الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأكثرين ليس بحجة (1)، ولأن العمل بالحديث خاضع لمقاييس نقدية تتناول - كما أوضحنا (2) - المتن قبل السند، المضمون قبل الشكل، والمعنى قبل المبنى.
الاِحْتِجَاجُ بِالخَبَرِ المُحْتَفِّ بِالقَرَائِنِ، وَاِسْتِبْعَادِ الضَّعِيفِ:
من أجل هذا لم يكتف المحققون من العلماء بالاحتجاج بما صح سنده من أخبار الآحاد، بل احتجوا أيضًا بالخبر المحتف بالقرائن، وعدوه مفيدًا للعلم (3)، وجنحوا إلى اعتباره أقوى في إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق القاصرة عن التواتر، وإن كانوا قد خصوا هذا المزية «بِمَا لَا يَنْتَقِدُهُ أَحَدٌ مِنَ الحُفَّاظِ
…
، وَبِمَا لَمْ يَقَعِ التَّجَاذُبُ بَيْنَ مَدْلُولَيْهِ
…
، حَيْثُ لَا تَرْجِيحَ لاِسْتِحَالَةِ أَنْ يُفِيدَ المُتَنَاقِضَانِ العِلْمَ بِصِدْقِهِمَا مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ لأَحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ» (4).
فإن يقبل الخبر المحتف بالقرائن، وتكن قرائنه هي التي تقويه، فإن للحسن - ولا سيما الحسن لذاته (5) - من الشبه بالصحيح ما يكاد يدرجه فيه، وما يكاد يُشْرِكُهُ معه في الاحتجاج، وإن كان دونه
(1) قارن بـ " حصول المأمول من علم الأصول "(لصديق حسن خان): ص 59. مطبعة الجوائب 1296 هـ بالقسطنطينية.
(2)
راجع فصل (الحديث بين الشكل والمضمون) من كتابنا هذا: ص 275 - 288.
(3)
عبارة ابن حجر في " شرح النخبة ": ص 7: «الخَبَرُ المُحْتَفُّ بِالقَرَائِنِ يُفِيدُ العِلْمَ خِلَافًا لِمَنْ أَبَى ذَلِكَ» .
(4)
انظر أيضاً شرح النخبة 7.
(5)
خصصنا الحسن لذاته بالذكر، لأن حسنه ذاتي قائم فيه، غير ناشئ عن سبب أجنبي آخر كما في الحسن لغيره عندما يعضد ببعض الشواهد والمتابعات. وراجع ما ذكرناه عن الحديث الحسن ص 156.
قوة ودرجة وإشعارًا باليقين. فلا عجب إذا قال أكثر الأئمة: إن الحسن كالصحيح في الاحتجاج به، فعليه - كما ذكر الخطابي - «مَدَارُ أَكْثَرِ الحَدِيثِ، لأَنَّ غَالِبَ الأَحَادِيثِ لَا تَبْلُغُ دَرَجَةَ الصَّحِيحِ، وَعَمِلَ بِهِ عَامَّةُ الفُقَهَاءِ، وَقَبِلَهُ أَكْثَرُ العُلَمَاءِ» (1).
بيد أن الذي ينحى عن مدار الاحتجاج، مَكَانًا قَصِيًّا، هو الضعيف بجميع أضربه وصوره، وذلك أمر طبيعي لا يحتاج إلى التفسير، فإن أنواع الضعيف كلها تثير الريبة، سواء أكانت آفتها في المتن أم في الإسناد، ولسنا براجعين كرة أخرى إلى جميع ما وصفناه من المصطلحات الخاصة للضعف لكشف اللثام عن سر الضعف في كل منها على حدة، فما غادرنا مصطلحًا منها إلا ختمناه بالحديث عن المانع الجوهرى من الاحتجاج به، وإنما نود هنا أن نذكر القارئ بالروح النقدي المنهجي الذي ساد أبحاث المحدثين، فحال دون اعتبار أي لون من الضعف، مهما يكن يسيرًا، مصدرًا لحكم شرعي ولا لفضيلة خلقية، على التحقيق (2). ونود أيضًا أن يظل القارئ على ذكر من اصطلاحات النقاد في التعديل والجرح، وكونها في الجرح أشد منها في التعديل (3)، ليستيقن أن تلك المقاييس النقدية الدقيقة جعلت جرح الرواة جائزًا بل واجبًا (4) لتصحيح الحديث الذي يؤخذ به، ولتنقيته من كل شائبة، فما يكون صالحًا للاحتجاج إلا الحديث الذى ثبتت نسبته إلى رواته الصالحين، وأدرك كل من رواه أن هذا الأمر دين!
(1) قارن بـ " قواعد التحديث ": ص 87 (بيان كون الحسن حجة في الأحكام).
(2)
اقرأ بإمعان بحثنا السابق (رواية الأحاديث الضعيفة والعمل بها) ص: 210 - 214.
(3)
أوضحنا ذلك في فصل (شروط الراوي ومقاييس المحدثين) ص: 126 - 140.
(4)
" شرح صحيح مسلم "(للنووي): ص 60.