الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جـ - 7 و 8 - الفَرْدُ وَالغَرِيبُ:
بين الفرد والغريب رابط مشترك لغة واصطلاحًا: وهو مفهوم التفرد، وقد سَوَّغَ هذا الرابط لبعض العلماء أن يحكموا بترادف الفرد والغريب، فأنشؤوا يقولون: تفرد به فلان تارة، وأغرب به فلان تارة أخرى، وهو يقصدون شيئًا واحدًا (1).
والحق أن أكثر المحدثين على التغاير بينهما من حيث كثرة الاستعمال وقلته: فالفرد أكثر ما يطلقونه على الفرد المطلق الذي لم يقيد بقيد ما والغريب أكثر ما يطلقونه على الفرد النسبي الذي قُيِّدَ بقيد ما، والغريب أكثر ما يطلقونه على الفرد النسبي الذي قُيِّدَ بالنسبة إلى شيء معين. وإنما يغايرون بينهما عند التسمية الاصطلاحية، فالأصل في مثل هذه التسمية عدم الترادف، أما من حيث استعمالهم الفعل المشتق فلا يفرقون بين التفرد والإغراب (2).
والفرد المطلق لا يجوز أن يتداخل مع الشاذ، فقد رأينا، في الشاذ شرطين لا بد منهما: التفرد والمخالفة (3). أما الفرد فلا يلاحظ فيه إلا مطلق التفرد. ومن هنا جاء تعريفهم له بأنه «الحَدِيثُ الذِي اِنْفَرَدَ بِهِ رَاوٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ الطُّرُقُ إِلَيْهِ» (4). ويحكم له بالصحة أو الحسن أو الضعف تبعًا لحال رواته، وقد مثلوا للفرد المطلق الصحيح بحديث النهي عن بيع الولاء وهبته، فإن
(1) قارن بـ " التوضيح ": 2/ 8 هامش.
(2)
" شرح النخبة ": ص 8.
(3)
راجع بحث الشاذ: ص 196 إلى 203.
(4)
" ألفية السيوطي ": ص 95 وانظر الهامش حول البيت 184.
هذا الحديث تفرد به عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر (1). والمعروف عن ابن دينار أنه ثقة ضابط متقن.
والفرد النسبي (أو الغريب كما يسمى في الاصطلاح) لا يجوز أن يتداخل أيضًا مع الشاذ، فلا تشترط فيه المخالفة مع التفرد، وإنما يكون فيه ضرب من التفرد المقيد بِرَاوٍ أو براوية عن رَاوٍ معين أو بأهل بلد أو نحو ذلك، ولذلك عَرَّفُوهُ بِأَنَّهُ «الحَديثُ الذِي يَنْفَرِدُ بِرِوَاِيَتِهِ شَخْصٌ وَاحِدٌ فِي أََيِّ مَوْضِعِ وَقَّعَ التَّفَرُّدُ بِهِ مِنَ السَّنَدِ» (2). ويقع التفرد في الغريب في أثناء السند فيقيد بالموضع الذى وقع فيه، كأن يروي عن الصحابي أكثر من واحد ثم ينفرد بروايته عن واحد منهم شخص واحد (3)، بينما يقع التفرد في الحديث الفرد في أصل السند وهو طرفه الذي فيه الصحابي، وإليه يرجع ولو تعددت الطرق إليه (4). وحين يكون التقيد في الغريب بأهل بلد ما لا يراد من تفردهم إلا انفراد واحد منهم تَجَوُّزًا (5). فراوي الغريب شخص واحد على جميع الأحوال.
وأنواع الغريب متكاثرة، وإنما تضبط بنسبة التفرد فيه إلى شيء معين. وأهم هذه الأنواع ثلاثة:
الأول: تفرد شخص عن شخص (6)، كتفرد عبد الرحمن بن مهدي عن
(1)" شرح النخبة ": ص 8.
(2)
" شرح النخبة ": ص 6.
(3)
نفسه: ص 8.
(4)
نفسه: ص 7.
(5)
" التدريب ": ص 88.
(6)
" التوضيح ": 2/ 10. وهذا عند الحاكم هو النوع الثاني الذي سماه «أَحَادِيثُ يَتَفَرَّدُ بِرِوَايَتِهَا رَجُلٌ وَاحِدٌ، عَنْ إِمَامٍ مِنَ الأَئِمَّةِ». انظر " معرفة علوم الحديث ": ص 99.
الثوري عن واصل بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ:«أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا، وَهُوَ خَلَقَكَ» ، [قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَكَ» ]، قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ» (1). وهذا النوع كثير متعارف عند المحدثين.
الثاني: تفرد أهل بلد عن شخص (2)، كحديث ابْنِ بُرَيْدَةَ: مَا كُنْتُ لأَجْلِسَ عَلَى قَضَاءٍ بَعْدَ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي بُرَيْدَةَ، يَقُولُ:[سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ]: «القُضَاةُ ثَلاثَةٌ: فَاثْنَانِ فِي النَّارِ، وَوَاحِدٌ فِي الجَنَّةِ، فَأَمَّا الاثْنَانِ: فَقَاضٍ قَضَى بِغَيْرِ الحَقِّ، وَهُوَ يَعْلَمُ، فَهُوَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى بِغَيْرِ الحَقِّ، وَهُوَ لا يَعْلَمُ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَأَمَّا الوَاحِدُ الَّذِي هُوَ فِي الجَنَّةِ، فَقَاضٍ قَضَى بِالحَقِّ فَهُوَ فِي الجَنَّةِ» .قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا حَدِيثٌ تَفَرَّدَ بِهِ الخُرَاسَانِيُّونَ فَإِنَّ رُوَاتَهُ، عَنْ آخِرِهِمْ مَرَاوِزَةٌ (3).
الثالث: تفرد شخص من أهل بلد عن أهل بلد آخر (4)، كحديث خَالِدٍ بْنِ نِزَارٍ الأَيْلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ عُمَرَ الجُمَحِيُّ، عَنْ بِشْرِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ، البَلِيغُ الذِي يَتَخَلَّلُ بِلِسَانِهِ تَخَلُّلَ البَاقِرَةِ بِلِسَانِهَا» . قَالَ الحَاكِمُ: " وَهَذَا الحَدِيثُ مِنْ أفْرَادِ المِصْرِيِّينَ، عَنِ الْمَكِّيِّينَ، فَإِنَّ خَالِدَ بْنَ نِزَارٍ عِدَادُهُ فِي المِصْرِيِّينَ،
(1)" معرفة علوم الحديث ": ص 100.
(2)
" التوضيح ": 2/ 10. وهو عند الحاكم النوع الأول، ويسميه «مَعْرِفَةُ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَفَرَّدُ بِهَا أَهْلُ مَدِينَةٍ وَاحِدَةٍ عَنِ الصَّحَابِيِّ». انظر " معرفة علوم الحديث ": ص 96.
(3)
" معرفة علوم الحديث ": ص 99. وراجع الطابع الإقليمي في نشأة الحديث أثناء بحث الرحلة في طلبه (ص 50) وأمثلة التفرد في رواية بعض الأمصار للحديث (ص 52). والمراوزة: أبناء مرو.
(4)
" التوضيح ": 2/ 10.