المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌لماذا منعوا الاحتجاج بالحديث - علوم الحديث ومصطلحه - جـ ١

[صبحي الصالح]

فهرس الكتاب

- ‌البَابُ الأَوَّلُ: تَارِيخُ الحَدِيثِ:

- ‌الفَصْلُ الأَوَّلُ:‌‌ الحَدِيثُ وَالسُنَّةِوَاصْطِلَاحَاتٍ أُخْرَى:

- ‌ الحَدِيثُ وَالسُنَّةِ

- ‌الخَبَرُ وَالأَثَرُ:

- ‌الحَدِيثُ القُدْسِيُّ:

- ‌الفَصْلُ الثَّانِي: حَوْلَ تَدْوِينِ الحَدِيثِ:

- ‌مَعْرِفَةُ العَرَبِ لِلْكِتَابَةِ قَبْلَ الإِسْلَامِ:

- ‌أَسْبَابُ قِلَّةِ الكِتَابَةِ فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم

- ‌الصُّحُفُ المَكْتُوبَةُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌صَحِيفَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ لِهَمَّامٍ بْنِ مُنَبِّهٍ:

- ‌مَوْقِفُ المُسْتَشْرِقِينَ مِنْ تَدْوِينِ الحَدِيثِ:

- ‌عَصْرُ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ:

- ‌عَصْرُ التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ:

- ‌الفَصْلُ الثَّالِثُ: الرِّحْلَةُ فِي طَلَبِ الحَدِيثِ:

- ‌الطَّابَعُ الإِقْلِيمِيُّ فِي نَشْأَةِ الحَدِيثِ:

- ‌الرِّحْلَةُ فِي طَلَبِ الحَدِيثِ:

- ‌الرِّحْلَةُ لِلْمُتَاجَرَةِ بِالحَدِيثِ:

- ‌مُقَاوَمَةُ المُتَسَاهِلِينَ بِالحَدِيثِ:

- ‌الفَصْلُ الرَّابِعُ: دَوْرُ الحَدِيثِ وَأَلْقَابِ المُحَدِّثِينَ:

- ‌أَلْقَابُ المُحَدِّثِينَ:

- ‌رِوَايَةُ الحَدِيثِ بِالحِفْظِ:

- ‌الفَصْلُ الخَامِسُ: تَحَمُّلُ الحَدِيثِ وَصُوَرُهُ:

- ‌أَوَّلاً - السَّمَاعُ:

- ‌ثَانِيًا: القِرَاءَةُ:

- ‌ثَالِثًا: الإِجَازَةُ:

- ‌رَابِعًا: المُنَاوَلَةُ:

- ‌خَامِسًا: المُكَاتَبَةُ:

- ‌سَادِسًا: الإِعْلَامُ:

- ‌سَابِعًا: الوَصِيَّةُ:

- ‌ثَامِنًا: الوِجَادَةُ:

- ‌البَابُ الثَّانِي: التَّصْنِيفُ فِي عُلُومِ الحَدِيثِ:

- ‌الفَصْلُ الأَوَّلُ: عِلْمُ الحَدِيثِ رِوَايَةً وَدِرَايَةً:

- ‌1 - عِلْمُ الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ:

- ‌2 - عِلْمُ رِجَالِ الحَدِيثِ:

- ‌3 - عِلْمُ مُخْتَلَفِ الحَدِيثِ:

- ‌4 - عِلْمُ عِلَلِ الحَدِيثِ:

- ‌5 - عِلْمُ غَرِيبِ الحَدِيثِ:

- ‌6 - عِلْمُ نَاسِخِ الحَدِيثِ وَمَنْسُوخُهُ:

- ‌الفَصْلُ الثَّانِي: كِتَابَةُ الحَدِيثِ رِوَايَةً وَمَرَاتِبُهَا:

- ‌[أ]- مَرَاتِبُ هَذِهِ الكُتُبُ:

