الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترمذي هذه بقوله: «أَيْ مِنْ وَجْهٍ يَثْبُتُ، وَإِلَاّ فَقَدَ رَوَاهُ الحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ. وَالحَسَنُ مَتْرُوكُ الحَدِيثِ، لَا يَصْلُحُ لِلْمُتَابَعَاتِ» (1).
ومن أراد تتبع الطرق التي تصلح للشواهد والمتابعات فعليه بالجوامع والمسانيد والأجزاء. وقد أوضحنا المراد منها ص 122 وما بعدها.
16 - المُدْرَجُ:
المدرج هو الحديث الذي اطلع في متنه أو إسناده على زيادة ليست منه (2). ومورد تسميته واضح، فهو من أدرجت الشيء في الشيء، إذا أدخلته فيه وضمنته إياه (3).
ورواة الصحاح والحسان والمسانيد ينبهون غالبًا على كل زيادة في أحاديثهم مهما تكن هينة يسيرة، بالنص على أصحابها، سواء أوقعت تلك الزيادة في المتن أو الإسناد، ذلك بأنهم يخافون إن لم ينصوا على العبارة المدرجة وعلى مدرجيها أن يأتي من ينقلها عن لسانهم غير ملاحظ إدراجها، فيساعدون بذلك - من غير قصد - على الكذب على رسول الله أو على من أدى أحاديث هذا الرسول الكريم. ولا ريب أن تعمد الإدراج ضرب من الكذب والتدليس لا يقدم عليه إلا ضعيف الإيمان مزعزع العقيدة. قَالَ السَّمْعَانِيِّ:«مَنْ تَعَمَّدَ الإِدْرَاجَ فَهُوَ سَاقِطُ العَدَالَةِ، وَمِمَّنْ يُحَرِّفُ الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَهُوَ مُلْحَقٌ بِالكَذَّابِينَ» (4).
(1)" الباعث الحثيث ": ص 64 نقلاًَ عن " التدريب ": ص 85.
(2)
قارن بـ " الباعث الحثيث ": ص 80.
(3)
" التوضيح ": 2/ 50 هامش.
(4)
" التدريب ": ص 98.
والإدراج في المتن أكثر ما يكون في آخر الحديث، يتطوع بإدخاله بعض الرواة بعبارة منهم يقصدون بها الايضاح والتفسير. وقد يوجد هذا الإدراج في أول الحديث أو وسطه، ووقوعه أوله أكثر من وسطه (1).
فمن الإدراج في الوسط ما رواه النسائي من حديث فضالة مرفوعًا «أَنَا زَعِيمٌ، - وَالزَّعِيمُ الحَمِيلُ - لِمَنْ آمَنَ بِي، وَأَسْلَمَ
…
وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الجَنَّةِ» (2). فعبارة «وَالزَّعِيمُ الحَمِيلُ» لم تكن في أصل الحديث من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما هي مدرجة أدخلها ابن وهب - أحد رواة الحديث - تفسيرًا للفظ «زَعِيمٍ» الذي ظنه غير واضح في السياق.
ومن الإدراج في أول الحديث ما رواه الخطيب من طريق أبي قطن وشبابة عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَسْبِغُوا الوُضُوءَ، وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» فعبارة «أَسْبِغُوا الوُضُوءَ» في أول الحديث ليست من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لم يزد على أن قال «وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» ولكن أبا هريرة أدرج العبارة السابقة،
فوهم أبو قطن وشبابة في روايتهما لها عن شعبة، وظناها من قول الرسول صلى الله عليه وسلم لا من قول أبي هريرة (3).
(1)" التوضيح ": 2/ 53 هامش.
(2)
" التدريب ": ص 97.
(3)
عرفنا وقوع الإدراج في هذا الحديث من الروايات الكثيرة الأخرى الخالية من عبارة «أَسْبِغُوا الوُضُوءَ» ، وأجدر تلك الروايات بالعناية والاهتمام بها ما جاء في " صحيح البخاري " عن آدم عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال:«أَسْبِغُوا الوُضُوءَ» فَإِنَّ أَبَا القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» (*). وقد ذكر السيوطي في " التدريب ": ص 96 نقلاً عن الخطيب أن الحديث بروايته الأخيرة «قَدْ رَوَاهُ الجَمُّ الْغَفِيرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَرِوَايَةِ آدَمَ» .
----------------------
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) انظر " الجامع الصحيح " للإمام البخاري: (4) كِتَابُ الوُضُوءِ (29) بَابُ غَسْلِ الأَعْقَابِ، حديث رقم 165 (" فتح الباري ": 1/ 267، تحقيق وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، طبعة سَنَةَ 1379 هـ، نشر دار المعرفة - بيروت).
ومن الإدراج في آخر الحديث ما في " الصحيح " عن أبي هريرة مرفوعًا: «لِلْعَبْدِ المَمْلُوكِ أَجْرَانِ، وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلَا الجِهَادُ وَالحَجُّ وَبِرُّ أُمِّي، لأَحْبَبْتُ أَنْ أَمُوتَ وَأَنَا مَمْلُوكٌ» (1) فرسول الله صلى الله عليه وسلم اكتفى بقوله: «لِلْعَبْدِ المَمْلُوكِ أَجْرَانِ» غير أن أبا هريرة تكفل بإيضاح هذين الأجرين بقسمه بتمني الرق، ومثل هذه الأمنية يستحيل أن تساور قلب النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء بتعاليمه يدعو إلى تحرير الرقيق، فضلاً عن أن أمه عليه السلام توفيت وهو صغير، فلا يمكن قطعًا أن تكون العبارة من قوله - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ - (2).
