الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ألقابها وأوصافها، غير أننا سنخصص كُلاًّ من الثلاثة الأخيرة فيها ببحث مستقل، إذ لا تجاوز ولا تضارب بين المدرج، والمسلسل، والمصحف، فلكل واحد منها مفهوم واضح في نفسه، لا تزيده المقارنة بغيره شيئًا.
أ - 1 و 2 و 3 - المَرْفُوعُ وَالمُسْنَدُ وَالمُتَّصِلُ:
المشهور في المرفوع أنه مما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاصة من قول أو فعل أو تقرير، سواء أضافه إليه صحابي أم تابعي أم مَنْ بعدهما، وسواء اتصل إسناده أم لا (1).
وواضح من هذا التعريف أن المرفوع لا يكون متصلاً دائمًا، فقد يسقط منه الصحابي خاصة فيكون مرسلاً، أو يسقط من إسناده رجل أو يذكر فيه رجل مبهم فيكون منقطعًا، أو يسقط اثنان فأكثر فيكون مُعضَلاً، وهو في هذه الحالات الثلاث يوصف بالضعف ولو كان مرفوعًا: فليس مجرد رفع الحديث كافيًا لإطلاق الحكم بصحته، بل لا بد من تتتبع الطريق التي رُفِعَ بها ليتبين اتصاله أو انقطاعه من جهة، وَلِتُعْرَفَ دَرَجَةُ رِجَالِهِ إذا اتصل من جهة ثانية. ومن هنا أمكن دخول المرفوع في هذا القسم المشترك، فإن كان في إسناده انقطاع سمي باسم من أسماء الضعيف، تَبَعًا لنوع الانقطاع وإن اتصل إسناده صلح لأن يوصف بالصحيح والحسن، تَبَعًا لدرجة رجاله في الضبط.
ومثال المرفوع من القول أن يقول الصحابي: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول
(1)" التوضيح ": 1/ 254.
كذا، أو حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، أو يقول هو أو غيره: قال رسول الله كذا، أو عن رسول الله أنه قال كذا، أو نحو ذلك.
ومثال المرفوع من الفعل أن يقول الصحابي: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل كذا، أو يقول هو أو غيره: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل كذا.
ومثال المرفوع من التقرير أن يقول الصحابي: فَعَلْتُ بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم كذا، أو يقول هو أو غيره: فعل فلان بحضرة النبي كذا، ولا يذكر إنكاره لذلك (1).
ويلاحظ أن المرفوع يُنْظَرُ فيه إلى حل المتن مع قطع النظر عن الإسناد، فكل ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم كان مرفوعًا (2). والقول والفعل والتقرير كلها صالحة لأن تسمى «متن الحديث» ، إذ لا علاقة بينها وبين الإسناد حين ينظر إليها لذاتها.
أما المسند فهو - على المعتمد - ما اتصل إسناده من راويه إلى منتهاه، مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم (3). إلا أن الخطيب يشترط الرفع اشتراطًا أغلبيًا فيقول: «وَصْفُهُمْ لِلْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مُسْنَدٌ ، يُرِيدُونَ أَنَّ إِسْنَادَهُ مُتَّصِلٌ بَيْنَ رَاوِيهِ وَبَيْنَ مَنْ أَسْنَدَ عَنْهُ ، إِلَاّ أَنَّ أَكْثَرَ اسْتِعْمَالِهِمْ هَذِهِ العِبَارَةَ هُوَ فِيمَا أُسْنِدَ عَنِ النَّبِيِّ
(1) هذه الأمثلة الثلاثة ذكرها الحافظ ابن حجر في " شرح النخبة ": ص 26، وهي عنده من النوع الذي انتهى لفظه إلى النبي صلى الله عليه وسلم تصريحًا. وهو يتبعها بأمثلة ثلاثة لما رفع إلى النبي حُكْمًا من قول أو فعل أو تقرير (27 - 28) وأكثر هذه الأمثلة يرد إلى ما ذكرناه في الموقوف فلم نجد موجبًا لإعادة القول فيه.
