الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و - 14 و 15 - المُتَابِعُ وَالشَّاهِدُ:
لا يرى بعض المحدثين بأسًا في إطلاق المتابع على الشاهد، والشاهد على المتابع (1)، ففي كل منهما ضرب من تعزيز الفرد النسبي «الغريب» . وذلك لا يعني ترادف الاصطلاحين، فإن بينهما فَرْقًا دَقِيقًا تتباين آراء العلماء في تحديده.
وقد بدا لنا - من خلال الأقوال والأمثلة المحفوظة في هذا الباب - أن الشاهد أعم من المتابع، فهو يشهد للمعنى تارة وللفظ والمعنى كليهما تارة أخرى، على حين تختص المتابعة باللفظ ولا تتعداه إلى المعنى (2).
ويمكننا الآن - في ضوء هذا التمايز الأساسي - أَنْ نُعَرِّفَ المتابع بأنه ما وافق رَاوِيَهُ رَاوٍ آخَرَ، ممن يصلح أن يُخَرَّجَ حديثه، فرواه عن شيخه أو من فوقه بلفظ مقارب (3)، وَنُعَرِّفَ الشَّاهِدَ بأنه ما وافق رَاوٍ رَاوِيَهُ عن صحابي آخر بمتن يشبهه في اللفظ والمعنى جميعًا، أو في المعنى ففط (4).
والمتابع على قسمن: تام وقاصر، والشاهد على نوعين: لفظي ومعنوي.
فالمتابع التام ما جاءت المتابعة فيه للراوي نفسه، ومثاله ما رواه الشافعي في " الأم " عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ، فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الهِلَالَ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا العِدَّةَ ثَلَاثِينَ» ، فهذا الحديث بهذا اللفظ ظن
(1)" شرح النخبة ": ص 15، وعنه في " التدريب ": ص 85.
(2)
" التدريب ": ص 85.
(3)
قارن بـ " قواعد التحديث ": ص 109.
(4)
" شرح النخبة ": ص 15.
قوم أن الشافعي تفرد به عن مالك فَعَدُّوهُ في غرائبه، لأن أصحاب مالك رَوَوْهُ بهذا الإسناد بلفظ:«فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» ، لكن العلماء وجدوا للشافعي مُتَابِعًا وهو عبد الله بن مسلمة القعنبي (*). كذلك أخرجه البخاري عنه عن مالك (1).
والمتابع القاصر، ما كانت المتابعة فيه لشيخ الراوي فمن فوقه. ومثاله في الحديث الذي تقدم ما ورد في " صحيح ابن خزيمة " من رواية عاصم بن محمد عن أبيه محمد بن زيد عن جده عبد اللَه بن عمر بلفظ:«فكَمِّلوا ثلاثينَ» ، وفي " صحيح مسلم " من رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر بلفظ «فَاقْدِرُوا ثَلَاثِينَ» (2).
والشاهد اللفظي هو الذي يُعَزِّزُ معنى الحديث لفظًا. ومثاله في الحديث الذي قدمناه ما رواه النسائي من رواية محمد بن حنين عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر سواء (3).
والشاهد المعنوى هو الذي يُعَزِّزُ معنى الحديث لا لفظه، ومثاله في الحديث السابق نفسه ما رواه " البخاري " من طريق محمد بن زياد عن أبي هريرة بلفظ:«فَإِنْ غُمَّ (**) عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ» (4).
وهكذا صلح حديث «رُؤْيَةُ الهِلَالِ» مثالاً للمتابعة التامة، والمتابعة الناقصة، والشاهد باللفظ، والشاهد بالمعنى (5).
(1)" شرح النخبة ": ص 14.
(2)
قارن " التوضيح ": 2/ 14 بـ " شرح النخبة ": ص 14.
(3)
" التدريب ": ص 86.
(4)
" شرح النخبة ": ص 15.
(5)
" التوضيح ": 2/ 15.
----------------------
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) انظر " الموطأ " للإمام مالك برواية القعنبي، تحقيق الدكتور عبد المجيد التركي:(6) كِتَابُ الصِّيَامِ. بَابُ مَا جَاءَ فِي الهِلَالِ لِلْفِطْرِ وَالصِّيَامِ، حديث رقم 471، ص 319، الطبعة الأولى، نشر دار الغرب الإسلامي. بيروت - لبنان.
(**) في رواية البخاري «فَإِنْ (غُبِّيَ) عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ» ، انظر " الجامع الصحيح " للإمام البخاري:(30) كِتَابُ الصَّوْمِ (11) بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا رَأَيْتُمُ الهِلَالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا» ، حديث رقم 1909 (" فتح الباري " 4/ 119، تحقيق وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، طبعة سَنَةَ 1379 هـ، نشر دار المعرفة - بيروت).
ومن المألوف في كتب مصطلح الحديث أن يذكر الاعتبار إلى جانب المتابع والشاهد، فيظن القارئ العادي أنها أنواع ثلاثة. والحق أن الاعتبار ليس أكثر من وسيلة لمعرفة المتابع والشاهد. قال السيوطي في ألفيته:
الاِعْتِبَارُ سَبْرُ مَا يَرْوِيهِ
…
هَلْ شَارَكَ الرَّاوِي سِوَاهُ فِيهِ (1).
ونقاد الحديث لا يتشددون في الشواهد والمتابعات تشددهم في الأصول، فيغتفرون فيها من الرواية عن الضعيف القريب الضعف ما لا يغتفرون في الأصول، وربما وقع في " الصحيحين " شيء من ذلك. ولهذا يقول الدارقطني وأمثاله من النقاد في بعض الضعفاء:«هَذَا يَصْلُحُ لِلاِعْتِبَارِ» و «هَذَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يُعْتَبَرَ بِهِ» (3).
ومتى وُصِفَ الضعيف بأنه «مَتْرُوكَ الحَدِيثِ» فهو لا يصلح للاعتبار. مثاله حديث «أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا» ، فقد رواه الترمذي من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:«غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ بِهَذَا الإِسْنَادِ إِلَاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ» . فأوضح السيوطي عبارة
(1)" ألفية السيوطي ": ص 104، البيت 204.
(2)
" نزهة النظر ": ص 23، وقارن بـ " التوضيح ": 2/ 11، 12.
(3)
" اختصار علوم الحديث ": ص 64.