الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الأندلسي في "شرح المفصل": للعرب في مثل هذا وجهان: منهم من يضعف، فيقول: صباح مساء، ويوم يوم، ومنهم من يبنيهما لتضمنها الحرف، ولا يبني إلا ما دام ظرفًا، فإن قلت: أتيتك في كل صباح ومساء، لم يجز غير الإضافة، لأنه ليس بظرف ولا حال، والأصل فيه الإضافة، ولذلك يظهر الجر في بعض اللغات، قال الشاعر:
ولولا يومُ يومٍ ما أردنا
…
جزاءَك والقروضُ لها جزاءُ
وذكر بعض النحويين: ما لقيته يومُ يومُ، بالضم فيهما وهو نادر شاذ، جعل يوم الأول بمعنى مدة، وبنى الثاني لقطعه عن الإضافة مثل قبل وبعد، وبنى الأول حيث فعله بمنزلة منذ.
ولا يقال: ما رأيته شهر شهر، وإنما هذا في اليوم لأنه عامّ يستعمل في الأوقات كلها، لأنه في معنى الوقت. انتهى.
مسند النواس بن سمعان رضي الله عنه
932 - حديث: "غيرُ الدجال أخوفُني عليكم
".
قال: سئل الشيخ جمال الدين بن مالك عن هذا الحديث، فأجاب: الكلام على
لفظه ومعناه، أما لفظه فلتضمنه إضافة (أخوف) إلى ياء المتكلم مقرونة بنون الوقاية، وهو إنما يعتاد من الفعل المتعدي، لأن هذه النون تصون الفعل من محذورات، لأن لأفعل التفضيل شبهًا بالفعل، وخصوصًا بفعل التعجب، فجاز أن تدخله النون المذكورة، كما لحقت اسم الفاعل في قوله:
أمُسْلِمُني إلى قومي شَراحي
هذا أجود ما يقال في هذا اللفظ عندي.
ويجوز أن يكون الأصل في (أخوفني عليكم)، أخوف لي. ثم أبدلت اللام نونًا كما أبدلت في (لعل) و (علَّ) فقيل: لعنَّ، وعنَّ، وفي رفنّ بمعنى رفل، وهو الفرس الطويل الذنب.
قلت: يؤيد هذا ما أخرجه أحمد عن أبي داود قال: (بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذ قام أعرابي فقال: يا رسول الله، أكلتنا الضبع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غير ذلك أخوف لي عليكم، حين تصب عليكم الدنيا صبًّا).
ثم قال: وأما معناه فأظهر الاحتمالات فيه أن يكون (أخوف) من أفعل التفضيل
المصوغ من فعل المفعول كقولهم: (أشغل من ذات النِّحْيَيْن) و (أزهى من ديك)، وأعنى بحاجتك، و (أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون)، فكلها مأخوذة من فعل المفعول فالمعنى عليه، فمعنى (أخوف ما أخاف على أمتي الأشياء التي أخافها على أمتي أحقها بأن يُخاف الأئمة المضلون، فتوجيه الحديث بجعله من هذا القبيل، بأن يكون تقديره: غير الدجال أخوف مخافتي عليكم، ثم حذف المضاف إلى الياء، فاتصل بها (أخوف) معمودة بالنون على ما تقرر.
ويحتمل أن يكون (أخوف) من أخاف بمعنى خوَّف، ولا يمنع من ذلك كونه غير ثلاثي، فإنه على أفعل، ولا فرق عند سيبويه بين الثلاثي والذي على وزن أفعل في التعجب والتفضيل، صرح بذلك في مواضع من كتابه. فيكون (أخوف) المذكور من (أخاف). والمعنى: غير الدجال أشد موجبات خوفي عليكم، ثم اتصل بالياء معمودة بالنون على ما تقرر.
ويحتمل أن يكون من باب وصف المعاني بما يوصف به الأعيان على سبيل المبالغة، كقولهم في الشعر الموصوف بالجزالة، وكمال الفصاحة: شعر شاعر، ثم يفضل شعر على شعر بذلك المعنى،، فيقال: هذا الشعر أشعر من هذا. وكذلك يقال: موت مائت، وعجب عاجب، وخوف خائف، وسعي رابح، وتجارة رابحة، وعمل خاسر. ثم يقال: خوف فلان أخوف من خوفك، وهذا العجب أعجب من ذلك.