- ‌[ب]- التَّعْرِيفُ بِأَهَمِّ كُتُبِ الرِّوَايَةِ وَالمَسَانِيدِ:

- ‌الفَصْلُ الثَّالِثُ: شُرُوطُ الرَّاوِي وَمَقَايِيسُ المُحَدِّثِينَ:

- ‌البَابُ الثَّالِثُ: مُصْطَلَحُ الحَدِيثِ:

- ‌الفَصْلُ الأَوَّلُ: أَقْسَامُ الحَدِيثِ:

- ‌الفَصْلُ الثَّانِي: القِسْمُ الأَوَّلُ - الحَدِيثِ الصَّحِيحُ:

- ‌الفَصْلُ الثَّالِثُ: الحَدِيثُ الحَسَنُ:

- ‌أَلْقَابٌ تَشْمَلُ الصَّحِيحَ وَالحَسَنَ:

- ‌الفَصْلُ الرَّابِعُ: الحَدِيثُ الضَّعِيفُ:

- ‌أَنْوَاعٌ تَخْتَصُّ بِالضَّعِيفِ:

- ‌الأَوَّلُ - المُرْسَلُ:

- ‌الثَّانِي - المُنْقَطِعُ:

- ‌الثَّالِثُ - المُعْضَلُ:

- ‌الرَّابِعُ - المُدَلَّسُ:

- ‌الخَامِسُ - المُعَلَّلُ:

- ‌السَّادِسُ - المُضْطَرِبُ:

- ‌السَّابِعُ - المَقْلُوبُ:

- ‌الثَّامِنُ - الشَّاذُّ:

- ‌التَّاسِعُ - المُنْكَرُ:

- ‌العَاشِرُ - المَتْرُوكُ:

- ‌الفَصْلُ الخَامِسُ: القِسْمُ المُشْتَرَكُ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالحَسَنِ وَالضَّعِيفِ:

- ‌أ - 1 و 2 و 3 - المَرْفُوعُ وَالمُسْنَدُ وَالمُتَّصِلُ:

- ‌ب - 4 و 5 و 6 - المُعَنْعَنُ وَالمُؤَنَّنُ وَالمُعَلَّقُ:

- ‌جـ - 7 و 8 - الفَرْدُ وَالغَرِيبُ:

- ‌د - 9 و 10 و 11 - العَزِيزُ وَالمَشْهُورُ وَالمُسْتَفِيضُ:

- ‌هـ - 12 و 13 - العَالِي وَالنَّازِلُ:

- ‌و - 14 و 15 - المُتَابِعُ وَالشَّاهِدُ:

- ‌16 - المُدْرَجُ:

- ‌17 - المُسَلْسَلُ:

- ‌18 - المُصَحَّفُ:

- ‌الفَصْلُ السَّادِسُ: المَوْضُوعُ وَأَسْبَابُ الوَضْعِ:

- ‌الفَصْلُ السَّابِعُ: الحَدِيثُ بَيْنَ الشَّكْلِ وَالمَضْمُونِ:

- ‌البَابُ الرَّابِعُ: مَكَانَةُ الحَدِيثِ فِي التَّشْرِيعِ وَاللُّغَةِ وَالأَدَبِ:

- ‌الفَصْلُ الأَوَّلُ: مَكَانَةُ الحَدِيثِ فِي التَّشْرِيعِ:

- ‌إِشَادَةُ القُرْآنِ بِطَاعَةِ الرَّسُولِ وَالْتِزَامِ سُنَّتِهِ:

- ‌شُمُولُ السُنَّةِ كُلَّ آفَاقِ التَّشْرِيعِ:

- ‌اِسْتِقْلَالُ السُنَّةِ بِالتَّشْرِيعِ وَلَوْ كَانَ أَصْلُهَا فِي الكِتَابِ:

- ‌الفَصْلُ الثاَّنِي: الحَدِيثُ الصَّحِيحُ حُجَّةٌ فيِ التَّشْرِيعِ:

