع الله لمن حمده .. فقولوا: ربنا ولك الحمد) بإثبات واو العطف وبحذفها، (وإذا سجد .. فاسجدوا) عقبه، (وإذا صلى قاعدًا) أي: جالسًا في جميع الصلاة، وليس المراد منه جلوس التشهد وبين السجدتين؛ إذ لو كان المراد ذلك .. لقال: وإذا جلس .. فاجلسوا؛ ليناسب قوله: فإذا سجد فاسجدوا .. (فصلوا قعودًا أجمعون) بالرفع على أنه تأكيد
(164)
- 1212 - (3) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
===
لضمير الفاعل في حلوا، وما وقع في أكثر نسخ ابن ماجة:(أجمعين) بالنصب على أنه تأكيد لقعودًا غلط؛ لأن ألفاظ التوكيد معارف، فلا تؤكد النكرات وقعودًا حال، والحال لا تكون إلَّا نكرة. انظر أيها الطالب "متن الآجرومية" في باب التوكيد .. تفهم ما قلناه من منطوقها.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري، ومسلم، وأبو داوود، والنسائي.
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عائشة بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(164)
- 1212 - (3)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا هشيم بن بشير) بن القاسم بن دينار السلمي الواسطي، ثقة، من السابعة، مات سنة ثلاث وثمانين ومئة (183 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن عمر بن أبي سلمة) بن عبد الرَّحمن بن عوف الزهري المدني قاضي المدينة. روى عن: أبيه، ويروي عنه:(عم)، وهشيم، صدوق يخطئ، من السادسة، قُتل بالشام سنة اثنتين وثلاثين ومئة (132 هـ) مع بني أمية.
(عن أبيه) أبي سلمة بن عبد الرَّحمن، ثقة، من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين، أو أربع ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن أبي هريرة) رضي الله عنه.
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ .. فَكَبِّرُوا، وَإذَا رَكَعَ .. فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ .. فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وِإنْ صَلَّى قَائِمًا .. فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا .. فَصَلُّوا قُعُودًا".
===
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة، لأن رجاله ثقات.
(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما جُعل الإمام ليؤتم به؛ فإذا كبر .. فكبروا، وإذا ركع .. فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده .. فقولوا: ربنا ولك الحمد)، واحتج بهذا أبو حنيفة رحمه الله تعالى على أن الإمام لا يقول: ربنا ولك الحمد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قسم الأقوال بين الإمام والمأموم، والشركة فيها تنافي القسمة، كما في قوله صلى الله عليه وسلم:"البينة على المدعي، واليمين على من أنكر"، وقال صاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن والشافعي وأحمد: إنه يقولها، واستدلوا بما رُوي عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم كان يجمع بينهما؛ أي: بين الذكرين، والسكوت عنه لا يقتضي ترك فعله، وأما المأموم .. فيجمع بينهما أيضًا، خلافًا للحنفية، والجواب عنه أن جمعه صلى الله عليه وسلم بين الذكرين محمول على حالة الانفراد. انتهى "ابن الملك".
(وإن صلى قائمًا .. فصلوا قيامًا، وإن صلى قاعدًا .. فصلوا قعودًا) وفي الحديث دلالة على أنه لا يجوز للقائمين أن يصلوا خلف القاعد، وبه قال أحمد ومالك، وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى جوازه، قالا: هذا الحديث منسوخ بما رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مرض موته قاعدًا، وأبو بكر والناس خلفه قائمين، ولم يأمرهم بالقعود. انتهى "ابن الملك".
(165)
- 1213 - (4) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْح الْمِصْرِيُّ، أَنْبَأَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: اشْتَكَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم
===
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الأذان، باب إقامة الصف من تمام الصلاة، ومسلم في كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام، وأبو داوود في كتاب الصلاة، باب الإمام يصلي من قعود، والنسائي في كتاب الإمامة، والدارمي.
