الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفَصْلُ الثَّالِثُ: مِنْ تَرَاجِمِ الصَّحَابَةِ:
أَوَّلاً - السَّبْعَةُ المُكْثِرُونَ:
نَبَّهْنَا على أن كل صحابي زاد على رواية ألف حديث عُدَّ مُكْثِرًا.
وَالمُكْثِرُونَ - كما قلنا - سبعة، هم: أبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، والسيدة عائشة، وعبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله، وأبو سعيد الخدري. وإليك ترجماتهم وفقًا للترتيب الذي وردت به أسماؤهم آنفًا.
1 - أبو هريرة:
هو أكثر هؤلاء السبعة رواية، فقد أخرج له بقي بن مخلد (5374) حديثًا (1).
(1)" مسند بقي بن مخلد " من أهم مصادر الحديث. فقد روى عن ألف وثلاث مائة صاحب ونيف، ورتب حديث كل صحابي على أبواب الفقه، فهو مسند مصنف، وليست هذه الرتبة لأحد قبله. (قارن بـ " نفح الطيب ": 1/ 581).
ورسوله الله صلى الله عليه وسلم هو الذي كناه (أبا هريرة) يوم شاهده يحمل هرة صغيرة ولكن هذه الكنية التي سماه بها رسول الله على سبيل التحبب غلبت عليه، حتى بات من النادر أن يطلق عليه أحد اسمه الحقيقي (عبد الرحمن بن صخر). وهو دَوْسِيٌّ، يرجع نسبه إلى بطن من الأزد هم بَنُو دَوْسِ بْنِ عَدْنَانَ.
أسلم رضي الله عنه عنه في السَّنَةِ السَّابِعَةِ للهجرة، عام خيبر، وتوفي بالعقيق عام 57 هـ على الراجح. وكان عريف أَهْلَ الصُفَّةِ الذين كانوا منقطعين إلى العبادة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم (والصفة موضع مُظَلَّلٌ في المسجد، كان يأوي إليه أولئك الزهاد). وقد استجاب الله دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بالحفظ، فكان بين الصحابة أكثرهم حفظًا. أخرج الشيخان والترمذي عنه أنه قال:«قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْمَعُ مِنْكَ أَشْيَاءَ فَلَا أَحْفَظُهَا، قَالَ: "ابْسُطْ رِدَاءَكَ" فَبَسَطْتُ، فَحَدَّثَ حَدِيثًا كَثِيرًا، فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا حَدَّثَنِي بِهِ» .
وأبو هريرة - على ورعه وتقواه وزهده - كان مَرِحًا يحب الدعابة، ويطرب للنكتة، فإذا مر بصبيان أضحكهم، وإذا التقى بالناس في الأسواق قَصَّ عليهم ما يسليهم. ولكنه إذا خَلَا إلى نفسه تَهَجَّدَ طيلة الليل، خَاشِعًا مُتَبَتِّلاً.
كان عاملاً على البحرين في عهد عمر بن الخطاب، إلا أن عمر عزله بعد ذلك. ويقال: ان علي بن أبي طالب أراد في خلافته أن يستعمله فأبى عليه، ثم ولاه معاوية إمارة المدينة. ويبدو أن عمر - على عادته في التشدد في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكر عليه كثرة رواياته وقال له: «لَتَتْرُكَنَّ الحَدِيثَ [عَنِ رَسُولِ اللَّهِ] أَوْ لأُلْحِقَنَّكَ بِأَرْضِ
دَوْسٍ!» حتى إذا روى له أبو هريرة قوله عليه السلام «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» أَقَرَّهُ على رواية الحديث وَقَالَ: «أَمَّا إِذَنْ فَاذْهَبْ فَحَدِّثْ» .
وقد لاحظ شعبة بن الحجاج أن أبا هريرة يروي عن كعب الأحبار ويروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وَلَا يُمَيِّزُ بَيْنَ رِوَايَتَيْهِ، فرماه «بالتدليس» ، ولكن بُسْرَ (*) بن سعيد لا يطمئن إلى قول شعبة في أبي هريرة، فرده بقوة قائلاً:«اتَّقُوا اللهَ، وَتَحَفَّظُوا مِنَ الحَدِيثِ، فَوَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُنَا نُجَالِسُ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَيُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَيُحَدِّثُنَا عَنْ كَعْبِ الأَحْبَارِ، ثُمَّ يَقُومُ، فَأَسْمَعُ بَعْضَ مَنْ كَانَ مَعَنَا يَجْعَلُ حَدِيثَ رَسُولِ اللهِ عَنْ كَعْبٍ، [وَيَجْعَلُ] حَدِيْثَ كَعْبٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم» . فإذا كان ثمة تدليس فليس صادرًا عن أبي هريرة نفسه، وإنما كان يصدر عن الذين يَرْوُونَهُ عَنْهُ. وحسبنا أن الامام الشافعي كان يقول:«أَبُو هُرَيْرَةَ أَحْفَظُ مَنْ رَوَى الحَدِيثَ فِي دَهْرِهِ» وأن سَالِمًا أَبَا الزُّعَيْزِعَةِ، وَالِي مَرْوَانَ بْنَ الحَكَمِ وَكَاتِبَهُ يَرْوِي:«أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الحَكَمِ دَعَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَأَقْعَدَهُ خَلْفَ السَّرِيرِ، فَجَعَلَ يَسْأَلُهُ، وَجَعَلْتُ أَكْتُبُ، حَتَّىَ إِذَا كَانَ رَأْسُ الحَوْلِ دَعَا بِهِ، فَأَقْعَدَهُ مِنْ وَرَاءِ الحِجَابِ، فَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ الكِتَابِ، فَمَا زَادَ وَلَا نَقَصَ، وَلَا قَدَّمَ وَلَا أَخَّرَ» .
وقد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر وعمر وعثمان وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وأسامة بن زيد وعائشة وسواهم من الصحابة. ويجاوز عدد الذين رَوَوْا عنه ثمان مائة رجل بين صحابي وتابعي، فيهم من علماء الصحابة عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك، وفيهم من علماء التابعين سعيد بن المسيب وابن سيرين
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) في الكتاب المطبوع (بِشْرٌ) والصواب: بُسْرٌ بن سعيد مولى ابن الحضرمي المدني العابد، روى عن سعد بن أبي وقاص وزيد بن ثابت وأبي هريرة وغيرهم وروى عنه أبو سلمة وزيد بن أسلم ومحمد بن إبراهيم التيمي وغيرهم، قال ابن معين:«ثِقَةٌ» . انظر " التمييز " للإمام مسلم، الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، ص 175، الطبعة الثالثة: 1410 هـ، نشر مكتبة الكوثر - المربع - المملكة العربية السعودية.