الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَيَظُنُّ النَّاسُ أَنِّي قَدْ سَمِعْتُهُ مِنْهُ "» (1). وكانت عبارة شُعبة بن الحجاج (2) أشد في ذلك وأعنف حين قال: «لأَنْ أَزْنِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُولَ: (قَالَ فُلَانٌ)، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ!» (3).
ونعود مرة أخرى لِنُؤَكِّدَ أن جميع هذه الألفاظ عند علماء اللسان عبارة عن التحديث، وأنها في الأصل مثل (سَمعت فلانا قال: سمعت فلانا)، وإنما الخلاف فيها بين نُقَّادِ الحديث في استعمالها من جهة العرف والعادة (4).
ثَانِيًا: القِرَاءَةُ:
لا حاجة بنا إلى تعريف القراءة، فمن الواضح أن حقيقتها المستمدة من لفظها هي قراءة التلميذ على الشيخ حِفْظًا من قلبه أو من كتاب ينظر فيه (5). وإذ كان التلميذ يعرض بهذا النوع من التَحَمُّلِ قراءته على الشيخ، سميت القراءة عَرْضًا لدى كثير من المُحَدِّثِينَ (6).
وإذا لم يقرأ التلميذ من حفظه أو من كتاب بين يديه، وإنما سمع غيره يقرأ على الشيخ، فإنه يشترط في شيخه حِينَئِذٍ أن يكون حافظًا لهذا المقروء عليه، أو مُتَمَكِّنًا من مقابلته على أصله الصحيح إن لزم الرجوع إلى هذا الأصل بأيدي تلامذته الآخرين الثقات الضابطين، أو واحد منهم على الأقل (7). والقراءة
(1)" الكفاية ": ص 290.
(2)
سبقت ترجمته.
(3)
" الكفاية ": ص 210.
(4)
" الكفاية ": ص 288.
(5)
" التدريب ": ص 131.
(6)
" التدريب ": ص 130.
(7)
" الباعث الحثيث ": ص 123.
من الكتاب أفضل، لأن العرض به أوثق من الحفظ وآمن. ولذلك يقول الحافظ ابن حجر (1):«يَنْبَغِي تَرْجِيحَ الإِمْسَاكِ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا عَلَى الحِفْظِ لأَنَّهُ خَوَّانٌ» (2) وغني عن البيان أنه يريد بـ «الإِمْسَاكِ» هنا إمساك الأصل المكتوب.
والرأي المختار أن القراءة دون السماع، فهي تليها في الدرجة الثانية (3)، لكن بعضهم يذهب إلى مساواتها للسماع (4)، وهؤلاء لا يرون بَأْسًا أن يقول التلميذ الذي قرأ على الشيخ عندما يريد أن يُؤَدِّي إلى غيره الرواية عنه: سمعت (مُطْلَقًا) من غير تقييدها بقوله: قراءة الشيخ (5).
ويبالغ بعض المُحَدِّثِينَ في شأن القراءة فَيُقَدِّمَهَا عَلَى السَّمَاعِ (6).
وعلى الرأي الصحيح المختار أن للتلميذ عند أداء روايته أن يقول إن قرأ بنفسه: «قَرَأْتُ عَلَى الشَّيْخِ وَهُوَ يَسْمَعُ» وإن كان القارئ سواه: «قُرِئَ
(1) ابن حجر العسقلاني هو شيخ الإسلام أحمد بن علي بن محمد بن علي شهاب الدين أبو الفضل، من أئمة الحديث وحفاظه. وهو عسقلاني الأصل، منسوب إلى آل حجر، كثير التصانيف، تُوُفِّيَ سَنَةَ 852 هـ (" الرسالة المستطرفة ": ص 121، 122).
(2)
" التدريب ": ص 131.
(3)
وهو رأي جمهور أهل المشرق. (" التقريب ": ص 132).
(4)
وهو رأي الإمام مالك وأصحابه وأشياخه من علماء المدينة ومعظم علماء الحجاز والكوفة. وهو كذلك رأي الإمام البخاري (" التقريب ": ص 132)
(5)
" اختصار علوم الحديث: ص 124.
(6)
وقد حُكِيَ هذا القول عن كثير من العلماء منهم أبو حنيفة وابن أبي ذئب. روى البيهقي في " المدخل " عَنْ مَكِّيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: «كَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ الأَسْوَدِ، وَحَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَطَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو، وَمَالِكٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، [وَهِشَامٌ]، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، وَالْمُثَنَّى بْنُ الصَبَاحِ يَقُولُونَ: " قِرَاءَتُكَ عَلَى الْعَالِمِ خَيْرٌ مِنْ قِرَاءَةِ الْعَالِمِ عَلَيْكَ "» ذكره في " التدريب ": ص 132.