المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(67) - (344) - باب ما جاء في صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه - شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه - جـ ٧

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌تَتِمَّة كتابُ الأذان (2)

- ‌(1) - (278) - بَابُ كَمْ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ الْمُسَافِرُ إِذَا أَقَامَ بِبَلْدَةٍ

- ‌(2) - (279) - بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ

- ‌فصل

- ‌(3) - (280) - بَابٌ: فِي فَرْضِ الْجُمُعَةِ

- ‌(4) - (281) - بَابٌ: فِي فَضْلِ الْجُمُعَةِ

- ‌(5) - (282) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ

- ‌(6) - (283) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ

- ‌(7) - (284) - بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّهْجِيرِ إِلَى الْجُمُعَةِ

- ‌(8) - (285) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الزِّينَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ

- ‌(9) - (286) - بَابُ مَا جَاءَ فِي وَقْتِ الْجُمُعَةِ

- ‌(10) - (287) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ

- ‌(11) - (288) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الاسْتِمَاعِ لِلْخُطْبَةِ وَالْإِنْصَاتِ لَهَا

- ‌(12) - (289) - بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ

- ‌(13) - (290) - بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ تَخَطِّي النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ

- ‌فائدة

- ‌(14) - (291) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْكَلَامِ بَعْدَ نُزُولِ الْإِمَامِ عَنِ الْمِنْبَرِ

- ‌(15) - (292) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ

- ‌(16) - (293) - بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً

- ‌(17) - (294) - بَابُ مَا جَاءَ فِي مِنْ أَيْنَ تُؤْتَى الْجُمُعَةُ

- ‌(18) - (295) - بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ

- ‌(19) - (296) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ

- ‌(20) - (297) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ

- ‌(21) - (298) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الحِلَقِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَالاحْتِبَاءِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ

- ‌(22) - (299) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْأَذَانِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ

- ‌تنبيه

- ‌(23) - (300) - بَابُ مَا جَاءَ فِي اسْتِقْبَالِ الْإِمَامِ وَهُوَ يَخْطُبُ

- ‌(24) - (301) - بَابُ مَا جَاءَ فِي السَّاعَةِ الَّتِي تُرْجَى فِي الْجُمُعَةِ

- ‌(25) - (302) - بَابُ مَا جَاءَ فِي ثِنْتَي عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنَ السُّنَّةِ

- ‌(26) - (303) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ

- ‌(27) - (304) - بَابُ مَا جَاءَ فِيمَا يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ

- ‌(28) - (305) - بَابُ مَا جَاءَ فِي: إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ .. فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ

- ‌(29) - (306) - بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ فَاتَتْهُ الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ مَتَى يَقْضِيهِمَا

- ‌فائدة

- ‌(30) - (307) - بَابٌ: فِي الْأَرْبَعِ الرَّكَعَاتِ قَبْلَ الظُّهْرِ

- ‌(31) - (308) - بَابُ مَنْ فَاتَتْهُ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ

- ‌(32) - (309) - بَابٌ: فِيمَنْ فَاتَتْهُ الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الظُّهْرِ

- ‌(33) - (310) - بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ صَلَّى قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا

- ‌(34) - (311) - بَابُ مَا جَاءَ فِيمَا يُسْتَحَبُّ مِنَ التَّطَوُّعِ بِالنَّهَارِ

- ‌(35) - (312) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ

- ‌(36) - (313) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الرَّكعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ

- ‌(37) - (314) - بَابُ مَا يُقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ

- ‌(38) - (315) - بَابُ مَا جَاءَ فِي السِّتِّ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْمَغْرِبِ

- ‌(39) - (316) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْوِتْرِ

- ‌(40) - (317) - بَابُ مَا جَاءَ فِيمَا يُقْرَأُ فِي الْوِتْرِ

- ‌(41) - (318) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْوِتْرِ بِرَكعَةٍ

- ‌(42) - (319) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ

- ‌(43) - (320) - بَابُ مَنْ كَانَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الْقُنُوتِ

- ‌(44) - (321) - بَابُ مَنْ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ

- ‌(45) - (322) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْقُنُوتِ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَبَعْدَهُ

- ‌فائدة

- ‌(46) - (323) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْوِتْرِ آخِرَ اللَّيْلِ

- ‌(47) - (324) - بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ نَامَ عَنِ الْوِتْرِ أَوْ نَسِيَهُ

