الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صورة أشد استغلاقًا وإبهامًا من المنقطع، ومن هنا جاءت تسميته بِالمُعْضَلِ (1). ويعتبر قسمًا من المنقطع لكن بوجه خاص لأن كل معضل منقطع، وليس كل منقطع معضلاً (2) وفقد الاتصال في سنده هو سبب ضعفه، كما قلنا في المرسل والمنقطع. ومن المعضل ما أرسله تابع التابعي: مثال ذلك ما رواه الأَعْمَشُ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ:
الأَعْمَشِ عَنِ الشَّعْبِيِّ: «يُقَالُ لِلرَّجُلِ يَوْمَ القِيَامَةِ: عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: لَا، فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ
…
» لأن الشعبي إنما رواه عن أنس. وأنس رواه عن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فقد أعضل الأعمش الحديث بإسقاطه أَنَسًا وَرَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم من إسناده (3).
والمعضل أسوأ حالاً من المنقطع، والمنقطع أسوأ حالاً من المرسل، والمرسل لا تقوم به حُجَّةٌ وإنما يكون المعضل أسوأ حالاً من المنقطع إذا كان الانقطاع في موضع واحد من الإسناد، فأما إذا في موضعين أو أكثر فإنه يساوي المعضل في سوء الحال (4).
الرَّابِعُ - المُدَلَّسُ:
المدلس قسمان (5)، أحدهما مدلس الإسناد، وهو الحديث الذي يُؤَدِّيهِ الراوي عمن عاصره ولقيه مع أنه لم يصح له سماعه منه، أو عمن عاصره ولكنه لَمْ يَلْقَهُ مُوهِمًا أنه سمعه من لفظه. مثال ذلك: قَوْلُ عَلِيٍّ بْنِ خَشْرَمَ: «كُنَّا عِنْدَ
(1) وهو من حيث الاشتقاق مشكل (" التوضيح ": 1/ 327).
(2)
نفسه: 1/ 324.
(3)
" اختصار علوم الحديث ": ص 55.
(4)
" التوضيح ": 1/ 329.
(5)
" التوضيح ": 1/ 350.
سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ فَقَالَ: " قَالَ الزُّهْرِيُّ كَذَا "، فَقِيلَ لَهُ: أَسَمِعْتَ مِنْهُ؟ قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِ عَبْدُ الرَزَّاقِ عَنْ مَعْمَرَ عَنْهُ» (1). فسفيان قد عاصر الزهري ولقيه، ولكنه لم يأخذ عنه فيصح سماعه منه، وإنما أخذ عن عبد الرزاق، وعبد الرزاق أخذ عن معمر، ومعمر أخذ عن الزهري، فالتدليس هنا إسقاط سفيان شيخيه وإيراده الحديث بصيغة توهم سماعه من الزهري مباشرة.
وهذا أشد قسمي التدليس وأشنعهما وأدلهما على الكذب. قَالَ شُعْبَةُ: «لأَنْ أَزْنِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُدَلِّسَ» (2). وَقَالَ: «التَّدْلِيسُ أَخُو الْكَذِبِ» (3). وكان الشافعي يَرُدُّ مُطْلَقًا من عرف بالتدليس في الإسناد ولو مرة واحدة، ولكن أكثر العلماء على أن الراوي الذي نسب إلى التدليس يقبل من روايته ما صرح فيه بلفظ السماع، ويرد منها ما كانت عبارته محتملة مبهمة (4).