(2)
" التوضيح ": 1/ 259.
(3)
قارن " قواعد التحديث ": ص 104 بـ " التوضيح ": 1/ 258
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ خَاصَّةً ، وَاتِّصَالُ الإِسْنَادِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ رُوَاتِهِ سَمِعَهُ مِمَّنْ فَوْقَهُ ، حَتَّى يَنْتَهِيَ ذَلِكَ إِلَى آخِرِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُبَيَّنْ فِيهِ السَّمَاعُ بَلِ اقْتَصَرَ عَلَى العَنْعَنَةِ» (1). والمسند، على الأرجح، لا يرادف المرفوع وإن كان لا بد من شرط الرفع فيه: فقد رأينا إمكان الانقطاع في إسناد المرفوع، إذ يتجه النظر فيه إلى حال متنه فقط، فلا يكون كل مرفوع مُسْنَدًا. على حين يجمع المسند شَرْطَيْ الاتصال والرفع، إذُ ينظر فيه إلى الإسناد والمتن فكل مسند متصل لاتصال سنده إلى منتهاه، وكل مسند مرفوع لانتهاء متنه إلى النبي عليه السلام (2). ولذلك رأى الحاكم أن المسند لا يستعمل إلا في المرفوع المتصل (3)، وذكر من شرائطه ألا يكون موقوفًا، ولا مرسلاً، ولا معضلاً، ولا في روايته مدلس (4)، وألا يكون في إسناده «أُخْبِرْتُ عَنْ فُلَانٍ» ، ولا «حُدِّثْتُ عَنْ فُلَانٍ» ولا «بَلَغَنِي عَنْ فُلَانٍ» ، ولا «رَفَعَهُ فُلَانٌ» ، ولا «أَظُنُّهُ مَرْفُوعًا» ، وغير ذلك مما يفسد به (5).
وما أكثر الأمثلة التي يمكن الاستشهاد بها على المسند، كما عرفناه وفسرناه.
وقد ذكر الحاكم مثلاً منها ضربه لألوف من الحديث يستدل به على جملتها فقال: «[ذَلِكَ] مَا حَدَّثَنَاهُ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ السَّمَّاكِ، بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ مُكْرَمٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ
(1)" الكفاية ": ص 21.
(2)
قارن بـ " التوضيح ": 1/ 259.
(3)
" التدريب ": ص 60.
(4)
" معرفة علوم الحديث ": ص 18.
(5)
نفسه: ص 19.
اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ عَلَيْهِ فِي المَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، حَتَّى سَمِعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَخَرَجَ حَتَّى كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَتِهِ، فَقَالَ:[" يَا كَعْبُ، ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا "، وَأَشَارَ إِلَيْهِ أَيِ الشَّطْرَ]، فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَضَاهُ» (1)
…
ولابن عبد البر (3) رأي طريف في المسند يُسَوِّي به بينه وبين المرفوع، فهو عنده ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، متصلاً كان أم منقطعًا (4). ويمثل للمتصل منه بحديث يرويه مالك عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وللمنقطع منه بحديث مالك عن الزهري عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (5)، ويعقب ابن عبد البر على هذا الحديث الأخير بقوله:«فَهَذَا مُسْنَدٌ، لأَنَّهُ قَدْ أُسْنِدَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، لأَنَّ الزُّهْرِيَّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه» (6) ولكن هذا الرأي مخالف للمستفيض من عمل أئمة الحديث في
(1) نفسه: ص 17، 18.
(2)
نفسه: ص 19.
(3)
هو يوسف بن عبد الله بن عبد الصمد بن عبد البر النمري القرطبي، صاحب كتاب " الاستيعاب "، و" التمهيد "، و" جامع بيان العلم وفضله ". توفي سَنَةَ 463 هـ. (" شذرات الذهب ": 3/ 314).
