الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفَصْلُ الأَوَّلُ: أَقْسَامُ الحَدِيثِ:
الحديث إما مقبول وهو الصحيح، وإما مردود وهو الضعيف: هذا هو القسم الطبيعي الذي تندرج تحت نوعيه أقسام كثيرة أخرى تتفاوت صحة وضعفًا بتفاوت أحوال الرواة وأحوال متون الأحاديث.
لكن المحدثين اصطلحوا على تقسيم ثلاثي للحديث آثروه على التقسيم الثنائي السابق، فأصبح الحديث لا يخرج عن أحد هذه الأقسام الرئيسية: فهو إما صحيح، وإما حسن، وإما ضعيف (1).
وظاهر أن «الحَسَنَ» يكون - على الرأي الأول - تابعًا لأحد القسمين، فهو إما نوع من الصحيح - كما ينقل الذهبي عن البخاري ومسلم - (2) وإما نوع من الضعيف الذي لا يترك العمل به (3) بل هو - كما قال أحمد بن حنبل -
(1)" التدريب ": ص 13 وقارن بـ " توضيح الأفكار ": 1/ 7.
(2)
وحجة الذهبي في ذلك أن البخاري ومسلمًا أخرجا أحاديث راويها خفيف الضبط ولكنه غير مُتَّهَمٍ بالكذب، غير أنهما اشترطا أن تُعْضَدَ بسند آخر من كل وجه. ولما كان كِتَابَا هذين الإمامين لا يشتملان إلا على أحاديث [صَحِيحَةٍ]- ولذلك سُمِّيَا بالصحيحين - فإن ما فيهما من الأحاديث التي تغلب عليها صفة الحسن جدير أن يعتبر صحيحًا.
(3)
لأنهم قَسَّمُوا الضعيف إلى متروك العمل به، وهو ما كان راويه مُتَّهَمًا بالكذب أو =
أجدر أن يعمل به من القياس. وأما على الرأي الثاني فيكون «الحَسَنُ» قسمًا قائمًا برأسه دون الصحيح وأعلى من الضعيف.
وأما الموضوع - وهو المختلق على رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أو على غيره من الصحابة والتابعين - فلم نذكره بين أقسام الحديث، لأنه ليس حديثًا في الواقع ونفس الأمر، وإنما هو لدى مختلقه فقط في حكم الحديث (1)، وإثبات وضعه هو الذي يسقط عنه صفة «الحَدِيثِ» . أما قبل إثبات وضعه فلنا أن نُسَمِّيهِ «حَدِيثًا» انتظارًا لما تسفر عنه نتيجة البحث فيه، فأما أن تثبت فيه صفة الضعف، فَيُسَمَّى «حَدِيثًا ضَعِيفًا» قَطْعًا. فإذا سمعت أو قرأت هذه العبارة:«حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ» فالغرض من ذكر لفظ «الحَدِيثِ» فيها الحكم عليه بحرمة نقله وروايته.
وأقسام الحديث الثلاثة تشتمل على أنواع كثيرة تندرج تحتها، ومن هذه الأنواع ما هو خالص للصحة أو للحسن أو للضعف، وما هو مشترك بين الصحيح والحسن فقط، ثم ما هو مشترك - أخيرًا - بين الثلاثة على السواء: الصحيح والحسن والضعيف. وحول ألقاب هذه الأنواع (الخالصة لأقسام الحديث تارة، أو المشتركة بينها تارة أخرى) وضعت المصطلحات الكثيرة،
= كثير الغلط، وقسم غير متروك وهو «الحَسَنُ» لأن راويه ليس مُتَّهَمًا بالكذب ولا كثير الغلط، وإنما هو خفيف الضبط فحسب.
(1)
وعبارتنا هذه لا ينبغي أن تستغرب بعد قول السيوطي في " التدريب ": ص 13 ما نصه: «وَإِنَّمَا لَمْ يُذْكَرِ الْمَوْضُوعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ بِحَدِيثٍ اصْطِلَاحًا، بَلْ بِزَعْمِ وَاضِعِهِ» .