- ‌(48) - (325) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْوِتْرِ بِثَلَاثٍ وَخَمْسٍ وَسَبْعٍ وَتِسْعٍ

- ‌(49) - (326) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْوِتْرِ فِي السَّفَرِ

- ‌(50) - (327) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ جَالِسًا

- ‌(51) - (328) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الضَّجْعَةِ بَعْدَ الْوِتْرِ وَبَعْدَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ

- ‌فائدة

- ‌(52) - (329) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْوِتْرِ عَلَى الرَّاحِلَةِ

- ‌(53) - (330) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْوِتْرِ أَوَّلَ اللَّيْلِ

- ‌(54) - (331) - بَابُ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ

- ‌(55) - (332) - بَابُ مَنْ صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا وَهُوَ سَاهٍ

- ‌(56) - (333) - بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ قَامَ مِنِ اثْنَتَيْنِ سَاهِيًا

- ‌(57) - (334) - بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَرَجَعَ إِلَى الْيَقِينِ

- ‌(58) - (335) - بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَتَحَرَّى الصَّوَابَ

- ‌(59) - (336) - بَابٌ: فِيمَنْ سَلَّمَ مِنْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ سَاهِيًا

- ‌(60) - (337) - بَابُ مَا جَاءَ فِي سَجْدَتَيِ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ

- ‌(61) - (338) - بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ سَجَدَهُمَا بَعْدَ السَّلَامِ

- ‌(62) - (339) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْبِنَاءِ عَلَى الصَّلَاةِ

- ‌(63) - (340) - بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ أَحْدَثَ فِي الصَّلَاةِ كَيْفَ يَنْصَرِفُ

- ‌(64) - (341) - بَابُ مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ الْمَرِيضِ

- ‌(65) - (342) - بَابٌ: فِي صَلَاةِ النَّافِلَةِ قَاعِدًا

- ‌(66) - (343) - بَابُ صَلَاةِ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ

- ‌(67) - (344) - بَابُ مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ

- ‌(68) - (345) - بَابُ مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَلْفَ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِهِ

- ‌(69) - (346) - بَابُ مَا جَاءَ فِي "إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ

- ‌(70) - (347) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْقُنُوتِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ

- ‌(71) - (348) - بَابُ مَا جَاءَ فِي قَتْلِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ فِي الصَّلَاةِ

- ‌(72) - (349) - بَابُ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ

- ‌(73) - (350) - بَابُ مَا جَاءَ فِي السَّاعَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ

- ‌(74) - (351) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي الصَّلَاةِ بِمَكَّةَ فِي كلِّ وَقْتٍ

- ‌(75) - (352) - بَابُ مَا جَاءَ إِذَا أَخَّرُوا الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا

الفصل: ‌(67) - (344) - باب ما جاء في صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه

(67) - (344) - بَابُ مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ

(157)

- 1205 - (1) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ ح وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ

===

(67)

- (344) - (باب ما جاء في صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه)

(157)

- 1205 - (1)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي.

(ووكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي.

(عن) سليمان (الأعمش) الكاهلي الكوفي.

(ح وحدثنا علي بن محمد) بن إسحاق الطنافسي الكوفي، ثقة عابد، من العاشرة، مات سنة ثلاث أو خمس وثلاثين ومئتين. يروي عنه:(ق).

(حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي الكوفي، ثقة فقيه، من الخامسة، مات سنة ست وتسعين (96 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن الأسود) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة مخضرم، من الثانية، مات سنة أربع أو خمس وسبعين. يروي عنه:(ع).

(عن عائشة) رضي الله تعالى عنها.

وهذان السندان من سداسياته، وحكمهما: الصحة؛ لأن رجالهما ثقات أثبات.

ص: 411

قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ - وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: لَمَّا ثَقُلَ - .. جَاءَ بِلَالٌ يُؤْذِنُهُ بالصَّلَاةِ فَقَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ"، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ؛ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ - تَعْنِي: رَقِيقٌ - وَمَتَى مَا يَقُومُ مَقَامَكَ .. يَبْكِي فَلَا يَسْتَطِيعُ، فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ، فَقَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ

===

(قالت) عائشة: (لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه) أي: بسببه، (وقال أبو معاوية) في روايته عن الأعمش بدل قول وكيع: لما مرض: (لما ثقل) رسول الله صلى الله عليه وسلم، واشتد مرضه حتى عجز عن الخروج إلى المسجد .. (جاء بلال) المؤذن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزله، حالة كون بلال (يؤذنه) صلى الله عليه وسلم من الإيذان؛ وهو الإعلام؛ أي: يعلمه ويخبره (بالصلاة) أي: بحضور وقتها، (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن عنده:(مروا أبا بكر) بالصلاة بالناس (فليصل بالناس). قالت عائشة: (قلنا) معاشر الحاضرين عنده لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله؛ إن أبا بكر رجل أسيف) أي: شديد الحزن رقيق القلب سريع البكاء (تعني) عائشة بقولهم: رجل أسيف: رجل (رقيق) القلب، (ومتى ما يقوم مقامك) أي: في مصلاك، ولفظة (ما) زائدة، ومتى شرطية مهملة عن عمل الجزم حملًا لها على إذا الشرطية؛ كما يجزم بإذا حملًا لها على متي، وفي بعض النسخ: متى (ما يقم بالجزم) على الأصل الذي هو إعمالها .. (يبكي) كثيرًا (فلا يستطيع) أن يقرأ، (فلو أمرت) يا رسول الله (عمر) بن الخطاب بالصلاة بالناس، (فصلى) عمر (بالناس) .. لكان خيرًا.

(فقال) لنا رسول الله: (مروا) أيها الحاضرون (أبا بكر) بالصلاة بالناس

ص: 412

فَلْيُصَلِّ بالنَّاسِ؛ فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبَاتُ يُوسُفَ"، قَالَتْ: فَأَرْسَلْنَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَصَلَّى بَالنَّاسِ، فَوَجَدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَرِجْلَاهُ تَخُطَّانِ فِي الْأَرْضِ،

===

(فليصل) أبو بكر (بالناس؛ فإنكن) أيها الحاضرات عندي - يعني: عائشة ومن معها من النساء - (صواحبات يوسف) الصديق؛ أي: في إظهار خلاف ما يُبطن، وفي كثرة الإلحاح في غير الصواب، وأراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:"إنكن" عائشة؛ فإنها أظهرت أن سبب إرادتها صرف الإمامة عن الصديق؛ لكونه لا يُسمِع المأمومين القراءةَ لبكائه، ومرادها زيادة على ذلك؛ وهو إلا يتشاءم الناس به، وأراد بقوله:"صواحبات يوسف" زليخا امرأة العزيز، حيث قالت لزوجها: ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا، ففي الكلام تشبيه بليغ.

(قالت) عائشة: (فأرسلنا إلى أبي بكر) وهو في المسجد بأن الرسول يأمرك بالصلاة بالناس، (فصلى) أبو بكر (بالناس) أي: شرع في الصلاة بهم، (فـ) بعدما شرع أبو بكر في الصلاة بالناس واستمر إمامًا تلك المدة .. (وجد) أي: عرف (رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة) مرض، قوله:(فوجد) عطف على مقدر؛ تقديره: فاستمر أبو بكر إمامًا للناس أيامًا قلائل، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة مرض.

(فخرج إلى) المسجد لـ (الصلاة) حالة كونه (يهادى) بالبناء للمفعول؛ أي: يمشى (بين رجلين) أحدهما العباس والآخر علي؛ أي: يمشي بينهما معتمدًا عليهما من شدة التمايل والضعف، (ورجلاه) أي: والحال أن رجليه (تخطان في الأرض) أي: يجرهما على الأرض من عدم القوة فيظهر أثرهما في الأرض.

ص: 413

فَلَمَّا أَحَسَّ بِهِ أَبُو بَكْرٍ .. ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَنْ مَكَانَكَ، قَالَ: فَجَاءَ حَتَّى أَجْلَسَاهُ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْتَمُّ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ يَأْتَمُّونَ بِأَبِي بَكْرٍ.

===

(فلما أحس) وعلم (به) أي: بحضوره صلى الله عليه وسلم (أبو بكر .. ذهب) وقصد (ليتأخر) أي: أراد أن يتأخر عن مقامه إلى الصف، (فأومأ) بهمزة في آخره؛ أي: أشار (إليه) أي: إلى أبي بكر (النبي صلى الله عليه وسلم: أن مكانك) أي: أن اثبت في مكانك ولا تتأخر عنه، (قال) الراوي - وهو عائشة -:(فجاء) النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد؛ أي: جاءا به إلى المسجد (حتى أجلساه) أي: أجلس الرجلان النبي صلى الله عليه وسلم (إلى جنب أبي بكر) أي: إلى جانبه، (فكان أبو بكر يأتم) ويقتدي (بالنبي صلى الله عليه وسلم ويتبع أفعاله، (والناس يأتمون) أي: يقتدون (بأبي بكر) أي: يتبعون أفعاله وأقواله؛ كأنه مبلغ عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال السندي: ظاهر هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إمامًا، وقد جاء خلافه أيضًا، وبسبب التعارض في روايات هذا الحديث سقط استدلال من استدل به على نسخ حديث:"وإذا صلى جالسًا .. فصلوا جلوسًا".

