الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسند أبي هريرة رضي الله عنه
1188 - حديث: "والذي نفس محمَّد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار
".
قال الطيبي: قوله (والذي نفس محمد بيده) في البيان من أسلوب التجريد، لأنه صلى الله عليه وسلم جرد من
نفسه الزكية من يسمى محمدًا، وهو هو.
وأصل الكلام: والذي نفسي، ثم التفت من الغيبة إلى التكلم في قوله:(لا يسمع بي). ويقال: فلان سمع بفلان إذا بلغ إليه خبره، والباء يحتمل أن تكون زائدة، أي: لا يسمعني، فقد جاء: سمعتك وسمعت فلانًا، ويحتمل أن يكون بمعنى (من) يقال: سمعت من فلان، فتكون الباء كما في قوله تعالى:(عينًا يشرب بها عباد الله)[الإنسان: 6].
قال المظهري: وفيه نظر؛ لأن المعنى لا يساعد عليه، فإن سمعني وسمع مني يقتضيان كلامًا أو قولاً من جانب الرسول، وليس المعنى عليه.
قال صاحب الكشاف في قوله تعالى: (سمعنا مناديًا ينادي للإيمان)[آل عمران: 193]، تقول: سمعت رجلاً يقول كذا، وسمعت زيداً يتكلم. فتوقع الفعل على الرجل، وتحذف المسموع، لأنك وصفته بما يسمع، أو جعلته حالاً عنه، فأغناك عن ذكره، ولولا الوصف أو الحال لم يكن منه بدّ، والأظهر أن يضمن (يسمع) معنى أخبر، فيعدى بالباء، كقوله تعالى:(ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين)[القصص: 36]، أي: ما أخبرنا سماعًا، وهو آكد. لأن الإخبار أعم من أن يكون سماعًا أو غير سماع، فالمعنى: ما أخبر برسالتي أو ببعثتي أحد ولم يؤمن، إلا كان من أصحاب النار.
و (أحد) إذا استعمل في النفي يكون لاستغراق جنس العقلاء، ويتناول القليل والكثير، والذكر والأنثى،
كقوله تعالى: (فما منكم من أحد عنه حاجزين)[الحاقة: 47] و (لستن كأحد من النساء)[الأحزاب: 32] وتقول:
مافي الدار أحد، لا واحد، ولا اثنان فصاعدًا لا مجتمعين ولا متفرقين.
وقوله: (من هذه الأمة) صفة (أحد) و (يهودي) إما بيان، أو بدل من (أحد). و (من) في (من هذه الأمة) إما للبيان، أو للتبعيض، وعلى التقديرين هو مرفوع المحل، فعلى أن يكون للتبعيض معناه: لا يسمع بي أحد وهو بعض هذه الأمة يهودي، والإشارة بهذه إلى ما في الذهن، و (الأمة) بيان له، و (الأمة) حينئذ أمة الدعوة. وعلى أن يكون للبيان: فلفظة (هذه) تكون إشارة إلى أمة اليهود والنصارى
وهم هم كقوله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير)[آل عمران: 104]. فسره صاحب الكشاف بالوجهين.
فإن قلت: كيف يجعل (من) التبعيضية اسمًا؟
قلت: هو مجاز عن متعلق معناه.
قال صاحب "الكشاف" في قوله تعالى: (حاش لله)[يوسف: 31]، حاش: حرف من حروف الجر، وضعت موضع التنزيه والبراءة، والدليل عليه قراءة:(حاشا لله) بالتنوين، وإنما ترك على بنائه ولم يعرب مراعاة للأصل الذي هو الحرفية، ألا ترى إلى قولهم: جلست عن يمينه، كيف تركوه غير معرب على أصله؟
فإن قلت: كيف عطف (ولا نصراني) على (يهودي) وهو منتف، والكلام الفصيح في العطف بلا: أن يكرر لفظة (لا) كقوله تعالى: (فلا صدق ولا صلى)[القيامة: 31].
قلت (يهودي) في حيز النفي لكونه فاعلاً للفعل المنفي، كقوله تعالى:(ما أدري ما يفعل بي ولا بكم)[الأحقاف: 9].
