الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في القسم المشترك بين الصحيح والحسن والضعيف، فلا مسوغ لتداخله هنا مع الشاذ بوجه من الوجوه.
وأما التوقف فما شذ به الثقة، وَرَدَّ ما شذ به غير الثقة، فأمران يتعلقان بالاحتجاج وعدمه، فلا أثر لهما في الحكم على حديث ما بالصحة أو بالضعف. لذلك عددنا في ألقاب الصحيح والحسن «الصالح» لصلاحيتهما للاحتجاج، فغيرهما - وهو الضعيف - ليس صالحًا ولا يحتج به، بل هو مردود. والخلاصة أن تنوع الأوصاف والألقاب لا يرادف دائمًا تنوع الأقسام والمصطلحات (1).
التَّاسِعُ - المُنْكَرُ:
أدق تعاريف المنكر هو أنه الحديث الذي يرويه الضعيف مُخَالفًا رواية الثقة. وهو يباين الشاذ، إذ أن راوي الشاذ ثقة. بينما راوي المنكر ضعيف غير ثقة. وقد لوحظ في المنكر أنه مقابل للمعروف (2) كما لوحظ في الشاذ أنه مقابل للمحفوظ (3)، لأن راوي المناكير إنما يخالف ما عُرِفَ واشتهر وإن
(1) نعتذر للقارئ الكريم لاضطرارنا إلى مناقشة الآراء المختلفة في الشاذ، فقد وعدناه ألا نخوض في الجدل، ولكن لم يسعنا الإغضاء على ما يظن من تضارب التعاريف حول الشاذ، فحاولنا التوفيق بين تلك الآراء ما أمكن، لاستحالة الأخذ بأحدها دون نقاش.
(2)
لأن المنكر لغة اسم مفعول من أنكره بمعنى جحده أو لم يعرفه. ويلاحظ أن المحدثين يراعون المعنى اللغوي في مصطلحاتهم الخاصة.
(3)
وقد أشرنا إلى ذلك في بحثنا الألقاب المشتركة بين الصحيح والحسن، وراجع ص 161 بوجه خاص.
لم يحفظ، فالحفظ درجة من الضبط أبعد ما تكون عن مثل هذا الراوي الضعيف. أما راوي الشواذ فهو ثقة، وغالبًا ما يكون مع توثيقه حافظًا ضابطًا، إلا أنه خالف من هو أوثق منه ضبطًا وإتقانًا، فهو لم يخالف ما عرف واشتهر فقط بل خالف ما حفظ وأتقن أيضًا. قال ابن حجر:«وَزِيادَةُ رَاوِي الصَّحِيحِ وَالحَسَنِ مَقْبُولَةٌ، مَا لَمْ تَقَعْ مَنَافِيَةً لِرِوَاِيَةِ مِنْ هُوَ أَوْثَقُ، فَإِنْ خُولِفَ بِأَرْجَحِ مِنْهُ لِمَزِيدِ ضَبْطٍ أَوْ كَثْرَةِ عَدَدٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحَاتِ فَالرَّاجِحُ يُقَالُ لَهُ المَحْفُوظُ، وَمُقَابِلُهُ وَهُوَ المَرْجُوحُ يُقَالُ لَهُ الشَّاذُّ. وَإِنَّ وَقَعَتْ المُخَالَفَةُ لَهُ مَعَ الضَّعْفِ فَالرَّاجِحُ يُقَالُ لَهُ المَعْرُوفُ، وَمُقَابِلُهُ يُقَالُ لَهُ المُنَكَرُ» (1).