وبالجملة: فإن حُمل هذا على ظاهره .. يُحمل قولها: (والناس يأتمون بأبي بكر) على أنه كان يُسمعهم التكبير، وإلا .. يؤول بأن المراد أنه كان يُراعي في الصلاة حاله صلى الله عليه وسلم في القيام والركوع، فكأنه كان مقتديًا به، وهذا كما جاء ليقتدي؛ أي: الإمام بأضعفهم، ولا يلزم أن تكون تلك الصلاة كانت بإمامين، وبهذا التأويل يظهر التوفيق بين هذا الحديث وحديث أن أبا بكر كان هو الإمام، وأيضًا يندفع التعارض بينه وبين حديث:

ص: 414

(158)

- 1206 - (2) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصلِّيَ

===

"وإذا صلى جالسًا .. فصلوا جلوسًا"، ويبطل قول من يقول بالنسخ، وإن كان عليه الجمهور. انتهى منه.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري بنحوه في كتاب الأذان، باب حد المريض أن يشهد الجماعة، باب الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس به، ومسلم في كتاب الصلاة، باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر، والترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء إذا صلى الإمام قاعدًا فصاروا قعودًا، والنسائي في كتاب الإمامة، باب الائتمام بمن يأتم بالإمام، ومالك في "الموطأ".

فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.

* * *

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث آخر لها رضي الله تعالى عنها، فقال:

(158)

- 1206 - (2)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي، ثقة، من التاسعة، مات سنة تسع وتسعين ومئة (199 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير.

(عن عائشة) رضي الله تعالى عنها.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله من الثقات.

(قالت) عائشة: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يصلي

ص: 415

بِالنَّاسِ فِي مَرَضِهِ، فَكَانَ يُصَلِّي بِهِمْ، فَوَجَدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خِفَّة فَخَرَجَ، وَإذَا أَبُو بَكْرِ يَؤُمُّ النَّاسَ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرِ .. اسْتَأْخَرَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ أَي: كَمَا أَنْتَ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِذَاءَ أَبِي بَكْرٍ إِلَى جَنْبِهِ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ.

===

بالناس) إمامًا لهم (في مرضه) الذي مات به، (فكان) أبو بكر (يصلي بهم) أي: بالناس أيامًا قلائل، (فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا من تلك الأيام من نفسه (خفة) مرض، (فخرج) رسول الله صلى الله عليه وسلم من منزله إلى المسجد، (وإذا أبو بكر يؤم الناس) أي: يصلي بهم إمامًا لهم؛ أي: وفاجأه إمامة أبي بكر بالناس، (فلما رآه أبو بكر) أي: فلما رأى أبو بكر النبي صلى الله عليه وسلم قد جاء .. (استأخر) أبو بكر؛ أي: تأخر من مقامه إلى الصف؛ أي: قصد المتأخر ليصلي النبي صلى الله عليه وسلم بالناس.

(فأشار إليه) أي: إلى أبي بكر (رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي) بأن كن (كما أنت) أي: على ما كنت عليه أولًا؛ أي: كن في حلاتك على ما أنت عليه في الحال من الثبوت في هذا المكان ولا تتأخر عن مكانك، (فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم حذاء أبي بكر) أي: مقابله وعلى سمته (إلى جنبه) أي: في جانبه لَمْ يتقدم عليه ولم يتأخر عنه، (فكان أبو بكر) رضي الله عنه (يصلي) مؤتمًا ومتبعًا (بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس يصلون) مؤتمين ومقتديين (بصلاة أبي بكر) الصديق.