والأمة هنا أمة الدعوة، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:(ولم يؤمن بي)، واللام للاستغراق أو للجنس أو للعهد، والمراد بها أهل الكتاب.
ويعضد الأخير وصف الأحد باليهودي والنصراني، لأن لفظ (ثم) موضوع حينئذ للتراخي، دال على أن الإيمان بما أرسل به نبينا صلى الله عليه وسلم مهما صدر من الكافر وحصل منه فإنه ينفعه، ويمحي منه ما سلف في كفره، وإن تراخى ذلك الإيمان عن أول سماعه
وتقدير الاستثناء: لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ثم لم يؤمن بالذي أرسلت به فيكون له حال من الأحوال إلا أن كان من أصحاب النار.
قال الطيبي: والوجه أن يقال: إن (ثم) هذه للاستبعاد، كما في قوله تعالى:(ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها)[السجدة: 22] يعني: ليس أحد أظلم ممن بينت له آيات الله الظاهرة والباطنة، ودلائله الباهرة، فعرفها ثم أنكرها. أي: بعيد ذلك عن العاقل، كما تقول: وجدت مثل تلك الفرصة ثم لم تنتهزها. فالمعنى: ما أبعد الذي له عقل أن يسمع بي يهودي ونصراني، بعد انتظارهما بعثتي، واستفتاحهما الكفرة بنصرتي، ثم لما بعثت لم يؤمن بي.
فعلى هذا التقدير يختص الحديث بأهل الكتاب، ولا يحتاج إلى التكلف في نسبته إلى غيرهم، كما عليه كلام الشارحين.
فإن قلت: في الحديث (السماع) و (الإيمان) كلاهما منفيان، فيلزم على هذا من لم يسمع ولم يؤمن يكون من أصحاب النار، وهو على خلاف قوله تعالى:(وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)[الإسراء: 15].
فكان من حق الظاهر أن يقول: يسمع ولا يؤمن.
قلنا: لما تقرر أن (ثم) للاستبعاد رجع حاصل الاستثناء إلى قولنا: لا يحصل هذا الاستبعاد المذكور في حق يهودي أو نصراني، فيكون له حال من الأحوال إلا إذا كان من أصحاب النار، فالمنفي السماع الذي لم يترتب عليه الإيمان، لأنه المستبعد، وفهم منه أن السماع الذي يترتب عليه الإيمان يكون حكمه بالعكس، ونظيره قوله تعالى: (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول
كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم) [الحجرات: 2] في أحد وجهيه، وهو أن يكون الفعل المعلل منهيا، لا أن
يكون الفعل المنهي معللا، فاعرف. انتهى ما في شرح المشكاة.
وأقول: قد ورد الحديث في مسند أحمد بلفظ: "لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ولا يهودي ولا نصراني
…
" فعلم أن في الرواية الأولى حذفًا من الرواة، والمراد (بهذه الأمة) العرب.
وفي مسند أحمد أيضًا من حديث أبي موسى: "من سمع بي من أمتي أو يهودي أن نصراني فلم يؤمن بي لم يدخل الجنة".
وقد ورد علنا من نحو عشرين سنة سؤال من الإسكندرية صورته:
قد روي في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم يموت ولم يمؤن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار".
قال النووي في شرحه: قوله: (من هذه الأمة)، أي: ممن هو موجود في زمني وبعدي إلى يوم القيامة، فكلهم ممن يجب عليه الدخول في طاعته، وإنما ذكر اليهودي والنصراني تنبيهًا على من سواهما، فإذا كان هذا شأنهم مع أن لهم كتابًا، فغيرهم ممن لا كتاب له أولى.
قال السائل: وقد أشكل هذا الحديث من جهة التنزيل المقصود منه على القواعد النحوية، فإن المقصود من الحديث أنه من سمع بنبينا عليه الصلاة والسلام ممن شملته بعثته العامة ثم مات غير مؤمن بما أرسل به كان من أصحاب النار.