لكن ابن الصلاح ذهب إلى ترادف المنكر والشاذ، إذ نقل عن البَرْدِيجِيِّ (2) في تعريف المنكر «أَنَّهُ هُوَ الحَديثُ الذِي يَنْفَرِدُ بِهِ الرَّجُلُ، وَلَا يُعْرَفُ مَتْنُهُ مِنْ غَيْرِ رِوَاِيَتِهِ، لَا مِنَ الوَجْهِ الذِي رَوَاهُ مِنْهُ وَلَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ» (3)، وكأنه بعبارة أوضح لا يلاحظ في المنكر إلا مطلق التفرد. وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث (4). والتفرد على إطلاقه منه المقبول، ومنه المردود «فَإذَا تَفَرَّدَ الرَّاوِي بِشَيْءٍ نُظَرَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ مَا اِنْفَرَدَ بِهِ مُخَالِفًا لِمَا رَوَاهُ مِنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ بِالحِفْظِ لِذَلِكَ وَأَضْبَطَ كَانَ مَا اِنْفَرَدَ بِهِ شَاذًّا مَرْدُودًا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ مُخَالِفَةً لِمَا رَوَاهُ غَيْرُهُ وَإِنَّمَا هُوَ
(1)" شرح النخبة ": ص 12 - 14. وقارن مرة أخرى بما ذكرناه ص 161.
(2)
هو الحافظ أبو بكر، أحمد بن هارون البرديجي، نسبة إلى برديج قرب بردعة - بإهمال الدال - بلد بأذربيجان، ويقال له البردعي أيضًا.
(3)
" التوضيح ": 2/ 4، 5.
(4)
نفسه: 2/ 6.
أَمْرٌ رَوَاهُ هُوَ وَلَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ فَيُنْظَرُ فِي هَذَا الرَّاوِي المُنْفَرِدِ، فَإِنْ كَانَ عَدْلاً حَافِظًا مَوْثُوقًا بِإِتْقَانِهِ وَضَبْطِهِ قَبْلَ مَا اِنْفَرَدَ بِهِ وَلَمْ يُقْدَحْ الاِنْفِرَادُ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يُوثَقُ بِحِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ لِذَلِكَ الذِي اِنْفَرَدَ بِهِ كَانَ اِنْفِرَادُهُ خَارِمًا لَهُ مُزَحْزِحًا لَهُ عَنْ حَيِّزِ الصَّحِيحِ» (1). ويكاد ابن الصلاح بتفصيله أنواع التفرد المطلق يشير إلى انقسام المنكر إلى ما ينقسم إليه الشاذ. ففي كل منهما مخالفة لمن هو أرجح، وفي كل منهما مقبول ومردود، فلا بدع إذا كان كلام ابن الصلاح صريحًا في أن المنكر والشاذ بمعنى (2).
ولكن القول بترادف الشاذ والمنكر بعيد، وقد نبه السيوطي على بعده بقوله في " ألفيته ":
المُنْكَرُ الذِي رَوَى غَيْرُ الثِّقَهْ
…
مُخَالِفًا، فِي نُخْبَةٍ قَدْ حَقَّقَهْ
قَابَلَهُ المَعْرُوفُ، وَالذِي رَأَى
…
تَرَادُفَ المُنْكَرِ وَالشَّاذِ نَأَى (3)
وهو يقصد ابن الصلاح الذي نأى عن الأرجح وَبَعُدَ حين رأى ترادف الاصطلاحين، وهو ما قصده ابن حجر أيضًا حين قال:«وَقَدْ غَفَلَ مَنْ سَوَّى بَيْنَهُمَا» (4).
ومن أوضح أمثلة المنكر ما رواه ابن أبي حاتم (5) من طريق حَبيبٍ بْنِ
(1)" التوضيج ": 2/ 4 هامش.
(2)
" التدريب ": ص 82.
(3)
" ألفية السيوطي في مصطلح الحديث ": ص 93، البيتان: 180، 181.
(4)
" شرح النخبة ": ص 14.
(5)
هو الحافظ ابن الحافظ، عبد الرحمن بن أبي حاتم، محمد بن إدريس بن المنذر الرازي. حافظ الري. له مسند في ألف جزء (" الرسالة المستطرفة ": ص 54).