الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(39) - (316) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْوِتْرِ
(95)
- 1143 - (1) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ الْمِصْرِيُّ، أَنْبَأَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَاشِدٍ الزَّوْفِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُرَّةَ الزَّوْفِي، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ الْعَدَوِيِّ
===
(39)
- (316) - (باب ما جاء في الوتر)
(95)
-1143 - (1)(حدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر التجيبي أبو عبد الله (المصري) ثقة ثبت، من العاشرة، مات سنة اثنتين وأربعين ومئتين (242 هـ) على الأصح. يروي عنه:(م ق).
(أنبأنا الليث بن سعد) بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم أبو الحارث المصري، ثقة ثبت فقيه إمام مشهور، من السابعة، مات في شعبان سنة خمس وسبعين ومئة (175 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن يزيد بن أبي حبيب) اسمه سُويد مولى شريك بن الطفيل، ثقة فقيه وكان يرسل، من الخامسة، مات سنة ثمان وعشرين ومئة (128 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن عبد الله بن راشد الزَّوْفي) -بفتح الزاي وسكون الواو بعدها فاء- أبو الضحاك المصري، مستور، من السادسة. يروي عنه:(ت ق).
(عن عبد الله بن أبي مُرَّة) أو ابن مُرة (الزوفي) -بفتح الزاي بعدها واو ثم فاء- صدوق، من الثالثة، أشار البخاري إلى أن في روايته انقطاعًا. يروي عنه:(د ت ق).
(عن خارجة بن حذافة) بن غانم القرشي (العدوي) الصحابي المشهور، سكن مصر، قتله الخارجي ظنًا منه أنه عمرو بن العاص سنة أربعين (40 هـ)،
قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "إِنَّ اللهَ قَدْ أَمَدَّكُمْ
===
وهذا الخارجي هو أحد الثلاثة الذين اتفقوا على قتل علي ومعاوية وعمرو بن العاص، وتوجه كل واحد منهم إلى واحد من الثلاثة، فنفذ قضاء الله في علي دونهما. يروي عنه:(د ت ق).
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات وإن ضعفه ابن حبان بقوله: هذا إسناد منقطع ومتن باطل، وليس له على انقطاعه دليل، كما بحث عنه الزيلعي في "نصب الراية".
(قال) خارجة: (خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم من حجرته ونحن في المسجد، (فقال) لنا: (إن الله) عز وجل (قد أمدكم) أيتها الأُمة؛ أي: زادكم على ما فرض عليكم من الفرائض ليؤجركم بها، ولم يكتف به، فشرع لكم صلاة التهجد والوتر؛ ليزيدكم إحسانًا على إحسان. انتهى من "الطيبي"، انتهى من "التحفة"، وقال القاري وغيره: أي: جعلها زيادة لكم في أعمالكم، من مد الجيش وأمده؛ أي: زاد: والأصل في المزيد أن يكون من جنس المزيد عليه، فمقتضاه أن يكون الوتر واجبًا. انتهى من "التحفة".
قلت: استدل به الحنفية على وجوب الوتر بهذا التقرير، وقد رد عليهم القاضي أبو بكر ابن العربي في "شرح الترمذي" حيث قال فيه: وبه احتج علماؤنا وأبو حنيفة، فقالوا: إن الزيادة لا تكون إلا من جنس المزيد عليه، وهذه مجرد دعوى، بل الزيادة تكون من غير جنس المزيد عليه؛ كما لو ابتاع بدرهم، فلما قضاه .. زاده ثُمنًا أو رُبعًا إحسانًا كزيادة النبي صلى الله عليه وسلم لجابر في ثمن الجمل؛ فإنها زيادة وليست بواجبة، وليس في هذا الباب حديث صحيح يتعللون به. انتهى.
قلت: الأمر كما قال ابن العربي: لا شك في أن قولهم: إن الزيادة لا تكون
بِصَلَاةٍ لَهِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمُرِ النَّعَمِ: الْوِتْرُ؛ جَعَلَهُ اللهُ لَكُمْ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ".
===
إلا من جنس المزيد .. مجرد دعوى لا دليل عليها، بل يردها ما ذكره هو بقوله: كما لو ابتاع بدرهم
…
إلى آخره، وقال الحافظ في "الدراية": ليس في قوله: "زادكم" دلالة على وجوب الوتر؛ لأنه لا يلزم أن يكون المزاد من جنس المزيد عليه؛ فقد روى محمد بن نصر المروزي في الصلاة من حديث أبي سعيد ورفعه: "إن الله زادكم صلاةً إلى صلاتكم هي خير لكم من حُمْرِ النعَم ألا وهي الركعتان قبل الفجر"، وأخرجه البيهقي، ونُقل عن ابن خزيمة أنه قال: لو أمكنني لرحلت في هذا الحديث. انتهى، انتهى من "التحفة".
