الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يسبق ابن سعد في تأليف سُمِّيَ صراحة باسم " الطبقات ".
ولم يكد يفوت ابن سعد التلقي المباشر عن أحد من رجال الحديث المشاهير في عصره، ومن سنذكرهم من شيوخه على سبيل المثال يكفينا سرد أسمائهم لنعرف نوع البيئة العلمية التي كان ابن سعد يحيط بها نفسه: فلقد لقي وكيع بن الجراح وسليمان بن حرب وَهُشَيْمٍ بن بشير وأبا نُعَيْمٍ الفَضْلَ بْنُ [دُكَيْنٍ] وسفيان بن عُيينة والوليد بن مسلم وأبا الوليد الطيالسي ومحمد بن سعدان المقرئ الضرير. وذلك ما أتاح لنقاد الحديث المتأخرين عن عصره والذين كانوا بُعَيْدَهُ بقليل أن يثنوا عليه وَيُزَكُّوهُ وَيُعَدِّلُوهُ ويقولوا فيه: «صَدُوقٌ ثِقَةٌ يَتَحَرَّى فِي كَثِيرٍ مِنْ رِوَايَاتِهِ» ، حتى فضله [بعضهم] على شيخه الواقدي، فقال السخاوي مثلاً:«ثِقَةٌ مَعَ أَنَّ أُسْتَاذَهُ ضَعِيفٌ» .
كَلِمَةٌ فِي شَيْخِهِ الوَاقِدِي:
ولا بد من كلمة في أستاذه الواقدي هذا - وإن قالوا فيه: «ضَعِيفٌ» - فهو محمد بن عمر بن واقد الواقدي، كان من موالي بني هاشم. وكان مولده بالمدينة سَنَةَ 130 هـ، في خلافة مروان بن محمد، صاحب الخليفة هارون الرشيد في رحلة إلى الحج سَنَةَ 170هـ، وزار معه المدينة، ودله على المشاهد ومواقع الغزوات، فأعجب به الرشيد، ثم طلب إليه وزير الرشيد يحيى بن خالد البرمكي أن يصير إليه في العراق إذا استقرت به الدار، واتصل به الواقدي ووجد لديه كل إعزاز وتكريم. وخرج بعد ذلك إلى الشام والرقة، ثم عاد إلى بغداد حيث ولاه المامون قضاء «عسكر المهدي» ولم يزل قاضيًا حتى مات ببغداد
سنة 207هـ أو سنة 209هـ.
وقد تيسر للواقدي أن يأخذ العلم من أفواه الرعيل الأول من الرواة والحفاظ أمثال مالك بن أنس إمام أهل المدينة، وسفيان بن سعيد الثوري، ومعمر بن راشد، وكان معاصرًا لمحمد بن إسحاق صاحب " السيرة " المشهورة، إلا أنه كان أصغر منه سِنًّا، ويعدونه الثاني بعد ابن اسحاق في سعة العلم بالتاريخ والسير والمغازي والفتوح. لكن أكثر علم الواقدي بالمغازي جاءه من نجيح السندي المعروف باسم أبي معشر السندي المتوفى سنة 170هـ ببغداد، وقد استقدمه الخليفة المهدي معه إلى بغداد حين جاء يزور المدينة وسمع بعلمه وفضله. ومع أن الحفاظ والنقاد يطعنون في بعض روايات أبي معشر هذا لكثرة ما يرويه من المناكير، كانوا يتفقون على بصره بالمغازي وخبرته التامة بسيرة النبي وبالفتوح. حتى قال الإمام أحمد بن حنبل:«أَبُو مَعْشَرَ بَصِيرٌ بِالمَغَازِي» .
لا عجب إذن إذا طبقت كتب الواقدي في الطبقات والتاريخ والمغازي شرق الأرض وغربها كما يقول الخطيب البغدادي في ترجمته، فإنه تلقى كل ما يتعلق بتفصيلاتها وجزئياتها الدقيقة من أبناء الصحابة وأبناء الشهداء ومن الموالي، ومن الرواة والعلماء، ومن أبي معشر صاحب المغازي أولاً وبالذات، ثم إنه ما علم غزوة إلا مضى إلى الموقع الذي وقعت فيه أحداثها ليعاينه بنفسه ويراه ويحسن وصفه ويتقصى أبسط الأخبار فيه.
ولا يعنينا من تآليف الواقدي التي زعموا أنها بلغت ست مائة قِمَطْرٍ من الكتب حُمِلَتْ على عشرين ومائة وَقْرٍ أو «حِمْلِ» -