الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العصر الأموي من أبيه مباشرة، وقد عاش أبوه محمد بن السائب طويلاً في العصر الأموي، وشهد وقعة دير الجماجم مع عبد الرحمن بن الأشعث، لم يكن ضلعه مع بني أمية.
ونجد في " طبقات ابن سعد " ذكرًا لنسابة عاش على عهد النبي ولم يعدوه صحابيًا، وهو دَغْفَلُ بْنُ حَنْظَلَةَ الشَّيْبَانِيُّ، وهو الذي رَوَوْا عنه مناظرة في أنساب العرب مع أبي بكر الصديق، وهو الذي قيل إنه اتصل بمعاوية وأعجب بعلمه، وروى الكثير من أخبار الأنساب في عصره.
والمادة التي تركها ابن سعد في معرفة الأنساب واضحة في كتابين ألفا بعده أحدهما " أنساب الأشراف " والآخر " فتوح البلدان " وكلاهما للبلاذري، فإن مؤلف الكتابين لا يني يروي عن ابن سعد آخذًا من " طبقاته " نصوصها وألفاظها.
ولعل هذه المعرفة الدقيقة بالأنساب هي التي مكنت ابن سعد من تجنب الوقوع في مثل الأخطاء التي وقع بها المؤرخون بعده في الأنساب والطبقات، فهناك صحابة عُدُّوا من التابعين عند بعضهم: كَالنُّعْمَانِ وَمُؤَيْدٍ ابْنَيْ مُقَرِّنٍ المُزَنِي، وهناك تابعون عُدُّوا صحابة مثل (عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ غَنْمٍ) غلط فيه محمود بن الربيع الجيزي لأنه أرسل الخبر، وإبراهيم بن عبد الرحمن العُذْرِيِّ غلط فيه ابْنُ مَنْدَهْ.
رَاوِيَةٌ عَلَى طَرِيقَةِ المُحَدِّثِينَ:
ومع أن " طبقات ابن سعد " تعتمد على الرواية، وتكاد تختفي فيها
شخصية المؤلف، وتكاد تخلو من التعقيبات، إلا أن نتفًا يسيرة من التوضيحات أظهرتنا على النقد الموضوعي الذي كان يتمتع به ابن سعد: فهو مثلاً يورد رواية خلاصتها أن النبي بكى عند قبر أمه لما فتح مكة فقال: «وَهَذَا غَلَطٌ وَلَيْسَ قَبْرُهَا بِمَكَّةَ، وَقَبْرُهَا بِالأَبْوَاءِ» . ونقل عن هشام الكلبي قوله: إِنَّ الذِي حَضَرَ بَدْرًا هُوَ السَّائِبُ بْنُ مَظْعُونٍ (لَا السَّائِبُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ) فَقَالَ يُعَقِّبُ عَلَى ذَلِكَ: «وَذَلِكَ عِنْدَنَا مِنْهُ وَهَلٌ لأَنَّ أَصْحَابَ السِّيرَةِ [وَمَنْ] يَعْلَمُ المَغَازِي يُثْبِتُونَ السَّائِبَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ [فِيمَنْ] شَهِدَا بَدْرًا. وَشَهِدَ أُحُدًا، وَالخَنْدَقَ، وَالمَشَاهِدَ كُلَّهَا» .
والمادة الأدبية في " الطبقات " ليست غزيرة في الشعر غزارتها في الخطب، ولا سيما خطب النبي في المناسبات المختلفة. أما الشعر فبعضه جاهلي قديم يتعلق أغلبه بأجداد النبي أو بسادات العرب من قريش، وبعضه الآخر إسلامي يتصل غالبًا بباب المغازي. إلا أنه قليل إذا قيس بما ورد من الشعر في " مغازي الواقدي " أو " سيرة ابن إسحاق ".
وابن سعد أولاً وآخرًا رجل رواية على طريقة المحدثين، وليس ناقدًا على طريقة الأدباء (1).
(1) ترجمة ابن سعد في " تاريخ بغداد ": 5/ 321، و" الوفيات ": 1/ 507، و" تهذيب التهذيب ": 9/ 182، و" الجرح والتعديل ": رقم 1433، و" طبقات القراء ":1/ 142. وقد عولنا في تلخيص ترجمته هنا على تقديم صديقنا الأستاذ المفضال إحسان عباس للـ " الطبقات الكبرى " المطبوعة في بيروت في دار صادر.