الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقسيمات القدامى مع اعتبار الأطوار الاجتماعية التي تعاقبت على طبقاتهم المعروفة المشهورة، فجعلتهم يقفون من تقييد العلم مواقف متباينة، يؤيِّدُون الكتابة تارة ويكرهونها تارة أخرى. فهناك الصحابة والتابعون وأتباع التابعين، ولقد رأينا أنَّ الكتابة كانت أمراً واقعاً في عهد الصحابة، في حياته - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ -، ولكنها لم تكن كثيرة، فالصحف التي وصفها - مهما نطل الحديث عنها - كانت قليلة، وقد علَّلْنا تلك القلَّة تعليلاً مناسباً. وكان يعنينا شيء واحد هو إثبات خطأ الاعتقاد بتناقل الحديث عن طريق الحفظ وحده.
عَصْرُ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ:
حتى إذا كان عهد الخلفاء الراشدين لم يتغيَّر الحال كَثِيرًا، فقد كانت آراء هؤلاء الخلفاء في التشدُّدِ في الرواية والتورع عن الكتابة امتداداً لآراء إخوانهم الصحابة في عصر الرسول، فهذا أبو بكر يجمع بعض الأحاديث ثم يحرقها (1)، وهذا عمر بن الخطاب لا يلبث أنْ يعدل عن كتابة السُنن بعد أنْ عزم على تدوينها. وعن عُروة بن الزبير أنَّ عمر بن الخطاب أراد أنْ يكتب السُنن، فاستشار في ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار عليه عامتهم بذلك فلبث عمر شهراً يستخير الله في ذلك شاكاً فيه، ثم أصبح يوماً وقد عزم الله له، فقال: «إني كنت قد ذكرت لكم من كتاب السُنن ما قد علمتم. ثم تذكرت، فإذا أناس من أهل الكتاب قبلكم، قد كتبوا مع كتاب الله
(1)" تذكرة الحُفاظ ": 1/ 5.
كُتُباً، فأكبُّوا عليها، وتركوا كتاب الله، وإني والله لا ألْبس كتاب الله بشيء أبداً، فترك كتاب السُنن» (1).
والخلفاء الراشدون لم يتشدَّدُوا في أمر الكتابة وحدها، بل بلغ بهم الورع أنْ راحوا يتشدّدُون حتى في الرواية، فلم يعط أبو بكر الجدَّةَ سُدُسَ الميراث إلَاّ بعد أنْ شهد المغيرة بن شُعبة ومحمد بن مسلمة أنَّ الرسول أعطاها السُدُس (2)، ولم يتساهل عمر مع أبي موسى الأشعري حين روى حديث الاستئذان، بل هدّدَهُ بتغزيره إنْ لم يشهد أحد من الصحابة على صحة سماعه، وقال له:«أقم عليه البيِّنَةَ وإلَاّ أوجعتك» (3).
فإذا رأينا كلاً من أبي بكر وعمر - بعد هذا - يكتبان الحديث أو ينصحان بكتابته (4)، وأنَّ كَثِيرًا من كبار الصحابة في عصرهما كانوا كذلك ينصحون بالكتابة ويأمرون بها أمراً صريحاً، أدركنا علة ذلك التشدُّدِ الذي وصفناه قبل، وثبت لنا - كما قال إسماعيل بن إبراهيم بن عُلية البصري (- 200 هـ) -
(1)" تقييد العلم ": ص 50 وانظر ما يقاربه في " جامع بيان العلم ": 1/ 64 و" طبقات ابن سعد ": 3/ 1 ص 206 و" كنز العمال " للمتقي الهندي: 5/ 239.
(2)
" المختصر في علم رجال الأثر " لعبد الوهاب عبد اللطيف: ص 79.
(3)
" صحيح مسلم ": 6/ 177 وقد شهد له أبو سعيد الخُدري بصحة سماعه.
(4)
انظر مثلاً في المخطوطة (جمع الجوامع للسيوطي - الظاهرية حديث 196) الوجه الثاني من الورقة 108 كيف أن أبا بكر كتب لأنس كتاباً فيه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، وراجع في مستدرك الحاكم 1/ 106 وجامع بيان العلم 1/ 72 والمحدث الفاصل للرامهرمزي - مخطوطة الظاهرية حديث 400 قول عمر بن الخطاب "قيدوا العلم بالكتاب".
وكذلك علي بن أبي طالب حض على كتابة العلم، وشاعت عنه العبارة التي يرددها كثير من الصحابة "قيدوا العلم بالكتاب" انظر تقييد العلم ص 90 ومعادن الجوهر للأمين العاملي 1/ 3 دمشق 1347.
ُ