الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على الشيخ وهو يسمع وأنا كذلك أسمع». وَجَوَّزَ كثير من أهل الحديث أن يقول التلميذ عند الأداء: حدثنا الشيخ قراءة عليه «أَوْ» أخبرنا قراءة عليه «أَوْ» سمعت من الشيخ قراءة عليه يذكر هذا القيد الأخير إلزامًا، لأن عدم ذكره يوهم حصول «السَّمَاعِ» الذي هو أعلى صور التحمل على التحقيق (1). ونحن لم ننس بعد أن «أًخْبَرَنَا» و «حَدَّثَنَا» و «سَمِعْتُ» صيغ اصطلاحية تفيد «السَّمَاعَ» عند الإطلاق.
ثَالِثًا: الإِجَازَةُ:
لاحضنا في «السَّمَاعِ» أن المُتَحَمِّلَ يسمع من لفظ الشيخ، وفي «القِرَاءَةِ» أن التلميذ يعرض على شيخه قراءته، فكلتا الصورتين تشمل على الرواية مع الإسناد المتصل، إما من النطق والمشافهة، وإما من النقل الصحيح. والإجازة لا تشتمل على شيء من هذا، لأنها عبارة عن إذن الشيخ لتلميذه برواية مسموعاته أو مؤلفاته، ولو لم يسمعها منه ولم يقرأها عليه. لذلك يعترض ابن حزم على الإجازة ويراها «بِدْعَةً غَيْرَ جَائِزَةٍ» ، ويزيد بعضهم على ذلك فيقول مُتَشَدِّدًا في إنكارها:«مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: " أَجَزْتُ لَكَ أَنْ تَرْوِيَ عَنِّي مَا لَمْ تَسْمَعْ "، فَكَأَنَّهُ قَالَ: " أَجَزْتُ لَكَ أَنْ تَكْذِبَ عَلَيَّ "، لأَنَّ الشَّرْعَ لَا يُبِيحُ رِوَايَةَ مَا لَمْ يَسْمَعْ» (2).
وهذه مغالاة، فإن بعض صور الإجازة لا يبلغ هذا الحد من ضعف الرواية،
(1)" الباعث الحثيث ": ص 125 وقارن بـ " التدريب ": ص 132.
(2)
" التدريب ": ص 131.
فمن الصور المقبولة في الإجازة لدى الجمهور، دونما تردد (1).
إجازة كتاب معين أو كتب معينة لشخص معين أو أشخاص معينين، كأن يقول الشيخ: أجزت لك أو لكم أو لفلان (مع ذكر اسمه ومميزاته) رواية " صحيح مسلم " أو " سنن أبي داود أو " الكتب الستة " أو ما اشتملت عليه مُدَوَّنَاتِي، وهي كذا وكذا.
ويتوسع كثيرون فيقبلون كذلك إجازة شخص معين، أو أشخاص معينين بشيء مُبْهَمٍ غير معين، كأن يقول الشيخ: أجزت لك أو لكم أو لفلان جميع مسموعاتي أو مروياتي أو ما شابه ذلك من العبارات الغامضة. فقبول هذه الصورة قائم على ضرب من الاتساع في تفهم معنى الإجازة.
أما الإجازة بمجهول لمجهول ففاسدة اتفاقًا. وأما الإجازات العامة كأن يقول الشيخ: أجزت برواية كذا «النَّاسَ» أو «المُسْلِمِينَ» أو «المَوْجُودِينَ» أو «أَهْلَ عَصْرِي» أو «مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهَ» أو «مَنْ شَاءَ» أو «شَاءَ فُلَانٌ» فالتحقيق أنها غير جائزة، وإن قال بعضهم بجوازها.
والأصل في الإجازة أن ينطق الشيخ بلفظها الصريح شفاهًا أمام تلميذه، فإن أجازه كتابة من غير نطق لم تصح عند المُتَشَدِّدِينَ. غير أن الأرجح مساواة الكتابة للنطق في هذا الموضوع.
والإجازة حتى في صورها المقبولة ليست في قوة القراءة فضلاً على السماع،
(1) انظر في هذه الصور " التدريب ": ص 137 وما بعدها وقارن بـ " اختصار علوم الحديث ": ص 132.