ومنه قول الشاعر:
يداك يدٌ خيرُها يرتجى
…
وأخرى لأعدائها غائظهْ
فأما التي يرتجى خيرُها
…
فأجودُ جودًا من اللافِظَهْ
وأما التي يتقى شرُّها
…
فنفسُ العدوِّ بها غائظَهْ
فنصب (جودًا) بأجود على التمييز، وذلك موجبٌ لكونه فاعلاً معنى؛ لأن كل منصوب على التمييز بأفعل التفضيل فاعل في المعنى، ونصبه علامة على فاعليته، وجرّه علامة على أنَّ أفعل بعض منه؛ ولهذا إذا قلت: زيد أحسن عبدًا، كان معناه: الإعلام بأن عبده فاق عبيد غيره في الحسن. وإذا قلت: أحسن عبدٍ – بالجر – كان معناه: الإعلام بأن زيدًا بعض العبيد الحسان، وأنه أحسنهم.
وإذا ثبت ذلك فحمل الحديث على هذا المعنى يوجب أن يكون تقديره: (خوفُ غير الدجال أخوف خوفي عليكم)، ثم حذف المضاف إلى (غير)، وأقيم هو مقام المحذوف، وحذف (خوف) المضاف إلى الياء، وأقيمت هي مقامه، فاتصل أخوف بالياء معمودة بالنون على ما تقرر.
ويحتمل أن يكون (أخوف) فعلاً مسندًا إلى واو، وهو ضمير عائد على غير الدجال؛ لأن من جملة ما يتناوله غير الدجال (الأئمة المضلون)، وهم ممن يعقل، فغلب جانبهم، فجيء بالواو، ثم اجتزئ (بالضمة)، وحذفت الواو، كما قال الشاعر:
فيا ليت الأطبَّا كانُ حَوْلي
…
وكان مع الأطباءِ الأُساةُ
أراد (كانوا) فحذف الواو، واكتفى بالضمة، انتهى.
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في "أماليه": قوله: (غير الدجال أخوفني عليكم)، ما نصب (غير)؟، وأيضًا فإن (أخوف) اسم، وهي لا تضاف إلى معرفة إلا إذا كان مثنى، وهذا ضمير مفرد، والجواب أن الذي نصب (غير) فعل مضمر يدل عليه الظاهر، (تقديره: أخاف غير الدجال، فيكون من باب الإضمار إذ دلّ عليه الظاهر) وأما أفعل فإضافته من الشواذ نحو قوله:(إن شر الناس من ودعه الناس اتقاء شره، و (ودع) شاذ)، انتهى.
قوله: (قلنا يا رسول الله ما لُبْثُه في الأرض؟ قال: أربعين يومًا).
قال أبو البقاء: هكذا في هذه الرواية، والوجه فيه أن يقدر: يلبث أربعين، أو يقيم أربعين. ويدل على ذلك قوله: ما لبثه؟
قال ابن مالك في "توضيحه": الأكثر في جواب الاستفهام بأسمائه مطابقة اللفظ والمعنى. وقد يكتفى بالمعنى في الكلام الفصيح.
فمن مطابقة اللفظ والمعنى قوله تعالى (فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كل شيء خلقَه)[طه: 49، 50]، و {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ} [طه: 17، 18]، و {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* سيقولون لله} [المؤمنون: 84، 85]، وكذا:
{فسَيَقُولُونَ لِلَّهِ} [يونس: 31] بعد (مَن) الثانية والثالثة، وهى قراءة أبي عمرو.
ومن الاكتفاء بالمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (أربعين يوماً) حين قيل له: ما لبثه في الأرض؟ فأضمر (يلبث) ونصب به (أربعين)، ولو قصد تكميل المطابقة لقيل:(أربعون يوما)، بالرفع لأن الاسم المستفهم به في موضع رفع.