فدرجة هذا الحديث: أنه في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها.
* * *
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث عائشة بحديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهم، فقال:
(165)
- 1213 - (4)(حدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر التجيبي (المصري، أنبأنا الليث بن سعد) بن عبد الرَّحمن الفهمي المصري، ثقة إمام حجة، من السابعة، مات سنة خمس وسبعين ومئة (175 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبي الزبير) المكي الأسدي مولاهم محمد بن مسلم بن تدرس، صدوق، من الرابعة، مات سنة ست وعشرين ومئة (126 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن جابر) بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما.
وهذا السند من رباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(قال) جابر: (اشتكى) أي: مرض (رسول الله صلى الله عليه وسلم)
فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ، وَأَبُو بَكْرٍ يُكَبِّرُ يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ، فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا فَرَآنَا قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْنَا
===
والظاهر أن هذه الشكاية حدثت له لسقوطه عن الفرس، كما مر في حديث أنس، (فصلينا وراءه) أي: خلفه ونحن قائمون (وهو صلى الله عليه وسلم (قاعد) في حلاته بعذر المرض، (وأبو بكر) رضي الله عنه (يكبر) بتكبيره، حالة كونه (يُسمع الناس تكبيره صلى الله عليه وسلم؛ أي: يجهر التكبير؛ ليسمع الناس تكبيره صلى الله عليه وسلم.
قال ابن حبان: هذا لَمْ يكن إلَّا في مرض موته صلى الله عليه وسلم؛ لأن صلاته في مرضه الأول كان في مشربة عائشة رضي الله تعالى عنها، والمشربة - بفتح الراء وضمها -: هي الغرفة والعلية يُخرن فيها الطعام وغيره، ومعه نفر من الصحابة لا يحتاجون إلى من يسمعهم تكبيره، بخلاف صلاته في مرض موته بأنها كانت في المسجد بجمع كثير من الصحابة، فاحتاج أبو بكر أن يُسمعهم التكبير، لكن إسماع التكبير لَمْ يتابع عليه أبو الزبير، قاله ابن رسلان.
وأجاب عنه الحافظ بأنه صلى الله عليه وسلم لشدة ضعفه لا يجهر إلَّا قليلًا، فأسمعهم أبو بكر، وحُكي عن عياض أنه لَمْ يستخلف في المسجد أحدًا، فلعله صلى به صلى الله عليه وسلم من في المشربة ومن في المسجد، فلا بد إذًا من الإسماع لهم.
(فالتفت إلينا) رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلاته؛ لبيان جواز الالتفات وليطّلع على حالهم فيرشدهم إلى الصواب مع دوام توجه قلبه إلى ربه تعالى، بخلاف غيره صلى الله عليه وسلم، لكنه هذا يقتضي أن رؤيته من ورائه ما كانت على الدوام. انتهى "سندي".
(فرآنا) أي: أبصرنا حالة كوننا (قيامًا) أي: قائمين (فأشار إلينا)
فَقَعَدْنَا فَصَلَّيْنَا بِصَلَاتِهِ قُعُودًا، فَلَمَّا سَلَّمَ .. قَالَ: "إِنْ كِدْتُمْ أَنْ تَفْعَلُوا فِعْلَ فَارِسَ وَالرُّومِ يَقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ وَهُمْ قُعُودٌ .. فَلَا تَفْعَلُوا،
===
رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن اقعدوا، (فقعدنا) خلفه، (فصلينا) مقتدين (بصلاته) صلى الله عليه وسلم حالة كوننا (قعودًا) أي: قاعدين (فلما سفم صلى الله عليه وسلم من صلاته .. (قال) لنا: (إن كدتم) وقاربتم آنفًا؛ أي: في الزمن القريب" (أن تفعلوا فعل فارس والروم) وفي رواية لمسلم: (إن كدتم آنفًا لتفعلون فعل فارس والروم) بإثبات لام الابتداء الفارقة بين إن المخففة وإن النافية، وإثباتها أحسن وأوضح من حذفها؛ لأن المقام مقام الإثبات، فقوله: "إن كدتم" إن مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن، ولذا دخلت اللام في خبرها في رواية مسلم؛ وهو جملة كدتم؛ فرقًا بينها وبين إن النافية، وقوله: "آنفًا" بالمد ظرف زمان بمعنى قريبًا؛ أي: قاربتم في الزمن القريب - يعني: في الصلاة ورائي قريبًا - (لتفعلون) بي (فعل فارس) بالنصب بلا تنوين؛ لأنه اسم لا ينصرف (والروم) بملوكهم.
