الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الطيبي: اللائق في الإيتاء بهذا الضمير المنفصل أن يكون بصفة المرفوع المنفصل فيقال: وأنت يا رسول الله؟ فيقول صلى الله عليه وسلم: وأنا. ولكن إقامة كلّ واحد من ضميري المرفوع والمنصوب المنفصلين مقام الآخر سائغ، فمن الأول قوله صلى الله عليه وسلم:(من خرج إلى تسبيح الضحى لا يُنْهِضُهُ إيّاه) والقياس: إلاّ هو. ومن الثاني قوله صلى الله عليه وسلم، في حديث الوسيلة:(وأرجو أن أكون أنا هو) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إلاّ أنّ الله أعانني فأسلم)، يروى بالرفع على المضارع، وبالفتح على الماضي.
711 - حديث "يا معشرَ الشّباب من استطاع منكم الباءة فلْيتزوجْ، فإنّه أغضُّ للبصر، وأحصنُ للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصّوم
".
قال الزركشي: قيل إنه من أمر الغائب. وسهله تقدم المغرَى به في قوله: (من استطاع منكم) فأشبه إغراء الحاضر.
وقال ابن عصفور: الباء زائدة في المبتدأ، ومعناه الخبر لا الأمر، أي: وإلا فعليه الصوم. وقيل: هو من أمر الحاضر المخاطب، والمعنى: دلّوه على الصوم، أي: أشيروا عليه بالصوم. انتهى.
وقال الأندلسي في "شرح المفصل": الإغراء لا يكون إلا للمخاطب بأن يقام بعض الظروف مقام الأمر للمخاطب خاصة. لكونه أخص، فإنه يكون بغير لام، وأمر غيره من الغائب والمتكلم يحتاج إلى اللام فيه، فلا يقام الظرف مقام شيئين: أعني اللام والفعل على أنه قد جاء: (فإن لم يستطع فعليه بالصوم). وإنما حسن في هذا الحديث لتقدم الخطاب في أول الحديث (عليكم بالباءة) فكأنه قال: (فمن لم يستطع منكم)، فالغائب في الخبر في معنى المخاطب.
وقال في موضع آخر: الإغراء إنما يكون مع الخطاب، فلا يجوز: عليه زيدًا. فأما ما يحكى عن بعض العرب: عليه رجلاً ليسني. فشاذ، وأما: فعليه بالصوم، فلأن المعنيّ بعض المخاطبين، من كان ترك الاستطاعة لا يعمّهم، ومنهم مستطيع وغير مستطيع، فلم يمكن الخطاب بالإغراء، فأغرى الذي لا يستطيع، ودله على الصوم، بلفظ الغيبة ليكسر منه دواعي الجماع فكأنه في موضع: فمن لم يستطع فدلوه على الصوم.
وقال في موضع آخر: قوله عليه السلام: فعليه بالصوم، أسهل من قولهم: عليه رجلاً ليسني، لأنه قد جرى للمأمور ذكر، فصار بالذكر الذي جرى له كالحاضر، فأشبه أمره كأمر الحاضر انتهى.
وقال المازري في "شرح مسلم": فيه إغراء بالغائب. ومن أصول النحاة أن لا يغرى بغائب، وقد جاء شاذًّا قول بعضهم كعليه رجلاً ليسني، على جهة الإغراء.
وقال القاضي عياض بعد أن حكاه: هذا الكلام سبقه إليه غيره، ولكن على قائليه فيه أغاليط، أحدها: قولهم: وهو لفظ أبي محمد بن قتيبة وأبي القاسم الزّجّاجي، وصوابه: لا يجوز إغراء الغائب، أو لا يغرى غائب، فأما الإغراء بالشاهد والغائب فجائز، وهكذا نصّ أبو عبيدة في هذا الحديث، وكذلك كلام سيبويه وما بعده ممن إليه هذا الشأن.
قالوا: وإنما يؤمر بمثل هذا الحاضر والمخاطب، ولا يجوز: دونه زيدًا ولا: عليه زيدًا، وأنت تريد غير المخاطب، لأنه ليس بفعل، ولا تصرّف تصرّفه، وإنما جاز للحاضر لما فيه من معنى الفعل ودلالة الحال، فأما الغائب فلا يوجد ذلك فيه لعدم حضوره، وعدم معرفته بالحالة الدالة على المراد. وثانيها: عدّ قولهم: عليه رجلاً ليسنى. من إغراء الغائب، وقد جعله سيبويه والسّيرافي منه، ورأوه شاذًا.
قال القاضي: والذي عندي أنه ليس المراد بها حقيقة الإغراء، وإن كانت صورته، فلم يرد هذا القائل تبليغ هذا الغائب، ولا أمره بإلزام غيره. وإنما أراد الإخبار عن نفسه بقلة مبالاته بالغائب، وأنه غير متأت (له منه) ما يريد، فجاء بهذه الصورة تدل على ذلك. ونحوه قولهم: إليك عني. أي: اجعل شغلك بنفسك عني. ولم يرد أن يغريه به، وإنما مراده، دعني وكن كمن شغل عني.
وثالثها: عدّهم هذه اللفظة في الحديث من إغراء الغائب، والصواب أنه ليس في هذا الحديث إغراء الغائب جملة، والكلام كله والخطاب للحضور الذين خاطبهم صلى الله عليه وسلم بقوله: (من استطاع منكم الباءة
…
) فالهاء هنا ليست للغائب، وإنما هي لمن خصّ من