الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التابعين الذين أخذوا عنها فهم سعيد بن المسيب، وعلقمة بن قيس، ومسروق بن الأجدع، وعائشة بنت طلحة، وعمرة بنت عبد الرحمن وحفصة بنت سيرين. وهؤلاء النسوة الثلاث كن من فُضْلَيَاتِ تلميذاتها الفقيهات.
وحسبها شرفًا وفخرًا أن الله أنزل في شأنها قرآنًا بعد حادثة الإفك المشهورة، فَبَرَّأَهَا من افتراء الأفاكين، حتى قال فيها حسان بن ثابت بعد أن خاض في الإفك مع الخائضين:
حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ
…
وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الغَوَافِلِ
وكانت - مع ذلك - تغضب إذا مس أحد حسان بن ثابت بسوء، وتدافع عنه قائلة: أليس هو القائل:
فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي
…
لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ
كانت وفاتها عام 57هـ على الأصح، وصلى عليها أبو هريرة.
وأصح أسانيدها ما رواه يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن عمر بن حفص عن القاسم بن محمد عنها، وما رواه الزهري أو هشام بن عروة عن عروة بن الزبير عنها.
وأضعف أسانيدها ما يرويه الحارث بن شبل عن أم النعمان عنها (1).
5 - عبد الله بن عباس:
هو خامس الصحابة المكثرين من الرواية، يلي في ذلك السيدة
(1) انظر في ترجمة السيدة عائشة "الإصابة "، كتاب النساء رقم 701، و" طبقات ابن سعد ": 1/ 39، و" تاريخ الطبري ": 3/ 67، و" حلية الأولياء ": 2/ 43. واقرأ الكتاب القيم الذي ألفه الأستاذ سعيد الأفغاني عنها " عائشة والسياسة ".
عائشة، فقد روي له (1660) حَدِيثًا.
وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوه هو العباس بن عبد المطلب، وأمه هي أم الفضل لبابة بنت الحارث الهلالية، أخت أم المؤمنين ميمونة.
كان مولده قبل الهجرة بثلاث سنوات ودعا له عليه السلام بقوله: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ» ، فاستجاب الله دعاء نبيه، فاشتهر ابن عباس بالعلم الغزير، والفقه الدقيق، حتى صارت تشد إليه الرحال للفتوى والرواية، وظل يفتي الناس بعد عبد الله بن مسعود نَحْوًا من خمس وثلاثين سَنَةً. وفيه يقول عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة:«مَا رَأَيْتُ أحدًا أَعْلَمَ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَا سَبَقَهُ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَضَاءِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَلَا أَفْقَهَ مِنْهُ، وَلَا أَعْلَمَ بِتَفْسِيرِ القُرْآنِ، وَبِالعَرَبِيَّةِ وَالشِّعْرِ وَالحِسَابِ وَالفَرَائِضِ. وَكَانَ يَجْلِسُ يَوْمًا لِلْفِقْهِ، وَيَوْمًا لِلْتَّأْوِيلِ، وَيَوْمًا لِلْمَغَازِي، وَيَوْمًا لِلْشِّعْرِ، وَيَوْمًا لأَيَّامِ العَرَبِ. وَمَا رَأَيْتُ قََطُّ عَالِمًا جَلَسَ إِلَيْهِ إِلَاّ خَضَعَ لَهُ، وَلَا سَائِلاً سَأَلَهُ إِلَاّ وَجَدَ عِنْدَهُ عِلْمًا» .
ذكر النسائي أن أصح أسانيده في الحديث ما رواه الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس، وأضعفها ما يرويه (محمد بن مروان السُدِّيُّ الصغير عن الكلبي عن أبي صالح، وهذه تسمى «سِلْسِلَةَ الكَذِبِ»).
لَقَّبَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجمان القرآن، وقال الناس في تفسيره:«لَوْ سَمِعَهُ أَهْلُ الرُّومِ وَالدَّيْلَمِ لأَسْلَمُوا» . إلا أن الناس تزيدوا عنه في الرواية، وَنَبَّهَ العلماء على أن أوهى طرقه في التفسير هي بالدرجة الأولى «سِلْسِلَةَ الكَذِبِ» التي أشار النسائي إليها، ثم بالدرجة الثانية طريق
الضحاك بن مُزاحم، وهي منقطعة لأنه لم ير ابن عباس. وهذا السند إذا رواه جُوَيْبِرُ البَلْخِيُّ عَنْ الضَحَّاكِ زاد ضعفًا.
أما طرقه الجيدة في التفسير فهي:
أولاً: طريق علي بن أبي طلحة الهاشمي، وقد اعتمد البخاري هذه الطريق فيما يعلقه عن ابن عباس. وكانت نسخة التفسير المروية عن ابن عباس بهذه الطريق عند أبي صالح كاتب الليث بمصر، يرويها عن علي بن أبي طلحة معاوية بن صالح، ويرويها عن معاوية كَاتِبُ الليث، وفيها يَقُولُ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ:«بِمِصْرَ صَحِيفَةٌ فِي التَّفْسِيرِ، رَوَاهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ لَوْ رَحَلَ رَجُلٌ فِيهَا إِلَى مِصْرَ قَاصِدًا مَا كَانَ كَثِيرًا» .
ويظهر أن علي بن أبي طلحة لم يسمع هذه الصحيفة من ابن عباس مباشرة، وإنما سمعها من مجاهد أو ابن جُبير، وكلاهما ثقة، فكان ابن طلحة أخذها عن ابن عباس نفسه.
ثانيًا: طريق قيس عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جُبَيْرٍ عنه. وهذه الطريق على شرط الشيخين. وبها خَرَّجَ الحاكم النيسابوري عَدَدًا من الأحاديث في " مستدركه ".
ثالثًا: طريق ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت عن عكرمة أو ابن جبير عنه. وبهذه الطريق أخرج ابن جرير الطبري كثيرًا من الروايات في " تفسيره ".
سئل ابن عباس: بِمَ نِلْتَ العِلْمَ؟ فَقَالَ: «بِلِسَانٍ سَؤُولٍ، وَقَلْبٍ عَقُولٍ» . ولذلك كانت معرفته للغة القرآن تتجاوز القضايا الدينية والتشريعية إلى الإحاطة بلغة العرب، والاستشهاد على أسلوب القرآن بما كان شَائِعًا من التعبير العربى الجاهلي الصميم. روي أن نافع بن