وفي تنزيل لفظ الحديث على هذا المقصود قلق، وهذا الإشكال يعرض كثيرًا في غير لفظ الحديث كقولك: ما جاءني زيد إلا أكرمته، وما أحسنت إلى لئيم إلا أساء إليّ. وما أنعمت على عمرو إلا شكر، وأمثال ذلك كثير في الكتاب والسنة وكلام العرب، والغرض في الجميع أن يكون الواقع بعد (إلاّ) مرتبًا مضمونة على مضمون ما بعد حرف النفي، أي: مهما جاءني زيد أكرمته، ومهما أحسنت إلى لئيم أساء وهكذا في سائر الأمثلة التي بهذه المثابة، وتطبيق اللفظ على هذا الغرض غير متأتٍ بحسب الظاهر، فإنه غاية ما يتخيل في هذا الاستثناء، أن يكون مفرغًا باعتبار الأحوال، فتكون الجملة الواقعة بعد (إلا) في محل نصب على أنها حال من الفاعل أو من المفعول المتقدم ذكره، أي: ما جاءني زيد إلا في حال كوني مكرمًا له، وما أحسنت إلى لئيم إلا في حال كونه مسيئًا. وهذا مشكل، فإن الحال مقيدة لعاملها ومقارنة له، وليس الإكرام مقيدًا بمجيء زيد بحسب المقصود، ولا مقارنُا له في الزمن، وكذا بقية الأمثلة.
فإن قلت: اجعل الحال مقدرة، أي: ما جاءني زيد إلا في حال كوني مريدًا لإكرامه، وما أنعمت على عمرو إلا في حال كونه مريدًا للشكر.
قلت: هذا وإن كان في نفسه معنى ممكن الاستقامة، فهو غير مفيد للغرض المصوغ لهذا الكلام، إذ المقصود وقوع مضمون ما بعد النفي، ولا يلزم من إنعامك على عمرو في حال إرادته للشكر أن يكون الشكر وقع بالفعل مرتبًا على الإنعام عليه، لجواز تخلف متعلق الإرادة الحادثة عنها. وكذا في بقية الأمثلة، فقد ظهر امتناع جعل ما بعد (إلاّ) حالاً، لا من قبيل الحال المحققة، ولا من قبيل الحال المقدرة، ولا مساغ لغير الحال فيه فيما يظهر.
وفي الحديث إشكال من جهة أخرى، وهو أنه تقدم الاستثناء الواقع فيه جمل، فإن أعدته إلى الجميع وبنينا على أن العامل في المستثنى ما قبل (إلا) من فعل أو معناه بواسطتها - كما يراه البصريون - لزم اجتماع عوامل على معمول واحد، وهو باطل على ما تقرر في علم النحو، وإن أعدته إلى الجملة الأولى فقط، لزم الخلف في الخبر، وذلك أن التقدير حينئذ: لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني إلا إذا كان من أصحاب النار. وكم من يهودي ونصراني يسمع به بعد البعثة ولا يكون من أصحاب النار، بأن يسلم ويموت على الإسلام، وإن جعلته راجعًا إلى ما بعد الجملة الأولى فقط على ما فيه صارت الجملة الأولى لا تعرض فيها إلى الاستثناء، فيلزم الخلف، إذ كثير من اليهود والنصارى يسمع به بعد البعثة، هذا آخر السؤال.
فكتبت في الجواب ما نصّه: قال ابن مالك في " التسهيل " في تقرير القاعدة التي من أفرادها هذا الحديث: ويليها - أي: (إلا) - في النفي فعل مضارع بلا شرط، وماض مسبوق بفعل أو مقرون بقد.
وقال في شرحه: مثال المضارع ما كان زيد إلا يفعل كذا، وما خرج زيد إلا يجر ثوبه، وما زيد إلا يفعل كذا.
ومثال الماضي مسبوقًا بفعل: قوله تعالى: (وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به
يستهزئون) [الحجر: 11] ومقرونًا بقد قول الشاعر:
ما المجد إلا قد تبين أنه
…
ببذل وحلم لا يزال مؤثلا
قال: وإنما أغنى اقتران الماضي بقد عن تقدم فعل، لأن قد تقربه من الحال، فيكون بذلك شبيهًا بالمضارع، وإنما كان المضارع مستغنيًا عن شرط، لأنه شبيه بالاسم.