وقد تتبع الحاكم البلاد التي أكثرت من رواية هذا القسم من التدليس، والبلاد التي لم يعرف فيها هذا الكذب في الرواية، فرأى أَنَّ «أَهْلَ الْحِجَازِ وَالْحَرَمَيْنِ، وَمِصْرَ وَالْعَوَالِي، [لَيْسَ التَّدْلِيسُ مِنْ مَذْهَبِهِمْ، وَكَذَلِكَ] أَهْلُ خُرَاسَانَ، وَالْجِبَالِ وَأَصْبَهَانَ، وَبِلَادُ فَارِسَ، وَخُوزِسْتَانَ وَمَا وَرَاءَ النَّهَرِ - لَا [يُعْلَمُ] أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ دَلَّسَ، وَأَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ تَدْلِيسًا أَهْلُ الْكُوفَةِ، وَنَفَرٌ يَسِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَأَمَّا مَدِينَةُ [السَّلَامِ] بَغْدَادَ،
…
فَلَمْ يُذْكَرْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهَا التَّدْلِيسُ، [إِِلَاّ] أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْبَاغَنْدِيِّ الْوَاسِطِيِّ، فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ التَّدْلِيسَ بِهَا» (5).
(1)" اختصار علوم الحديث ": ص 58.
(2)
" التوضيح ": 1/ 366.
(3)
وقد قال هذا شُعْبَةُ، ونقله الشافعي، وليس قائله (انظر " الباعث الحثيث: ص 58).
(4)
" اختصار علوم الحديث ": ص 58.
(5)
" معرفة علوم الحديث ": ص 111، 112.
أما القسم الثاني فهو تدليس الشيوخ. وهو أن يصف راويه بأوصاف أعظم من حقيقته أو يسميه بغير كنيته، قاصدًا إلى تعمية أمره. من ذلك أن يقول: حدثنا العلامة الثبت، أو الحافظ الضابط. ومن ذلك ما رواه أبو بكر بن مجاهد المقرئ عن أبي بكر بن أبي داوود قال:«حدثنا عبد الله بن أبي عبد الله» ، وعن أبي بكر محمد بن حسن النقاش المفسر قال:«حدثنا محمد بن سند» فنسبه إلى جد له، ولم ينسبه إلى أبيه، وهو الاسم الذي يشتهر به (1).
ويرى ابن الصلاح أن الخطيب البغدادي: «كَانَ لَهْجًا بِهَذَا التَّقْسِيمِ فِي مُصَنَّفَاتِهِ» (2)، وينقل عنه بعض الأمثلة في ذلك: منها أن الخطيب يروي في كتبه عن أبي القاسم الأزهري، وعن عبيد الله بن أبي الفتح الفاسي، وعن عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي، والجميع شخص واحد من مشايخه.
ويروي أيضًا عن الحسن بن محمد الخلال، وعن الحسن بن أبي طالب، وعن أبي محمد الخلال، والجميع شخص واحد.
ويروي كذلك عن أبي القاسم التنوخي، وعن علي بن المحسن، وعن القاضي أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي، وعن علي بن أبي علي المعدل والجميع شخص واحد.
ونحن في الواقع نُجِلُّ الحافظ الخطيب عن أن يكون قصده تعمية أمر واحد من هؤلاء الشيوخ، ولكنا لا نكتم استغرابنا من ذكره هذه الأسماء التي
(1)" اختصار علوم الحديث ": ص 59.
(2)
" التوضيح ": 1/ 369.
يصعب معها معرفة الشيخ، مع أنها شخص واحد، وهو يعلم أنها شخص واحد، وأن كثيرين لا يفطنون لذلك.
ويفرع بعض العلماء عن التدليس أبوابًا متعددة منها ما يسمونه بتدليس العطف، كأن يقول الراوي:«حدثنا فلان وفلان» ، ومع أنه لم يسمع من الثاني المعطوف (1).
ومن ذلك تدليس السكوت، كأن يقول:«سَمِعْتُ» أو «حَدَّثَنَا» أو «حَدَّثَنِي» ثم يسكت ثم يقول: «الأَعْمَشُ» مثلاً، موهمًا أنه قد سمع منه، مع أنه لم يصح له سماع منه.