قال في "الفتح": تضافرت الروايات عن عائشة بالجزم بما يدلُّ على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الإمام في تلك الصلاة، ثم قال بعد أن ذكر الاختلاف: فمن العلماء من سلك الترجيح، فقدم الرواية التي فيها أن أبا بكر

ص: 416

(159)

- 1207 - (3) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دَاوُودَ

===

كان مأمومًا؛ للجزم بها في رواية أبي معاوية، وهو أحفظ في حديث الأعمش من غيره، ومنهم من عكس ذلك، فقدم الرواية التي فيها أنه كان إمامًا، ومنهم من سلك الجمع، فحمل القصة على التعدد، والظاهر من رواية حديث الباب المتفق عليها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إمامًا وأبو بكر مؤتمًا؛ لأن الاقتداء المذكور المراد به الائتمام، ويؤيد ذلك رواية مسلم بلفظ:(وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس، وأبو بكر يُسمعهم التكبير). انتهى من "تحفة الأحوذي".

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الأذان، باب من قام إلى جنب الإمام لعلة، ومسلم في كتاب الصلاة، باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما من يصلي بالناس.

فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه بسوقه: الاستشهاد به.

* * *

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عائشة الأول بحديث سالم بن عبيد رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(159)

- 1207 - (3)(حدثنا نصر بن علي) بن نصر بن صهبان الأزدي (الجهضمي) البصري، ثقة ثبت، من العاشرة، مات سنة خمسين ومئتين، أو بعدها. يروي عنه:(ع).

(أنبأنا عبد الله بن داوود) بن عامر الهمداني أبو عبد الرَّحمن الخُريبي - بمعجمة وموحدة مصغرًا - كوفي الأصل، ثقة عابد، من التاسعة، مات سنة

ص: 417

مِنْ كِتَابِهِ فِي بَيْتِهِ، قَالَ: سَلَمَةُ بْنُ نُبَيْطٍ أَنْبَأَنَا عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ نُبَيْطِ بْنِ شَرِيطٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: أُغْمِيَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ:

===

ثلاث عشرة ومئتين (213 هـ)، وله سبع وثمانون سنة، أمسك عن الرواية قبل موته، فلذلك لَمْ يسمع منه البخاري، بل روى عنه بواسطة. يروي عنه:(خ عم).

أي: قال نصر بن علي: أنبأنا عبد الله (من كتابه) لا من حفظه، حالة كون عبد الله (في بيته) لا في نحو المسجد.

(قال) عبد الله لنا حين حدّث لنا هذا الحديث (سلمة بن نُبيط) - مصغرًا - مبتدأ خبره: (أنبأنا) أي: أنبأنا سلمة بن نُبيط - بنون وموحدة مصغرًا كما مر آنفًا - ابن شريط -بفتح المعجمة - الأشجعي أبو فراس الكوفي، ثقة يقال: اختلط، من الخامسة. يروي عنه:(د س ق).

(عن نعيم بن أبي هند) النعمان بن أشيم الأشجعي، ثقة رُمي بالنصب، من الرابعة، مات سنة عشر ومئة (110 هـ). يروي عنه:(م ت س ق).

(عن نبيط) مصغرًا (ابن شريط) -بفتح المعجمة- الأشجعي الكوفي صحابي صغير يكنى أبا سلمة رضي الله عنه. يروي عنه: (د س ق).

(عن سالم بن عبيد) - مصغرًا - الأشجعي، صحابي من أهل الصُّفة. يروي عنه:(عم).

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات، ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي.

(قال) سالم بن عبيد: (أُغمي) أي: غُشي (على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه) الذي مات به، (ثم أفاق) وصحا من إغمائه، (فقال) لمن

ص: 418

"أَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ؟ "، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ:"مُرُوا بِلَالا فَلْيُؤَذِّنْ، وَمُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ"، ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَأَفَاقَ، فَقَالَ:"أَحَضَرَتِ الصلَاةُ؟ "، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ:"مُرُوا بِلَالا فَلْيُؤَذِّنْ، وَمُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ"، ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَأَفَاقَ، فَقَالَ:"أَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ؟ "، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ:"مُرُوا بِلَالًا فَلْيُؤَذِّنْ، وَمُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَل بِالنَّاسِ"، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ أَبِي رَجُلٌ أَسِيفٌ، فَإِذَا قَامَ ذَلِكَ الْمَقَامَ .. يَبْكِي لَا يَسْتَطِيعُ، فَلَوْ أَمَرْتَ غَيْرَهُ، ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَأَفَاقَ فَقَالَ: "مُرُوا بِلَالا فَلْيُؤَذِّنْ، وَمُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ؛ فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ،

