الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن مالك: قوله: (وهو ساجد)، جملة حالية سدت مسد خبر المبتدأ، ونظيره ضربي زيدًا قائمًا، التزمت العرب حذف خبر هذا المبتدأ، وتنكير (قائمًا)، وجعلت المبتدأ عاملاً في مفسر صاحب الحال، ويشهد بأن تنكير كان المقدرة تامة، و (قائمًا) حال من فاعله، التزام العرب تنكير (قائمًا)، وإيقاع الجملة الاسمية المقرونة بواو الحال موقعه في هذا الحديث، فالمبتدأ فيه مؤول بمفسر صاحب الحال، يعني بالمصدر المقدر، لأن لظفه ما يكون مؤول بالكون، والتقدير: أقرب الكون كون. انتهى.
وقال الطيبي: التركيب من الإسناد المجازي، أسند القرب إلي الوقت، وهو للعبد، مبالغة.
فإن قلت: أين المفضل عليه ومتعلق أفعل في الحديث؟ قلت: محذوف، وتقديره: إن للعبد حالتين في العبادة: حالة كونه ساجدًا لله تعالى، وحالة كونه متلبسًا بغير السجود، فهو في حالة سجوده أقرب إلى ربه من نفسه في غير تلك الحالة. ويدل عليه التصريح به في قول علي رضي الله عنه:(الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم). أي: الناس في فسادهم واقترافهم رذائل الأخلاق، أشبه بزمانهم من أنفسهم بآبائهم في الصورة والهيئة، أو في اقتباسهم مكارم الأخلاق. انتهى.
1217 - حديث: "إياك واللو فإن اللو تفتح عمل الشيطان
".
قال القاضي عياض: إدخال الألف واللام على (لو) غير جائز عند أهل العربية، إذ (لو) حرف، وهما لا يدخلان على الحروف.
قال الزركشي: وهذا عجيب، فإن الحروف يجوز أن يسمى بها، وتجري الأسماء
في الإخبار عنها، وقبول علامات الاسم، فأصل (لو) حرف امتناع، فإذا سمي بها زيد فيها واوٌ أخرى ثم أدغمت وشددت.
وقال الكرماني: لما أرادوا إعرابها جعلوها اسمًا بالتعريف، ليكون علامة لذلك، وبالتشديد ليصير متمكنًا، قال الشاعر: ألام على لو ولو كنت عالمًا
…
بأذناب لوٍ لمْ تفُتْني أوائله
وسئل الشيخ تقي الدين السبكي عن هذا الحديث، كيف دخل الألف واللام على (لو) وهي حرف؟ فألف فيه تأليفًا سماه:"بين من أقسطوا ومن غلوا: في حكم من يقول: لو".
قال فيه: اعلم أنها لا يدخلها الألف واللام إذا بقيت على الحرفية، أما إذا سمي بها فقد صارت اسمًا.
وقد تكلم النحاة في التسمية بالحروف، في حروف الهجاء، وحروف المعاني، و (لو) هذه من حروف المعاني، فقد يسمى بها، وقد سمت العرب بهذه الكلمة أعني (لو) التي هي حرف، فإذا أرادوا ذلك، قالوا: هذه لوٌّ، وكتبت لوًّا، فيضمّون إلى الواو واوًا أخرى، ويشدّدون، قال الشاعر:
إن ليتًا وإن لَوًّا عناءُ
وقال آخر:
وقدما أهلكت لوٌّ كثيرًا
…
وقبل اليوم عالجها قدار
فانظر كيف جعلها اسم (إن) في البيت الأول، وفاعلاً في البيت الثاني، وكلاهما شددها، وهي اللغة الفصيحة.
وحكى سيبويه: أن بعض العرب يهمز، يعني يجعل بدل الواو الملحقة همزة، فيقول: لَوْء، مثل نَوْء، على أن جعلها فاعلة والإخبار عنها، نحو ذلك لا يختص بحالة التسمية بها. بل قد تكون وهي مبنية على حرفيتها، كقوله في الحديث الآخر:(لا تقل لو فإن لو تفتح عمل الشيطان) بدون دخول الألف واللام فيه. فقد جعل (لو) اسم إنّ، لكن ذلك إخبار لفظي يكون في الاسم والفعل والحرف، فتقول: زيد ثلاثي، وضرب فعل ثلاثي، ومن ثنائي، أي: ألفاظها.
فإذا قلت: إياك ولو، فإن لو. فمقصودك الحرف، وقد حكيته، وأخبرت عن لفظه.
وإذا سميت به رجلاً وأخبرت عنه فالإخبار عن معناه، وهو ذات الرجل.
وإذا جعلته اسمًا للكلمة التي هي حرف، وأخبرت عنه، فالإخبار عنه، إخبرا عن الحرف المسمى بذلك.
فيرجع الإخبار في الحديثين إلى شيء واحد، ولكن في أحدهما عن اللفظ على سبيل الحكاية، وفي الآخر عن المعنى المسمى بذلك اللفظ.