- ‌لَا فَرْقَ بَيْنَ السُنَّةِ وَالكِتَابِ فِي الحَلَالِ وَالحَرَامِ:

- ‌تَفَاوُتُ عِلْمِ الصَّحَابَةِ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ:

- ‌نَشْأَةُ المَذَاهِبِ وَاحْتِجَاجُ أَصْحَابِهَا بِالحَدِيثِ:

- ‌الاِحْتِجَاجُ بِخَبَرِ الآحَادِ وَشُرُوطِهِ:

- ‌الاِحْتِجَاجُ بِالخَبَرِ المُحْتَفِّ بِالقَرَائِنِ، وَاِسْتِبْعَادِ الضَّعِيفِ:

- ‌الفَصْلُ الثَّالِثُ: أَثَرُ الحَدِيثِ فِي عُلُومِ الأَدَبِ:

- ‌نَشْأَةُ العُلُومِ الإِسْلَامِيَّةِ فِي ظِلِّ الحَدِيثِ:

- ‌تَأْثِيرُ الحَدِيثِ فِي أُصُولِ النَّحْوِ:

- ‌تَبْكِيرُ القَوْمِ بِالرِّوَايَةِ المَصْحُوبَةِ بِالإِسْنَادِ:

- ‌عُلُومُ الأَدَبِ وَتَأَثُّرِهَا بِأَسَانِيدِ المُحَدِّثِينَ:

- ‌الفَصْلُ الرَّابِعُ: الاِحْتِجَاجُ بِالحَدِيثِ فِي اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ:

- ‌تَحَرُّجُ الأَئِمَّةِ مِنْ رِوَايَةِ الحَدِيثِ:

- ‌الاِحْتِجَاجُ بِالحَدِيثِ فِي اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ:

- ‌لِمَاذَا مَنَعُوا الاِحْتِجَاجَ بِالحَدِيثِ

- ‌البَابُ الخَامِسُ: طَبَقَاتُ الرُّوَاةِ:

- ‌الفَصْلُ الأَوَّلُ: ابْنُ سَعْدٍ وَمَنْهَجُ التَّصْنِيفِ فِي " الطَّبَقَاتِ

- ‌تَمْهِيدٌ:

- ‌ابْنُ سَعْدٍ، حَيَاتُهُ وَأَخْبَارُهُ:

- ‌مَصَادِرُهُ الأَسَاسِيَّةُ:

- ‌كَلِمَةٌ فِي شَيْخِهِ الوَاقِدِي:

- ‌بَيْنَ الشَّيْخِ وَالتِّلْمِيذِ:

- ‌أَهَمُّ مُحْتَوَيَاتِ الكِتَابِ:

- ‌مَنْهَجُهُ فِي " الطَّبَقَاتِ

- ‌عِنَايَتُهُ بِالأَنْسَابِ:

- ‌رَاوِيَةٌ عَلَى طَرِيقَةِ المُحَدِّثِينَ:

- ‌الفَصْلُ الثَّانِي: طَبَقَاتُ الرُوَّاةِ:

- ‌طَبَقَاتُ الرُوَّاةِ وَتَقْسِيمُهَا الاِصْطِلَاحِي:

- ‌طَبَقَاتُ الرُوَّاةِ عَلَى تَقْسِيمِ ابْنِ حَجَرْ:

- ‌ طبقة الصحابة

- ‌طَبَقَةُ التَّابِعِينَ:

- ‌طَبَقَةُ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ:

- ‌الفَصْلُ الثَّالِثُ: مِنْ تَرَاجِمِ الصَّحَابَةِ:

- ‌أَوَّلاً - السَّبْعَةُ المُكْثِرُونَ:

- ‌1 - أبو هريرة:

- ‌2 - عبد الله بن عمر:

- ‌3 - أنس بن مالك:

- ‌4 - السيدة عائشة أم المؤمنين:

- ‌5 - عبد الله بن عباس:

