الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفَصْلُ الثَّانِي: كِتَابَةُ الحَدِيثِ رِوَايَةً وَمَرَاتِبُهَا:
[أ]- مَرَاتِبُ هَذِهِ الكُتُبُ:
لقد صُنِّفَتْ في الحديث كُتُبٌ كثيرة وصل إلينا بعضها، ولم يصل بعضها الآخر، ولا يزال عدد كبير منها مخطوطًا في المكاتب العالمية، وسيعيش لها الجهابذة من العلماء لينفضوا عنها الغبار وَيُحْيُوا بها التراث الإسلامي العظيم. وكان ينبغي أن تكون كتب الحديث بهذه الكثرة، لأن مجمعة الأحاديث النبوية يتعذر إحصاؤها وضبطها في كتاب يجمعها مهما يكن هذا الكتاب ضخمًا عظيمًا، فالإمام أحمد بن حنبل انتخب " مسنده " وحده من 750.000 (خمسين ألف وسبع مائة ألف) (1) مع أن أحاديث هذا " المسند " لا تبلغ الأربعين ألفًا (2).
وقد حاول السيوطي في كتابه " جمع الجوامع " أن يستوعب الأحاديث
(1)" خصائص المسند " لأبي موسى المديني. انظر " المسند "، طبعة أحمد شاكر، المقدمة: 1/ 21.
(2)
يقول العَلَاّمَةُ أحمد شاكر في " المسند ": «هُوَ عَلَى اليَقِينِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَقََدْ لَا يَبْلُغُ الأَرْبَعِينَ أَلْفًا. وَسَيَتَبَيَّنُ عَدَدُهُ عِنْدَ تَمَامِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ» : 1/ 23. ولكن مَنِيَّتَهُ عاجلته قبل أن يُتِمَّهُ.
النَّبَوِيَّةِ بأسرها، وفقًا لما أداه إليه اجتهاده واطلاعه، فجمع منها مائة ألف حديث ومات قبل أن يتم تصنيفه. وجدير بالذكر أنه كان يقول:«أَكْثَرُ مَا يُوجَدُ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مِنَ الأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ، القَوْلِيَّةِ وَالفِعْلِيَّةِ مِائَتَا أَلْفَ حَدِيثٍ وَنَيِّفٍ» (1).
إن هذا المقدار العظيم من الأحاديث التي جمعت من كتب شتى أُلِّفَتْ في أعصر مختلفة لا يمكن أن ينظر إلى مصادره كلها نظرة متساوية، وبعبارة أخرى: لا يمكن أن تكون مصادر الحديث - على اختلافها - ذات طبقة واحدة، ومرتبة واحدة، ولذلك اصطلح العلماء على تقسيم كتب الحديث بالنسبة إلى الصحة والحسن والضعف إلى طبقات (2):
الطبقة الأولى: تنحصر في " صحيحي البخاري ومسلم " و" موطأ مالك بن أنس "، وفيها من أقسام الحديث: المتواتر، والصحيح الآحادي، والحسن.
الطبقة الثانية: وفيها " جامع الترمذي "، و" سنن أبي داود "، و" مسند أحمد بن حنبل "، و" مُجْتَبَى " النسائي، وهي كتب لم تبلغ مبلغ " الصحيحين " و" الموطأ "، ولكن مُصَنِّفِيهَا لم يرضوا فيها بالتساهل فيما اشترطوه على أنفسهم، وتلقاها مَنْ بَعْدَهُمْ بالقبول، ومنها استمدت أكثر العلوم والأحكام وإن كانت لا تخلو من الضعيف.
(1) وقد صَرَّحَ السيوطي بذلك فقال: «سَمَّيْتُهُ " جَمْعَ الجَوَامِعِ "، وَقَصَدْتُ فِيهِ جَمْعَ الأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ بِأَسْرِهَا» . ويعلق المَنَاوِي على هذه العبارة فيقول: «وَهَذَا حَسْبَ مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ المُصَنِّفُ، لَا بِاعْتِبَارِ مَا فِي نَفْسِ الأَمْرِ» .
(2)
قارن بـ " حجة الله البالغة " للإمام الشيخ أحمد المعروف بشاه ولي الله الدهلوي: ص 105 وما بعدها. القاهرة، المطبعة الخيرية، سَنَةَ 1322 هـ.