الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفَصْلُ الرَّابِعُ: دَوْرُ الحَدِيثِ وَأَلْقَابِ المُحَدِّثِينَ:
في القرن الهجري السادس امتازت الحياة الإسلامية بظاهرة. جديدة أضعفت بعض الشيء الرحلة في طلب الحديث: فحتى أوائل هذا القرن لم تكن في المجتمع الإسلامي مدارس خاصة لتلقِّي الحديث، فكان الطلبة يضطرُّون إلى الارتحال والتجوال ، وإنما كانت المدارس التي تتعمق في الفقه ومذاهبه وآرائه والمجتهدين فيه تؤسس في كل مكان، لتزوِّد جهاز الدولة بالقُضاة والمتشرِّعين.
ولقد أنشئت أول دار للحديث في القرن الهجرى السادس تحقيقاً لرغبة نور الدين محمود بن أبي سعيد زنكي (- 569 هـ) الذي خَلَّدَ اسمه بإنشاء المدرسة النورية في دمشق. وكان ابن عساكر صاحب " تاريخ دمشق " من شيوخ هذه المدرسة (1).
(1) ( Wustenfeld، die Akademien der Araber und ihre Lehrer، p.69 (ef.Tradit. Islam، 231 note 1.
وكتاب وستنفلد المذكور من أطرف ما أُلِّفَ في وصف دور العلم عند العرب والترجمة لشيوخها. أما ابن عساكر فهو أبو القاسم علي بن الحسن الدمشقي الشافعي خاتمة الجهابذة الحُفَّاظ. تُوُفِّيَ سَنَةَ 571 هـ.
وبعد عشرات السنين، قامت في القاهرة دار للحديث بأمر الملك الأيُّوبي الكامل ناصر الدين، وقد تم تأسيسها سَنَةَ 622 هـ، وكان أول أستاذ فيها أبا الخطاب بن دحية (1).
وبعد أربع سنوات من تأسيس المدرسة الكاملية، نشأت ني دمشق المدرسة الأشرفية سنة 626 هـ، فكان أول شيوخها أبا عمرو بن الصلاح (2). وَدَرَّسَ في هذه الدار أَيْضًا الإمام النووي (3).
ولقد قامت في دمشق دُورٌ أخرى للحديث، ولكنها لم تكن ذات شأن عظيم (4). وهذه الدُورُ جميعاً لم تطل حياتها، لأنها لم تك كمدارس الفقه والأحكام وسيلة إلى المناصب والقضاء، والحظوة عند الخلفاء، ثم هي - فوق ذلك - لم تك تشفي غلة الورعين من طلاب الحديث. الذين ظلوا يُؤْثِرُونَ الرحلة والطواف بالأقاليم.
(1) هو الحافظ عمر بن الحسن المشهور بابن دحية. وهو أندلسي بلنسي، نسبة إلى بلنسة مدينة شرق الأندلس. توفي بالقاهرة سَنَةَ 633 هـ. له " التنوير في مولد السراج المنير ". ويفهم من " خطط المقريزي ": 2/ 375 أنَّ فتى ليس له من ابن آدم إلَاّ الشكل خلف ابن دحية في التدريس بالكاملية.
(2)
هو الحافظ المعروف أبو عمرو تقي الدين عثمان بن عبد الرحمن الكردي الشهرزوري المشهور بابن الصلاح. تُوُفِّيَ سَنَةَ 643 هـ.
(3)
هو الإمام محيى الدين أبو زكريا يحيى بن شرف النووي. له في علوم الحديث تصانيف كثيرة أشهرها " شرح صحيح مسلم "، تُوُفِّيَ سَنَةَ 676 هـ.
(4)
وقد تناول هذه الدور بالدراسة الإحصائية الدقيقة ( Michael Meschaka's Cultur-Statistik von Damaskus (ef. Tradit. Islam، 232 note 1.