وإنما ساغ تقديم الفعل مقرونًا بالنفي لجعل الكلام بمعنى: كلما كان كذا، فكان فيه فعلان، كما كان مع كلما، فلو قلت: ما زيد إلا قام، لم يجز، لأنه ليس مما ذكر، وعلة ذلك أن المستثنى لا يكون إلا اسمًا أو مؤولاً باسم، والماضي المجرد من (قد) بعيد من شبه الاسم، وأما قولهم: أنشدك بالله إلاّ فعلت، فإنه في معنى النفي، كقولهم: شرا أهر ذا ناب، أي: ما أسألك إلا فعلك. انتهى.
وقال أبو البقاء: في قوله تعالى: (وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون): إن الجملة حال من ضمير المفعول في (يأتيهم)، وهي حال مقدرة، ويجوز أن تكون صفة لـ (رسول) على اللفظ أو الموضع، انتهى.
فعلم من ذلك تخريج الحديث على الوجهين، والأرجح الحالية لأمرين: أحدهما أن وقوع ما بعد (إلا) وصفًا لما قبلها رأي ضعيف في العربية، بل قال ابن
مالك: إنه لا يعرف لبصري ولا لكوفي، وإن الزمخشري تفرد بذلك، وإن ما أوهم ذلك فمؤول على الحال. وكأن أبا البقاء تابعه في ذلك الزمخشري.
الثاني: أن الحالية تطرد في جميع الأمثلة، والوصفية لا تطرد، بل تختص بما إذا كان الاسم السابق نكرة كما في الحديث. أما نحو: ما جاءني زيد إلا أكرمته، فلا يمكن فيه الوصفية، كما لا يخفى، فعلم بذلك ترجيح الحالية، وأنها مقدرة كما صرح به أبو البقاء، وما أورده السائل من عدم الملازمة، وجواز تخلف متعلق الإرادة الحادثة عنها، فهو وإن كان كلاما صحيحًا في نفسه إلا أنه لا يقدح في التخريج، ولو روعي هذا المعنى، لم يكد يصح لنا حال مقدرة، وكم من قاعدة نحوية قررت ثم لم يبال بمخالفتها للقاعدة العقلية، فإن كلاًّ من النحو والفقه معقول من منقول، كما ذكر ذلك ابن جني، فتارة يلاحظ فيهما الأمر العقلي، وتارة يلاحظ الأمر النقلي، على أن ما ذكر من الترتيب وما أورد عليه من عدم الملازمة، إنما يتجه لو كان الترتيب المذكور عقليًا لا يتخلف، وليس الأمر كذلك، فإن الترتيب الذي في الحديث شرعي لا عقلي، والذي في الأمثلة أيضًا ليس بعقلي، بل عاديّ خاص، أي بحسب عادة المتكلم، أو من تعلق به فعله، ومثل ذلك يكتفى به في الحال المقدرة. وأمر آخر: وهو أن ما ذكر في وجه الترتيب تفسير معنى، وما ذكر في تقرير الحال تفسير إعراب، وهم يفرقون بين تفسير المعنى وتفسير الإعراب، ولا يلتزمون توافقهما كما وقع ذلك كثيرًا لسيبويه والزمخشري وغيرهما.
وأما الإشكال الثاني ففي غاية السقوط، لأن الجمل السابقة ليست مستقلة، بل
جملة: (ثم يموت ولا يؤمن) مرتبطة بالجملة الأولى على أنها قيد فيها، و (ثم) هنا واقعة موقع الفاء، فإنها لمجرد الربط لا التراخي كما في قوله:
. . . . . . .
…
جرى في الأنابيب ثم اضطرب
وفي بعض طرق الحديث: "لا يسمع بي أحد يهودي ولا نصراني فلم يؤمن بي إلا كان من أهل النار". فعلم أن جملة (فلم يؤمن) مرتبطة بالأولى، وفاء الربط تصير الجملتين في حكم جملة واحدة كما قرره النحاة في باب العطف في مسألة:(الذي): الذي يطير فيغضب زيد الذباب، فقوله: إن أعدته إلى الجملة الأولى لزم الخَلَف .. إلى آخره، مدفوع بأنه إذا أعيد إليها مقيدة بمضمون ما بعدها لا يلزم ما ذكر، والله أعلم. هذا آخر ما كتبته إذ ذاك.