(4)
قارن بـ " اختصار علوم الحديث ": ص 48.
(5)
" التدريب ": ص 60.
(6)
" التوضيح ": 1/ 258.
مقابلتهم بين المسند والمرسل، يقولون: أسنده فلان، وأرسله فلان (1).
والحق أن المسند لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الانقطاع والإرسال وما أشبههما، بل يجمع في آن واحد الرفع والاتصال. ومن الواضح أن الاتصال كالرفع، ليس كافيًا للحكم على الحديث بالصحة (2)، وإنما يكون صحيحًا إذا توافرت في رجاله شروط الضبط والحفظ على النحو الذي
شرحناه (3).
وأما المتصل أو الموصول فهو ما اتصل سنده سواء أكان مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أم موقوفًا على الصحابي أو من دونه (4). غير أن الخطيب يكاد يسوي بينه وبين المسند، فلا يرى الفرق بينهما إلا في غلبة الاستعمال (5)، إذ يغلب على المسند أن يكون فيما أسند عن النبي صلى الله عليه وسلم،فالرفع فيه ليس أكثر من شرط أغلبي. بيد أن هذا اصطلاح للخطيب خاص به كاصطلاحه في التسوية بين المرسل والمنقطع، فقد رأيناه لا يفرق بينهما إلا في غلبة الاستعمال أيضًا. وقد أخذنا في تعريف المسند بالرأي المعتمد الذي يلاحظ فيه اشتراط الرفع اشتراطًا حقيقيًا من كل وجه لا أغلبيًا.
ولا حاجة بنا إلى الاستشهاد على المتصل في حال الرفع، لأن أمثلة المرفوع تصلح له، فلا مسوغ للتكرار. وكذلك المتصل في حال الوقف تصلح له جميع
(1) نفسه: 1/ 258 أيضًا.
(2)
" معرفة علوم الحديث ": ص 19.
(3)
راجع بحث (الصحيح) من هذا الكتاب.
(4)
" اختصار علوم الحديث ": ص 48.
(5)
" التوضيح ": 1/ 155.
أمثلة الموقوف. وقد ضرب له ابن الصلاح مثلاً بما يرويه مالك عن نافع عن ابن عمر (1).
أما أقوال التابعين إذا اتصلت الأسانيد بهم فتسمى «متصلة مع التقييد» كقولهم: هذا متصل إلى سعيد بن المسيب. ولا يجوز تسميتها «متصلة مع الإطلاق» دون ذكر التابعي الذي انتهى إليه الإسناد، لأن ما ينتهي إلى التابعي يسمونه «المقطوع» ، ولا ريب أن المقطوع ضد الموصول لغة وذوقًا، فكرهوا في الاصطلاح أيضًا أن يطلقوا اسم الضد على ضده (2). ولعلنا، بهذا الاحتراز الدقيق، نفهم جَيِّدًا قول ابن الصلاح: " «وَحَيْثُ يُطْلَقُ المُتَّصِلُ يَقَعُ عَلَى المَرْفُوعِ وَالمَوْقُوفِ» (3) مع أننا لاحظنا في تعريف المتصل أنه قد يكون موقوفًا على من دون الصحابي، أي مقطوعا على التابعي.
• • •
وخلاصة القول في هذه الزمرة الثلاثية أن المرفوع قد يكون متصلاً وغير متصل، وأن المتصل قد يكون مرفوعًا وغير مرفوع، وأن السند أعم منهما كليهما، فهو في الوقت نفسه متصل ومرفوع (4)، وأنها جميعًا صالحة في ذاتها لأن تكون صحيحة أو حسنة أو ضعيفة تَبَعًا لحال رواتها.
(1)" التدريب ": ص 60.
(2)
" التوضيح ": 1/ 260 وانظر الهامش أيضًا، وقارن بـ " التدريب ": ص 60، 61.
(3)
" التوضيح ": 1/ 260.
(4)
قارن بـ " قواعد التحديث ": ص 104.