===

عنده: (أحضرت الصلاة؟ ) أي: هل دخل وقتها، ولعلها الظهر؟ (قالوا) له:(نعم) حضرت الصلاة، (قال) لمن عنده:(مروا بلالًا) بالأذان (فليؤذن، ومروا أبا بكر) أيضًا بصلاته بالناس (فليصل بالناس، ثم أُغمي عليه) ثانيًا. (فأفاق) من إغمائه (فقال: أحضرت الصلاة؟ قالوا: نعم، قال) ثانيًا: (مروا بلالًا) بالأذان (فليؤذن، ومروا أبا بكر) بالصلاة بالناس (فليصل بالناس، ثم أُغمي عليه) ثالثًا (فأفاق، فقال: أحضرت الصلاة؟ قالوا: نعم، قال: مروا بلالًا) بالأذان (فليؤذن، ومروا أبا بكر فليصل بالناس، فقالت عائشة) في المرة الثالثة: (إن أبي رجل أسيف) أي: شديد الحزن رقيق القلب، (فإذا قام ذلك المقام) الذي أنت تصلي فيه بالناس - تعني: محرابه صلى الله عليه وسلم (يبكي) و (لا يستطيع) أن يقرأ، (فلو أمرت غبره) أي: غير أبي بالصلاة بالناس .. لكان أحسن وأصلح للإمامة.

(ثم أُغمي عليه) مرّة رابعة، (فأفاق) أي: صحا من إغمائه، (فقال: مروا بلالًا فليؤذن، ومروا أبا بكر فليصل بالناس؛ فإنكن) أيَّتُها الحاضرات، ومراده بهن عائشة تغليبًا لها على غيرها (صواحب يوسف) أي: كصواحب

ص: 419

أَوْ صَوَاحِبَاتُ يُوسُفَ"، قَالَ: فَأُمِرَ بِلَالٌ فَأَذَّنَ، وَأُمِرَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى بِالنَّاسِ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَجَدَ خِفَّةً فَقَالَ: "انْظُرُوا لِي مَنْ أَتَّكِئُ عَلَيْهِ"، فَجَاءَتْ بَرِيرَةُ وَرَجُلٌ آخَرُ فَاتَّكَأَ عَلَيْهِمَا، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ .. ذَهَبَ لِيَنْكُصَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ: أَنِ اثْبُتْ مَكَانَكَ، ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى قَضَى أَبُو بَكْرٍ صَلَاتَهُ، ثُمَّ

===

يوسف، وفي الكلام تشبيه بليغ، كما مر، جمع صاحبة جمع تكسير، (أو) قال شك من الراوي: إنكن (صواحبات يوسف) جمع صاحبة جمع مؤنث سالمًا.

(قال) الراوي سالم بن عبيد: (فأمر بلال) في المرة الرابعة (فأذن، وأمر أبو بكر، فصلى بالناس، ثم) بعد أيام قلائل (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد) من نفسه (خفة) مرض، (فقال: انظروا) أي: اطلبوا (لي) أيها الحاضرون (من أتكئ) وأعتمد (عليه) ويمسكني؛ فإني أريد الخروج إلى المسجد لأصلي مع الناس، (فجاءت بريرة) مولاة عائشة، كأنها جاءت أولًا وحضرت لتعين له، وجاء رجل آخر. انتهى سندي (ورجل آخر) لَمْ يبين الراوي اسمه، (فاتكأ عليهما) بيمينه وشماله، فخرج إلى المسجد.

(فلما رآه) أي: فلما رأى (أبو بكر) النبي صلى الله عليه وسلم .. (ذهب) أي: قصد أبو بكر (لينكص) أي: ليرجع إلى ورائه؛ من نكص على عقبيه من بابي نصر وضرب، (فأومأ) أي: أشار النبي صلى الله عليه وسلم (إليه) أي: إلى أبي بكر بـ (أن اثبت مكانك) أي: في مكانك يا أبا بكر، (ثم) بعد اتكائه عليهما (جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ومشى إلى قبالة المسجد (حتى) وصل إلى مصلاه، "فـ (جلس إلى جنب أبي بكر) ليصلي معهم، فاستمر معهم في الصلاة (حتى قضى أبو بكر صلاته) بالناس، (ثم)

ص: 420

إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قُبِضَ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ غَيْرُ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ.

===

بعد الصلاة معهم (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع إلى حجرة عائشة رضي الله تعالى عنها، واشتد به المرض فـ (قُبض) روحه الشريف بعد أيام قلائل.

(قال) المؤلف: (أبو عبد الله) محمد بن يزيد ابن ماجة رحمه الله تعالى: (هذا) الحديث (حديث غريب) تفرد به راويه؛ لأنه (لَمْ يُحدّث به) من الحفاظ (غير نصر بن علي) الجهضمي، ولكنه صحيح لصحة سنده.