ومن ذلك تدليس التسوية، وهو أن يحمله على إسقاطه غير شيخه ضعفه أو صغر سنه فيجعل الحديث مَرْوِيًّا عن الثقات فقط، ليحكم عليه بالقبول والصحة. وهذا شر أنواع التدليس، لأن فيه تغريرًا شديدًا. وممن اشتهر بذلك الوليد بن مسلم، فكان يحذف شيوخ الأوزاعي الضعفاء ولا يذكر إلا الثقات، فسئل عن ذلك، فأجاب:«إن الأوزاعي أسمى من أن يروي عن مثل هؤلاء!» فقيل له: «فإذا روى عن هؤلاء، وهو ضعفاء، أحاديث مناكير، فأسقطتهم أنت وصيرتها من رواية الأوزاعي الثقات، ضعف الأوزاعي؟ فلم يلتفت الوليد إلى ذلك القول» .
وعبارات المدلسين تنطوي على خبث شديد، فقد يعمد بعضهم إلى لفظ مبهم متشابه يلوي به لسانه تعظيمًا لشيخه من خلال تعظيم البلد أو الحي الذي ينسب إليه: كما إذا قال المصري: «حَدَّثَنِي فُلَانٌ بِالأَنْدَلُسِ» فأراد موضعًا بالقرافة، أو قال:«بِزِقَاقِ حَلَبْ» وأراد موضعًا بالقاهرة، أو
(1) انظر في هذا النوع والنوعين التاليين " الباعث الحثيث ": ص 60.
قال البغدادي: «حَدَّثَنِي فُلَانٌ بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ» وأراد نهر دجلة (1)، أوقال:«بِالرِقَّةِ» وأراد بستانًا على شاطئ دجلة، أو قال الدمشقي:«حَدَّثَنِي بِالكَرْكِ» وأراد كرك نوح وهو بالقرب من دمشق، ففي ذلك كله إيهام الرحلة في طلب الحديث. والحافظ ابن حجر يطلق على هذا التمويه اسم «تدليس البلاد» ، ويلحقه بـ «تدليس الشيوخ» (2).
وكان بعض المدلسين من أئمة الحديث يجدون في التدليس متعة نفسية، فلا يحلو لهم الدعابة إلا بهذا الضرب من الرواية المبهمة يخوضون فيه متساهلين ثم يندمون ويتوبون، قيل لِهُشَيْمٍ بْنِ بَشِيرٍ (3): مَا يَحْمِلُكَ عَلَى هَذَا؟ يَعْنِي التَّدْلِيسَ؟ قَالَ: «إِنَّهُ أَشْهَى شَيْءٍ!» (4). واجتمع نفر من أصحاب هُشيم هذا يومًا على أَلَاّ يأخذوا منه التدليس، ففطن لذلك، فكان يقول في كل حديث يذكره:«حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ ، وَمُغِيرَةُ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ» ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لَهُمْ:«هَلْ دَلَّسْتُ لَكُمُ الْيَوْمَ؟» فَقَالُوا: لَا، فَقَالَ:«لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مُغِيرَةَ حَرْفًا مِمَّا ذَكَرْتُهُ، إِنَّمَا قُلْتُ: «حَدَّثَنِي حُصَيْنٌ وَمُغِيرَةُ» غَيْرُ مَسْمُوعٍ لِي! (5).
(1) راجع قصة السمعاني فيما وراء النهر: ص 70 ح 2 من كتابنا هذا.
(2)
انظر تفصيل هذا في " التوضيح ": 1/ 372.
(3)
هو الحافظ الكبير هُشيم بن بشير بن أبي خازم، سمع الزهري وعمرو بن دينار ومنصور ابن زاذان وحصين بن عبد الرحمن وأبا بشر وأيوب السختياني وخلقًا كثيرًا. قال فيه الذهبي:«لا نزاع في أنه كان من الحفاظ، إلا أنه كثير التدليس، روى عن جماعة لم يسمع منهم» . توفي سنة 183 هـ. (راجع ترجمته في " تذكرة الحفاظ ": 1/ 248).
(4)
" الكفاية ": ص 361.