- ‌6 - جابر بن عبد الله:

- ‌7 - أبو سعيد الخُدري:

- ‌ثَانِيًا - بَعْضُ مَشَاهِيرِ الصَّحَابَةِ:

- ‌8 - عبد الله بن مسعود:

- ‌9 - عبد الله بن عمرو بن العاص:

- ‌10 - أبو ذر الغفاري:

- ‌11 - سعد بن أبي وقاص:

- ‌12 - معاذ بن جبل:

- ‌13 - أبو الدرداء:

- ‌الفَصْلُ الرَّابِعُ: تَرَاجِمُ بَعْضِ كِبَارِ التَّابِعِينَ:

- ‌1 - سعيد بن المسيب:

- ‌2 - نافع مولى ابن عمر:

- ‌3 - محمد بن سيرين:

- ‌4 - ابن شهاب الزهري:

- ‌5 - سعيد بن جبير:

- ‌6 - الإمام أبو حنيفة:

- ‌الفَصْلُ الخَامِسُ: تَرَاجِمُ بَعْضِ أَتْبَاعِ التاَّبِعِينَ:

- ‌1 - الإمام مالك بن أنس:

- ‌2 - الإمام الشافعي:

- ‌3 - سفيان الثوري:

- ‌4 - سفيان بن عيينة:

- ‌5 - الليث بن سعد:

- ‌الفَصْلُ السَّادِسُ: تَرَاجِمُ بَعْضِ أَتْبَاعِ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ:

- ‌1 - الإمام أحمد بن حنبل:

- ‌2 - الإمام البخاري:

- ‌3 - الإمام مسلم:

- ‌4 - الإمام الترمذي:

- ‌جَرِيدَةُ المَرَاجِعِ:

- ‌مَسْرَدُ‌‌ الأعَلَامِ:

- ‌ ا

- ‌ ب

- ‌ت

- ‌ ح

- ‌ج

- ‌ ث

- ‌د

- ‌ خ

- ‌ر

- ‌ ذ

- ‌ز

- ‌(س

- ‌ش):

- ‌ ص

- ‌ ع

- ‌ ض

- ‌ ط

- ‌ف

- ‌ غ

- ‌ك

- ‌ل

- ‌م

- ‌ق):

- ‌ن

- ‌و

- ‌ه

- ‌ي:

الفصل: ‌لماذا منعوا الاحتجاج بالحديث

يفسر بعض الباحثين المعاصرين هذا الموقف العجيب أدق تفسير وأوفاه حين يقول: «ولكن ذلك - أي الاحتجاج بالحديث - لم يقع كما ينبغي، لانصراف اللغويين والنحويين المتقدمين الى ثقافة ما يزودهم به رواة الأشعار خاصة، انصرافًا استغرق جهودهم، فلم يبق فيهم لرواية الحديث ودرايته بقية، فتعقلوا لعدم احتجاجهم بالحديث بعلل، كلها وارد بصورة أقوى على ما احتجوا به هم أنفسهم من شعر ونثر» (1).

‌لِمَاذَا مَنَعُوا الاِحْتِجَاجَ بِالحَدِيثِ

؟:

وأقوى ما تَعَلَّلَ به مانعو الاحتجاج بالحديث أنهم لم يثقوا بأن تلك المرويات المتعددة المتكاثرة كلها من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم أفصح العرب قاطبة، و «إنما ترك العلماء ذلك - كما يقول أبو حيان الأندلسي - لعدم وثوقهم أن ذلك لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ لو وثقوا بذلك لجرى مجرى القرآن في إثبات القواعد الكلية» (2). ويفسر أبو حيان موقف المانعين بأمرين: أحدهما تجويز الرواة نقل القصة الواحدة بألفاظ مختلفة مع أن النبي عليه السلام لم ينطق بتلك الألفاظ جميعًا، وإنما أتى أولئك الرواة بالمرادف ولم يأتوا باللفظ النبوى الفصيح (3)، والآخر وقوع كثير من اللحن فيما روي من الحديث «لأَنَّ كَثِيرًا مِنَ الرُّوَاةِ كَانُوا غَيْر عَرَبٍ

(1)" أصول النحو " للأستاذ سعيد الأفغاني: ص 41.

(2)

ذكره السيوطي في " الاقتراح ": ص 16. وقارن بـ " كشف الظنون ": ص 405 - 407.

(3)

مثل لذلك أبو حيان بحديث «زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ» ، وفي الرابعة:«أَمْلَكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ» .

ص: 328

بِالطَّبْعِ، وَلَا يَعْلَمُونَ لِسَانَ العَرَبِ بِصِنَاعَةِ النَّحْوِ، فَوَقَعَ اللَّحْنُ فِي كَلَامِهِمْ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ» (1).

الرد كل المانعين:

-----------------

والحق أن تجويز الرواية بالمعنى قد أحيط - عِنْدَ المُجَوِّزِينَ - بشروط لم تتوافر إلا في الصحابة والتابعين وكبار أئمة الفقهاء والرواة ممن كانت لغتهم سليقة، وَجِبِلَّتِهِمْ عربية، فلو غَيَّرَ أَحَدُهُمْ - وهو العربي المطبوع - لفظًا بلفظ آخر مرادف له، لكان على النحاة تفضيله على غيره من كلام العرب، لأن تقلب صاحبه في البيئات العربية الفصحى لا يسمح قط بالتردد في قبوله والأخذ به، لذلك قال الإمام أحمد بن حنبل في الشافعي:«إِنَّ كَلَامَهُ فِي اللُّغَةِ حُجَّةٌ» (2).

هذا على فرض رواية أولئك الأسلاف الصالحين على المعنى، وعلى فرض تساهلهم جميعًا في الحديث المرفوع كتساهلهم في غيره، ثم على فرض الإجماع على إباحة الرواية بالمعنى إطلاقًا للجميع في عصر الرواية والتدوين، ولكن الواقع خلاف هذا من كل وجه: فالرعيل الأول من الرواة كانوا يتشددون في الرواية باللفظ والنص، ولا يتساهلون حتى بالواو والفاء، وَكَانَ أَحَبُّ إِلَى أَحَدِهِمْ - كَمَا قَالَ الأَعْمَشُ -:«أَنْ يَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ أَنْ يَزِيدَ فِي الحَدِيثِ وَاوًا، أَوْ أَلِفًا، أَوْ دَالاً» (3)، وما أكثر الأمثلة التي تشير إلى تردد الراوي بين لفظين حرص الراوي

(1) قارن بـ " الاقتراح ": ص 21.

(2)

" الاقتراح " أيضًا: ص 24.

(3)

" الكفاية ": ص 178، وقارن بما أوضحناه ص 80 - 82.

ص: 329

نفسه على التصريح بكل منهما مخافة أن يلفظ بغير لفظ النبي عليه السلام! (1).

ومن الأئمة من تشدد في منع الرواية بالمعنى في الحديث المرفوع إلى النبي، وإنما كانوا يتساهلون في الموقوف على الصحابي، والمقطوع عند التابعي، لأنهم كانوا يعتقدون أن التحفظ الكامل ينبغي أن يكون في حديث رسول الله نفسه، لما له من مكانة في التشريع (2).

وقد رأينا كيف منع بعض المحققين من العلماء غير الصحابة من رواية الحديث بالمعنى، وإن استوفوا مراد الرسول صلى الله عليه وسلم لدى تبديل لفظه بمرادفه، وعقلوا هذا بأن الإباحة لو أطلقت لما كان أحد على ثقة من الأخذ بالحديث (3)، ولا ريب أن فرص الرواية على المعنى - بعد هذا التشدد كله، وهذا التضييق من كل جانب - أمست قليلة بل نادرة الوقوع، وأن هذا الضرب من الرواية - على فرض وقوعه - كان مقصورًا بعد عصر التدوين على العالم بالنحو والصرف العارف بمدلولات الألفاظ ومقاصدها، القادر على أداء الحديث خاليًا من اللحن فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يلحن، فمن روى عنه شيئًا ولحن فيه كذب عليه، وتبوأ مقعده من النار (4).

(1) كما في حديث سعد بن أبي وقاص: وقال عليه الصلاة والسلام: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» - أَوْ كَبِيرٌ -، فالراوي لشكه يثبت اللفظ بالثاء المثلثة والراء الموحدة. (انظر " دليل الفالحين ": 1/ 46). ومثله حديث أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري الذي أوله قوله عليه السلام: «الطَّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ» . فإن فيه بعد ذلك «وَسُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآنِ - أَوْ تَمْلأُ - مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ» . فقد شك الراوي هل العبارتان كلتاهما تملآن - بالتثنية - أم تعدان عبارة واحدة (تَمْلأُ) بالإفراد، فأثبت الراوي اللفظين ورعًا واحتياطًا (" دليل الفالحين ": 1/ 130).

(2)

كما نقل البيهقي في " مدخله " عن الإمام مالك. وانظر " الباعث الحثيث ": ص 158.

(3)

راجع ص 84.

(4)

قارن بـ " اختصار علوم الحديث "(لابن كثير): ص 192.

ص: 330

وإن طائفة غير يسيرة من الأحاديث التي فيها ما يشبه اللحن لتفسر - في نظرنا أحيانًا كثيرة - بتحرج الرواة واحتياطهم في التحمل والأداء، فكان بعضهم - لشدة أمانته - يلحن كما يلحن الراوي ما دام اللفظ الذي يرويه لا يحيل المعنى ولا يفسده (1)، ومن هاهنا نادى أهل التحقيق بوجوب رد الحديث إلى الصواب، إذا كان راويه قد خالف موجب الإعراب! (2) فمن ذلك أَنَّ الحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ الحُلْوَانِيِّ قَالَ:«مَا وَجَدْتُمْ فِي كِتَابِي، عَنْ عَفَّانَ لَحْنًا فَأَعْرِبُوهُ، فَإِنَّ عَفَّانَ كَانَ لَا يَلْحَنُ» وَقَالَ عَفَّانُ: «مَا وَجَدْتُمْ فِي كِتَابِي، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ لَحْنًا فَأَعْرِبُوهُ، فَإِنَّ حَمَّادًا كَانَ لَا يَلْحَنُ» وَقَالَ حَمَّادٌ: «مَا وَجَدْتُمْ فِي كِتَابِي عَنْ قَتَادَةَ لَحْنًا فَأَعْرِبُوهُ، فَإِنَّ قَتَادَةَ كَانَ لَا يَلْحَنُ» (3).

خلاصة البحث:

---------------

وإن هذه المقاييس التى أخذ بها المحدثون أنفسهم لدى رواية المتون - إلى جانب ما التزموه من دقة بالغة لدى رواية الأسانيد - لتؤكد تأكيدًا قاطعًا أن مانعي الاحتجاج بالحديث من اللغويين والنحويين المتقدمين ارتكبوا خطأ جسيمًا حين تَعَلَّلُوا بأن مرويات الحديث لا تؤنس الثقة بأنها من لفظ النبي العربي الكريم: فإن هؤلاء المانعين أنفسهم عرفوا - كما عرف المجيزون - «أَنَّ مَا فِي رِوَايَاتِ الحَدِيثِ مِنْ ضَبْطِ

(1)" الكفاية ": ص 186. وقد روي هذا عن الإمام محمد بن سيرين.

(2)

" الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع " للخطيب: 6/ 103 وجه 1.

(3)

انظر كتاب " ألف باء " للبلوي: 1/ 44.

ص: 331

وَدِقَّةٍ وَتَحَرٍّ لَا يَتَحَلَّى بِبَعْضِهِ كُلُّ مَا يَحْتَجُّ بِهِ النُحَّاةُ وَاللُّغَوِيُّونَ مِنْ كَلَامِ العَرَبِ» (1).

على أنا نلتمس بعض العذر للمتقدمين من أولئك اللغويين والنحويين - إن لم نعلل بما تعللوا به من الريبة في الحديث - فنرى «شُحَّ المَوْرِدِ» (2) وندرة الرواية، وقلة التصنيف، من أقوى الأسباب التي حملت القوم على «انْتِجَاعِ الجَدْبِ فِي غَيْرِ الحَدِيثِ وَالخَصْبُ مُحِيطٌ بِهِمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ» (3). فيما صحت يومئذٍ روايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي ضوء هذا التفسر، يمكننا أن نفهم سر الامتناع عن الاحتجاج بالحديث، الذي عَزَوْهُ إلى واضعي النحو الأولين أبي عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر والخليل وسيبويه من الأئمة البصريين، والكسائي والفراء وعلي بن مبارك الأحمر وهشام الضرير من أئمة الكوفيين (4). كما أنا، في ضوء هذا التفسير نفسه، يمكننا أن نفهم سِرَّ احتجاج المتأخربن من اللغويين بأحاديث الرسول في معجماتهم التي اشتملت على أنقى الألفاظ وأفصحها مصحوبة بشروحها وشواهدها، كما في " تهذيب " الأزهري، و" صحاح " الجوهري، و " مقاييس " ابن فارس، و " فائق " الزمخشري، وكما في مسائل كبار النحويين كابن خروف وابن جني وابن بري والسهيلي، حتى قال ابن الطيب من أصحاب هذا المذهب (5):

(1)" أصول النحو ": ص 47.

(2)

هذه عبارة الأستاذ سعيد الأفغاني في " أصول النحو ": ص 45 وهي عبارة دقيقة تصور الواقع النفسي للرعيل الأول من الرواة.

(3)

المصدر السابق: ص 45.

(4)

" الاقتراح ": ص 21.

(5)

بحث (الاستشهاد بالحديث) للسيد محمد الخضر حسين في " مجلة مجمع اللغة العربية ": 3/ 199.

ص: 332

«لا نعلم أحدًا من علماء العربية خالف في هذه المسألة ما أبداه الشيخ أبو حيان (- 745 هـ) في " شرح التسهيل "، وأبو الحسن [ابن] الضائع (- 680 هـ) في " شرح الجمل "، وتابعهما على ذلك الجلال السيوطي (- 911 هـ)» .

«وأغلب الظن - كما يقول الأستاذ سعيد الأفغاني -: أن من لم يستشهد بالحديث من المتقدمين لو تأخر به الزمن إلى العهد الذي راجت فيه بين الناس ثمرات علماء الحديث من رواية ودراية لقصروا احتجاجهم عليه بعد القرآن الكريم، ولما التفتوا قط إلى الأشعار والأخبار التي لا تلبث أن يطوقها الشك إذا وزنت بموازين فن الحديث العلمية الدقيقة» (1).

وبهذا المذهب المنطقي السليم لا نملك إلا أن نرد قضية الاحتجاج إلى معيار لا يخطئ أبدًا: وهو معيار الفصاحة والصفاء والسلامة من الفساد، فلا يحتج في الحديث ولا في غيره بمن لابس الضعف لغته، وخالطت العجمة كلامه، وتسربت الركة إلى لفظه مهما يَسْمُ مقامه. وكان هذا المعيار الدقيق كفيلاً - لو عرفه اللغويون المتقدمون في وقت مبكر - بإرساء قواعد اللغة وأصول النحو على دعائم ثابتة قوية، وبقطف ثمار تلك الأصول في نتاج نحوي غني بالشواهد كنتاج ابن مالك وابن هشام، من رجال النحو المتأخرين وأئمته الأعلام.

(1)" أصول النحو ": ص 49.

ص: 333