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجة، ولكن رواه الترمذي في "الشمائل" عن نصر بن علي به (ص 337)، رقم (397)(55)، باب ما جاء في وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه النسائي عن قتيبة بن سعيد عن حميد بن عبد الرَّحمن عن مسلمة بن نبيط به، قال المزي في "الأطراف": حديث النسائي في رواية أبي علي السيوطي عنه، ولم يذكره أبو القاسم، وكذلك جميع كتب الوفاة، ولم أره في كتاب النسائي"الصغرى"، ورواه عبد بن حميد في "مسنده"، ورواه ابن خزيمة في "صحيحه"، وله شاهد في "الصحيحين" وغيرهما من حديث عائشة، وفيه:(فخرج يُهادى بين رجلين أحدهما العباس).

فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح؛ لصحة سنده ولأنه له شواهد، كما ذكرنا آنفًا، وغرضه: بسوقه الاستشهاد به لحديث عائشة الأول.

* * *

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث عائشة الأول بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهم، فقال:

ص: 421

(160)

- 1208 - (4) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْأَرْقَمِ بْنِ شُرَحْبيلَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَضَهُ الَّذِي

===

(160)

- 1208 - (4)(حدثنا علي بن محمد) بن إسحاق الطنافسي الكوفي، ثقة عابد، من العاشرة، مات سنة ثلاث أو خمس وثلاثين ومئتين. روى عنه:(ق).

(حدثنا وكيع) بن الجراح، ثقة، من التاسعة، مات في آخر سنة ست أو أول سنة سبع وتسعين ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق الهمداني السبيعي أبو يوسف الكوفي، ثقة، من السابعة، مات سنة ستين أو إحدى أو اثنتين وستين ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن أبي إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله الكوفي، ثقة، من الثالثة، ولكن اختلط بآخر عمره وكان مدلسًا، مات سنة تسع وعشرين ومئة، وقيل قبل ذلك. يروي عنه:(ع)، وقد رواه بالعنعنة، قال البخاري: لَمْ يذكر أبو إسحاق سماعًا من أرقم بن شرحبيل. انتهى "سندي".

(عن الأرقم بن شرحبيل) الأودي الكوفي، ثقة، من الثالثة، وهو غير أرقم بن أبي الأرقم المترجم له في "الإصابة". يروي عنه:(ق).

(عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه أبا إسحاق، وهو مدلس اختلط في آخره فروى بالعنعنة، وباقي رجاله ثقات.

(قال) ابن عباس: (لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضه الذي

ص: 422

مَاتَ فِيهِ .. كَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ فَقَالَ: "ادْعُوا لِي عَلِيًّا"، قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ نَدْعُو لَكَ أَبَا بَكْرٍ، قَالَ:"ادْعُوهُ"، قَالَتْ حَفْصَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ نَدْعُو لَكَ عُمَرَ، قَالَ:"ادْعُوهُ"، قَالَتْ أُمُّ الْفَضْلِ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ نَدْعُو لَكَ الْعَبَّاسَ، قَالَ:"نَعَمْ"، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا .. رَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ فَسَكَتَ، فَقَالَ عُمَرُ: قُومُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم،

===

مات فيه) أي: بسببه .. (كان في بيت عائشة) رضي الله تعالى عنها بعدما أَذِنَ له أزواجه.

(فقال) لمن عنده لما اشتد به مرضه: (ادعوا لي علي) بن أبي طالب، فـ (قالت عائشة) له:(يا رسول الله؛ ندعو لك أبا بكر؟ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ادعوه) أي: ادعوا لي أبا بكر، (قالت حفصة) بنت عمر رضي الله تعالى عنها:(يا رسول الله؛ ندعو لك عمر؟ ) فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ادعوه) أي: فادعوا عمر، (قالت أم الفضل) ابن عباس زوجة العباس، اسمها لبابة بنت الحارث بن حزن الهلالية، أخت ميمونة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم:(يا رسول الله؛ ندعو لك العباس) بن عبد المطلب عمك؟ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لها: (نعم) ادعوا لي العباس.

(فلما اجتمعوا) عنده صلى الله عليه وسلم هؤلاء الثلاثة أبو بكر وعمر والعباس .. (رفع) رسول الله صلى الله عليه وسلم (رأسه) من الأرض، (فنظر) إليهم (فسكت) رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلام.