(5)
" معرفة علوم الحديث ": ص 105 وقارن بـ " التدريب ": ص 79. ويسمى هذا النوع من التدليس «تدليس العطف»، كما رأينا، لأن هُشيمًا هنا قال: «حَدَّثَنِي حُصَيْنٌ وَمُغِيرَةُ» وهو لم يسمع من (مغيرة) المعطوف حرفًا واحدًا. أما حصين فقد سمع منه الكثير، فهو حصين بن عبد الرحمن المذكور في سماعات هُشيم في الحاشية 3. وعبارة =
أدرك هشيم إذن أن للمزاح بالتدليس حدودًا، فاعترف بنفسه بأن ما ادعى سماعه غير مسموع له!! وكذلك كان المدلسون يعترفون بتدليسهم ولا سيما إذا وقع إليهم من ينقر عن سماعاتهم ويلح في مراجعتهم (1). بل كانوا غالبًا يعدلون عن عبارتهم المبهمة إلى التصريح بحقيقة ما سمعوه، محذرين الناس من رواية ما دلسوا فيه. قَالَ عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ: «كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ (2) فَقَالَ:
…
الزُّهْرِيُّ، فَقِيلَ لَهُ: حَدَّثَكُمُ الزُّهْرِيُّ؟ فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، وَلَا مِمَّنْ سَمِعَهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ» (3).
وقد يستغرب وقوع التدليس من مثل هذين الإمامين، ابن عُيينة وهُشيم لما وصفا به من الأمانة والحفظ والضبط، ولا غرابة
…
فما أقل الذين سلموا من التدليس! (4) حتى ابن عباس رضي الله عنهما ما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أحاديث
= السيوطي في " التدريب " تقطع بهذا، فقد قال هشيم: «كُلُّ مَا قُلْتُ فِيهِ (
…
وَفُلَانٌ) فَإِنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ».
(1)
" معرفة علوم الحديث ": ص 104 ونقله في " التدريب ": ص 79.
(2)
هو العلامة الحافظ شيخ الإسلام سفيان بن عيينة بن ميمون، أبو محمد الهلالي الكوفي، سمع عمرو بن دينار والزهري وزياد بن علاقة وأبا إسحاق والأسود بن قيس، وزيد بن أسلم وعبد اله بن دينار والمنصور بن المعتمر وعبد الرحمن بن القاسم. اتفقت الأئمة على الاحتجاج به، ولكنه كان مدلسًا على الثقات. توفي سَنَةَ 198 هـ (" تذكرة الحفاظ ": 1/ 262).
(3)
" التوضيح ": 1/ 351، و" التدريب ": ص 78. وهذا ما يسمونه «تدليس القطع» لقطع الراوي أداة الرواية، فهو يكتفي بتسمية شيخه قائلاً «
…
فُلَانٌ» كما قال ابن عيينة: «
…
الزُّهْرِيِّ» فلم يعين: هل حدثه به الزهري أم قاله له أم سمعه منه. وقد سبق أن استشهدنا (ص 171) على تدليس الإسناد برواية تشبه هذه وليست مثلها تمامًا، وإنما أعدنا ذكرها هنا لاستنتاج حكم جديد.
(4)
" التدريب ": ص 77 وفيه: «قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: وَعَلَى هَذَا فَمَا سَلِمَ أَحَدٌ مِنَ التَّدْلِيسِ، لَا مَالِكٌ، وَلَا غَيْرُهُ!» .
يسيرة (- قَالَ بَعْضُهُمْ: «أَرْبَعَةُ أَحَادِيثَ» -)، وبقية أحاديثه سمعها عن الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو لا يكاد يذكر من بينه وبين النبي، وإنما يقول:«قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم» (1).
وابن عيينة وهشيم، فوق ذلك، كلاهما من رواة " الصحيحين " وذلك شرف عظيم لهما كان لا بد أن يهيب بأئمة الحديث إلى الدفاع عنهما وعن أمثالهما من رواة " الصحيحين " المشاهير بالتدليس كالأعمش (2) وقتادة (3) والحسن البصري (4) وعبد الرزاق (5) والوليد بن مسلم (6).