وقال الرضي: اعلم أن أصل (إلا)، أن تدخل على الاسم، وقد يليها في المفرغ فعل مضارع، إما خبر مبتدأ، كقولك: ما زيد إلا يقوم، وما الناس إلا يعبرون، أو حال، نحو: ما جاءني زيد إلا يضحك، أو صفة، نحو: ما جاءني منكم رجل إلا يقوم ويقعد، ويجوز أن يكون هذا حالاً لعموم ذي الحال، وإنما شرط التفريغ: أن تكون (إلا) ملغاة عن العمل على قول، أو عن التوصيل بها إلى العمل على قول آخر، فيسهل دفعها عما تقتضيه من الاسم، لانكسار شوكتها بالإلغاء. وشرط كونه مضارعًا لمشابهته الاسم.
وأما الماضي، فيجوز أن يليها في المفرغ بأحد قيدين: وذلك إما باقترانه بقد، نحو: ما الناس إلا قد عبروا، وذلك لتقريبها له من الحال المشبهة للاسم.
وإما تقدم ماض منفي، نحو: قولك: ما أنعمت عليه إلا شكر، وما أتيته إلا أتاني، وعنه عليه السلام:"ما أيس الشيطان من بني آدم إلا أتاهم من قبل النساء"، وذلك إذا قصد لزوم تعقيب مضمون ما بعد (إلاّ)، لمضمون ما قبلها.
وإنما جاز أن يليها الماضي مع هذا القصد، لأن هذا المعنى هو معنى الشرط والجزاء، في الأغلب، نحو: إن جئتني أكرمتك، وإنما قلت: في الأغلب، لأنه قد لا يكون مضمون الجزاء متعقبًا لمضمون الشرط، بل يكون مقارنًا له في الزمان، نحو: إن كان هناك نار كان احتراق، وإن كان هناك احتراق فهناك نار، وإن كان الإنسان ناطقًا فالحمار ناهق، لكن التعقيب المذكور هو الأغلب، فلما كان تعقب مضمون ما بعد (إلاّ) لمضمون ما قبلها هو المراد، وكان حرف النفي مع (إلا) يفيد معنى الشرط والجزاء، أعني لزوم الثاني للأول، جاز أن يعتبر معنى الشرط والجزاء مع حرف النفي، وإلا فيصاغ ما قبل (إلا) وما بعدها صوغ الشرط والجزاء، وذلك إما بكونهما ماضيين، نحو: ما زرتني إلا أكرمتك، أو مضارعين نحو: ما أزورك إلا تزورني، ومثل هذا هو الغالب في الشرط والجزاء، أعني كونهما ماضيين أو مضارعين، فجاز كون الماضي الذي بعد (إلا) ههنا مجردًا عن (قد) والواو مع أنه حال، وذلك لكونه متضمنًا معنى الجزاء، فيكون (إلا) على هذا المعنى المذكور إما ماضيًا أو مضارعًا مجردًا، وجاز أن ينظر أيضًا أن ينظر إلى كون مثل هذا الفعل حالاً في الحقيقة، وإن كان فيه معنى الجزاء، فيؤتى به ماضيًا أو مضارعًا مع الواو، نحو: ما زرته إلا وأكرمني، ولا أزوره إلا ويكرمني، وإنما اطرد الواو مع هذا النظر لكون هذا الحال غير مقترن مضمونه بمضمون عامله، كما هو الغالب في الحال، نحو: ما جاءني زيد راكبًا، ولفظه أيضًا منفصل عن العامل بـ (إلا)، فجاز أن يستظهر مطردًا في ربط مثل هذه الحال بعاملها لفظًا، بحرف الربط، أي: الواو فمن ثم اطرد نحو: ما أزوره إلا ويكرمني، وندر: قمت وأصك عينه.