أما مدرج الإسناد فمرجعه في الحقيقة إلى المتن (3) وأهم صوره اثنتان (4)، الأولى: أن يجمع راو على إسناد واحد حديثًا ذا أسانيد مختلفة، من غير أن يومئ إلى اختلاف تلك الأسانيد في الأصل (5).
مثاله: ما رواه الترمذى من طريق ابن مهدي عن الثوري عن واصل الأحدب ومنصور والأعمش عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن ابن مسعود قال: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟» الحديث، فإن واصلاً لا يذكر في روايته «عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ» إنما يروي عن أبي وائل عن ابن مسعود مباشرة، فذكر [عمرو] بن شرحبيل إدراج على رواية منصور والأعمش، يتضح ذلك من رواية يحيى القطان
(1)" التدريب ": ص 96.
(2)
" التوضيح ": 2/ 62.
(3)
" الباعث الحثيث ": ص 82.
(4)
ذكر شيخ الإسلام ابن حجر في " شرح النخبة ": ص 21، 22 أربع صور لمدرج الإسناد، فتراجع في مواضعها.
(5)
قارن بـ " الباعث الحثيث ": ص 82.
عن الثوري هذا الحديث بإسنادين إلى واصل ليس فيهما الإدراج المذكور، أحدهما عن منصور والثانى عن الأعمش، ورواية القطان أخرجها " البخاري "(1). فالإسناد قد تعدد، ولم يشر الراوي إلى تعدده، فأوهم بذلك أن واصلاً روى عن عمرو بن شرحبيل، المذكور صراحة في كل من الإسنادين الآخرين عن منصور والأعمش (2).
والصورة الثانية أن يكون الحديث عند أحد الرواة بإسناد، ولديه حديث آخر بغير ذلك الإسناد، فيأتي رَاوٍ ويروي عنه أحد الحديثين بإسناده، ويدرج فيه الحديث الآخر من غير بيان. مثاله: حديث سعيد بن أبي مريم عن مالك عن الزهري عن أنس مرفوعًا: «لَا تَبَاغَضُوا، ولَا تَحَاسَدُوا، ولَا تَدَابَرُوا، ولَا تَنَافَسُوا» الحديث. فابن أبي مريم أدرج في هذا الحديث عبارة ليست منه، وإنما هي من حديث آخر له إسناد آخر عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعًا، وهذه العبارة هي «ولَا تَنَافَسُوا» المعروفة في السند الآخر، كما في " الصحيحين " و" الموطأ "(3).
ودواعي الإدراج كثيرة، منها تفسير بعض الألفاظ الغريبة في الحديث النبوي، ومنها تبيان حكم شرعي يمهد له الراوي بقول النبي صلى الله عليه وسلم ويكون ذلك من الإدراج في أول المتن، ومنها استنباط حكم من حديث النبي، وذلك
(1) راجع في (" التدريب ": ص 98) تفصيل نوع الإدراج في هذه الرواية.
(2)
قارن بـ "الباعث الحثيث ": ص 83.
(3)
" التوضيح ": 2/ 65. و"حاشية لقط الدرر ": ص 79.
يكون من الإدراج في وسط المتن أو في آخره (1). وهذه جميعًا من الدواعي التي لا يعجزنا تسويغها للراوي ولو وقعت منه على عمد. ولذلك كان الزهري وغيره من الأئمة لا يرون بأسًا بالإدراج لتفسير الغريب ونحوه مما ذكرناه (2). أما تعمد الإدراج، لغير هذه الدواعي، فهو حرام بإجماع أهل الحديث والفقه. ومن الواضح أن المدرج الذى أدخلناه هنا في القسم المشترك بين الصحيح والحسن والضعيف هو الذي لا يحاكي أي صورة من صور التدليس، ولا يكون صحيحًا أو حسنًا منه إلا ما عرفت فيه العبارة المدرجة، وَعُلِمَ أن الغرض من ذكرها مجرد الايضاح والتفسير، وأن الحديث في أصله خال منها ليس فيه إلا أقوال النبي الكريم في المرفوع، أو في أقوال صحابته والتابعين في الموقوف والمقطوع.
والطريق إلى معرفة المدرج من وجوه (3):
الأول: أن يستحيل إضافة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كحديث: «الطِّيَرَةُ شِرْكٌ وَمَا مِنَّا إِلَاّ
…
» فإن العبارة الأخيرة مدرجة، زادها الراوي الصحابي ابن مسعود، إذ لا يصح أن يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيء من الشرك. ومنه إدراج أبي هريرة تمني الرق في حديث الرسول، كما رأينا قريبًا.
الثاني: أن يصرح الصحابي بأنه يسمع تلك الجملة المدرجة من النبي صلى الله عليه وسلم كحديث ابن مسعود: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كلمة «مَنْ جَعَلَ لِلَّهِ نِدًّا، دَخَلَ النَّارَ» ، وأخرى أقولها:«مَنْ مَاتَ لَا يَجْعَلُ لِلَّهِ نِدًّا، دَخَلَ الجَنَّةَ» .
(1)" التوضيح ": 2/ 52 هامش.
(2)
" التدريب ": ص 98.
(3)
انظر تفصيل هذه الوجوه في " حاشية لقط الدرر ": ص 91 و" التوضيح ": 2/ 62.