(1)" التوضيح ": 1/ 347. ويرى بعضهم أن هذا إلى مراسيل الصحابة أقرب منه إلى التدليس. والعلماء يحتجون بمراسيل الصحابة كما رأينا. وهم في الوقت نفسه يفرقون بين المرسل والمدلس على النحو الذي سنوضحه، ولا ريب أن أكثر الرواية عن ابن عباس مرسلة، لما ذكرناه سابقًا، إلا أن إرسال بعضها ضربًا من الخفاء يكاد يلحقها بالتدليس، ونقول مرة أخرى: ما أقل من سلم من التدليس!.
(2)
الأعمش هو سليمان بن مهران الكوفي، أصله من بلاد الري، رأى أنس بن مالك وحفظ عنه، أحد الأعلام، معدود في صغار التابعين، ما نقموا منه إلا التدليس كما في " الميزان ". قال الذهبي:«رُبَّمَا دَلَّسَ عَنْ ضَعِيفٍ فَلَا يَدْرِي، فَمَتَى قَالَ " حَدَّثَنَاهُ " فَلَا كَلَامَ، وَمَتَى قَالَ " عَنْ " تَطَرَّقَ إِلَيْهِ احْتِمَالُ التَّدْلِيسِ» . توفي سَنَةَ 148 هـ.
(3)
هو قتادة بن دعامة بن عزيز، [السدوسي] البصري الضرير الأكمه، الحافظ العلامة الثقة، حدث عن عبد الله بن سرجس وأنس بن مالك وسعيد بن المسيب وأبي الطفيل. وكان قتادة معروفًا بالتدليس. قال ابن معين:«لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سَعِيدٍ بْنِ جُبَيْرٍ وَلَا مِنْ مُجَاهِدٍ» . وقال شعبة: «لَا يُعْرَفُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ أَبِي رَافِعٍ» . مات بواسط في الطاعون سَنَةَ 118 هـ. وقيل سَنَةَ 117 هـ.
(4)
هو الحسن بن أي الحسن يسار البصري، مولى الأنصار. أحد كبار التابعين وعلمائهم المشهورين بالزهد. في " الميزان ":«ثِقَةٌ لَكِنَّهُ يُدَلِّسُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَإِذَا قَالَ: " حَدَّثَنَا " فَهُوَ حُجَّةٌ بِلَا نِزَاعٍ» . توفي سَنَةَ 110.
(5)
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني. في " الميزان ": «أَحَدُ الأَعْلَامِ الثِّقَاتِ، وَلَكِنْ فِي رِوَايَاتِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَدْلِيسِهِ» . توفي سَنَةَ 211 هـ.
(6)
الوليد بن مسلم هو أبو العباس الدمشقي مولى بني أمية، في " الميزان ": «أَحَدُ
واعتذروا عن ابن عيينة اعتذارًا خاصًا، فقبلوا تدليسه (1)، لأنه إذا وقف أحال على ابن جُريج ومعمر (2) ونظرائهما.: وَرَجَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ (3) قَالَ: «وَهَذَا شَيْءٌ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا إِلَاّ لِسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، فَإِنَّهُ كَانَ يُدَلِّسُ وَلَا يُدَلِّسُ إِلَاّ عَنْ ثِقَةٍ مُتْقِنٍ، وَلَا يَكَادُ يُوجَدُ لَهُ خَبَرٌ دَلَّسَ فِيهِ إِلَاّ وَقَدْ بَيَّنَ سَمَاعَهُ، عَنْ ثِقَةٍ مِثْلِ ثِقَتِهِ» (4).
واعتذروا عن رواة " الصحيحين " المشاهير بالتدليس اعتذارًا عَامًّا، بأن تدليسهم ضرب من الإبهام وليس كذبًا، فما رووه يعرف فيه السماع، كسمعت وحدثنا وأخبرنا ونحوها (5). ويحتمل أن الشيخين، البخاري ومسلمًا،
= الأعلام، وعالم أهل الشام. ثم قال: قال أبو مسهر: الوليد مدلس، وربما دلس عن الكذابين، فإذا قال:«الوَلِيدُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَوْ عَنْ الأَوْزَاعِيِّ» فليس يعتمد لأنه يدلس عن الكذابين، وإذا قال:«حَدَّثَنَا» فهو حجة. توفي سَنَةَ 195 هـ. (قارن بـ " تذكرة الحفاظ ": 1/ 302).