أي: قد أمدكم وزادكم على ما فرض عليكم (بصلاة لهي خير لكم من حُمْرِ النعم) ألا وهي (الوتر؛ جعله الله لكم) أن تصلوه (فيما بين) فعل (صلاة العشاء) الآخرة (إلى أن يطلع الفجر) الصادق.
قوله: (حُمْرِ النعم) -بضم الحاء وسكون الميم- جمع أحمر، والنَّعَمُ الإبل، وهو من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف، وضرب المثل بها ترغيبًا للعرب فيها؛ لأن حُمْر النعم أعزُّ الأموال عندهم، فكانت كناية عن أنها خير من الدنيا كلها؛ لأنها ذخيرة الآخرة التي هي خير وأبقى، قوله:"الوتر" بالجر بدل من صلاة، بدل معرفة من نكرة، وبالرفع خبر لمبتدأ محذوف؛ تقديره: أي: هي الوتر. انتهى "تحفة الأحوذي".
قال الخطابي: الحديث يدل على أنها غير لازمة لهم، ولو كانت واجبةً .. لخرج الكلام على صيغة لفظ الإلزام، فيقول: فرض عليكم وألزمكم أو نحو ذلك من الكلام، وقد روي أيضًا في هذا الحديث أن الله قد زادكم صلاة، والزيادة إنما تكون في النوافل؛ وذلك أن نوافل الصلاة شَفْعٌ لا وتر فيها، فقيل:
(96)
- 1144 - (2) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ
===
أمدكم بصلاة، وزادكم بصلاة لم تكونوا تصلونهما من قبل على تلك الهيئة والصورة وهي الوتر.
وقوله: "فجعلها لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر" فيه دليل على أن الوتر لا يُقضى بعد طلوع الفجر، وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد وهو قول عطاء، وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه: يُقضى الوتر وإن كان قد صلى الفجر، وهو قول الأوزاعي. انتهى من "العون".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في كتاب الصلاة، باب ما جاء في استحباب الوتر، والترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء في فضل الوتر، قال أبو عيسى: حديث خارجة بن حذافة حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن أبي حبيب، والنسائي في كتاب قيام الليل، باب الأمر بالوتر، والحاكم في "المستدرك" (1/ 206) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وقال الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله: وهو كما قالا وإن ضعفه ابن حبان بقوله: هذا إسناد منقطع ومتن باطل؛ لأن رُواته ثقات، وليس على انقطاعه دليل.
فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة، والله أعلم.
* * *
واستشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث خارجة بحديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(96)
- 1144 - (2)(حدثنا علي بن محمد) بن إسحاق الطنافسي أبو محمد الكوفي، ثقة عابد، من العاشرة، مات سنة ثلاث أو خمس وثلاثين ومئتين. يروي عنه:(ق).
وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ السَّلُولِيِّ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: إِنَّ الْوِتْرَ لَيْسَ بِحَتْمٍ وَلَا كَصَلَاتِكُمُ الْمَكْتُوبَةِ، وَلكِنْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَوْتَرَ ثُمَّ قَالَ: "يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ؛ أَوْتِرُوا؛
===
(ومحمد بن الصباح) بن سفيان الجرجرائي، صدوق، من العاشرة، مات سنة أربعين ومئتين (240 هـ). يروي عنه:(د ق).
كلاهما (قالا: حدثنا أبو بكر) محمد (بن عياش) بن سالم الأسدي الكوفي مشهور بكنيته، والأصح أنها اسمه، ثقة عابد، من السابعة، مات سنة أربع وتسعين ومئة، وقيل: قبل ذلك بسنة أو سنتين. يروي عنه: (ع).
(عن أبي إسحاق) السبيعي.
(عن عاصم بن ضمرة السلولي) الكوفي، صدوق، من الثالثة، مات دون المئة، سنة أربع وسبعين (74 هـ). يروي عنه:(عم).
(قال) عاصم: (قال) لنا (علي بن أبي طالب) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(إن الوتر ليس بحتم) أي: بلازم، قال في "النهاية": والحتم: اللازم الواجب الذي لا بد من فعله. انتهى، (ولا) شأنها (كـ) شأن (صلاتكم المكتوبة) أي: المفروضة في كُفر من جحد بوجوبها، وهو تفسير لما قبله، وفي رواية الترمذي:(ليس بحتم كصلاتكم المكتوبة) وهي أوضح، قال الخطابي: معنى هذا الكلام التحريض على الوتر والترغيب فيه. انتهى "عون".
(ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتر) وفي رواية الترمذي: (ولكن سن رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: جعله مسنونًا غير حتم، (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أهل القرآن) ويا حفاظه؛ (أوتروا) أي:
فَإِنَّ اللهَ وِتْر يُحِبُّ ألْوِتْرَ".