(فقال عمر) للحاضرين: (قوموا عن رسول الله صلدى الله عليه وسلم) وتأخروا عنه.

ص: 423

ثُمَّ جَاءَ بِلَالٌ يُؤْذِنُهُ بالصلَاةِ، فَقَالَ:"مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ"، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا بَكْر رَجُلٌ رَقِيقٌ حَصِرٌ، وَمَتَى لَا يَرَاكَ .. يَبْكِي وَالنَّاسُ يَبْكُونَ، فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى بِالنَّاسِ، فَوَجَدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَرِجْلَاهُ تَخُطَّانِ فِي الْأَرْضِ، فَلَمَّا رَآهُ النَّاسُ .. سَبَّحُوا بِأَبِي بَكْرٍ، فَذَهَبَ لِيَسْتَأْخِرَ،

===

(ثم جاء بلال) حالة كونه (يؤذنه صلى الله عليه وسلم (بـ) إقامة (الصلاة، فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مروا أبا بكر فليصل بالناس، فقالت عائشة: با رسول الله؛ إن أبا بكر رجل رقيق) القلب؛ أي: لينه (حصر) أي: ضائق الصدر عن القراءة عندما فقدك -بفتح الحاء وكسر الصاد- أي: لا يقدر على القراءة في تلك الحالة، وكل من لا يقدر على شيء .. فقد حُصر ومُنع منه، ولهذا قيل: حصر عن القراءة نظير حصر المحرم من الحرم، (ومتى لا يراك) معه .. (يبكي، والناس يبكون) بسبب بكائه، (فلو أمرت عمر) أن (يصلي بالناس، فخرج أبو بكر) إلى المسجد (فصلى بالناس).

(فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة) مرض، (فخرج) إلى المسجد (يُهادى) أي: يُمشى (بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض) أي: تسحبان فيها وتجران.

(فلما رآه الناس) أي: رأى الناس المصلون مع أبي بكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حضر .. (سبحوا) أي: قالوا: سبحان الله؛ إعلامًا (بأبي بكر) حضور النبي صلى الله عليه وسلم.

(فذهب) أي: قصد أبو بكر (ليستأخر) أي: ليتأخر عن مكانه إلى ورائه،

ص: 424

فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؛ أَيْ: مَكَانَكَ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَجَلَسَ عَنْ يَمِينِهِ وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْتَمُّ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ يَأْتَمُّونَ بِأَبِي بَكْرٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْقِرَاءَةِ مِنْ حَيْثُ كَانَ بَلَغَ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ وَكِيعٌ: وَكَذَا السُّنَّةُ، قَالَ: فَمَاتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ ذَلِكَ.

===

(فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم، أي: مكانك، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن يمينه، وقام أبو بكر، فكان أبو بكر يأتم بالنبي صلى الله عليه وسلم، والناس يأتمون) أي: يقتدون (بأبي بكر، قال ابن عباس: وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: بدأ (من القراءة من حيث) أي من المحل الذي (كان) أي: أبو بكر (بلغ) أي: وصل إليه عندما جلس النبي صلى الله عليه وسلم جنبه؛ أي: بدأ من المحل الذي وصل إليه (أبو بكر) عند جلوسه جنبه.

(قال وكيع: وكذا السنة) في القراءة؛ أي: ومثل ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في قراءة أبي بكر السنة؛ أي: الطريقة؛ أي: والمستخلف إذا جاء بعد طهارته وقد استخلف أولًا يبدأ القراءة في الصلاة من المحل الذي وصل إليه الخليفة عند رجوعه في الطريقة الشرعية، (قال) ابن عباس رضي الله تعالى عنهما:(فمات رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه ذلك) أي: لَمْ يبرأ منه حتى تسبب ذلك المرض في موته، والله أعلم.

قلت: فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح المتن، حسن السند، وإن انفرد به ابن ماجة؛ لأن له شواهد؛ فقد رواه أحمد في "مسنده" من حديث ابن عباس، ورواه أبو بكر بن أبي شيبة في "مسنده"، ورواه ابن حبان في "صحيحه" عن

ص: 425

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

الحسن بن سفيان، وأصله في "الصحيحين" من حديث عبيد الله بن عبد الله، وغرضه: الاستشهاد به.

* * *

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: أربعة أحاديث:

الأول للاستدلال، والبواقي للاستشهاد.

والله سبحانه وتعالى أعلم

ص: 426