الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يعنينا منها كتابه المسمى " التاريخ الكبير " الذي رتبه على أخبار السنين وأحداثها وأفاد منه الطبري كثيرًا في " تاريخه "، وكان آخر ما اقتبس منه حوادث سنة 179 هـ، ولا كتابه في " الردة " الذي سرد فيه أخبار المرتدين عن الإسلام بعد وفاة الرسول، ولا كتابه المشهور " المغازي " الذي لم يصح له من تصانيفه سواه ولم يصل إلينا أيضًا سواه، وإنما يعنينا كتابه الذي لم يصلنا، وهو كتاب " الطبقات " الذي ذكر فيه سير الصحابة والتابعين على حسب طبقاتهم، ووصف أخبارهم في العصرين الإسلامي والأموي بوجه خاص، وَعَوَّلَ فيما ذكره من أخبارهم على نحو خمسة وعشرين شيخًا أكثرهم من أهل المدينة دَارَ السُنَّةِ وبلد الرواية الصحيحة، وكان هؤلاء الرواة هم الذين أخذ عنهم مغازيه أيضًا كما ذكر في أوائل كتابه " المغازي ": ذلك بأن هذه " الطبقات "- وإن لم تصل إلينا بالصورة التي وضعها مؤلفها - بلغتنا على نحو أدق وأصفى فيما نقله التلميذ عن الشيخ، وما كان التلميذ ها هنا إلا محمد بن سعد بن منيع صاحب " طبقاتنا " هذه.
بَيْنَ الشَّيْخِ وَالتِّلْمِيذِ:
لقد جَرَّحَ بعض نقاد الحديث الواقدي الشيخ، واتهموه بالتساهل أحيانًا وبتركيب الأحاديث أحيانًا أخرى، - قال الإمام أحمد بن حنبل:«الوَاقِدِيُّ يُرَكِّبُ الأَسَانِيدَ» وقال يحيى بن معين: «أَغْرَبَ الوَاقِدِيُّ عَلَى رَسُولِ اللهِ عِشْرِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ» . وقالوا أيضًا: إنه كان يجمع الأسانيد المختلفة ويجيء بالمتن واحدًا، مع أن جزءًا من المتن لراو معين وجزءًا آخر لراو آخر، وقالوا، إنه كان يأخذ من الصحف
والكتب والكراريس، وهم لا يحبون للراوي أن يروي إلا ما سمعه بأذنه مخافة التحريف والتصحيف، وحسن الظن به بعضهم الآخر كالإمام مالك بن أنس الذي كان يفضل روايته على ابن إسحاق، وكأبي عبيد القاسم بن سلام، وكالإمام الشافعي، ولكن جمهرة المحدثين على التردد في أمره ولا سيما لما عرفوه عنه من شدة اتصاله بالعباسيين حتى تلاعب ببعض الأخبار جريًا مع هواه لبني العباس، فحذف اسم العباس عم النبي من قائمة الأسرى الذين وقعوا يوم بدر في أيدي المسلمين، كأنه عز عليه - وهو العباسي الهوى - أَنْ يُؤْسَرَ عَمُّ النَّبِيِّ الكَرِيمِ. لكن هذا التردد في قبول أخبار الرجل لم يكن له فيما يتعلق بابن سعد خاصة إلا أَصْدَاءٌ خِفَافٌ، فإن أكثرهم قالوا - كما أسلفنا -:«ثِقَةٌ مَعَ أَنَّ أُسْتَاذَهُ ضَعِيفٌ» .
إن ابن سعد - كما قال ابن النديم بحق - «أَلَّفَ كُتُبَهُ مِنْ تَصْنِيفَاتِ الوَاقِدِيِّ» ، فإنه لا يكاد ينسى في طبقة ترجم لها أو باب عقده لغزوة من غزوات النبي اسم شيخه الواقدي في سلسلة الإسناد، بيد أنه - رغم ذكره إياه - يغربل الرواية التي يذكرها له، أو يعضدها برواية أخرى لغيره من المشتغلين بالأنساب والمغازي والفتوح، فهو مثلاً حين يتحدث عن الوفود التي وفدت على الرسول لا يكتفي برواية شيخه الواقدي بل يضع إلى جانب اسمه هشام بن محمد بن السائب الكلبي. وربما اتفق له أن يجدد بعض الفصول التي لم يجد لشيخه فيها رواية، كمباحثه في كنية رسول الله، وما كان رسول الله يَعُوذُ بِهِ وَيُعَوِّذُهُ بِهِ جبريل، وأنساب الجاهليين وسير الأنبياء والأمم السابقة التي اتضح أن الواقدي لم يكن يحتفل بأمرها كثيرًا.