(97)
- 1145 - (3) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ،
===
افعلوا الوتر في الليل، قال الطيبي: يريد بالوتر في هذا الحديث قيام الليل؛ فإن الوتر يُطلق عليه كما يُفهم من الأحاديث، فلذلك خصَّ الخطاب بأهل القرآن. انتهى، والإضافة لأدنى ملابسة، أو المعنى: يا أيها المؤمنون به؛ فإن الأهلية عامة لمن آمن به سواء قرأ أم لم يقرأ، وإن كان الأكمل منهم من قرأ وحفظ وعلم وعمل شاملة ممن تولى قيام تلاوته ومراعاة حدوده وأحكامه، وقوله:"أوتروا" أمر بصلاة الوتر، وهو أن يصلي مثنى مثنى، ثم يصلي في آخرها ركعة مفردة، أو يضيفها إلى ما قبلها من الركعات، كذا في "النهاية".
(فإن الله وتر) قال في "النهاية": الوتر: الفرد، وتكسر واوه وتفتح؛ أي: فإن الله سبحانه واحد في ذاته لا يقبل الانقسام والتجزئة، واحد في صفاته فلا شبيه ولا مثيل له، واحد في أفعاله فلا شريك له ولا معين، (يحب الوتر) أي: يُثيب عليه ويقبله من عامله، قال القاضي: كل ما يُناسب الشيء أدنى مناسبة .. كان أحب إليه مما لم يكن له تلك المناسبة.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في كتاب الصلاة، باب استحباب الوتر (1416)، والترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء أن الوتر ليس بحتم (452)، والنسائي في كتاب قيام الليل، والدارمي وأحمد.
فدرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث خارجة بحديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(97)
- 1145 - (3)(حدثنا عثمان بن أبي شيبة) العبسي الكوفي،
حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ الْأَبَّارُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ اللهَ وِتْر يُحِبُّ الْوِتْرَ، فَأَوْتِرُوا يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ"،
===
ثقة، من العاشرة، مات سنة تسع وثلاثين ومئتين (239 هـ). يروي عنه:(خ م د س ق).
(حدثنا أبو حفص الأبَّار) -بموحدة- عمر بن عبد الرحمن بن قيس الكوفي نزيل بغداد، صدوق وكان يحفظ وقد عمي، من صغار الثامنة. يروي عنه:(د س ق).
(عن) سليمان (الأعمش) ثقة، من الخامسة، مات سنة سبع أو ثمان وأربعين ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن عمرو بن مرة) بن عبد الله بن طارق الجملي المرادي الكوفي الأعمى، ثقة عابد، من الخامسة، مات سنة ثماني عشرة ومئة (118 هـ)، وقيل قبلها. يروي عنه:(ع).
(عن أبي عبيدة) بن عبد الله بن مسعود مشهور بكنيته، والمشهور أنه لا اسم له غيرها، ويقال: اسمه عامر، كوفي، ثقة، من كبار الثالثة، والراجح أنه لا يصح سماعه من أبيه، مات قبل المئة بعد سنة ثمانين. يروي عنه:(ع).
(عن عبد الله بن مسعود) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة إلا أنه منقطع؛ لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه.
(عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله) عز وجل (وتر) أي: فرد في ذاته وصفاته وأفعاله، (يُحب الوتر) أي: يُثيب على صلاة الوتر، (فأوتروا) أي: افعلوا الوتر (يا أهل القرآن) قال الخطابي: تخصيص أهل القرآن بالأمر
فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: مَا يَقُولُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيْسَ لَكَ وَلَا لِأَصْحَابِكَ.
===
فيه يدل على أن الوتر ليس واجبًا، ولو كان واجبًا .. لكان عامًا، وأهل القرآن في عُرف الناس القُرَّاء والحُفَّاظ دون العوام، ويدل على ذلك قوله للأعرابي:"ليس لك ولا لأصحابك".
(فقال أعرابي) من الحاضرين (ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: (ليس) ذلك الوتر (لك ولا لأصحابك) أي: ولا لأمثالك من الأعراب، بل للحُفِّاظ والقراء، قال السندي: قوله: "ليس لك ولا لأصحابك" أي: ممن ليس باهل القرآن .. ظاهره الرفع لا الوقف، وهذا ينافي وجوب الوتر عمومًا أو استنانه إذا قلنا: المراد بالوتر في هذا الحديث صلاة الليل.
نعم؛ ينبغي أن تكون صلاة الليل مخصوصة بأهل القرآن، فيمكن أن يكون التأكيد في حقهم، ويكون في حق الغير ندبًا بلا تأكيد، والله أعلم. انتهى منه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في كتاب الصلاة (332)، باب استحباب الوتر.
فدرجة الحديث: أنه صحيح بما قبله، وإن كان سنده منقطعًا على الراجح.
* * *
وجملة ما ذكره في هذا الباب من الأحاديث: ثلاثة:
الأول للاستدلال، والأخيران للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم