الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهي تأتي بعدها في الدرجة الثالثة بين درجات تحمل الحديث (1).
رَابِعًا: المُنَاوَلَةُ:
يريدون بالمناولة أن يعطي الشيخ تلميذه كتابًا أو حديثًا مكتوبًا ليقوم بأدائه وروايته عنه. وهي على صور متعددة تتفاوت قوة وضعفًا. فأعلى صورها وأقواها أن يناول الشيخ تليمذه الكتاب أو الحديث المكتوب ويقول له: قد ملكتك إياه وأجزتك بروايته فخذه عني (2). وَتُسَمَّى هذه الصورة «مُنَاوَلَةٌ مَعَ الإِجَازَةِ» وقد غَالَى بعضهم في شأنها فجعلها «أرفع من السماع، لأن الثقة بكتاب الشيخ مع إذنه فوق الثقة بالسماع منه وأثبت، لما يدخل من الوهم على السامع والمستمع» لكن الإمام النووي يفصل في هذه القضية بقوله: «وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مُنْحَطَّةٌ عَنْ السَّمَاعِ وَالقِرَاءَةِ» (3).
ويقارب «المُنَاوَلَةَ مَعَ الإِجَازَةِ» أن يقول الشيخ لتلميذه: «خُذْ هَذَا الكِتَابَ فَانْسُخْهُ وَرَاجِعْهُ ثُمَّ رُدَّهُ إِلَيَّ» .
ودون هاتين الصورتين أن يأتي التلميذ شيخه بكتاب من سماع شيخه، فيأخذه منه ويتأمله ثم يقول له:«ارْوِ هَذَا عَنِّي» .
ودون هذه الصور بلا ريب أن يأتي التليمذ شيخه بكتاب يلتمس منه أن يناوله إياه فيجيبه الشيخ إلى رغبته دون أن ينظر في الكتاب أو يراجعه أو يقابله.
خَامِسًا: المُكَاتَبَةُ:
هي أن يكتب الشيخ بخطه أو يُكَلِّفَ غيره بأن يكتب عنه بعض حديثه
(1)" التدريب ": ص 138.
(2)
قارن بـ " اختصار علوم الحديث ": ص 137.
(3)
" الباعث الحثيث ": ص 138.
لشخص حاضر بين يديه يلتقي العلم عليه، أو لشخص غائب عنه ترسل الكتابة إليه (1). وقوة الثقة بها لا يتطرق إليها شك بالنسبة إلى الحاضر المكتوب له لأنه يرى بنفسه خط الشيخ أو خط كاتبه بحضور الشيخ وإقراره. وأما بالنسبة إلى الغائب المكتوب له، فإن الثقة بالمكاتبة لا تضعف خلافًا لما يتبادر إلى الذهن لأول وهلة، لأن أمانة الرسول كافية في إقناع المرسل إليه بأن المكتوب من خط الشيخ أو خط الكاتب عن الشيخ (2) وفي هذه الحال يشترط أن يكون الكاتب والرسول ثقتين عدلين.
وقد تشدد بعضهم فاشترط في «المُكَاتَبَةِ» أن تكون مقرونة بـ «الإِجَازَةِ» وهو تشدد لا مسوغ له، لأن أكابر الرُوَّاةِ أخذوا بالمكاتبة وحدها غير مقرونة، فهذا البخاري يروي في كتاب (الأيمان والنذور) أنه كتب إلى محمد بن بشار وروى حديثه (3). وهذا مسلم يقول في " صحيحه ":[عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ:] «كَتَبْتُ إِلَى جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ مَعَ غُلَامِي نَافِعٍ، أَنْ أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيَّ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ جُمُعَةٍ عَشِيَّةَ رُجِمَ الأَسْلَمِيُّ
…
» (4) الخ
…
الحديث.
ولا ريب أن المكاتبة مع الإجازة أقوى من المكاتبة وحدها، بل يذهب بعضهم إلى ترجيح المكاتبة المقرونة بالإجازة حتى على السماع نفسه (5).
(1) قارن بـ " توضيح الأفكار ": 2/ 238 و " التدريب ": ص 146.
(2)
والحق أن خط الإنسان لا يشتبه بغيره، ولا يقع فيه الالتباس كما لاحظ ابن الصلاح. (انظر " التدريب ": ص 146).
(3)
" توضيح الأفكار ": 2/ 339 راجع الحاشية.
(4)
" تدريب الراوي ": ص 147.
(5)
" الباعث الحثيث ": ص 140.