وفي الحديث أن بعض الصحابة سئل كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربع. كذا وقع في بعض نسخ الصحيح برفع أربع، وفي بعضها بالنصب، والرفع والنصب في (أربع) بعد السؤال عن الاعتمار جائزان، إلا أن النصب أقيس وأكثر نظائر. ويجوز أن يكون كُتِب على لغة ربيعة، وهو منصوب في اللفظ، ويجوز أن يكون المكتوب بلا ألف منصوبًا غير منون، على نية الاضافة، كأنه قال: أربع عُمَر، فحذف المضاف إليه، وترك المضاف على ما كان عليه من حذف التنوين، ليستدل بذلك على قصد الإضافة. وله نظائر منها قراءة ابن محيصن (لا خوفُ عليهم) [يونس: 62] بضم الفاء دون تنوين، على تقدير: لا خوف شيء. وروى بعض الثقات من قول العرب: سلامُ عليكم، بضم الميم دون تنوين. ومنها على أصح المذهبين قول الشاعر:
أقول لما جاءني فخره
…
سبحان من علقمة الفاخر
أراد: (سبحان الله)، فحذف المضاف إليه، وترك المضاف على ما كان عليه.
قوله: (فتتبعُه كنوزُها كيعاسيبِ النحل).
قال الأشرفي: قوله: (كيعاسيب) حال من الدجال، ويمكن أن يكون حالاً من الكنوز، أي: كائنة كاليعاسيب، وهو كناية عن سرعة اتباعه، أي: تتبعه الكنوز بالسرعة.
قوله: (فبينما هم على ذلك إذ بعث الله المسيح).
قوله: (فبينما هم كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى أني قد أخرجت عبادًا من عبادي لا يدان لك بقتالهم).
قال الطيبي: أي لا قدرة ولا طاقة، ومعنى التثنية تضعيف (القوة) ويقال: مالي بهذا الأمر يدٌ ولا يدان.
(قول الحجاج: يا حرس اضربا عنقه، ومنه قوله تعالى: (ألقيا في جهنم)[ق: 24] انتهى، وقال الشاعر:
وحُمِّلْتُ زفرات الضحى فأطقتها
…
وما لي بزفرات العشيّ يدان
وقال ابن فلاح في "المغني": إذا أدخلت "لا" على المثنى النكرة بُنِي عند سيبويه نحو: لا مسلمين لك، ولا غلامين لك. وأما إذا قلت: لا غلامي لك، فهو مثل: لا أبا لك، في الإضافة وحذف النون لها. انتهى.
قلت: ومنه قوله في الحديث: لما نزل (فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله)[البقرة: 279] قالوا: لا يدي لنا بمحاربة الله ورسوله.
وأما قوله في هذا الحديث: (لا يدان) بالألف، فإما على لغة من يجري المثنى بالألف على كل حال، أو يكون "لا" بمعنى ليس، ونظيره حديث:(لا وتران في ليلة).
حديث: (ضرب الله مثلاً صراطًا مستقيمًا).
قال الطيبي: (صراطًا) بدل من (مثلاً)، لا على إهدار المبدل كقولك: رأيت غلامه رجلاً صالحًا. إذ لو أسقطت غلامه لم يتبين.
وقوله: (وعلى جنبتي الصراط سوران).
(سوران) مبتدأ، و (على جنبتي) خبره، والجملة حال من (صراطًا).
وقوله: (فيهما أبواب مفتحة) الجملة صفة لـ (سوران).
وقوله: (وعلى الأبواب ستور مرخاة)، والجملة حال من ضمير (الأبواب) في (مفتحة). ووضع الظاهر موضع الضمير الراجع إلى صاحبها.
وقوله: (على رأس الصراط داع) الجملة معطوفة على (وعلى جنبتي الصراط).
قوله: (يا أيها الناس) صفة لـ (داع).
وقوله: (ولا تعودوا) عطف على (أدخلوا الصراط) على الطرد والعكس، لأنه مفهوم كل مهما مقرر لمنطوق الآخر وبالعكس. و (فوق ذلك) عطف على (رأس الصراط) المشار إليه بذلك الصراط.
وقوله: (فكلما أراد الإنسان أن يفتح شيئًا من تلك الأبواب قال: ويحك) و (كلما) ظرف يستدعي الجواب، وهو قوله: قال: وشيئًا، أي: قدرًا يسيرًا منها، و (ويحك) زجر