فَسَمَّاهَا بعضهم علومًا، وبعضهم أنواعًا، واتفق هؤلاء وأولئك على أنها من الكثرة بحيث لا تعد ولا تحصر (1)، حتى قال الحازمي [فِي كِتَابِ " الْعُجَالَةِ "] (2):«عِلْمُ الْحَدِيثِ يَشْتَمِلُ عَلَى أَنْوَاعٍ كَثِيرَةٍ تَبْلُغُ مِائَةً، كُلُّ نَوْعٍ مِنْهَا عِلْمٌ مُسْتَقِلٌّ لَوْ أَنْفَقَ الطَّالِبُ فِيهِ عُمُرَهُ لَمَا أَدْرَكَ نِهَايَتَهُ» (3).
وحين ألف ابن الصلاح كتابه " علوم الحديث " ذكر من هذه الأنواع خمسة وستين ثم قال: «وَلَيْسَ ذَلِكَ بِآخِرِ المُمْكِنِ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَابِلٌ لِلتَّنْوِيعِ إِلَى مَا لَا يُحْصَى، إِذْ لَا تُحْصَى أَحْوَالُ رُوَاةِ الحَدِيثِ، وَصِفَاتُهُمْ، وَأَحْوَالُ مُتُونِ الحَدِيثِ، وَصِفَاتُهَا» (4). ولكن ابن كثير - في اختصاره لهذا الكتاب - لاحظ إمكان دمج بعض هذه الأنواع في بعض، وأخذ على ابن الصلاح بسطه كل هذه التقاسيم، ورتبها ترتيبًا جديدًا على ما هو الأنسب في نظره (5)، ولنا، مع ذلك، ملاحظات على ترتيبه، فلن نأخذ به جملة وتفصيلاً وإن كنا سنسير غالبًا في هَدْيِهِ.
ويبدو لنا أن العَلَاّمَةَ جمال الدين القاسمي (6) في " قواعد التحديث " كان
(1)" التدريب ": ص 9.
(2)
الحازمي هو الإمام الحافظ النسابة، أبو بكر محمد بن موسى بن حازم الهمذاني، المُتَوَفَّى ببغداد سَنَةَ 584 هـ. وله كتب كثيرة منها " الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار ". ومنها " العجالة ".
(3)
" التدريب ": ص 9.
(4)
" اختصار علوم الحديث ": ص 19، 20.
(5)
نفسه: ص 20.
(6)
جمال الدين القاسمي هو عَلَاّمَةُ الشام، ونادرة الأيام، صاحب التصانيف الكثيرة، الذي تُوُفِّيَ منذ عهد قريب سَنَةَ 1332 هـ.
أقرب إلى المنطق حين ذكر ألقابًا للحديث تشمل الصحيح والحسن (1)، وأنواعًا تشترك في الصحيح والحسن والضعيف (2)، ثم أنواعًا تختص بالضعيف (3). ولاستحساننا هذا التقسيم سيظهر على كتابنا هذا أثر واضح منه، إلا أن القارئ الكريم لن يخفى عليه أننا لسنا دائمًا على وفاق مع عَلَاّمَةِ الشام في مصطلحاته وتقاسيمه. ولقد قال علماؤنا القُدَامَى:«لَا مُشَاحَّةَ فِي الاصْطِلَاحِ» فاستخرنا الله عز وجل في أن نعرض للناس مصطلحات الحديث بعبارة واضحة، وتقسيم لا لُبْسَ فيه، ولا تتداخل الأنواع والألقاب فيه قانعين من مباحثه بأهمها، مستغنين عما نظنه قليل الفائدة من النقاش اللفظي والجدل العقيم.
(1)" قواعد التحديث ": ص 88.
(2)
نفسه: ص 104.
(3)
نفسه: ص 111.