كانوا (يقومون على ملوكهم) تعظيمأ لهم (وهم) أي: والحال أن ملوكهم (قعود) أي: قاعدون، (فلا تفعلوا) ذلك القيام عليّ، قال القرطبي: فيه تنبيه على أن علة منع القيام لما يؤدي إليه القيام من التشبه بأفعال المتكبرين، فمُنع لهذه العلة أن يقوم الرجال أو المماليك على رؤوس الملوك أو الأمراء أو الرؤساء أو العلماء؛ لما يؤدي إليه. انتهى "مفهم".
قال النووي: فيه النهي عن قيام الغلمان والتبّاع على رأس متبوعهم الجالس لغير حاجة، وأما القيام للداخل إذا كان من أهل الفضل والخير .. فليس من هذا، بل هو جائز، قد جاءت له أحاديث، فقد قام صلى الله عليه وسلم
ائْتَمُّوا بِأَئِمَّتِكُمْ؛ إِنْ صَلَّى قَائِمًا .. فَصَلُّوا قِيَامًا، وِإنْ صَلَّى قَاعِدًا .. فَصَلُّوا قُعُودًا".
===
لجعفر وعكرمة وأسامة بن زيد رضي الله عنهم، وقال للأنصار رضي الله عنهم:"قوموا إلى سيدكم"، وأطبق عليه السلف والخلف، وعمم بعضهم النهي في الجميع إذا كان للتعظيم، وهو ظاهر مذهب مالك رحمه الله تعالى. انتهى منه.
(ائتموا) أي: اقتدوا أيها المأمومون (بأئمتكم) في أفعال الصلاة؛ (إن صلى) الإمام (قائمًا .. فصلوا) وراءه (قيامًا) أي: قائمين (وإن صلى قاعدًا .. فصلوا قعودًا) فتابعوهم في القيام والقعود، فلا تفعلوا فعل فارس والروم مع أئمتكم؛ فإنهم يقومون لعظمائهم وهم جلوس؛ يعني: أن القيام مع قعود الإمام يشبه تعظيم الإمام فيما شُرع لتعظيم الله وحده، فلا يجوز ولا يخفى دوام هذه العلة، فينبغي أن يدوم هذا الحكم، فالقول بنسخه كما عليه الجمهور خفي جدًّا، والله سبحانه وتعالى أعلم. انتهى "سندي" على النسائي.
قلت: الصحيح ما عليه الجمهور؛ لأن أحاديث الباب كلها منسوخة بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته من صلاته قاعدًا وصلاة الناس قائمين وراءه؛ لأنه آخر الأمرين، كما مر مرارًا.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام، وأبو داوود في كتاب الصلاة، باب الإمام يصلي من قعود، والنسائي في كتاب الإمامة، باب الائتمام بالإمام يصلي قاعدًا، والدارمي في كتاب الصلاة، باب القول بعد رفع الرأس من الركوع، وأحمد في "مسنده".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
ودرجته: أنه صحيح، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: أربعة أحاديث:
الأول منها للاستدلال، والبواقي للاستشهاد، وكلها صحيحة، لكنها منسوخة عند الجمهور، كما مر بيانه.
والله سبحانه وتعالى أعلم