(1)
جميع هؤلاء الأئمة المشاهير بالتدليس من رواة " الصحيحين ". وقد أشار إلى ذلك صاحب " توضيح الأفكار ": 1/ 353، 354. وذكر السيوطي بعضهم في " التدريب ": ص 80.
(2)
ابْنُ جُرَيْجٍ هو الفقيه المكي عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح الرومي الأموي مولاهم، أول من صنف الكتب. توفي سَنَةَ 150 هـ (" تذكرة الحفاظ ": 1/ 169، 170).
ومعمر هو الإمام الحجة أحد الأعلام، معمر بن راشد، أبو عروة الأزدي مولاهم، توفي سنة 153 على الأرجح (" تذكرة الحفاظ ": 1/ 190، 191).
(3)
هو أحد الحفاظ الكبار صاحب التصانيف العديدة، محمد بن حبان بن أحمد بن معاذ الميني الدارمي البُسْتِيِّ - بضم الباء وإسكان السين - أبو حاتم. له " التقاسيم والأنواع " في خمس مجلدات، وترتيبه مخترع ليس على الأبواب ولا على المسانيد. توفي سنة 354 هـ.
(4)
" التدريب ": ص 79.
(5)
نفسه: ص 80.
لم يعرفا سماع ذلك المدلس الذي رويا عنه، لكن عرفا لحديثه من المتابعات ما يدل على صحته، فاختار إسناد الحديث إلى المدلس لجلالته وأمانته وانتفاء تهمة الضعف عن حديثه، ولم يكن في المتابعين الثقات من يماثل المدلس ولا يقاربه فضلاً وشهرة (1).
ويرى بعض النقاد أن ما رمي به بعض رواة " الصحيحين " من التدليس أجدر أن يطلق عليه اسم المرسل الخفي، وأنشأوا يفرقون بين المدلس والمرسل الخفي تفرقة دقيقة، فالتدليس يختص بمن روى عمن عُرِفَ لقاؤه إياه، فأما من عاصره ولم يعرف أنه لقيه فهو المرسل الخفي.
قال الحافظ ابن حجر: «وَمَنْ أَدْخَلَ فِي تَعْرِيفِ التَّدْلِيسِِ المُعاصَرَةَ، وَلَوْ بِغَيْرِ لُقِيٍّ، لَزِمَهُ دُخولُ المُرْسَلِ الخَفِيِّ فِي تَعْرِيفِهِ. والصَّوابُ التَّفرقةُ بينَهُما» (2). ثم يستدل على اعتبار اللقي في التدليس دون المعاصرة بإطباق أهل العلم بالحديث على أن رواية المخضرمين كأبي عثمان النهدي (3) وقيس بن أبي حازم (4) عن النبي صلى الله عليه وسلم من قبيل الإرسال لا من قبيل التدليس، ولو كان مجرد المعاصرة يكتفى به في التدليس لكان
(1) انظر " التوضيح ": 1/ 356.
(2)
" شرح النخبة ": ص 18.
(3)
أبو عثمان النهدي هو عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُلٍّ البصري، أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم -وارتحل زمن عمر فسمع منه ومن جماعة من الصحابة، توفي سنة 100 هـ أو بعدها بقليل (" تذكرة الحفاظ ": 1/ 65).
(4)
هو قيس بن أبي حازم، أبو عبد الله الأحمسي الكوفي، محدث الكوفة، سار ليدرك النبي صلى الله عليه وسلم وليبايعه، فتوفي نبي الله وقيس في الطريق، سمع أبا بكر وعمر وعثمان وعليًا وعدة من الكبار. قال الذهبي:«حَدِيثُهُ مُحْتَجٌّ بِهِ فِي كُلِّ دَوَاوِينِ الإِسْلَامِ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 97 وَقِيلَ سَنَةَ 98 هـ» . (" تذكرة الحفاظ ": 1/ 61).